آراء متنوعة

مراحل التحوّل في الإقتصاد العراقي

علي السريع

يمر الاقتصاد العراقي الآن بما يسمى رأسمالية القلة الحاكمة، أي استحواذ القلة الحاكمة والمنتفعين منهم على الاقتصاد، هذه المرحلة من تأريخ العراق الاقتصادي شبيه بمرحلة العهد الملكي حيث سيطر ائتلاف الضباط الشريفيين مع شيوخ العشائر والمقربين على الاقتصاد الذي كان زراعيا، مر الاقتصاد العراقي بمراحل وهويات مختلفة

المرحلة الأولى هي مرحلة الحكم العثماني، اتسمت هذه المرحلة بظهور الإنتاج الاقطاعي، الشكل العام للاقتصاد كان زراعيا مع جود نشاط ملاحي المتمثل بنقل البضائع حينما سيطرت طبقة من التجار، شيوخ العشائر والمتنفذين المقربين من الحكم العثماني وكبار مسؤولي الدولة على الأراضي والقطاع الصناعي البسيط اتسمت هذه المرحلة بالعشوائية الاقتصادية حيث تقوم السلطات العثمانية بفرض الضرائب بالقوة عن طريق شيوخ العشائر لدعم مصاريف الجيش ولم تشكل هوية بالمعنى المتعارف عليه، لكن يمكن القول انها اتسمت بالرأسمالية الاقطاعية

المرحلة الثانية هي المرحلة الملكية، اتخذ الاقتصاد منحى اخر هو محاولة العهد الملكي بالتعاون مع الإنكليز برسملة الاقتصاد، لكن التحالف الثنائي ما بين الضباط الشريفيين وشيوخ العشائر والمقربين وسيطرتهم على الأراضي حال دون ظهور اقتصاد رأسمالي بالمفهوم الذي كان يطمح اليه العهد الملكي الإنكليز.

قطاع زراعي

لكن من الممكن القول ان عهدا تميز برأسمالية ناشئة تطور فيها القطاع الخاص مع هيمنة القطاع الزراعي المهين عليه من قبل تحالف شيوخ العشائر والشريفيين والمقربين من النظام الملكي، مع ظهور قطاع صناعي صغير، ومن الممكن القول ان ظهور الرأسمالية الحقيقية عام 1952 مع ظهور النفط وعقد اتفاقية النفط ما بين العراق وبريطانيا وتأسيس شركة النفط البريطانية، من هنا ظهر دور الدولة المهيمن ، بمعنى هي أي الدولة تملك الثروات وتتحكم في الاقتصاد، ليست في الاطار القانوني فقط وانما في الاطار الفعلي، وبالنهاية كانت صفة الاقتصاد تطغي عليه الصفة الرأسمالية المرحلة الثالثة هي مرحلة انقلاب قاسم. بقيت البنى الاقتصادية كما هي باستثناء التميمات مثل مصادرة الاراضي الذي كان قاسم ينسبه الى مفهوم العدالة الاجتماعية، وتأميم الأراضي النفطية الغير مستثمرة، لم يكن نظام قاسم نظاما اشتراكيا بالمفهوم الاشتراكي، حيث حافظ على الملامح الرأسمالية مع وجود التميمات مثل شركة النفط الوطنية التي نفذها عبد السلام عارف لكن فكرة تأميمها تعود الى فترة قاسم

المرحلة الرابعة هي مرحلة عبد السلام عارف وعبد الرحمن عارف، اتسمت هذه المرحلة بظهور القومية العربية، التي اتبعتها الأنظمة اللاحقة، أي انهم الجميع يؤمنون بالنظام الاشتراكي هنا بدأ التحول الحقيقي الى الاشتراكية والسبب يرجع الى ان مفهوم القومية العربية هو مفهوم اشتراكي ينظر الى راس المال بالارتياب، تم تأميم الشركات، ولعبت الدولة دور المهيمن على القطاع الخاص، كان من نتائج هذه السياسة هو انهيار القطاع الخاص، حيث أصبحت الدولة المحرك الأساسي للاقتصاد.

المرحلة الخامسة هي مرحلة سيطرة البعث على السلطة، ابقوا البعثيين على النظام الاشتراكي، لكن مركزوا النظام بشدة غير مسبوقة، والسبب هي شمولية النظام، حيث أبقي القطاع الخاص لكن بصورة محدودة، والسبب في هذه المحدودية كما اسلفت هو نظرة القومية العربية الى القطاع الخاص بانه قطاع استغلالي، لذألك تم تحجيمه.

فيض وظيفي

تغيرت هذه النظرة في عام 1987 في عهد صدام، والسبب كان الفيض الوظيفي، حيث كان العدد الأكبر من الناس يعملون في الدولة، ولعدم قدرة الدولة على دفع رواتب الموظفين جرت إعادة النظر في هذا الموضوع، لكن حرب الكويت نسفت هذا التغير

المرحلة الأخيرة هي ما بعد 2003، حاول الأمريكان تحويل الاقتصاد الى الرأسمالي ووضعوا ذلك في الدستور والأنظمة، وكانت رغبتهم واضحة في دخول العراق الى نظام السوق، حاول الأمريكان تنشيط القطاع الخاص المنهار وإدخال العراق بالمنظومة الرأسمالية، هذه الجهود لاقت عقبات كثيره، لكن العقبة الأبرز كانت في كيفية تحويل عقلية المؤسسات والافراد من المنظومة الاشتراكية الى عقلية اقتصاد السوق، لم ينجحوا كثيرا والسبب ان القوانيين والمنظومة العامة للدولة هي منظومة تبنت نظاما اشتراكيا لفترة عقود، بالإضافة الى الفساد في مؤسسات الدولة الذي كان سببا كبيرا في فشل الفكرة

في النهاية عاد الاقتصاد العراقي الى مرحلة الحقبة الملكية، ومع سوء طبقة الاقطاع لكن يجب الاعتراف بخبراتهم الإنتاجية، بمعنى انهم كانوا منتجين حقيقيين، على عكس الطبقة الحاكمة الآن والتي تفتقد الى مفهوم الإنتاج وتتبنى سياسة النهب المنهجي ، حيث استفادوا من مواقعهم في الدولة ليتحولوا الى طبقة طفيلة غير منتجة تعتاش على الريع الحكومي والنهب المبرمج لموارد الدولة عن طريق اللجان الاقتصادية للأحزاب الحاكمة والمنتفعين منها واثرياء الصدفة، هذا بدوره ادى الى خلق فجوة اجتماعية كبيرة وضعف كبير في الطبقة الوسطى العمود الفقري في توازن اقتصاديات البلدان.

باحث في شؤون الاقتصاد السياسي

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!