مقالات عن مانكيش

منكيش الجمال والعطاء /منكيش في الفترة النسطورية ودخول الكثلكة/الحلقة 11

الدكتور عبدالله مرقس رابي
منكيش الجمال والعطاء
منكيش في الفترة النسطورية ودخول الكثلكة /الحلقة 11
الدكتور عبدالله مرقس رابي
استاذ وباحث أكاديمي
تبين من الحلقة السابقة كيف أن الجهات الاربعة من منطقة ناحية الدوسكي ،وبالاخص حول منكيش القرية كانت مكتظة بالقرى الصغيرة والاديرة والقلايات الرهبانية في الجبال ـوبدأ جليا أن المسيحية قد انتشرت هنا منذ القرون الاولى وعلى يد رسل السيد المسيح ،وأخص بالذكر مارتوما الرسول . ووفقا للمصادر الكنسية فان الايمان العقائدي كان واحدا في الكنيسة الا أن في القرن الخامس عشر بدأ المذهب النسطوري،تحديدا عام 484 م بعد انعقاد مجمع ( بيث لاباط ) فاصبحت التعاليم النسطورية هي الرسمية في كافة أبرشيات الكنيسة الشرقية ما عدا تكريت وكان أحد اسباب القيام بهذا الاجراء هو احباط ووقف المد المونفيستية في الكنيسة .
فاذا منكيش قد تأثرت هي والمناطق المحيطة بتلك التطورات الدينية ، ولكن ليس لدينا معلومات تثبت تماما متى دخلت النسطورية اليها .لانه بعد دخول الكثلكة الى منكيش في الازمنة الاخيرة فقدت معظم الكتب النفيسة ،وعليه فان الكثير من المؤشرات والدلائل التاريخية التي تزودنا بمعلومات عن تاريخها أبان النسطورية قد فقدت ،لدرجة أصبح الاكليروس الذي ظهر في تلك الفترة في عداد المفقودين ولا نعلم شيئا عنه ، ماعدا القس( خوشابا )الذي سميت عائلة قاشا نسبة اليه ،أذ يعتقد المعمرون أنه كان آخر قس نسطوري وكان موجودا عندما بدأت الكثلكة بالانتشار في منكيش ، والنسطورية انتهت فيها أوائل القرن التاسع عشر أي مدة لا تتجاوز (200 ) سنة .
بينما يحتمل أن يكون الطوباوي (قفريانوس ) من (بيت مكوشي ) التي شُيدت على آثارها منكيش الحالية ،وهو الذي اشار اليه (توما المرجي في كتابه ( الرؤساء ) ،لكن لم يحدد مرجي الزمان الذي عاش فيه قفريانوس بدقة – بينما يشير الاب ( البير أـبونا ) مترجم الكتاب الى العربية في الهامش اعتماده على أن حوادث حياة قفريانوس جرت في فترة أشد مراحل الخصام بين النساطرة والارثذودكسيين ،أي منذ بداية القرن السادس الميلادي .
وقد تلقى هذا الطوباوي علومه الدينية في مدرسة ( مقبثا ) وكانت في غاية الازدهار آنذاك ،فأختار لنفسه طريق الروح ،وأن يسير في سبل النسك ، وبعدها مضى الى اورشليم لزيارة البلاد المقدسة .وتابع مسيره الى جبل سيناء ثم الى احدى الجزر في بلاد اليونان ،حيث الهدوء التام ،فامضى اربعين سنة هناك .وظهر له ملاك الرب في رؤيا وأمره أن يرجع دون تأخير الى بلاده ويشيد ديراً للرهبان في حدود قريته وأن يكون أبا ومدبراً لهم .وعندما رجع وجد قريته (بيت مكوشي ) قد خربت قبل مجيئه اليها .ورحل الى القرب من قرية ( صورا ) الحالية في (مركا ) وبنى ديره المعروف بدير ( قفريانوس ).وقد ظهرت على يده عجائب متعددة ،فأشفى المرضى والصرع ,وأبصر العميان وعالج المشلولين والامراض الخبيثة. -وردت تفاصيل حياته في كتاب توما المرجي ، الرؤساء ص-268- 274 –
ولابد الذكر هنا بان الاب (البير أبونا ) يشير في الهامش رقم – 1 – من ترجمته لكتاب – الرؤساء – لتوما المرجي –الى :أننا لا نعرف موقع قرية ( بيت مكوشي ) التي ولد فيها الطوباوي ( قفريانوس )بالتأكيد ، الا انها في منطقة (بيرتا ) أي في ( مركا ) الغربية ،وهذا مايميزها عن (بيت مكوشي ) أخرى تدعى منكيش الان . اعتقد أن الاب البير أبونا قد اخفق هنا تماما في هذا الاستنتاج مثل العديد من أخفاقاته في كتبه التاريخية الكنسية لانها تفتقد الى المنهجية .وذلك نتساءل أذا لم يعرف الاب البير موقعها بالضبط كما يشير لذلك فكيف ياترى عرف بأنها تقع في منطقة (بيرتا ) فما هو الدليل ؟ ولماذا لم تكن منكيش الحالية ،بدليل أن أحداث القصة تنطبق على أنه من منكيش ,لوجود كثير من المؤشرات الاثرية ،فعندما اكتشف الهيكل الذي شُيدت كنيسة ماركوكيس عليه قد أصبحت المنطقة غابات كثيفة ،مما يدل بوضوح أنه مرت فترة طويلة بعد خراب مكوشي ).وألا هل من باب الصدفة توافقت الاوصاف والاحداث في القصة مع بيت مكوشي المنكيشية ؟
وفي الفترة النسطورية أيضا كانت (بيث عيناثا ) المار ذكرها بالقرب من منكيش قرية مسيحية مزدهرة ربما كان منها الطوباوي (مارباوي ) الكبير في منتصف الجيل السادس .وقد تلقى العلم في مدرسة (نصيبين ) وانخرط في سلك رهبان الدير الكبير (ايزلا ).
منكيش الكاثوليكية
في متابعة تاريخية لدخول الكثلكة الى منكيش لاول مرة ،يُذكر أنه في النصف الثاني من القرن الثامن عشر هدى القس كوركيس بن يوحانا الالقوشي نساطرة القرى القريبة من الموصل وأقليم بهدينان من ذلك العمادية ومنكيش وزاخو وبرسفي نحو سنة 1787 م (بطرس نصري ،ذخيرة الاذهان ،ج 2 ص 372 . ومن بين الذين لعبوا دورا كبيرا في نشر الكثلكة ووعظ سكان منكيش وهو الجد الاعلى لآل ( رابي ) وذلك سنة 1796 م . أذ يذكر الاب ( منصور سابلاتي ) الدومنيكي في أخبار رسالته المؤلفة سنة 1803 م ،شرع مراد بك سنة 1796 والي العمادية الذي خلّف والده (اسماعيل باشا ) باضطهاد الكاثوليكيين وبتحريض من بيت (أبونا ) تلك الاسرة التي انحصرت الرئاسة الكنسية فيها عند النساطرة ،وكانت هذه العائلة قاطنة بغداد أولا قبل انتقالها الى (تلخش ) والقوش ( مصدر بهنام حبابة ،أبرشية الموصل ورعاتها ص 12 )فهم الذين أرادوا الوراثة البطريركية في عائلتهم .
وقد أمر الحاكم المذكور في سنة 1796م بقطع لسان القس ( كيسو المنكيشي ) لحجة أنه يعظ الناس للدخول الى الكثلكة ، فتوفي على أثرها وكان مشهودا له برائحة القداسة ،وقيل بل شفي باعجوبة ،ويُذكر أنه أقام الذبيحة الالهية بالرغم من أن لسانه كان مقطوعا . والى ألان يلهج سكان منكيش بمناقبه أثناء توديعه من ألاهالي للسفر الى العمادية بحسب طلب الوالي ،وقد قيلت بهذه المناسبة أغنية وداعية ومطلعها بالكلدانية ( باداني درابي سموقي ،تيبي ومبروقي …الخ ) وتقال لحد ألان في المناسبات من قبل النساء وبالاخص عند رسامة الكهنة والمطارنة من أهل منكيش .( ذكر مآثره بطرس نصري في كتابه ذخيرة الاذهان الجزء 2 ص 390 وأيضا ذكرها المطران (ديونسيوس أفرام نقاشة ) في كتابه (عناية الرحمان في هداية السريان ) ص 331 سنة 1910 بيروت.وكذلك ما رواه أبناء وأحفاد هذا القس ومنهم مرقس ميخو رابي والد كاتب السطور هذه .
ومن الفتن التي أثارتها عائلة (بيت أبونا ) أيضا سنة 1828 م ،هي تحريض موسى باشا والي العمادية ليفتك بالرهبان ،فأنفذ هذا بعضا من عسكره بصحبة بعض أفراد العائلة الابوية وهاجموا ونهبوا دير (ربان هرمزد ) في جبل القوش فقبضوا على القس (حنا يواقيم الراهب ) وطردوا بقية الرهبان من الدير وسلبوا كل أمتعته ،وجرى اطلاق الرهبان من الحبس عل يد أهالي منكيش وعادوا ألى ديرهم . مما يدل بوضوح على تمتع منكيش بمكانة ذات شأن ومقتدرة ومؤثرة في المنطقة عند حكام العمادية في تلك الفترة. المصدر(سجل الرهبنة الكلدانية الانطونية) .
ويعتقد أنها فترة رئاسة المختار ( هرمز خنجرخان ) الذي ساعد هو الاخر على دخول أهالي منكيش في الكثلكة .وذلك بعد رغبته أي ( هرمز المختار ) في الزواج من أبنة مختار تلكيف الذي كان نازلا ضيفا عنده ذات مرة في تلكيف ،فراى فتاة جميلة جدا وهي بنت المختار وأسمها (بكيي ) فطلب يدها (هرمز المختار) للزواج منها . فاشترط والدها مختار تلكيف عليه أن يكون كاثوليكيا لانهم كانوا على المعتقد الكاثوليكي ومختار منكيش لايزال على المذهب النسطوري ،فوافق هرمز المختار على الشرط فورا فتزوج من( بكيي) الفتاة  الجميلة  والكاثوليكية ،ومن ثم بدأ وساعد كاهن الجديد الكاثوليكي في نشر الكثلكة بين أهالي منكيش . ( روى هذه القصة كل من أحفاد هرمز ومنهم ( حنا شميكا ) ووالد كاتب السطور هذه ،وأيضا المرحوم رابي (عيسى قلو ) وقد وجدتُ ورقة مكتوبة بخطه عثرنا عليها مطوية في احدى كتبه.
ويبدو مما تناقلته الاجيال عن الاسلاف أن سكان منكيش دخلوا الكثلكة تدريجيا ،وقد انتًمَ الجميع منذ بدء رعاية (مار يوسف أودو أبرشية العمادية ) عام 1833 .وأما الان سكان البلدة الاصليين جميعهم من المسيحيين الكاثوليك وهي تابعة لابرشية العمادية .وأصبحت مقرا للابرشية في مطلع الستينات بعد أن ساءت الظروف الامنية في العمادية ونقل الكرسي المطران ( روفائيل بيداويذ )اليها وأقام هو في الموصل ،وكان يزورها في الاعياد الى عهد المطران ( مارقرياقوس موسيس ) حيث مكث فيها بصورة دائمية .وأما بعد تعيين ( مار يوحنا قلو ) مدبراً بطريركيا على أبرشية زاخو سنة 1987،بدأ المطران يقيم في مدينة دهوك لكي يتمكن من ادراة الابرشيتين لترامي أطرافهما ،ونقل الكرسي الى قرية كوماني بالقرب من العمادية المطران ( ربان القس ) بعد رسامته اسقفا على ابرشية العمادية في 1- 2- 2002.
ومما هو جدير بالذكر أن منكيش منذ نشأتها هي قرية مسيحية كلدانية ،ولكن بدأ منذ أن أجازت الحكومة بشراء الاراضي لغير سكانها الاصليين بدخول الاكراد المسلمين من القرى المجاورة للسكن فيها منذ مطلع التسعينات في القرن الماضي وأزداد عددهم تدريجيا ولهم الان جامعين لاقامة شعائرهم الدينية في البلدة الحديثة ،وهم يعيشون بتآلف وسلام وتكيف أجتماعي سليم مع بعضهم.

اقدم شكري وتقديري للاب العزيز القدير ممتاز عيسى قاشا لتزويدي بالمعلومات بين حين وآخر وتأتي استجابته الفورية لاسئلتي له بالرغم من أنه منشغل في دراسته في رومية نتمنى له كل الموفقية
د .رابي

..

 

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!