مقالات عامة

رحلة سريعة في المجتمع البغدادي

بقلم |مجاهد منعثر منشد
اجمل ما هذه الحياة هو التحضر في واقع مرير دعواته تسير نحو المجهول .
مع بزوغ الصباح في وسط الازدحام المروري تقف الحافلات ومختلف انواع العجلات وهي تكتظ بالناس … مجاميع تذهب الى العمل , واخرى لقضاء حوائجها في الدوائر الخدمية ..
واصوات المسجلات وراديو الحفلات متنوعه في موقف واحد, ذاك ترتيل القران الكريم , وهذا دعاء …والبعض موسيقى كلاسيكيه , واخرين غناء .
والاغلب الاعظم في ذلك المجتمع يتعامل بأسلوب اخلاقي جميل انطلاقا من الكلمة الطيبة صدقة .
ورغم الاستياء الشعبي ضد ساسة العراق , الا ان الشعب يحول خلق اجواء حضارية فيما بينه .
وبشكل تلقائي يحاولون تقديم الخدمات لبعضهم البعض , فتلك امرأه كبيرة السن ينهض الشاب من مقعده في بداية الحافلة لتجلس تلك السيدة وهو يذهب الى مقعد اخر في مؤخرة العجلة .
والسائق لا يتحرك الا بعد ان تجلس هذه المرأة لكي يحافظ على استقرارها اثناء الجلوس .
والصورة الاخرى عندما تصعد السيدة او الفتاة ان كانت موظفة او طالبه او لديها حاجة تروم قضائها في مكان ما , فأنها تلقي السلام على الركاب جميعا ,وعندما تريد الجلوس على الكرسي يباشر الشخص المجاور بفتح المقعد ليسهل لها الجلوس في المكان المختار من قبلها .
وبعض الفتيات صغيرات الاعمار تستخدم اسلوب رائع عندما تتنقل لجامعتها او المدرسة ,فاذا لم تجد نساء تجلس بجوارها تختار الجلوس بجوار كبار السن , وهذا التصرف يوحي بأنهن يتجنبن المشاكل او الاحتكاك ببعض ضعفاء النفوس من المراهقين .
وهناك سائق سيارة اجره متوسط العمر اصطدمت مقدمة عجلته باخرى سائقها صغير السن ,فنزل الاخير يبرز عضلاته لكنه لم يتلفظ كلمات بذيئة , فكانت كلمته ماذا فعلت يا حاج ؟
رد الحاج .. عمي بخدمتك .. ولا اقول لك من على خطاء ..لكن يكفيك 250 الف دينار للتصليح ؟
قال صغير السن .. عمو انا ليس كبير بخت اغرمك وانت على باب الله .
تصافحا واحدهم يقبل الاخر ..وقلنا لهم بارك الله فيكما وانطلق كل منهم لحاجته ..
وربما هي حالة نادرة او فريدة من نوعها لكن هذا ما رأيناه بأم اعيننا في بغداد منطقة الكاظمية .
واثناء مراجعة دائرة جنسية الكرخ في ساحة النسور وهي للمرة الثانية خلال شهر واحد , رايناها دائرة مثاليه في هذا الوقت العصيب , وفعلا يجوز لنا ان نطلق عليها دائرة نموذجية في انجاز المعاملات , فاذا علموا بالمواطن من محافظة بعيدة اسرعوا اكثر في الانجاز , فلا يتأخر الموطن فيها سوى نصف ساعة واذا كان عدد المراجعين كثير فساعة واحده , فضلا عن رقي الاخلاق الطيبة في التعامل مع الناس .
أما المشاكل المجتمعية في بعض مناطق بغداد , فغلبت عليها الحلول العشائرية دون الرجوع للاجهزة الامنية المختصة , وتكاد ان يتغلب عليها ذلك الطابع في عموم المحافظة حتى تشعر بانك تعيش بين مجتمع عشائري , ونعوز ذلك لعدم سيطرة الاجهزة المختصة على كثرة المشاكل ,وبنفس الوقت غياب القانون وسط العاصمة في بعض المناطق .
وربما هذا هو السبب الرئيسي الذي جعل الكثير من الاسر والعوائل تعود لجذورها العشائرية لتختار ممثلا عنها ينوب عن الشيخ العام .
ولكن بعض الممثلين يستغلون هذه الحالة من أجل استنزاف اموال من يتبعونهم , وربما يغيرون الحق فيجعلونه باطل لأجل كسب الاموال .
وهذا يعيدنا الى الصور الاولى التي ذكرناها في مقدمة المقال حيث تتجنب الناس المشاكل بأسلوب التعامل الاخلاقي فيما بينهم ..فهذا هو التحضر بعينه خلق جو هادئ وقطع الطريق على كل انتهازي يحاول التلاعب بقوت الناس .

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!