منكيش الجمال والعطاء / الحلقة السادسة/ الاستعمال السكني
الدكتور عبدالله مرقس رابي
منكيش الجمال والعطاء
ألحلقة ألسادسة/ الاستعمال السكني
خاص/ مانكيش.كوم
الدكتور عبدالله مرقس رابي
استاذ وباحث اكاديمي
تشير البيئة الأيكولوجية الى إستعمال الانسان للارض وتسخيرها في نشاطاته المختلفة ،فمن المعروف ان التجمعات السكانية القروية تمتاز بإستعملات بسيطة للارض بحيث لا تتجاوز الاغراض االسكنية ،فالارض تسخر لأجل الزراعة والرعي بالدرجة الاساس. بينما التقدم التكنولوجي وانتشار عوامل التحديث من الصناعة والتعليم والاعلام والمواصلات ووسائل النقل المختلفة في المجتمع ، لم يكن تاثيرها في المدينة فحسب بل تعدى الى المناطق القروية فتحول الكثير منها الى مدن صغيرة أو التحقت بالمدن الكبرى التي امتدت اليها بفعل التوسع الحضري .
كانت من بين هذه القرى قريتنا منكيش التي هي الاخرى تأثرت كغيرها من القرى العراقية في بيئتها الايكولوجية ،حيث مرت بعدة مراحل تطويرية ،فقبل 1920 كانت قرية تقليدية انعدمت فيها المؤسسات الحكومية وكان الضبط الاجتماعي والامني معتمداً على المختار والهيئة الاختيارية، بالاضافة الى القيم التي تحدد سلوك الفرد لكي يساير الأعراف والتقاليد السائدة بين ابنائها. وبعد استحداثها كمركز ناحية في العام المذكور ، لم يتغير شيئا فيها الا وجود بعض المؤسسات الحكومية مثل الناحية والبلدية والمدرسة الابتدائية ومركز الشرطة والمستوصف، واصبح الضبط الاجتماعي الرسمي سائداً الى جانب الضبط الاجتماعي القيمي . وتغيرت معالمها قليلا بعد انشاء طريق منكيش – دهوك في الخمسينات من القرن الماضي فبدأت عوامل التحديث بالدخول اليها فظهر توسع ملحوظ في القرية ،فبدلا من توزيع المؤسسات المستحدثة على دور القرية، خصصت الدولة مبالغ لبنائها مما ادت العملية الى توسع ملحوظ في مساحة القرية.
ظل الركود الاقتصادي والحراك الاجتماعي تقليدياً وبطيئاً بسبب الظروف الامنية التي سادت المنطقة بعد الثورة الكوردية في عام 1962 فلم يتغير شيئا من الناحية الايكولوجية الى سنة 1970 حيث صدّرت الدولة بيان 11 آذار الذي كان بمثابة معاهدة السلام بين الحكومة المركزية والاكراد ،فاستتب الامن في المنطقة وخصصت الاموال للتنمية فظهرت على اثرها مباني جديدة في منكيش ، والمرحلة الاخيرة هي التي ابتدأت بعد 1991 حيث انفصل اقليم كوردستان عن الحكومة المركزية في الادارة وظهر شبه استقلال لحكومة الاقليم ،واصبحت المنطقة اكثر امناً من مناطق العراق الاخرى وعليه نجد حدوث تنمية ايكولوجية في منكيش .
وفيما يأتي التغيرات الايكولوجية التي ظهرت في منكيش بشيء من التفصيل:
الاستعمال السكني للارض
تحددت مورفولوجية القرية (شكل القرية) القديمة بفعل العوامل الطبيعية السائدة في المنطقة الجبلية ، فهي تشكل مثلث قاعدته في الشمال ورأسه في الجنوب ،وكونت دورها مصطبات على منحدر ،وتطل على وادي يجري فيه نهر موسمي ،ويشتمل كل مدرج على مجمعات سكنية تفصلها طرق مختلفة الاطوال تبدأ من الشرق وتنهي الى الغرب افقيا،ونقاطعها طرق اخرى تبدأ من الشمال باتجاه الجنوب ،وهي طرق غير منتظمة هندسيا ،وانما كانت تتشكل عشوائيا لبناء الدور بشكل عشوائي كما كانت الطريقة سائدة في تلك المرحلة عالميا في المدن والقرى. كما هو واضح في الخريطة رقم (1) ادناه.
اشتملت القرية القديمة قبل عام 1920 على (230) داراً سكنياً ،تتوسطها كنيسة واحدة باسم كنيسة مار كوركيس، ولم تكن القرية مسوّرة بسور يذكر على مدى التاريخ ،وكان للعامل الامني دورا مهما في بناء الدور متلاصقة مع بعضها ،وكذلك لعب دور القرابة دورا مهما في تحديد مواقع الدور السكنية ،اذ يلاحظ ان دور الاقرباء متلاصقة مع بعضها ،فمثلا دور آل تبو تمتد وهي متلاصقة على زقاق واحد في جنوب القرية ،وكذلك بيوت آل نازي متلاصقة وان لم تكن كلها ولكن قريبة عن بعضها في غرب القرية ،وكذلك آل مقدو وآل بفرو وآل رابي كلها متلاصقة أو قريبة عن بعضها ، وآل داوذ التي تنتشر في شمال القرية وآل صارا وغيرها. وبمرور الزمن كان حجم العائلة يكبر ويضايقهم المكان عندما يتزوج الابناء، فتلجأ الاسر الجديدة الى مكان آخر،بحيث توجد دور لعشيرة واحدة في اكثر من مكان،فمثلا ما هو عند آل قلو وآل تبو وآل مرخو وآل خنجرو وآل موكا وغيرهم وغالبا ما كان يدعى الزقاق للتعريف به باسم العشيرة التي تسكن حوله مثل زقاق مقدو وتبو وعرف محليا (أَلولا).
وكانت الدور كما قلنا متلاصقة مع بعضها حيث بامكان الشخص الانتقال الى مجموعة كبيرة من الدور من فوق السطح . وتفصل المجمعات السكنية طريق بعرض يتراوح من متر واحد الى ثلاثة امتار أحيانا ،وتركت هذه المسافة لتسهيل مرور الحيوانات المحملة بالحطب أو الجوالق الممتلئة بالح*بو-ب أو التبن ،حيث انها تحتاج الى مساحة كبيرة نسبيا. وكانت هذه الطرقات على وضعيتها الطبيعية غير مبلطة ،ولم تجر عليها اية تسوية حجرية أو ترابية الى عام 1970 ،اذ خصصت الدولة مبلغاً لتبليطها بالكونكريت ،فاشتملت المرحلة الاولى معظم طرقات البلدة ،ثم في المرحلة الثانية شمل التبليط كل الطرقات ،فتخلص الأهالي من مشكلة الطين في الشتاء والتربة في الصيف ،ولكن إستحدَثَت مشكلة اخرى غيرهما هي الانجماد في فصل الشتاء عند سقوط الثلوج وانخفاض درجات الحرارة الى اقل من الصفرالمئوي.
أصبح بإمكان المركبات الصغيرة المرور من معظمها ،وظهرت شوارع اخرى مبلطة خارج القرية القديمة لتشق الاحياء الجديدة ،وكانت منتظمة هندسيا، والتي بدأت الدولة ببنائها بعد عام 1975 فاستحدثت احياء تدريجيا مثل حي الشرطة والادارة المحلية وحي البعث، وأما المحلات في القرية القديمة عرفت من قبل اهل منكيش بالمحلات الفوقانية (محلِه لْيْثا) والتحتانية (محلِه خْتْيْثا) ومحلة السوق (محلِه دْشْوقا)، والمحلة الغربية عرفت بمحلة (أرا دأيتا ) لوجود ارض وقف للكنيسة فيها وقد تم بيعها للاهالي فيما بعد وتم البناء فيها، ولكن بعد تعداد سنة 1977 سمّتها البلدية هذه المحلات، السراي و17 تموز و7 نيسان على التوالي.
وأما بعد سنة 1993 توسعت منكيش كثيرا عن ذي قبل فاصبح عدد البيوت المبنية خارج حدود منكيش القديمة 180 دارا ،وأما تلك التي تم بناؤها من قبل المجلس الشعبي 190 دارا، بينما وصل عدد البيوت المبنية من قبل الدولة أو الاهالي انفسهم 180 دارا وبهذا يصبح عدد دور منكيش الكلي 620 دارا، وان العلاقات الواسعة التي يؤديها المختار حنا كلو مع المسؤولين والمتنفذين في المنطقة كان لها الاثر الكبير في التوسع العمراني لبلدة منكيش في السنوات الاخيرة ،وعرفت في وقتنا الحاضر محلتان وهما منكيش الجديدة ومحلة خبات. ويلاحظ من الخريطة رقم( 2 ) أدناه ، مدى التوسع العمراني بعد عام 1991 وليومنا هذا ،ولكن مما يؤسف عليه هو امتداد هذه الدور لتغطي وتكتسح البساتين التي كانت محيطة بقرية منكيش القديمة، مما كان يتطلب في هذا التوسع الاعتماد على الاسس العلمية للتوسع العمراني بدلا من الاعتماد على امزجة شخصية مما اضفت على البلدة الجميلة منظرا مغايرا عن ذي قبل .
خريطة رقم 1 تشير الى العمران وطرقات منكيش لسنة 1991
خريطة رقم 2 تشير الى امتداد العمران في منكيش بعد عام 1991 ولغاية يومنا هذا
ملاحظة : اقدم شكري وتقديري الى جناب مدير ناحية منكيش الاستاذ الند كوكا لتفضله بتزويدنا بالمعلومات المطلوبة عن بلدتنا العزيزة منكيش
..