مقالات

القضاةُ رُعاةُ العدالةِ …على خُطى الانبياء

السلطةُ القضائية هي الركيزة الاساسية لبقية السلطات والمجتمع فهي حامية القانون ومُطبقته ومُكملته، بما لها من استقلالٍ ومع المجتمع من جذور.
يسيرُ قُضاتها على خطى الانبياء فأن اصابو فلهم اجران وان اخطأوا فلهم اجر واحد بمنصبٍ تكليفي تشريفي لا ينالهُ الا من اختاره الله ليؤدي الامانة ويتحمل المسؤولية، فهم رُعاة العدالة يمتزج في حكمهم العلم والفن بما لديهم من صفاتٍ وما يُفرض عليهم من واجباتٍ و يُتطلب بهم من شروط، فإلى جانب علمهم بالقانون والعلوم الاخرى المساندة يتطلب فيهم (الفهم) ليصدرو حكما قضائيا يكسر جمود النص القانوني ويكون بمثابة اكسير الحياة لشبابه ورونقه وتجدده مع كل حالة وقضية معروضة.
وأكدَ ذلك قوله تعالى في سورة الانبياء(وَدَاوُۥدَ وَسُلَيْمَٰنَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِى ٱلْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَٰهِدِينَ فَفَهَّمْنَٰهَا سُلَيْمَٰنَ ۚ وَكُلًّا ءَاتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا) اذ خص الله عزوجل سليمان بفهم القضية وعمهما بالعلم ،ويذكر انه جاء رجل لقاضي البصرة (الياس بن معاوية) وقال له علمني القضاء ،فقال له ان القضاء لا يعلم ،انما القضاء فهم ،ولكن قل :علمني من العلم.
ويصف الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) إلى الاشتر النخعي من يصطفيهم للقضاء:( اختر للحكم بين الناس افضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور ، ولا تمحكه الخصوم ، ولا يتمادى في الزلة ولا يحصر من الفيء إلى الحق اذا عرفه ، ولا تشرف نفسه على طمع ولا يكتفي بأدنى فهم دون اقصاه ، واوقفهم في الشبهات وآخذهم بالحجج ، واقلهم تبرماً بمراجعة الخصوم ، واصبرهم على تكشف الأمور ، واصرمهم عند اتضاح الحكم ممن لا يزدهيه اطراء ولا يستميله اغراء ، واولئك قليل ، ثم اكثر تعاهد قضائه ، وافسح له في البذل ، ما يزيل علته ، وتقل معه حاجته إلى الناس واعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من
خاصتك ، فيأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك،فأنظر في ذلك بليغا).
ولما تقدم فأن اجتهاد القاضي يعد من مصادر الحكم الشرعي في الشريعه ويدل على ذلك ان الرسول محمد (ص) ارسل معاذاً قاضيا الى اليمن فقال له كيف تقضي اذا عرض لك القضاء؟ قال اقضي بكتاب الله ، قال : فان لم تجد قال: اقضي بسنة رسول الله (ص) ، قال : فأن لم تجد قال : اجتهد ولا ألو ، قال فضرب رسول الله ﷺ على صدري وقال : الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي الله) ، كما يعد القضاء مصدرا استرشاديا للقانون الوضعي حسب ما جاء بالمادة (1) من القانون المدني .اما بالنسبة للقانون الجزائي فان القاضي بما له من سلطة في تكييف الوقائع يجعله منبرا لتحقيق القدر الممكن من العدالة والتخفيف من حدة عمومية النص القانوني وتجريده، واكثر ما يظهر ذلك في القضايا الجزائية من خلال اعطاء القاضي الجنائي السلطة التقديرية في تفريد العقوبة الملائمة ومنحة الحرية في الاقتناع ، ولا يتعارض مع مبدأ مساواة الافراد امام القانون، بل على العكس يسعى إلى تحقيق العدالة من خلال الملائمة بين الظروف الواقعية للحالة المعروضة عليه والعقوبة التي يقررها، مع مراعاة شخصية مرتكب الج#ريم*ة والعوامل التي دفعته إلى الاجرام حتى تتحقق غاية القانون في تحقيق العدالة وغاية
الجزاء الجنائي في التاهيل والاصلاح ويكون ذلك من خلال استعمال واحد او اكثر من اساليب التفريد القضائي والمتمثلة بنظام التدرج الكمي والنوعي للعقوبة، والظروف القضائية المخففة ،ووقف تنفيذ العقوبة وتأجيل النطق بها .
هذه المنزلة الرفيعة تتطلب قدرا كبيراً من المسؤولية امام نفسه وجهة انتسابه والمجتمع والقانون ولامسؤولية عليه الا على تعمد مخالفة القانون والدستور والاهمال الجسيم في اداء واجباته وفقا لما ورد في قانون التنظيم القضائي وقانون العقوبات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!