مقالات

السجن الفكري …مشنقة الابداع

للسجن مدلولا قانونيا لا يتطابق مع مدلوله اللغوي ،فالسجن في اللغة هو الحبس ومعنى الحبس المنع وهو تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه سواء كان في بلد او بيت او مسجد او اي مكان معد للعقوبة . اما مدلوله القانوني وبحسب المادة (87) من قانون العقوبات العراقي رقم 111لسنة 1969فهو( ايداع المحكوم عليه في احدى المنشات العقابية المخصصة قانونا لهذا الغرض لمدة عشرين سنة ان كان مؤبدا والمدد المبينة في الحكم ان كان مؤقتا ومدة السجن المؤقت اكثر من خمس سنوات الى خمس عشرة سنة ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ولا يزيد مجموع مدد العقوبات السالبة للحرية على خمس وعشرين سنة في جميع الاحوال )،وهو مع الاعدام شنقا العقوبة المقررة للج#ريم*ة من نوع جناية ،اما الحبس فهو ايداع المحكوم عليه في احدى المنشأت العقابية المخصصة قانونا لهذا الغرض المقدة المقررة في الحكم ولا تقل مدته عن (24) ساعة ولا تزيد عن خمس سنوات وهو مع الغرامة العقوبة المقررة للج#ريم*ة من نوع الجنحة والمخالفة .ولا يسأل شخص عن ج#ريم*ة لم تكن نتيجة لسلوكه الاجرامي ،ولا يعاقب عن ذات الفعل بأكثر من عقوبة اصلية.وبحسب المادة (85) من القانون المذكور فأن العقوبات الاصليه هي (الاعدام ،السجن المؤبد ،السجن المؤقت ،الحبس الشديد،الحبس البسيط،الغرامة ،الحجز في مدرسة الفتيان الجانحين ،الحجز في مدرسة اصلاحية )وهي عقوبات جسدية بعضها سالبه للحياة وبعضها سالبه للحرية الجسدية ومقيدة لها ،اما الحرية الفكرية فغير مشمولة بالعقوبة ،ولا يجوز الحرمان منها او تقييدها تحت اي مسمى وذريعة،فلكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة (م42من الدستور العراقي) وتكفل الدولة بل وتلتزم بحماية الفرد من الاكراه الفكري والسجن الفكري والتأطير الفكري والقولبة الفكرية.فالسجن الفكري مشنقة الابداع وهو اما يكون ذاتي نفسي عندما يكون الانسان حبيس افكاره في قالب جامد نمطي ليرى كل المبدعين شواذ او خطر مهدد او ضررٍفعلي على حياته وقيمه ومنظومته الاجتماعية ووظيفته ومنصبه لتبرز خطورته ويستخدم سياسة تكميم الافواه خاصة اذا كان في مركز يمكنه من ذلك سواء كان بالاسرة او الوظيفة او الحزب او العشيرة او اي منصب اخر.
وقد يتقولب العقل الجمعي ويتحدد بسياج فكري محصوربنطاق معين ليرى كل فكرخارج هذا السياج سحرٌ وشعوذه وسفاهة وتهديد لفكر وعقيدة الاباء والاجداد وهذا اكثر ما واجهه الانبياء بداية دعواتهم والعلماء والفلاسفة بداية حياتهم،وتكاد تكون هذه الحجة مشتركة عند المتقولبين فكريا قديما وحديثا وقد بين القران هذه الحجة في قوله تعالى( وما ارسلنا من قبلك في قرية من نذير الا قال مترفوها انا وجدنا اباءنا على امةٍ وانا على اثارهم مقتدون) “سورة الزخرف الاية 23” وقوله تعالى (وعجبوا ان جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب ). ويحكي مؤرخ الحضارات الامريكي ويل ديورانت في قصه الحضارة ان زعيم المذهب السوفسطائي الفيلسوف اليوناني برتاغوراس حين اعلن افكاره البسيطه القاضية بأن “الحقيقة كلها والخير والجمال امور نسبية شخصية “ارتاعت منها الجمعية الاثنية التي كانت تعد الهيئة التشريعية المنتخبة لحكم مدينة اثينا ورأت انها تنذر بشرِّمستطير ،فقررت نفي بروتاغورس وامر الاثنيون ان يسلمو كل ماعساه ان يكون لديهم من كتاباته واحرقت كتبه في السوق العامة!!. ان حجة كفار قريش والجمعية الاثنية العامة سابقا ونهجهم هو ذات المنهج لدى متقولب وسجين الفكر في اسرته ومدرسته وعشيرته ومؤسسته ومجتمعه فهو شخصية خطرة على من حوله يحاول دائما اما اجبارهم على افكاره او محاربة جديد ومتجدد افكارهم. “وكم من امة هلكت بسلاح الفكر ..لان الفكر هو الاداة الوحيدة التي تستطيع هدم المجتمع او بنائه بناءا سليما فتنجو الامة من الهلاك ، وان صناعة جدران الوهم والعبث بالعقل البشري اخبث سلاح صامت يق*ت*ل بدون اطلاق رصاصة واحدة ويقضي على امم داخليا بق*ت*ل العزيمة ووأد الارادة ،لكنه يبقى عاجزا امام الفكر الواعي” . ولم يغب على المشرع العراقي اهمية الفكر في اصلاح وتأهيل النزلاء فضلا عن دوره عند تقدير العقوبة فاوجد تفريدا للعقوبة للمجرم السياسية يتخلف بالمقدار عن المجرم العادي.المادة (21،22) من قانون العقوبات مراعيا في ذلك منهجه وفكره وايدلوجيته ،وقد كفل قانون اصلاح النزلاء والمودعين رقم (14) لسنة 2018 بعضا من متطلبات ضمان حرية الفكر من خلال حق النزيل والمودع بالتعليم ومواصله الدراسة ولكل المراحل خلال محكوميته او تدريس زملائه داخل دائرتي الاصلاح العراقية واصلاح الاحداث،او مطالعة الصحف والمجلات والكتب المسموح بتداولها.وهذا ان دل على شئ فأنما يدل على ان العقوبة جسدية وان الفكرالحر المبدع لا يسجن داخل قضبان وان قُتل فأنه لا يموت وكما يقول السيد (محمد حسين فضل الله) ان ” مسألة مسوؤلية الفكر لدى الانسان ان الله يريد للانسان ان يكون انسانا في صلابة عقله وفي صلابة ارادته وفي صلابه موقفه ان لا يكون الصدى وان لا يكون الظل وان لا يكون كمية مهملة لا معنى لها”.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!