مقالات عن مانكيش

منكيش الجمال والعطاء / النسق الديني / الحلقة 10

الدكتور عبدالله مرقس رابي
منكيش الجمال والعطاء
النسق الديني / الحلقة 10

الدكتور عبدالله مرقس رابي
استاذ وباحث أكاديمي

يعد النسق الديني في المجتمع أحد الاركان الاساسية للتنظيم الاجتماعي لأهمية المعتقدات الدينية في الضبط والتماسك الاجتماعيين ،فهو يؤثر في سلوك الانسان بما يحمله من قيم وتعاليم وأنظمة وطقوس وممارسات يتعلمها الفرد من المؤسسة الدينية والاسرة منذ الطفولة.

كان سكان منكيش القدماء عبدة أوثان وأصنام والنار،كما كانت غالبية سكان المعمورة ،ففي منكيش وضواحيها آثار ترجع الى ما قبل الميلاد .وقد( سبق ذكرها في الحلقات السابقة) عثر عليها في القرية نفسها وضواحيها ،تؤكد هذه الآثار على أنتشار المجوسية فيها قبل المسيحية ،وتبين أُن أحدى تسميات منكيش يعتقد أنها قد جاءت من ( بيت مكوشي ) أي بيت المجوس ، ويدعم هذا الاعتقاد ،العثور على بعض الاواني الخزفية وفي داخلها رميم جثث الموتى بعد حرقها بالنار بحسب التقليد في الديانة المجوسية ،شوهدت في باطن الارض عند حفر أساسات كنيسة ماركوركيس الحالية عام 1929،وغالبا  كان المزارعون يعثرون في أطراف منكيش القريبة والبعيدة على مقابر جماعية ،أو فردية تعود الى المجوس .

منكيش المسيحية
انتشرت المسيحية على أيدي رسل المسيح ،تلاميذه الاثنين والسبعين الذين تفرقوا في أرجاء المعمورة مبشرين بها ، ويؤكد التقليد المتوارث أن الذين بشروا في بلاد النهرين هم مارتوما ،ومار أدي ،ومار ماري ،ويذكر ان مارتوما قد مر ببلاد مابين النهرين قبل وصوله الى الصين والهند ،وفي طريقه كان يبشر بالمسيحية ،فهولاء هم الذين زرعوا البذرة الاولى للمسيحية في منطقتنا منذ القرون الاولى الميلادية .

وعند ملاحظة الخريطة القديمة للكنيسة الشرقية ،تبين أن منكيش تقع ضمن مقاطعة “حدياب ” وهي أربيل الحالية ،وكانت حدياب أبرشية مركزها أربيل ،وامتدت من الزاب الاكبر الى الزاب الاصغر ،ومن دجلة الى أذريبيجان ،وتكونت من ( 19 ) أسقفية ومنها :

1 – بيت نوهدرا : كانت تشمل قضاء زاخو الحالي وقسما من قضاء دهوك ،أُذ كانت تمتد من نهر الخابور الاصغر أُلى دجلة.
2 – معلثا .
3 – حانيثا : ( الحانية ) وكانت متصلة بمرعيث معلثا ،وتمتد ألى أطراف العمادية وأنضمت مرارا ألى مرعيث معلثا.
4 – داسان (بيت داسان ) :في جبال كَاره في غربي الزاب الكبير في جنوب العمادية .

لا توجد معلومات دقيقة تذكر ألى أي من المراعيث أنضمت منكيش في السابق ،لكن من المعروف أن منكيش كان أرتباطها الديني مع العمادية وأطرافها ،لذا نعتقد على ألارجح أنها كانت تخضع لمرعيث داسان.ولا توجد وثائق أو مصادر تاريخية تشير الى الزمن الذي دخلت المسيحية الى منكيش ،وبما أنها دخلت الى بلادنا في القرون الميلادية الاولى،فلا يستبعد أن منكيش قد دخلتها المسيحية منذ ذلك الحين.يدعم قولنا هذا وجود العديد من الاديرة والكنائس في ضواحي منكيش القريبة والبعيدة ترجع تواريخها ألى القرون الاولى الميلادية ،ففي المنطقة المقابلة للقرية تماما وعلى سفح جبل منكيش لا تزال آثار دير وكنيسة باسم ( مار توما ) وتوجد قلاية في الكلي القريب لهذه الاثار وهي منحوتة في الصخر وتعرف عند الاهالي على مر الاجيال بقلاية مارتوما، وتتسع لسبعة أشخاص ،ويذكر (بيير بيرييه ) العضو في الاكاديمية العلمية الفرنسية وُجد كهفان باسم توما الرسول واحد في الصين والاخر في قرية منكيش الواقعة في شمال العراق ،وقد انطلق منه للتبشير في المنطقة .،وعليه نهيب بابرشية العمادية بأن تهتم بالموضوع لبناء مزار بالقرب من القلاية  وتقديس المكان لكي يتوجه اليه الزوار من كل المناطق.أضافة ألى قلاية باسم مار موشي واخرى مار أدي في جبل منكيش .

وفي منطقة ( قلاجي ) آثار يعود تاريخها الى عصر الامبراطورية الاشورية والساسانية وفيها آثار كنيسة شاخصة ،وفي جنوب البلدة تماما يمكن مشاهدة آثار دير عرف بدير ( مار أدي ) ،ويحتمل أن الشهيد (قرداغ ) أقتبل سر العماذ فيه على يد الراهب الناسك ( مارعوديشو ) ألذي له صومعة مسماة بأسمه في الجبل المقابل لهذه الآثار ويقع مقابل آثار كنيسة مارتوما تل يسمى محليا (بانه دقرايي ) أي تل القراء،ويقال أن المبتدئين من رهبان مارتوما كانوا يأتون ألى ذلك الموضع لكونه مشرفا على الوادي الذي تكثر فيه المياه ويقرأوون على يد معلمهم الدروس الدينية والعلمية .

تقع على جنوب البلدة خربة قرية تسمى (بيت ترشين ) لا يُعلم عنها شيء ،وأُنما يُحتمل أن تكون تلك البقعة ألتي أسس فيها (مار باواي الكبير ) مدرسته الشهيرة ( بيت ترشين ) ، وعلى الغرب من منكيش بنحو نصف كيلو متر توجد آثار قرية تدعى ( بيت ألعيون ) ( بيث عيناثا ) ،وسميت بهذا الاسم لأنها محاطة بأربع عيون ماء لم تزل موجودة وألى جانبها عين أخرى تدعى (عين ألشهداء ) ( عين دسهدي ) ،وسميت هكذا لاستشهاد المسيحيين الأوائل في المنطقة الذين كانوا يتقبلون العماد على يد الناسك (مارابراهام ) الذي يقع ديره في منطقة ( شمرخ ) خلف ألجبل ،وثم يُق*ت*لون هؤلاء من قبل المجوس ،وقد عثر على مقبرة هناك بالقرب من العين .

ربما تكون بيت العيون هذه القرية التي مَرّ بها ( مارميخائيل ) رفيق ألملائكة وأهلها مسيحيين ،حيث كان ذلك اليوم هو الاحد ،فدخل الكنيسة فرأى رجلا باكيا بمرارة قلب ،فقال له لماذا تبكي يا أخي ؟ أجابه : اليوم صار عرس في قريتنا وأجتمع فيها ألقساوسة وألشمامسة والعوام وبقيت أنا لوحدي ولم يهتم بي أحد ،فقال له لماذا لم تنطلق معهم ؟ أجابه : ٍلان رِجلَي زمنتان من بطن أمي فلا أقدر أن أمشي ، فعزاه وأمسكه بيده وأقامه على رجليه وانطلق معه الى العرس،فلما  أبصره القوم تعجبوا عجبا عظيماً من هذه الآية التي صنعها القديس ومجدوا الرب وأتوا أليه ليتباركوا منه وتوسلوا أليه أن يجلس معهم فلم يشأ ،ولكنه هرب من بينهم خوفا من المدح . وعند حفر أساس لبناء في موقع ( بنان ) في ضواحي منكيش الشرقية ظهرت صخرة منحوتة نحتا يشبه النحت في أيامنا هذه، وكانت تلك الحجرة قاعدة عامود مِما يشيد داخل الكنائس.

تقع الى الجنوب من البلدة وراء الجبل تماما قرية يسكنها أهالي من عشيرة الدوسكي أسمها ( دير كجنك ) وتترجم حرفيا” دير النساء” لا تزال هناك الى اليوم آثار دير وأشجار وزيتون وصهريج ، وكان هذا الدير مبنيا على أسم ( مار عبد يشوع ) .وقد أجرى سكان القرية فيه بعض الحفريات فوجدوا صخرة كبيرة منقوش عليها صليب ،يظهر أن محلها كان فوق باب الدير .استعمل اهالي القرية بعضا من حجارة انقاض الدير لبناء دار ،ويقال أنها سقطت بعد بنائها ثلاث مرات.وغرب الدير توجد قرية تدعى ( كري بتي ) أي تل ( بطرس ) مبنية في لحف تل غير طبيعي ،وقد أجرت فيه أحدى بعثات الاثار الالمانية بعض الحفريات فعثرت على قليل من الخرز وكعب.وقرب القريتين توجد أخرى تسمى ( ديركي ) أي ( الكنيسة الصغيرة ) تسكنها جماعة من عشيرة الدوسكي . والى الشرق من منكيش وعلى الطريق القديم المؤدي الى باكيرات في سفح الجبل بالقرب من قرية (كندك نبي ) في كلي (شيخكي ) أي كلي الرهبان آثار دير شاخصة وصهريج وأشجار الزيتون وعين ماء .

يمكن الاستناج مما تقدم أن المسيحية قديمة في منكيش وضواحيها حيث انتعشت وأزدهرت في الماضي البعيد والقريب بدليل ألأديرة والكنائس والمدارس الدينية التي لاتزال شاخصة الى يومنا هذا ، علاوة على أن القرى المسيحية البائدة التي ظهرت آثارها في أماكن مختلفة من ناحية الدوسكي، وانتشار الصوامع في مختلف جبال الناحية وعلى أمتدادها تلك التي لجأ اليها الرهبان للتعبد في جبال المنطقة وسهولها .

أخص بالذكر قلاية مارتوما التي كانت موضع انطلاق مار توما الرسول للتبشير بالمسيحية . وعليه بهذه المناسبة استرعي انتباه الكنيسة والجهات الرسمية في الناحية والمحافظة الى الاهتمام بجدية لقلاية مارتوما وجعلها مزارا دينيا وسياحيا مهما يرتاد الناس اليه من مختلف المناطق طالما أنه مكان مقدس بصلوات ومباركة مارتوما رسول المسيح ،وأن يبدا التفكير بشق طريق مبلط أليه وبناء كنيسة صغيرة هناك وأقامة زيارات جماعية الى القلاية بمناسبة عيد مارتوما الذي يُحتفل به في 3 تموز من كل عام . أضافة الى الأهتمام الجدي من قبل مديرية آثار محافظة دهوك في الحفاظ على مواقع الآثار المنتشرة في منطقة الدوسكي .

..

 

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!