مقالات دينية

كنيسة المشرق في القرن العشرين

سامي خنجرو

كنيسة المشرق الكلدانية الكاثوليكية

بعد أن رقد بالرب البطريرك عبديشوع خياط سنة 1899م، اجتمع الاساقفة الكلدان في كاتدرائية الشهيدة مسكنتة في الموصل، وبحضور القاصد الرسولي هنري التماير لانتخاب خلف له. واختار الاباء مار عمانوئيل توما مطران سعرد بطريركاً، وذلك في 9 تموز سنة 1900م. كما قام الكرسي الرسولي بمنحه الدرع المقدس والباليوم في 16 كانون الاول من نفس السنة. ونال البطريرك الجديد البراءة والنيشان المجيدي الاول من سلطات الباب العالي في اسطنبول في شباط من سنة 1901م. كما زار دار السعادة في اسطنبول في 30 أيار سنة 1901 ونال الوسام العثماني الاول. وزار روما والتقى قداسة الحبر الاعظم البابا لاون 13وطلب منه تأييد انتخاب ثلاثة اساقفة وهم: مار اسطيفان جبري نائباً له، ومار يعقوب أوجين منّا العلاّمة في اللغة الكلدانية وادابها، مدبراً بطريركيا على وان، ومار أدي شير العلامة المؤرّخ، مطرانا على سعرد. وفي عودته الى الموصل، عرج على الباب العالي ثانية ليسلـّم  للحضرة السلطانية رسالة شكر من الحبر الاعظم، لعنايته بالمسيحيين من رعايا الامبراطورية العثمانية. فمُنح وسام اللياقة من سلطات الباب العالي أيضاً.

ومن الاعمال التي قام بها مار عمانوئيل البطريرك، توسيع وتجديد كنيسة مسكنتة الكاتدرائية سنة 1904م. كما واظهر غيرة فائقة لترقية المؤمنين في مناهج الفضائل. وتشهد بذلك له المطبوعات والنشرات التي اصدرها في شتى المواضيع الدينية والادبية والطقسية، وباللغتين الكلدانية والعربية، والتي طبعتْ في مطبعة الاباء الدومنيكيين في الموصل. كما واشتهر بحبّه للعذراء مريم والالتجاء اليها في وقت المحن، خاصة وانه عاصر الحرب العالمية الاولى والثانية، وما نتج عنهما من ضيق. وفتح أبواب البطريركية أمام الفقراء والمحتاجين ومن مختلف الطوائف والاديان دون تفرقة. وبعد أن خدم 47  سنة بطريركا، انتقل الى الاخدار السماوية يوم 21 تموز سنة 1947م. وتقاطر أبناء الموصل الحدباء، مسيحيين ومسلمين، للمشاركة في صلاة الجناز وتوديع الشيخ البطريرك، ودفن في كنيسة مسكنتة.

تقاطر الاساقفة الكلدان الى الدار البطريركية في الموصل في عيد الصليب 14 أيلول سنة 1947م. ومن هناك الى دير السيدة قرب القوش لانتخاب البطريرك الجديد. وفاز بأغلبية الاصوات المعاون البطريركي يوسف غنيمة، وتمّ تنصيبه في الموصل يوم الاحد 26/9/1947م بحضور جميع اساقفة الطائفة، اضافة الى السيد يوسف رزق الله غنيمة،ابن عمّه، وزير المالية العراقي انذاك. ومن أهم الاعمال التي قام بها، هي: عقده اجتماعاً للاساقفة في بغداد عند الاباء اليسوعيين، للتباحث في شؤون الطائفة. كما وقام بنقل المقر البطريركي الى بغداد العاصمة، بعد أن ازداد فيها عدد الكلدان ازدياداً كبيراً. ولهذا الغرض، قام ببناء كنيسة كبيرة في بغداد، وهي كنيسة مار يوسف في الخربنده. اشتهر البطريرك غنيمة بمواقفه الخطابية الشهيرة واسلوبه البليغ في اللغتين العربية والفرنسية. كما كان مثل سلفه، عضواً في مجلس الاعيان العراقي. وبعد أن خدم الكرسي البطريركي أكثر من 10 سنوات، توفي في بغداد في 8 تموز سنة 1958م ودفن في كنيسة مار يوسف.

اجتمع الاساقفة الكلدان في خريف سنة 1958م لانتخاب بطريرك جديد، وأسفر الاجتماع عن فوز مار بولس شيخو، مطران حلب والجزيرة العليا، ونصب بطريركاً في كاتدرائية الشهيدة مسكنته في 14 كانون الاول سنة 1958م. قام مار بولس شيخو في عهده الطويل ببناء عدد كبير من الكنائس والمدارس في مختلف أحياء بغداد (24 كنيسة،8 مدارس)، وذلك لهجرة عدد كبير من أبناء قرى الشمال وقرى الموصل الى بغداد، بسبب قيام الحركة الكردية وتدهور الاوضاع الامنية في أوائل الستينيات ومنتصف السبعينيات. كما وقام بنقل المعهد الكهنوتي البطريركي الى بغداد، حيث قام بشراء أراضي واسعة في منطقة الدورة. كما واستحدث أبرشيات كلدانية جديدة في العراق والخارج ، وأسام في زمانه 23 مطراناً.

لقد امتاز البطريرك بولس شيخو بغيرة رسولية عالية، مقرونة بالكثير من التواضع والتجرّد. عاش متزهّداً، فقيراً ومتواضعاً، لكنه كان غنيّاً بالروح. استدعاه الرب ليكون بجانبه، صبيحة يوم الخميس الموافق في 13/04/1989م في غرفته المتواضعة في الدار البطريركية في السنك.

تقاطر الاساقفة الكلدان الى بناية الدير الكهنوتي في الدورة، في شهر أيار من سنة 1989م والمكرّس للعذراء مريم، لاختيار بطريرك للطائفة. وبعد الرياضة الروحية واستلهام الروح القدس، انتخب الاباء الاجلاء مار روفائيل بيداويد مطران بيروت على الكلدان بطريركاً وذلك في 21/05/1989م. ومن أهم الانجازات التي قام بها: تأسيس كلية بابل الحبرية للفلسفة واللاهوت في 18/08/ 1991، وأناط عمادتها بالاب الدكتور يوسف حبي. اصدار مجلـّة نجم المشرق البطريركية الفصلية وأناط رئاسة تحريرها بالاب الدكتور (المطران) جاك اسحق، وصدر العدد الاول منها في ربيع 1995 وهي مجلة دينية، ثقافية، واجتماعية. اقامة المؤتمر البطريركي العام للكنيسة الكلدانية في الربع الاخير من سنة 1995.

امتاز غبطة البطريرك بيداويد بحبه للانفتاح والتقارب بين الكنائس عامة، وفروع كنيسة المشرق خاصة. وعمل جهده في سبيل وحدة فروع كنيسة المشرق العريقة. وصدر في عهده البيان المشترك حول الكريستولوجي بين الكنيسة الكاثوليكية وكنيسة المشرق الاشورية سنة تشرين الثاني 1994م. وبعد صراع طويل مع المرض ولمدة سبعة أشهر، رقد على رجاء القيامة في احدى مستشفيات بيروت في 07/07/2003م، ودفن في كاتدرائية الملاك روفائيل في بعبدا برازيليا في بيروت.

كنيسة المشرق (الاشورية)

بعد اغتيال البطريرك مار بنيامين سنة 1918م، تمّ تنصيب أخيه مار بولس (شمعون العشرين) بطريركا حسب القاعدة الوراثية. لكن فترة رئاسته كانت قصيرة، فتوفي مريضاً سنة 1920م. ثمّ جلس على الكرسي البطريركي أخوه مار أيشاي (شمعون الواحد والعشرون) وحسب القاعدة الوراثية أيضاً وعمره انذاك 11 عاماً. لكن المفاوضات بينه وبين الحكومة الملكية العراقية فشلت في ايجاد حل لمشكلة أوضاع أبناء كنيسة المشرق الاشوريين في العراق. فقامت الحكومة العراقية بنفيه الى جزيرة قبرص في أيلول سنة 1933م، وذلك بعد أحداث سميل المؤلمة والتي جرت أحداثها بين 7-11 اب سنة 1933 وراح ضحيّتها عدد كبير من أتباع كنيسة المشرق.

انتقل البطريرك مار ايشاي الى شيكاغو في الولايات المتحدة سنة 1940م. وفي سنة 1954م، نقل الكرسي البطريركي الى مدينة سان فرانسيسكو- كاليفورنيا. في اب سنة 1973م، تزوّج البطريرك مار ايشاي خلافاً للقوانين الكنسية المعمول بها. وبسبب ذلك، دعا بعض المعارضين الى الطلب باستقالته وانتخاب بطريرك اخر. لكن قبل اجتماع السنهادوس المقرر عقده في بداية سنة 1976م، ق*ت*ل مار ايشاي شمعون أمام منزله في سان هوزيه في السادس من تشرين الثاني سنة 1975م.

التأم سنهادوس كنيسة المشرق (النسطورية) في شباط سنة 1976م في لندن لانتخاب بطريرك جديد. وتم انتخاب مطران ايران مار دنخا الرابع خننيا بطريركاً، ومن ثمّ تكريسه  في 17 تشرين الاول في كنيسة القديس برنابا غرب لندن. وهو أول بطريرك من غير عائلة مار شمعون، بعد أن الغي النظام الوراثي للمنصب البطريركي في هذه السلسلة البطريركية. كمّا تمّ تغيير الاسم الرسمي لهذه الكنيسة الى كنيسة المشرق الاشورية، وجعل مقر الكرسي البطريركي في كاتدرائية مار كوركيس في شيكاغو. ولا يزال مار دنخا الرابع على رأس كنيسة المشرق الاشورية.

بدأ مار دنخا البطريرك بالتقارب مع الكنيسة الكاثوليكية. وفي زمانه بدأت محادثات ومفاوضات مع الكنيسة الرومانية الكاثوليكية والكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في زمان الطيب الذكر غبطة مار روفائيل الاول بيداويذ، بغية التقارب والوحدة. ومن أهم ثمار التقارب، الاعلان الكريستولوجي المشترك بين الاب الاقدس البابا يوحنا بولص الثاني وغبطة البطريرك مار دنخا الرابع في تشرين الثاني سنة 1994م. وفي سنة 1997م، تمّ الاعلان عن قبول الاحتفال بسر الافخارستيا بين الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية وكنيسة المشرق الاشورية، اضافة الى فتح الابواب أمام اكليروس كنيسة المشرق الاشورية، للدراسات العليا في الجامعات الكاثوليكية. كما وان ابواب كلية بابل الحبرية للفلسفة واللاهوت للبطريركية الكلدانية لاعداد  الكهنة، مفتوحة أمام أتباع هذه الكنيسة.

كنيسة المشرق (الجاثاليقية القديمة)

أدّت الخلافات في النظام الوراثي البطريركي (بيت مار شمعون) لكنيسة المشرق النسطورية في منتصف القرن العشرين، اضافة الى ادخال التقويم الجديد في الطقس الكنسي، الى انشقاق عدد من أتباع كنيسة المشرق برئاسة المطرابوليط مار توما درمو مطران الهند سنة 1964م. حيث لم يوافق مار توما درمو على العوائد الجديدة، بل فضّل الابقاء على التقليد. وقام مار توما درمو برسامة ثلاثة أساقفة للكنيسة الجديدة تحت اسم (كنيسة المشرق الجاثاليقية القديمة)، ثمّ اختير بطريركاً وأسيم سنة 1968م في كاتدرائية مار زيّا في بغداد. لكنه توفي بعد فترة قصيرة سنة 1969م، واختير بعده مار ادّي الثاني سنة 1970م، وتمّ تكريسه بطريركاً في شباط سنة 1972م في كاتدرائية مار زيّا  (زيعا)  في بغداد ولا يزال على رأس كنيسة المشرق الجاثاليقية القديمة.

جرت عدّة محاولات بغية التقارب والوحدة بين كنيسة المشرق الاشورية وكنيسة المشرق الجاثاليقية القديمة، بعد الانقسام الذي شطر هذه الكنيسة للاسباب التي ذكرناها، لكن من دون نتيجة تذكر. نأمل أن يتجاوز رؤساء وأساقفة الكنيستين الخلافات بينهما، وأن يستنيروا بارشادات الروح القدس وتعاليم المسيح لكي تتحقق الوحدة المنشودة، لا بل أن تشمل الوحدة جميع الكنائس كما أرادها الرب.

سامي خنجرو – استراليا

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!