الحوار الهاديء

المغضوب عليهم هم “اليهود”… والضالون هم “النصارى” … هكذا تقول وزارة “التربية” العراقية !

كابرييل كابرييل      

 

المغضوب عليهم هم “اليهود”… والضالون هم “النصارى” … هكذا تقول وزارة “التربية” العراقية !

بقلم كابرييل كابرييل

هكذا تم تفسير سورة الفاتحة في كتاب التربية الاسلامية للصف الاول الابتدائي في المدارس العراقية. وهكذا يزرع الساسة الاسلاميون التطرف والحقد وكره الاخر بين ابناء الشعب العراقي، متناسين ان العراق قائم على فسيفساء الاختلاف العرقي والديني، ومتناسين ان الصابئة، واليهود، والنصارى كانوا في العراق قبل احتلال العرب المسلمين القادمين من شبه الجزيرة العربية حاملين سيوفهم، طامعين بالسلطة من خلال نشر عقيدتهم بالقوة، ومطبقين شريعتهم على ابناء الرافدين بقوة السيف، بعد ان ازاحوا الفرس من العراق، وانطلقوا يبارزون الرومان على للسيطرة على عروشهم ايضاً بحجة نشر الاسلام، باعتبار هؤلاء الروم مشركين والمشرك ضال وكافر. وكان نصيب مسيحيي الشرق من هذا الغازي الكثير من المعاناة جراء النظرة الشوفينية اليه، بسبب اختلاف العقيدة الدينية، وصار التعالي الديني الاسلامي يضغط بقوة السلطة على المسيحيين جاعليهم صاغرين الى القوانين الاسلامية.

وما بين مد وجز بين الخلفاء والسلاطين المسلمين المتطرفين والمعتدلين، اخذت اعداد المسيحيين في بلاد الرافدين خصوصاً، وبلاد الشرق عموماً بالانحسار، بشكل وباخر، فأما بسبب الضغوط الاقتصادية، الجزية، او التهديدات المباشرة بترك المسيحية، تحت امرة السيف، والقول الشائع “اسلم تسلم”

ان من احد اهم الاسباب التي جعلت مسيحيي الشرق يتنازلون عن حقوقهم الطبيعية، هو ايمانهم بأن يعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله، فكان جل اهتمامهم هو العيش بسلام في بلدانهم، لكن العقل المتطرف والفلسفة المتطرفة، وفتاوي جُهلاء الدين كانت لهم دائما وعلى مر التاريخ بالمرصاد، بغية الايغال في اضعاف هذا المكون المسالم. فالتفنن في الصاق التهم بالمسيحيين ومعاقبتهم كانت من اسهل وابسط فنون الاضطهاد، ففتوى صغيرة من اي مرشد في جامع او مسجد كانت كافية للمتطرفين، وحتى لغير المتطرفين من عامة المسلمين الجهلة، وما اكثرهم، للقيام بأعمال غوغائية ضدهم.

ان مسيحيي الشرق، لم يكونوا يوماً اعداء لبلدانهم، ولم يعاضدوا الغرب يوماً باعتباره يدين نفس الدين، بل كانوا على مر الازمان مع “قيصر” بلادهم، ومع اهل بلدهم ضد المعتدي، مهما كانت جنسيته ودينه، ولا احسن مثال من الحروب الدينية، والتي سماها الغرب نفسه لاحقاً وبعد عدة قرون من انتهائها بالحروب “الصليبية”، التي جاء بها الغرب الى الشرق حيث تعاضد المسيحيون مع المسلمين ضد هذا العدو الخارجي، والتي تشهد لها كتب التاريخ. اما مسيحيي العراق فانهم لم يكن لهم اي دور في معاضدة هذه الحروب لا من قريب ولا من بعيد، بل ظلت صفحتهم الوطنية ناصعة طوال هذه الحروب ولم يذكر التاريخ ان احداً قد دعم او شارك الغزاة الغربيين في هذه الحروب.

وامام هذا التاريخ، وهذه الصورة لمسيحي الشرق عموماً، والعراق خصوصاً لا نزال نرى ان الاستمرارية في الاضطهاد لا تزال قائمة وعلى اشدها ونحن في القرن الحادي والعشرين، تحت نفس الذرائع المذكورة اعلاه. لا بل ازدادت قوة وازدادت عدوانية الفتاوي الى درجات مقززة، وبتشجيع منظري الاسلاميون. فها هو ابو قتادة مثلا ينظر لأقبح اسلوب لق*ت*ل الانسان الا هو الذبح حيث يقول: ” ان المسلمين هم قوم يتقربون الى الله بذبح اعداء الله. فالذبح سجيتهم، وبه يكون العالم سالماً من المعاصي والذنوب الا فيما قدر الله . ان المسلم لا ترتج يده قط وهو يذبح والده او اخاه او ابنه ان وقف هؤلاء مع صف الكفر”. من كتاب تشريح الفكر السلفي المتطرف لحسن محسن رمضان.

فكم من مسيحيي العراق والشرق الاوسط ومن باقي الاديان كالأيزيديين والصابئة وحتى المسلمين قد ذهبوا جراء هكذا تنظير وهكذا فتاوي. فما بالنا لو جاءت هذه الفتاوي في الكتب المدرسية، تحشر حشراً في عقول الاطفال، تكبر ويكبر معهم الفكر المتطرف، حتى لا يستطيع ان يرى الاخر الا عدواً مغضوب عليهم وضالاً وبالتالي يستحق الذبح، بحسب فهمه وتلقينه التعليمي الشاذ.

ان ما تقوم به وزارة التربية العراقية، من خلال اقحامها هكذا عبارات وجمل تحريضية في مناهج التربية الدينية للمدارس الابتدائية هو بالتأكيد يقع في خانة الكراهية، والعدوانية، وعدم قبول الاخر. والقائم على الموافقة على تدريس هكذا عبارات يحمل وبدون ادنى شك فكراً متطرفاً خطيراً يوازي فكر د*اع*ش، لا بل اكثر تطرفاً منه لأنه يحاول زرعه بين الاطفال الابرياء، حيث سيشبون والكراهية في قلوبهم وعقولهم ضد اخيه الانسان.

الغريب في الامر ان كل ما جرى للعراق من تدمير للبناء والانسان جراء هذا الفكر المتطرف لا نزال نرى ان هنالك من يدعمه وبعلم من الحكومة نفسها، والا ما معنى ان يصف كتاب التربية الاسلامية في سورة الفاتحة المسيحيين بالضالين واليهود بالمغضوب عليهم ؟ ولماذا لا يكون الوثنيون عبدة الاصنام هم الضالون والمغضوب عليهم ؟ ثم ألم تكن اليهودية والمسيحية قاعدة لبناء الاسلام ؟

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!