مقالات عن مانكيش

منكيش الجمال والعطاء / المحاصيل الزراعية الصيفية /الحلقة25

الدكتور عبدالله مرقس رابي
منكيش الجمال والعطاء
المحاصيل الزراعية الصيفية / الحلقة25د . عبدالله مرقس رابي
باحث أكاديمي

بعد أن بحثت في المقالة السابقة اهم المحاصيل الشتوية ، ساتناول في هذه المقالة أهم المحاصيل الزراعية الصيفية التي اشتهرت بها منكيش .وهي المحاصيل الناجمة من المزروعات التي تنضج في فصل الصيف أو بداية الخريف ،ومن أهمها :
الح*بو-ب:
تشمل الرز والحمص والعدس والماش والسمسم، وأما الدخن وقد كانت زراعته منتشرة في الماضي ،ولكن بعد دخول الحنطة والرز تلاشت زراعته في مزارع القرية .

زراعة الحنطة

زراعة الرز:
الرز من المزروعات التي تحتاج الى مياه وفيرة ،وعليه اعتمد المزارعون على كمية الامطار والثلوج الساقطة في فصلي الشتاء والربيع لكي تزداد نسبة المياه الجوفية وتتدفق العيون الطبيعية ،ولكي تستمر مياه النهر الجنوبي لفترة طويلة في فصل الصيف لسقي المناطق المزروعة به .ولهذا انتشرت زراعة الرز في منكيش في الاراضي التي تسقيها العيون الطبيعية مثل عين رابي وعيون المنتشرة في مركا زورا ومركا دأقلج ،وايضا في المنطقة المحايذة للنهر للاستفادة من مياهه وبالذات في كلي زرو .
كانت زراعة الرز بالدرجة الاساس للاكتفاء الذاتي ،ونادرا كان المزارع يبيع ما يزيد عن استهلاكه السنوي. وأما طريقة زراعته فتبدأ بتحضير الارض المخصصة في فصل الربيع وتحديدا في بداية شهر ايار.وثم تقلب التربة والمياه تسري فوقه وكانت تسمى محليا ” ركيلا ” وكانت الارض المحروثة تنظم بمسطحات هندسية لكي تنحصر المياه فيها وتسمى ” مشارة “،ويحتاج المزروع الى عناية ومتابعة دائمة تختلف عن زراعة الح*بو-ب الاخرى .فكما قلت يجب ان تكون المياه مستمرة في وجودها بالمسطحات ،وتنقية المزروع من النباتات بين فترة واخرى وتسمى ” أيادة “والى موسم الحصاد التي تبدأ في منتصف شهر ايلول .
كانت طريقة الجني والتنقية تقليدية ،حيث يتم حصاده بالمنجل ، وينقل مباشرة الى البيدر الذي يُهيؤه المزارع بالقرب من المزرعة ويُدرس بواسطة ثلاث او اربعة من الثيران يستعيرهم المزارع من الفلاحين الاخرين في القرية . وقد تقلصت زراعة الرز في منكيش وبالاحرى تلاشت في السنوات الاخيرة كليا وذلك لسببين رئيسيين وهما : منافسة انواع الرز المستوردة والجاهزة للطبخ في الاسواق المحلية ،وثانيا أنحسار سقوط الامطار والثلوج في المنطقة منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي .
أما المزروعات الاخرى من الح*بو-ب:
الحمص الذي انتشرت زراعته في منكيش حيث تبدأ زراعته في بداية فصل الربيع ،وفي نهاية الصيف يُحصد أيضا بالطرق التقليدية ،وكان الافراد يقطفون منه وهو في حالة النضج الطري ،أي لايزال أخضرا لتناوله ،حيث كان طيب المذاق.وقد انتشرت زراعته في جميع النواحي من اراضي القرية لخصوبتها.

الحمص الاخضر

وانتشرت زراعة العدس ،ولكن بكميات محدودة ،واما السمسم فقد تمت زراعتها بشكل محدود وهو من المزروعات التي تحتاج الى المياه في فصل الصيف . ومثله الماش ،وعباد الشمس.جميعها كانت للاستهلاك الذاتي .
الخضراوات:
تنوعت زراعة الخضراوات في حقول منكيش الزراعية  وكانت من الموارد الاساسية للمعيشة والغذاء أضافة الى الح*بو-ب ولم يستغن عنها المنكيشيون في السابق ،ولهذا انتشرت زراعة الطماطة بالدرجة الاساس وتوسعت الاراضي المزروعة بها بعد السبعينيات من القرن الماضي وذلك لتحسين زراعتها من قبل الدولة لخصوبة التربة في حقول منكيش ، وتشجيع المزارعين لزيادة الانتاج ،حيث سُهلت عملية نقله أو شرائه من المزارعين بعد أستحداث مجمع لتسويق الخضراوات في منكيش في العقد المذكور.وكانت تدر ارباحا كبيرة للفلاحين.
أما الثوم ،فاشتهرت البلدة بزراعته قديما وحديثا ،وانتشرت عند عدد كبير من الاهالي ،لزيادة الطلب عليه في الاسواق ،كان المنتوج يُباع مباشرة الى تجار قادمين من الموصل الى منكيش ،فيشحن الى الاسواق ،وكان معروفا لجودته في الاسواق الموصلية وفي دهوك ،حيث كان بامكان المتجول في اسواق المدينتين سماع مناداة الباعة عبارة ” ثوم منكيش أحسن ثوم “،وقد سمعتها شخصيا عندما كنت اعيش في مدينة الموصل منذ سنة 1985.
وانتشرت زراعة البصل أيضا في مزارع منكيش وتم استغلاله للبيع كالثوم ،وهو ايضا يُباع مباشرة للتجار القادمين من المدن أو بعد استحداث مدينة دهوك كمحافظة ،بدا الفلاحون بتسويقه الى علوة دهوك .
ومن الخضروات الاخرى التي انتشرت زراعتها في حقول منكيش المحيطة بالبلدة من كل النواحي في الماضي القريب هي : الباذنجان والخيار المائي والقثائي واللوبيا والفاصوليا والباميا والقرع بانواعه والسلق والشوندر والفجل ،معظمها كانت لاستهلاك الاسرة ،الا قليلا منها كان للبيع في الاسواق المحلية .
الفواكه:
أشتهرت منكيش بزراعة الفواكه على مختلف أنواعها ،فمعظمها كانت تعد بمثابة المورد الاساسي للاسر المنكيشية وابرز هذه الفواكه هي :
الكروم :
عُرفت زراعة الكروم منذ القدم في منكيش ، وكانت المورد الاساسي للعديد من الاسر في الماضي ،فنجد في كل صوب من عقار البلدة مساحات شاسعة مزروعة بالكروم،ومن أنواع العنب التي أشتهرت فيه هي : الزرك ذات الحبة المدورة،الطيفاني ، السليماني الاسود ،وأنواع اخرى متنوعة .كانت زراعة الكروم والعناية بها تقليدية .فحراثتها تتم عن طريق ” المسحاة ” التي تبدأ مع بداية فصل الربيع ،وبعدها تبدأ عملية تنظيف شجرة العنب من الاغصان الزائدة لكي تفسح القدرة للاغصان الاساسية وثم يكون الانتاج وفير .

عنب الكروم الابيض

أما في موسم الجني ففي الماضي كان جميع أفراد الاسرة ينتقلون الى الكروم ،وكان حوالي 80% من العوائل تغادر القرية الى الكروم كبارا وصغارا رجالا ونساءا وحتى الاطفال في المهد، ومعهم الحاجات الاساسية من المأكل والمشرب والملبس، وأيضا يحملون معهم الحيوانات الداجنة كالدجاج والماعز والكلاب والقطط .يمكثون شهرا كاملا من بداية شهر ايلول والى نهايته،وكان يصادف هذا الموسم عيد الصليب فتمارس طقوسه في الكروم باشعال النار .
كانت كل أربع اسر أو أكثر تتجمع للاقامة معا في الكرم الذي يتوسط الكروم الاخرى ، وسمي هذا التجمع ” زوما ” ،وكان تجمعهم لاسباب أمنية وتعاونية وترفيهية ،حيث الشباب منهم يتناوبون على الحراسة معتمدين في معرفة انتهاء النوبة على طلوع النجوم كالثريا والميزان والزهرة ونجمة الصبح .
كان محصول العنب في السابق لا ينقل الى الاسواق مباشرة لبعد المدن وضعف وأنعدام وسائل النقل السريعة ،ولهذا فضل الاهالي تحويل العنب الى الزبيب للمتاجرة به – كما سنبين لاحقا – .وعليه فالهدف من
من أنتقال الاسرة الى الكرم هو من أجل تحويل العنب الى الزبيب ،وتسمى محليا ” طماشا ” ،أي طمس العنب في الماء المستحضر خصيصا لذلك ويسمى ” زركي” التي هي عبارة عن رماد مخلوط مع الماء ،وبعدها يتم تجفيف العنب المغموس بالمحلول  بعرضه على الشمس ” مشطاخا ” ليتحول الى الزبيب،وثم يُنقل الى البيوت لخزنه لحين لغرض الاستهلاك الذاتي أو للبيع .
وكان لوجود العوائل في كرومهم لجني العنب يعبرون عن فرحهم بالرغم من الجهود والمعاناة التي قد تعرضوا لها ولكن عند المساء يجتمعون مع بعضهم فرحين مسرورين ، يقضون مساءَهم بالاحاديث الشيقة وبعض الاغاني الفردية، وغالبا ما كان كبار السن يقصون على المجموعة القصص الشعبية الى ان تثقل عيونهم ويسرقهم النوم فيأتي الصباح وانهم قد استعادوا قواهم ويبدأ اليوم الجديد بطاقة حيوية وهكذا لمدة شهر واحد وثم يرجعون الى القرية .
ومن الفاكهة الاخرى التي انتشرت في بساتين منكيش الجميلة هي : الرمان بانواعه والتفاح بانواعه والمشمش والتين بانواعه والكمثرى بانواع مختلفة ايضا والخوخ والعنجاص . وقد انتشرت البساتين المزروعة بمختلف هذه الفواكه ،فاحاطت القرية من شمالها الشرقي والى شمالها الغربي وفي جنوبها فاضفت عليها منظرا جميلا جذابا في فصلي الربيع والصيف ،وفي العقود الثلاثة الاخيرة من القرن الماضي انتشرت زراعتها في أماكن متفرقة من عقارات منكيش بكل الاتجاهات . وقد كانت في الماضي زراعة هذه الفواكه للاستهلاك الاسري ،ثم بعد السبعينيات من القرن الماضي توسعت زراعتها واصبح المحصول وفيرا لاستحداث دائرة الزراعة في البلدة ولكن تقلصت تدريجيا لاسباب ساذكرها لاحقا .

الرمان

محاصيل زراعية اخرى
المكسرات :
انتشرت في منكيش زراعة اللوز ،فكانت زراعتها في الكروم المنشرة على سفح جبل منكيش الممتد شرقا والى غربا جنوب منكيش ، وقد كانت تثير البهجة والانشراح للناظر من القرية نحو الكروم في فصل الربيع حيث قد بسقت بازهارها الناصعة الوردية أشجار اللوز ، لتكون منظرا جذابا رائعا جميلا- وقد وصفها وصفا رائعا الكاتب المبدع في احدى مقالاته المنشورة على موقعنا فرنسو كلو وباللغة الانكليزية- وأيضا من المكسرات التي وجدت في منكيش هي ” حبة الخضرة ” “بطمي ” وقد عُرفت مناطق خاصة في زراعتها مثلا ” قاطا رابا ” مركا زورا “و” مركا دأقلج “وبطمي دحنكرا وفي جنوب شرقي القرية بالقرب من عين رابي كوريال . وقد كانت زراعتها للاستهلاك الذاتي أو للبيع أحيانا.
التوت :
ازدهرت زراعة التوت في منكيش قديما ،ذلك للاستفادة منه في تربية ” دودة القز ” التي انتشرت الى حوالي نهاية القرن التاسع عشر،ثم أُهملت تربيتها بسبب فرض الضرائب الباهضة من قبل الحكومة العثمانية على المربين.
التبغ :
وجدت زراعة التبغ في منكيش منذ القدم وأصبحت قائمة الى نهاية القرن الماضي ،وكان للاستهلاك الذاتي أو احيانا للبيع ولكن بشكل محدود.

على العموم كانت الزراعة في منكيش أساس الحياة الاقتصادية والمعيشية لسكانها منذ القدم ،فمعظم المحاصيل الزراعية كانت للاستهلاك الذاتي ماعدا العنب والتين حيث دخلت في التجارة قديما والى أماكن بعيدة ،وبعد تطور وسائط النقل دخلت زراعة الثوم والبصل كمحاصيل للتجارة .بينما ظلت الفواكه للاستهلاك الاسري لان نقلها بحاجة الى وسائط نقل سريعة ،فلهذا لم تدخل بالتجارة الى فترة السبعينات من القرن الماضي بعد ان استحدث كما اشرت مركز التسويق في البلدة وتطوير رعايتها وزراعتها من قبل دائرة الزراعة بتوفير ادوية مكافحة الحشرات والامراض الزراعية .
انما تقلصت الزراعة في منكيش مع بداية التسعينيات من القرن الماضي لاسباب متعددة منها :عدم استتباب الامن في المنطقة ،الهجرة الى المدينة التي بدات منذ منتصف الستينيات ،دخول ابناء البلدة الى المدارس ومواصلة دراستهم الجامعية فتركوا البلدة ومارسوا أعمالا أخرى ، منافسة الاسواق المحلية للمنتوجات الزراعية المحلية ، أنحسار الامطار مما أدى الى جفاف الينابيع الطبيعية ،اكتساح البساتين بالمباني السكنية لسوء التخطيط مؤخرا من قبل بلدية منكيش فكان من الافضل ان تبقى تلك البساتين ببذل الجهود من أجل توفير المياه لسقيها والتوجه للبناء نحو الشرق أو الغرب من منكيش. وهذه حالة عامة في البلدان النامية لعدم اعتمادها على الاسس العلمية في التخطيط الحضري .ولا تزال الزراعة تتخلف في بلدة منكيش يوما بعد آخر لعدم وجود الاهتمام من السلطة الاقليمية والمحلية بالرغم من أن في منكيش اراضي صالحة للزراعة لكن تحتاج الى من يطورها ويزرعها ويهتم بها .         ..

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!