مقالات دينية

القديس الشهيد الجاثليق مار شمعون برصباعي 

القديس الشهيد الجاثليق مار شمعون برصباعي 

بقلم / وردا إسحاق قلّو 

 

القديس الشهيد الجاثليق مار شمعون برصباعي 

    ولد البطريرك مار شمعون برصباعي في مدينة ( سوس ) في أقليم عيلام الفارسي . من أبوين يعملان في صبغ ثياب ملوك فارس الحريرية باللون الأحمر ، لهذا دعي برصباعي ، وبحسب المخطوطة الكلداني المحفوظة في الفاتيكان . . أتخذ مار شمعون اللون الأحمر رمزاً للشهادة فصبغ ثيابه بدمه تمهيداً للدخول إلى الأخرة شهيداً للمسيح ربه ، وكانت هذه أمنيته وطلبه المستمر من الله ليحصل على أكليل الشهادة ، وهذا ما يوضحه لنا في صلاته القلبية المرفوعة إلأى الله ز فلهذا صار لون ثوب كل البطاركة الذين خلفوه من بطاركة الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية والكنائس الآشورية ( الأحمر القاني ) كلون الدم ولحد اليوم ، وذلك تكريماً لهذا الشهيد البطل وللإقتداء بسيرته الطاهرة .  

   جلس مار شمعون على كرسي كنيسة المشرق بعد الجاثليق فاف أول بطريرك كنيسة المشرق ، وكان تلميذاً له . يذكر تاريخ السعردي ان الجاثليق مار فافا ولكبر سنه أرسل مار شمعون مع الأسقف مار شاهدوست غلى مجمع نيقية عام 325م .  

   أستطاع مار شمعون جمع كل أساقفة المملكة الساسانية تحت ولاية كرسي قسطيفون ( المدائن ) . في السنين الأخيرة للبطريك كان شابور الثاني ملكاً على مملكة فارس ، وكان ملكاً ظالماً وحاقداً على المسيحيين وينوي أضطهادهم لكنه لم يكن يعلن إضطهاده عليهم في أيام الملك الروماني قسطنطين ، لكن بعد وفاة الأخير شرع بتنفيذ أحقاده على كل المسيحيين في مملكته . بدأ تهيده بإرسال رسالتين إلى حكام الآراميين يطالب فيها إجبار بطريرك المسيحيين على الخضوع لأوامره وإجباره على دفع كل المسيحيين جزيةٍ مضاعفة . لكن مار شمعون لم يرضخ إلى أوامره المجحفة بحق المسيحيين ، بل رفض العمل بها ، كما تصدى لكل تهديدات الملك في الفترة التي تعرف بالأضطهاد الأربعيني لأنها دامت نحو اربعون سنة ( 339 – 379 ) ق*ت*ل خلالها عدد كبير من المسيحيين . وقف مار شمعون وقفة شجاعة بوجه السلطة الظالمة فكان كلامه واحد وهو رفض دفع الجزية مهما كانت العواقب . أستشاط الملك غضباً عندما استلم رد الجاثليق فأرسل في الحال إلى حكام الآراميين في أرض النهرين لكي يلقوا القبض على مار شمعون وعلى عدد كبير من الأساقفة والكهنة والشمامسة البالغ عددهم 103 . سمع الطوباوي بأوامر الملك فتقبلها بفرح واجتمع بكل الأكليروس وتحدث إليهم لكي يشجعهم على الثبات والصمود وعدم الرضوخ بل أن يقتدوا بالذين سبقوهم في طريق الإستشهاد وبعدها صلى عليهم وباركهم بيده المباركة لكي تحل عليهم بركات السماء . سيقوا إلى مدينة مدينة ( كرخ ليدان ) في منطقة الأهواز حيث كان الملك مقيماً هناك . أمتثل الجميع أمام الملك الحاقد فبدأ بالتحدث إلى البطريرك ، فقال ( نحن نعيش في حروب ومعارك مستمرة وأنتم تنعمون بالراحة والأمان رغم كونكم على غير ديانتنا … عليك أن تخضع أنت وشعبك وأقبل الجزية وأسمع نصيحتي بما يفيد حياتك وأمتثل لأمري وأجحد بإيمانك وأسجد للنار والشمس المقدسة وإلا لضرب أعناقهم بالسيف ) . فأجابه مار شمعون قائلاً ( أجسادنا وأموالنا تحت تصرفك ولكني أقول الحق ، إني لن أجبر شعبي على الجزية حتى إذا أمرت بسلخ جلدي ، ونصيحتك تضر بحياتي ولا تفيدها ولا أضَرَ منها . والموت في سبيل الله خير من كل التنعمات ، وإني أقبل على الموت من كل قلبي فطوبى لمن يؤهل ليُهان من أجل الله ويزج في السجن ويحتمل العذاب ) . بعد خروجه من لدن الملك إلتقى مع أساقفته والكهنة والشمامسة المودعين معه في السجن وشجعهم بكلامه لكي يصمدوا على طريق الرجاء منتظرين مكافئتهم الثمينة من السماء . وفي أثناء حديثه دخل إليهم رجلاً مؤمناً لكي يبشرهم قائلاً ( أفرحوا بالرب أيها الطوباويون فإن كوستازاد المجيد قد نال إكليل الشهادة . وكوستزاد كان فارسياً آمن بالمسيح وأرتد بسبب الخوف من الملك لكن مار شمعون أشعره بخطئه فعاد إلى المسيح فق*ت*ل ونال أكليل الشهادة ) فغمرتهم البهجة ، فقال لهم مار شمعون : هلموا نشكر المسيح ونعظم أسمه القدوس على هذا الفرح العظيم إذ عاد الخروف الضال إلى حضيرة المسيح ، والدرهم الضائع من الكنيسة إلى صرته . ثم شرع يصرخ ويقول ( أيها المسيح يسوع أمنحني أكليل الشهادة لأنك تعلم أني ابتغيه من كل قلبي . أشتقت إليه وإني ألتمسه منك ) ثم ختم صلاته بالشكر وألتفت إلى أخوته مباركهم وتابعوا الصلاة طول الليل السابق ليوم أستشهادهم الذي كان يوم الجمعة العظيمة 14 نيسان 341 وكات تلك بدايو الأضطهاد الأربعيني . لم يغلبهم النعاس طول الليل ، ولم تشتت أفكارهم ، بل كانوا يطلبون من إلههم أن يذيقهم كأس الشهادة من أجل أسمه . وفي الساعة الأولى من صباح الجمعة استدعوا الجميع من السجن إلى قصر الملك ، ولما حضروا أمامه قال لهم : لماذا نسجد لمن ​لا يرى سجودنا ظ اسجدوا للشمس التي بشروقها يحيا العالم فتحيوا . فأجابوه ( ما عاذ الله أن يسجدوا المسيحيون للمخلوق عوض الخالق . أو أن يستبدلوا الخالق بخليقته ) .   

فأرسل إليهم ثانيةً وثالثة ولكنهم لم يتراجعوا أو يستسلموا . حين أصدرالملك أمراً على مار شمعون وأخوانه بقطع رؤوسهم . أمر الملك بق*ت*ل الجميع قبل مار شمعون لربما تنهار عزيمته أمام منظر ق*ت*لهم وبينما هؤلاء الأبطال القديسون يقادون إلى الموت كان البطريرك يتقدمهم لدى خروجهم ويشجعهم ويسند عزيمتهم ويذكرهم بأقوا الرب يسوع والرسل الأطهار ثم يباركهم . وكان يتقدم نحو السياف أولئك الشجعان فرحين مسبحين الله حتى تقدم مار شمعون الجبار فصلى أولاً لأجل شعبه وطلب من الرب أن يبارك المدينة التي استشهدوا فيها . وما أن أنهى صلاته حتى أحز السيف رأسه ونال أكليل الشهادة والظفر. عندها ثارت عاصفة وأظلمت الشمس وأصيب الحاضرون بالرعب . أما أجساد هؤلاء الأبطال فقد أختطفها بعض الأسرى الروم في أهواز ودفنوها بإكرام . أما جسد مار شمعون فقد تم نقله إلى مدينة ( سوس ) مسقط رأسه أما عن كتاباته فهو صاحب الترتيلة ( لا خومارا دخواه مودينان ) أي ” بك يا رب الكل نعترف ” . والتي كانت بمثابة قانون الإيمان . وله ترتيلة ( يا ذع حوشاي ) أي ” يا عالم أفكار البشر ” تُرَتل في زمن الصوم . وترتيلة ( بعينا عيثا وذحوبا ) أي ” بعين الفكر والحب ” كذلك : إن نزعتم عنكم لباس الخارج ، لا تنزعوا عنكم حلة الباطن ، أيها المعمدون ، لئن لبستم السلاح الخفي ، لا تستطيع أمواج التجارب أن ترخي عزيمتكم . إنكم تعرفون أي كلمات سمعتم ( من الأنجيل ) وتعرفون من أي ذبيحةٍ حية تناولتم ، فحذار أن يغويكم أبليس كما فعل بآدم ، ويبعدكم عن الملكوت المجيد ، إنه يسعى لإبعادنا عن الفردوس كما فعل بآدم . وغيرها من التراتيل .  

صلاة مار شمعون لنفسه لنيل أكليل الشهادة 

  هب لي يا ألهي أكليل الإستشهاد ، لأنك تعلم أني قد طلبته من كل قلبي ، وتعرف أنت العليم بذات الصدور ، أن حبك قد شغف قلبي في ملكوتك وأتسلى ببهائك حتى لا أعود أحيا فارى هدم كنائسك ودك مذبحك وتمزيق كتابك وتدنيس قواي ، فأهلني لأن أستريح وأبهج آنية دارك وأبصر الضيق شعبك وتديل عبادكَ وأنظر إلى إنخذال المتراخين وإنكسار الهلعين وأعاين الذئاب الضارية تمزق أغنامي الوافرة ، فأعطني يا رب أكمل استشهادي . أهلني يا رب لا أكون أماماً لجميع المؤمنين الذين في المشرق بسفك دمي أمامهم ( وكان وجهه قد تغير وصار يضارع الورد رونقاً وبهاءً )

صلاته في يوم إستشهاده 

أعطني يا رب أن أتألم في هذا اليوم وأشرب كأس الموت من أجل اسمك القدوس حتى لا يبقى على الأرض إلا من يقول ( أن شمعون واخوته أنقادوا ليسوع ونظير يسوع قُتِلوا في يوم الجمعة في الرابع من نيسان ) . 

قال في نهاية خطبة التشجيع 

فعلينا المحبة ، وعليه المجازات . علينا التعبد ، وعليه الموهبة . علينا العمل ، وعليه الأجر . علينا الآلام ، وعليه الراحة . علينا الدم ، وعليه الملكوت . علينا الموت ، وعليه الحياة . إذ يريحنا ويفرحنا ويكأنا في المتكأ السماوي ويقول لنا بأعلى صوته : نعما يا عبيداً صالحين ، وأمينيين تاجرتم جيداً بوزناتكم ، فخذوا عشر وزنات أُخر وأدخلوا إلى فرح سيدكم . 

أخيراً نقول لننادي المسيح نحن أيضاً كمار شمعون ، ليأتِ ويشدد بروحه القدوس نفوسنا جميعاً

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!