مقالات دينية

كنيسة المشرق في العهود المتأخرة

سامي خنجرو

samdesho
كنيسة المشرق في العهود المتأخرة
دمج بطريركية امد وبابل الكلدانيتين
الكنيسة الشرقية (النسطورية)
ان السلسلة الرئيسية لبطاركة كنيسة المشرق في دير الربان هرمزد، استمرت على القاعدة الوراثية لفترة طويلة، منذ أن أدخلها البطريرك شمعون الرابع الباصيدي سنة 1450م. وعندما جلس البطريرك ايليا الثاني عشر دنحا عل الكرسي البطريركي سنة 1722م، وقبل موته سنة 1778م، قام برسامة ابن اخيه يوحنا هرمزد مطرانا سنة 1776م وهو في سن السادسة عشرة من عمره. بدأ مار يوحنا هرمزد بالتقرب من الايمان الكاثوليكي بفعل المرسلين الكاثوليك في الموصل ونواحيها.
عمل مار يوحنا هرمزد جهده على نشر الايمان الكاثوليكي في نواحي الموصل واربيل وكركوك ودهوك والعمادية وزاخو وعقرة. وازداد بذلك المنتمين من ابناء كنيسة المشرق الى الايمان الكاثوليكي ازديادا كبيرا، وذلك بهمة ومعاونة المرسلين الكبوتشيين والدومنيكان، اضافة الى الزيارات التي قام بها مار يوحنا هرمزد الى تلك النواحي. خاصة وان مناطق دياربكر وسعرد وماردين واورمية وسلامس كانت قد اعتنقت الايمان الكاثوليكي قبل ذلك. وتقلص نفوذ البطريرك في دير الربان هرمزد واصبح تأثيره ونفوذه في المناطق المحيطة بالدير وبعض القرى الجبلية.
وعندما رأى البطريرك ايليا الثاني عشر دنحا، ان التيار الكاثوليكي أخذ يتسع ويقوى، اتصل مع روما وكتب عدة رسائل معربا فيها عن رغبته في الاتحاد، لكن هذه الرغبة لم تتحقق بسبب تأثير بطريرك امد الكاثوليكي مار يوسف الثالث (1713-1757)م (سلسلة بطاركة امد). وعندما توفي البطريرك ايليا 12 ، أقيم بعده البطريرك ايليا الثالث عشر ايشوعياب (1778-1804)م بموجب القاعدة الوراثية، وهو ابن عم مار يوحنا هرمزد الذي عارضه معارضة شديدة. وكانت روما قد ثبتت مار يوحنا هرمزد مطرانا على الموصل ومدبرا بطريركيا سنة 1778م.
وعندما توفي البطريرك ايليا 13 سنة 1804م، لم يكن في عائلته ذكر يخلفه حسب القاعدة الوراثية، فخلت الساحة امام مار يوحنا هرمزد. لكن المعارضين له وهم رهبان دير الربان هرمزد وخاصة المدبر الاب جبرائيل دنبو المارديني الذي اعاد اليه الحياة الديرية الرهبانية، فضّلوا يوسف الخامس (1804-1828)م من سلسلة أمد – دياربكر والمعروف باسم اوغسطين هندي (ولم تثبّته روما بطريركا على أمد). كما ان المرسلين اللاتين في الموصل كانوا قد بعثوا الى روما تقريرا سلبيا عن مار يوحنا هرمزد، لتلك الاسباب قامت روما بتعيين مار اوغسطين هندي مدبرا بطريركيا على كرسي بابل.
لكن موت مار اوغسطين سنة 1828م حلّ مشكلة وجود كرسيين بطريركيين في طائفة واحدة. فقام البابا بيوس الثامن بدمج البطريركيتين امد وبابل، بتثبيت مار يوحنا هرمزد رسميا بطريرك بابل على الكلدان، وذلك في الخامس من تموز سنة 1830م، وجعل كرسيه في الموصل. ومنذ هذا التاريخ، حافظت السلسلة البطريركية- الخط الاول-  لكنيسة المشرق، وهي الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، على شركتها التامة مع الكرسي الروماني والى اليوم.
ولقطع الطريق امام  قيام البطريرك يوحنا هرمزد، من حصر البطريركية في عائلته ولابطال القاعدة الوراثية، قامت روما بتعيين مار نيقولاوس زيعا مطران سلامس –ايران معاونا بطريركيا مع حق الخ*لافة. وعندما توفي البطريرك يوحنا هرمزد سنة 1838م، تمّ اعلان مار نيقولاوس بطريركا على الكلدان (1838-1448)م. وفي عام 1844م، نال البطريرك زيعا الفرمان العثماني الذي يعترف به بطريركا على الكلدان، وهو أول من نال هذا اللقب. ومنذئذ تم تثبيت الكنيسة الكلدانية قانونيا كملـّة (Mellet) لدى سلطات الباب العالي العثماني.
رجوعا الى السلسلة البطريركية لمار يوحنا سولاقا الكاثوليكي (1552-1555)م وخلفائه، فان الكرسي البطريركي انتقل من امد الى سعرد (تركيا)، ثم تأرجح بين سلامس وأورمية (ايران)، الى ان نقله البطريرك شمعون الثالث عشر دنحا (1662-1700)م الى قوجانوس (قوذشانوس) في جبال هكاري. ثمّ قطع الاتصال مع الكرسي الروماني لاحقاً.
هناك رواية تقول: “ان أصل البطريرك شمعون 13 دنحا المذكور انفاً من العائلة الابوية في القوش. ويقول المطران أيليا أبونا الالقوشي: أن البطريرك ايليا الثامن شمعون 1617- 1660م من سلسلة الربان هرمزد-القوش دخل سن الشيخوخة، وكان عليه أن يقيم ناطوراً للكرسي. وكان لأخي البطريرك القس يوحنان حفيدان منذوران للبطريركية، وهما أيشوعياب بن دنحا القس يوحنان وحنانيشوع بن أبراهام القس يوحنان. وبموجب القاعدة الوراثية، فان ولاية العهد كانت من حق ايشوعياب لانّه الاكبرسناً، الاّ أنه كان ساذجاً بليداً. أما حنانيشوع بن ابراهام، وبالرغم من صغر سنّه، كان ذكياً حكيما وذا سلوك مستقيم. وبسبب هذه الفضائل، اختارت العائلة مع الكنيسة مجتمعة حنانيشوع. وأذعن البطريرك لمطلبهم ومنحه الرتبة المطرابوليطية فصار ناطوراً للكرسي. لكن دنحا والد ايشوعياب ساءه ذلك كثيرا وظل يبكي لايام عديدة، لانّه كان مشتاقا ليرى ابنه بطريركا. وفي عيد العنصرة، وبينما كان ناطور الكرسي حنانيشوع يصلي بصحبة البطريرك صلاة الصبح، دخل دنحا كعادته الى الكنيسة بهدوء. وفجأة اقتحم جوق المصلين وهجم على حنانيشوع الذي كان يردّد: شبخ لمريا كلىُ ارعا (سبّحوا للرب يا جميع الارض) ورشقه بسهم قاتل في قلبه، وخرج من الكنيسة ومعه ابنه ايشوعياب وهرب الى الجبال، وقصد أورمية عند البطريرك شمعون 12 الكاثوليكي 1656-1662 م من سلسلة يوحنا سولاقا. وهناك روى قصّته للبطريرك ولاساقفته ووعدوه خيراً. وعندما توفي البطريرك شمعون 12 سنة 1662م، اختار الاساقفة ايشوعياب بن دنحا القاتل بطريركا باسم شمعون 13 دنحا.” لايوجد اي مصدر تاريخي يشير الى انّ البطريرك شمعون 13 دنحا هو نفسه ايشوعياب ابن دنحا. ولماذا يتّخذ البطريرك اسم دنحا بأسم والده القاتل، وليس ايشوعياب اسمه الحقيقي، هذا من ناحية. ومن ناحية اخرى، كيف يقدم الاساقفة على اختياره بطريركا ، وهو هارب مع ابيه القاتل، بهذه السهولة لمجرد كونه من العائلة الابوية، قبل أن يتحققوا منه عن اصله، مشكلته وهروبه من القوش. اضافة الى كل ذلك، اختلافه معهم في الايمان. لانه أي ايشوعياب، يتبع الايمان التقليدي الشرقي (النسطوري).
مهما يكن من امر، فان شمعون 13 دنحا جلس على الكرسي البطريركي سنة 1662م. وبعث صورة ايمانه الكاثوليكي الى البابا كليمنت سنة 1670م، وفيها يرجو الحبر الاعظم ان يترك الطقوس القديمة من التبدّل والتغيير. لكن البطريرك شمعون 13 دنحا تراجع عن الايمان الكاثوليكي وقطع الاتحاد مع الكرسي الروماني، ورجع الى العقيدة التقليدية الشرقية (النسطورية). كما وأدخل القاعدة الوراثية في هذا الخط من البطاركة أيضا، كما فعل البطريرك شمعون الرابع الباصيدي سنة 1450م في السلسلة الرئيسية البطريركية لكنيسة المشرق. ولكن ليس واضحا ان كان قد سنّ هذه القاعدة بصورة رسمية. وتعاقب البطاركة الشمعونيون (بيت مار شمعون = بيت الاب) على هذه السلسلة البطريركية لكنيسة المشرق.
وهكذا نرى السلسلة الرئيسية البطريركية لكنيسة المشرق التقليدية ( المدائن ، بغداد – دير الربان هرمزد ،الموصل) ينتهي بها المطاف وتصبح كاثوليكية وفي الشركة مع الكرسي الروماني، منذ اعلان مار يوحنا هرمزد بطريركا على كرسي بابل سنة 1830م ولغاية يومنا هذا. بينما نرى السلسلة البطريركية الكاثوليكية منذ انتخاب واعلان مار يوحنا سولاقا بطريركا سنة 1551م، والتي انفصلت من السلسلة الرئيسية (بسبب ادخال القاعدة الوراثية في المنصب البطريركي)، ينتهي بها المطاف لترجع الى ايمان كنيسة المشرق التقليدي (النسطوري)، ابتداءاً من البطريرك شمعون 13 دنحا سنة 1662م والى اليوم.

سامي خنجرو
سدني – استراليا..

 

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!