آراء متنوعة

تزوير رسمي في العملة الليبية

تزوير رسمي في العملة الليبية

جهات ليبية رسمية تتولى بيع الفئة المزورة من الأوراق النقدية في الأسواق وتوزعها على المصارف والتجار وتفرض عقوبات على من يبدي ولو بعض التحفظ في التعامل مع تلك الأوراق.

الليبيون يستجيرون بالعملات الأجنبية
الولايات المتحدة تسعى إلى إحداث إدارة فعالة وشفافة وموحدة للموارد العامة تمكن المصرف المركزي الليبي من وضع سياسة نقدية ناجعة، وهو ما تم الاتفاق حوله يوم الجمعة الماضي، بين محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير والمبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا السفير ريتشارد نورلاند ونائب وزير الخارجية الأميركي جوش هاريس خلال لقاء جمع بينهم في واشنطن.

بعد يومين على اللقاء نشر مصرف ليبيا المركزي تسجيلا مصورا يوضح كيفية التمييز بين العملة المعتمدة والمزورة من فئة الـ50 دينارا، حيث أشار إلى وجود أربع نسخ متداولة منها اثنتان صحيحتان واثنتان مزورتان، ولفت إلى أن من الممكن التمييز بين النسخ الصحيحة والمزورة بالعين المجردة، وحدد 29 أغسطس 2024 كآخر أجل لقبول العملة من المتعاملين مع المصارف.

قضية الأوراق النقدية المزورة من فئة 50 دينارا، أثبتت أن الموضوع ليس جديدا، وهو مرتبط بأجهزة رسمية تستهدف تمويل مشاريعها والحصول على مبالغ ضخمة من العملات الأجنبية من خلال المضاربة التي أصبحت جزءا أصيلا من الحركة المالية في البلاد. وكان واضحا إصرار سلطات المنطقة الشرقية على اعتماد تلك العملة بفرض عقوبات مشددة على من يرفض التعامل بها.

◄ بقرار سحب الأوراق المزورة، سيستفيد المركزي الليبي من استيعاب مليارات الدنانير المخبأة في مخازن المحتكرين والمهربين… ومن الطبيعي أن تكون نسبة مهمة منها مجرد أوراق مزيفة ودون رصيد

في أواخر فبراير الماضي، قالت الحكومة المكلفة من مجلس النواب إن رفض بعض المحال والمراكز التجارية قبول العملة الليبية فئة 50 دينارا من المواطنين أمر يجرمه القانون، ويؤثر على الاقتصاد الوطني، واعتبرت أن “قرار إصدار فئات العملة وسحبها من التداول يجري وفق تشريعات نافذة وقانون المصارف من اختصاص محافظ المصرف المركزي ونائبه ولا بد أن تصدر بموافقتهما ويسبق التنفيذ تنبيه وفترة زمنية لا تقل عن ستة أشهر حتى تسحب العملة نهائيا من التداول، وهذا لم يحصل”.

حكومة أسامة حماد أوضحت أن “المعلومات المتداولة بين المواطنين حاليا ليس لها أساس قانوني أو إجرائي وفقا للتشريعات النافذة، ورفض العملة المتداولة قانونا يعد ج#ريم*ة معاقبا عليها بموجب قانون العقوبات الليبي، ويؤثر في الاقتصاد الوطني والتداول التجاري بين الناس، ونطمئن الجميع بأن جميع فئات العملة الليبية قابلة للتداول بشكل طبيعي سواء بين الأفراد أو المؤسسات المصرفية أو الجهات العامة”.

في الأول من مارس، نفت السفارة الروسية لدى ليبيا الأنباء المتداولة بشأن وجود مطبعة روسية بمزرعة في ضواحي مدينة بنغازي تقوم بتزوير عملات ليبية فئة الـ50 دينارا.

ووصفت السفارة، في منشور عبر صفحتها على فيسبوك، هذه الأنباء بـ“الأكاذيب” بهدف “تغيير وجهة نظر وأفكار الشعب الليبي عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء ارتفاع سعر الدولار المفاجئ”. واعتبرت أيضا أن “من نشر هذه الشائعات يسعى إلى إثارة الفتنة وتعميق الصدع بين الليبيين”. وكانت هناك تقارير ليبية تقول إن الروس جمعوا من المتاجرة بالعملة المزيفة حوالي 200 مليون دولار لفائدة شركة “فاغنر”.

وكان مصرف ليبيا المركزي تطرق إلى تخوفه من “ارتفاع معدلات التزوير فيها واستمرارها، واتساع نطاق تداولها وتعذُّر تمييزها من قبل المواطنين”. وإلى حد الآن، هناك أربع نسخ متداولة في السوق، نسخة تحمل توقيع محافظ المصرف الصديق الكبير وتعود إلى عام 2013 وهي مطبوعة في بريطانيا، والنسخة الثانية المتداولة عليها توقيع نائب المحافظ السابق علي الحبري، وجرت طباعتها في روسيا في العام 2019. أما النسخة الثالثة، التي تحمل أيضا توقيع الحبري، والمعنونة بإصدار يحمل الرقم اثنين، فهي عملة مزورة ومطبوعة بواحدة من دول أوروبا الشرقية وليست روسيا، وتبدو عالية الجودة، ولها مواصفات وخصائص مختلفة عن الإصدارات الصحيحة. وتحمل النسخة الرابعة كذلك توقيع الحبري، وهي مزورة أيضا، ويمكن اكتشافها باستخدام الماسحة الضوئية.

هذه المعطيات تضعنا أمام جملة من الفرضيات، منها أن عمليات التزوير قد تكون طالت أوراقا نقدية أخرى، وأن هناك تكتما على ذلك، وإن كانت نتائج الفوضى المالية تبدو واضحة للعيان من خلال تدهور وضعية العملة المحلية أمام العملات الأجنبية.

◄ قضية الأوراق النقدية المزورة أثبتت أن الموضوع ليس جديدا، وهو مرتبط بأجهزة رسمية تستهدف تمويل مشاريعها والحصول على مبالغ ضخمة من العملات الأجنبية من خلال المضاربة

أما بخصوص اعتبار فئة الخمسين دينارا عملة اكتناز غير متداولة بين عامة الناس في المعاملات اليومية، وتستخدم في بعض الأنشطة غير المشروعة قانونا، فإن الموضوع له عدة أوجه تتعلق بالتهريب والمضاربة واحتكار العملة المحلية لدى تجارها الكبار في الداخل وفي دول الجوار، والأهم من ذلك أن جهات رسمية تتولى بيع تلك الفئة من الأوراق النقدية في الأسواق وتوزعها على المصارف والتجار وتفرض عقوبات على من يبدي ولو بعض التحفظ في التعامل مع تلك الأوراق وخاصة المعروفة لدى الغالبية الساحقة من الناس بأنها مزورة.. ولكنها يمكن أن تساهم في إعادة الإعمار.

والمعروف أن المصرف المركزي تأثر كغيره من المؤسسات الليبية بالانقسام السياسي الذي بدأ عام 2014، وتبعا لذلك انقسم إلى مصرفين، الأول في طرابلس، وينال اعترافا دوليا، برئاسة الصديق الكبير، فيما كان الثاني يعمل من مدينة البيضاء، شرق البلاد، برئاسة علي الحبري، قبل إقالته من مجلس النواب في مارس 2021 واختيار مرعي مفتاح رحيل بديلا له، وفي أغسطس 2023 أعلن رسميا عن إعادة توحيد المصرف، لكن الوضع المالي ازداد تعقيدا بشبه انهيار العملة المحلية أمام العملات الأجنبية.

الآن، وبقرار سحب أوراق الخمسين دينارا، سيستفيد مصرف ليبيا المركزي من استيعاب مليارات الدنانير المخبأة في مخازن المحتكرين والمهربين والصرافين، ومن الطبيعي أن تكون نسبة مهمة منها مجرد أوراق مزيفة ودون رصيد، وكذلك سيكون من المنتظر طبع المزيد من الأوراق المزورة وترويجها في الأسواق لتجد ضالتها إلى المركزي ويستفيد من ورائها اللصوص ودواعش المال العام ممن لا يستطيع أحد ملاحقتهم أو التشكيك في ذمتهم المالية طالما أن عمليات التزوير تجري تحت عيون السلطات الحاكمة. لكن بالمقابل، سيتسبب ذلك في فقدان أغلبية الليبيين الثقة في العملة المحلية وسيتجهون لاستبدالها بالعملات الأجنبية، وهو ما سيؤدي إلى حالة من التضخم غير المسبوق.
الحبيب الأسود
كاتب تونسي

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!