مقالات عن مانكيش

تقديم كتاب/ مسيرتي الحياتية على درب الرب للمونسينيور داود بفرو

تقديم كتاب/ مسيرتي الحياتية على درب الرب

للمونسينيور داود بفرو

د. عبدالله مرقس رابي

كتابة السيرة الذاتية للمرء في غاية الاهمية، بالاخص لهؤلاء الذين تقلدوا أدواراً قياديةً في مجتمعاتهم المحلية، والمبدعين في المجتمع، وذوي التأثيرات الواضحة لتغيير المجتمع أو المؤسسة التي يعملون فيها نحو الافضل في مختلف الميادين الحياتية، الاجتماعية والدينية والسياسية والاقتصادية وغيرها. حيث تدوين المسيرة الحياتية تعد وسيلة  لكشف العبر والخبرات والتجارب والمهارات والكفاءات التي تمتع بها صاحب السيرة، وكانت سبباً لنجاحه وتفوقه والتغلب على المواقف الصعبة وأجتياز المحن، لتكون دليلاً للقارىء لغرض الاستفادة منها والاقتداء بها في تطلعاته العملية والفكرية.

السيرة الحياتية لاتخص صاحبها فقط، بل تتعدى الى المجتمع ككل أو المجتمع المحلي أو المؤسسة التي يعمل فيها، ذلك لعدم وجود كائن بشري يعيش لوحده معزولا عن الاخرين. لكي يستمر الانسان في الحياة لابد أن أن تكون حياته عبارة عن تفاعلات أجتماعية متنوعة على كافة الاصعدة الحياتية من خلال الأخذ والعطاء، وتبادل الخبرات، وأكتساب السمات الموجبة التي تروق لحياته العملية والاستفادة منها.

بالاضافة الى أن الانسان نفسه يحمل سمات وراثية ودوافعَ، يتمكن من خلالها التأثير على البييئة الاجتماعية التي تحيط به سواء كانت بيئة العمل أو غيرها، فالشخصية المؤثرة في مجريات الامور تتميز بخصال وقدرات ذاتية تتفاعل بدورها مع ما يكتسبه الانسان، وبهذا كل ما أنجز الفرد من عمل أو تفوقٍ لابد أن يكون من خلال ذاته مقروناً بالتفاعل مع الاخرين، أي المسيرة الحياتية ليست ملك صاحبها فحسب، بل لكل من أحاط به.

عزيزي القارىء، ستقرأ في هذا الكتاب صفحات مُشرقة ومحطات من سفر الحياة الكهنوتية لكاهن سميته بعد أن راجعتُ مسيرته (كاهن المهمات الصعبة). وذلك لخدمته في كنائس لثلاث مناطق مختلفة في ظروفها السياسية والامنية والاجتماعية والاقتصادية والطبيعية، ولما أحتوت من أحداث مؤلمة ومواقف مُثيرة ومُدهشة، ولتمتعه بشخصية تتميز بالحيوية والنشاط والكفاءة والمهارة وحُسن الادارة والقابلية لاتخاذ الاجراءات المناسبة في خضم الاحداث، والمثابرة والصبر والفطنة، كلها مكنته من التغلب على الصعاب والاحباطات والمآسي التي واجهته من جهة، ومن جهة أخرى مكنته من تحقيق النجاح والتفوق والجودة في العمل والادارة التي كُلف لادائها. بالاضافة الى أن أتقانه اللغات: الكلدانية والعربية والكوردية والفرنسية والانكليزية ساهم في التكيف وتسهيل عملية بناء العلاقات الاجتماعية مع الاخرين في المجتمع وأنجاز نشاطاته الروحية.

تعرض المونسينيور داود بفرو في  مسيرته على درب الرب بين فترة وأخرى الى أكثر من ثلاث مواقف خطرة ومأساوية، تكاد تُنهي حياته، ولكن مشيئة الرب كانت حاضرة لانقاذه. ولم يفقد الامل في تواصله لتقديم رسالته الكهنوتية، بل زادته أيماناً وعزيمةً وصبراًوقوةً. وعليه بالرغم من ذلك سنلاحظ  أينما حل من مركز ديني أو كنيسة لاداء واجباته كانت آثار نشاطاته واضحة للعيان، إذ بذل جهوداً استثنائية في أدارتها روحياً لاحياء والنهوض بتلك المراكز الدينية التي أستلمها، وهي تعاني من نواقص متعددة من حيث المستلزمات والمتطلبات التي تُساعد الكاهن لتأدية دوره الروحي.

كما سيتبين من قراءة الكتاب، ما بذل المونسينيور بفرو من جهود إستثنائية قلَّ مثيلها، في رئاسته لاخوية المحبة (الكاريتاس العالمية) فرع العراق بين عامي 1991-2001، وفي نفس الوقت مارس خدمته الكهنوتية في كنيسة مارتوما الكلدانية في النعيرية/ بغداد، والتي بلغ عدد العوائل المشمولة بالخدمة اكثر من 3000 عائلة، لتكون اكبر خورنة في العراق.

حقق في الفترة المذكورة في كلا الخدمتين، اهداف نقل البشرى لكلمة الله روحياً ومادياً للإنسان الذي اوصانا به الرب، فالكل بحاجة الى معرفه الله وطريقه، ووصاياه، وسبل الخلاص، وهذه تحققت بالخدمة الكهنوتية، وكما هناك الكثير الذين افتقروا الى لقمة العيش والكساء والمسكن والدواء واوصانا الرب لزيارتهم ورعايتهم وتلبية حاجاتهم، وهذه تحققت من خلال اهداف اخوية المحبة، محبة الجميع، محبة الفير المحتاج في احلك الظروف واقساها، مثل الظروف التي افرزها الحصار الاقتصادي الذي فُرض على العراق آنذاك لاكثر من عشر سنوات.

سرد الاب داود بفرو كل الوجوه في سيرته الكهنوتية وفي كل مراحلها الزمنية وأماكن تأديتها، فذكر ما أفرحه وأبهجه، وما ألمه وأحزنه وأقلقه وأحبطه نفسياً، وما تعرض له من مواقف أيجابية أو سلبية مع من عملبشكل عام، ومع بعض من رؤسائه الروحانيين. تحدث عن كل المواقف التي تعرض أليها في حياته سواءً التي أعجبته وأدهشته أو تلك التي أثبطته أحياناً وتألم من جرائها، ومبيناً ردود افعاله الشخصية لتلك المواقف المُثيرة. وعليه أستنتجتُ من طرحه أنه لم يُجمِّلْ مسيرته الحياتية الكهنوتية، بل كتب بكل أمانة وثقة بالنفس كل الاحداث الجميلة والمؤلمة، المُفرحة والمُحزنة.

تبين أن المسيرة الحياتية على درب الرب للمونسينيور بفرو ليست مجرد سرد تاريخي للأحداث والمواقف أو سيرة شخصية للأطلاع، بل هي رسالة روحية وعملية جراء الدور المؤثر الذي لعبه في ممارسة واجباته ونشاطاته منذ تسلم مهامه الكهنوتية بدليل النتائج المثمرة والايجابية التي خلفها جراء عمله الروحي. وعليه ممكن أن يصلح الكتاب مصدراً للاخرين ورسالة واقعية لكل فرد لتفهم معنى الكهنوت وما يتميز به الكاهن من سمات شخصية تساعده وتؤهله للعمل الكهنوتي.

يتكون الكتاب من 142 صفحة من الحجم المتوسط، ويحتوي على خمسة فصول غطت محطات حياته الكهنوتية، الفصل الأول، تناول فيه نبذة مقتضبة عن قريته منكيش حيث مسقط راسه، وطفولته، وقصته الطريفة عن تلبيته الدعوة الكهنوتية، وثم دراسته في معهد مار يوحنا الحبيب الكهنوتي في الموصل والى يوم رسامته. اما الفصل الثاني، فاشتمل، خدمته في ابرشية العمادية، وقصة الحادث الماساوي الذي تعرض له، ورحلته الى بغداد للعلاج.

بينما احتوى الفصل الثالث مسيرته الكهنوتية الحافلة في كنائس بغداد/ ابرشية البطريركية، ويطلعنا في الفصل الرابع على مزاولته رئاسة اخوية المحبة الكاريتاس العالمية، فرع العراق، الى جانب الخدمة الروحية في كنيسة مارتوما، والاحداث التي تعرض لها، وأخيرا الفصل الخامس، عرض مسيرته الكهنوتية من يوم مباشرته في كنيسة العائلة المقدسة في مدينة ويندزور الكندية/ ابرشية مار ادي الكلدانية والى يوم تقاعده عن الخدمة. ويحتوي كل فصل، صور جميلة تعبر عن وقائع مسيرته الكهنوتية على درب الرب.

وأخيراً لي الشرف الكبير أني تلمذتُ على يده لاعدادي للتناول الاول في كنيسة ماركوركيس الشهيد الكلدانية في منكيش عام 1966 وثم تدريسي اللغة الكلدانية. واليوم لي فخرٌ كبير لتقديمي ومراجعة وتنقيح كتاب سيرته الكهنوتية على درب الرب.

الكتاب متوفر حالياً في مكتبة كنيسة مار يوسف في مدينة ديتروت الامريكية، وفي مكتبة كنيسة العائلة المقدسة في مدينة ويندزور الكندية.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
2 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
د. نزار مَلاخا
د. نزار مَلاخا
2021-04-03 06:59

الاخ الدكتور عبد الله مرقس رابي المحترم ،
وانت اني عن التعريف ورائع في التقديم احسنت وابدعت في تقديم السيرة الذاتية لِعَلَم من اعلام منگيش بهذه الصيغة المشوقة والسرد المُحَبَب، اقول ” عَلَمْ يُقّدم كتاباً لِعَلَم. شوقتنا من خلال هذا التقديم الى قراءة المزيد عن الصفحات المطوية من سيرة حياة هذا الكاهن ، سؤالي هل هناك عنوان تراسل معه للحصول على الكتاب القَيّم.
تحياتنا وتقديرنا للاستاذ الدكتور عبد الله رابي وفقكم الرب لخدمة الانسانية. خالص تقديري واحترامي.
اخوكم د. نزار مَلاخا

زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!