مقالات

هل تؤثر قيم القضاة الشخصية على الاحكام القضائية؟ المحكمة العليا في اميركا انموذجاً

هل تؤثر قيم القضاة الشخصية على الاحكام القضائية؟
المحكمة العليا في اميركا انموذجاً
في احدى الدراسات التخصصية في القضاء الدستوري (رقابة دستورية القوانين دراسة مقارنة بين امريكا ومصر) للكاتب الدكتور هشام محمد فوزي وتم طبعها ونشرها عام 1999، يشير الباحث الى ان احكام القضاء الدستوري في امريكا تتأثر بعدة عوامل ومنها القيم الشخصية للقضاة، وينقل عن احد قضاة المحكمة العليا في اميركا “بنيامين كاردوز” حيث يقول (داخل كل قاضي نهر من الميول، سواء سميتها فلسفة ام لا، وهي تعطيه التماسك والاتجاه في التفكير والفعل، والقضاة لا يهربون من هذا التيار اكثر من أي شخص)، ويقول الباحث ان قيم القضاة الشخصية هي الأساس في تحديد الحكم الذي تصدره المحكمة، ومعنى القيم الشخصية هو إمكانيات القضاة الشخصية سواء العلمية او المهنية ومقدار الالتزام بالحياد والاستقامة والقدرة على الاستنباط، وهذا يعني ان القاضي يعتمد على اجتهاده وما يراه دون الالتفات الى أي جهة سواء كانت طرف في الخصومة وخارجها وانه يعبر عن قيمه وقناعاته ولا يلتفت الى السياسة واتجاهاتها ويبتعد عنها قدر الإمكان حتى لا يتلوث بها، لان عالم السياسة بمثابة السيرك بينما القضاء هو محراب القداسة، على وفق قول احد قضاة المحكمة العليا في أمريكا (هارولد بيرتون) عندما تم تعيينه في المحكمة العليا بعدما كان عضوا في الكونغرس الأمريكي، حيث قال عند جوابه لسؤال وجه اليه ما هو شعورك عندما انتقلت من العمل في الكونغرس الى العمل في المحكمة العليا فأجاب (انه نفس الإحساس الذي يشعر به المرء لما ينتقل من السيرك الى الدير) ” نقلا عن الدكتور هشام محمد فوزي في كتابه أعلاه (ص263)”،
لكن يوضح الباحث أعلاه بان هذه القيم وان كانت شخصية يعبر عنها القضاة عند اصدار الاحكام القضائية، الا انها في بعض الأحيان لا تبتعد عن البيئة المحيطة بالقضاء، فيقول ان هذا العامل هو محدود جداً لان قضاة المحكمة العليا في أمريكا يتمتعون بالعضوية الدائمة، ولا يخشون العزل من أي جهة كانت، وهذا منحهم قوة الثبات على أفكارهم وقيمهم، على عكس السياسي الذي يخضع للمساءلة او العقوبة عند الترشح للانتخابات، فضلاً عن كون هذه المحكمة لا معقب على احكامها، لإنها باتة وملزمة للجميع،
وهذا الثبات النسبي لا يمنع من ظهور بعض القضاة على خلاف الفرض أعلاه، ويذكر الكاتب بان احد قضاة المحكمة العليا في أمريكا (هولمز) يقول بان (وظيفته ليس تحقيق العدالة وانما وظيفته ان يلعب اللعبة حسب قواعدها) ” نقلا عن الدكتور هشام محمد فوزي في كتابه أعلاه (ص262)”،
وهذا الفرض بعدم التأثر له ما يثلمه، حيث تشير كثير من الدراسات الى ان المحكمة تخضع أحيانا لسلطة الرأي العام، ويذكر الباحث “هشام محمد فوزي” الى وقائع كثيرة منها قضية ((Gobitis عندما جعلت من مفهوم المواطنة اسمى من قيم الديانة، لان النعرة القومية وتهديد غزو ه*ت*لر لأمريكا والخوف السائد آنذاك دفعها الى مناصرة مفهوم المواطنة على حساب العقيدة، لكن بعد تبدد تلك المخاوف عاد القضاة ذاتهم الى تغليب قيم الدين على المواطنة، ويقول الباحث ان هذه العودة الى ما كان الحال عليه ناجم عن ميلهم نحو عقيدتهم الكاثوليكية، وتأثرهم بمذهبهم الديني، وهذا يدل على تأثر القضاة بالبيئة المحيطة عندما تعزف على وتر من أوتار المعتقد لدى القاضي، فيميل اليها عمدأ او دون عمد، تاثرأ بها باعتبارها من قيمه الشخصية التي تنعكس في قراءته للنص التشريعي او فهمه للوقائع.
ويختم الباحث بوجهة نظر محترمة فيقول ان قضاة المحكمة العليا في أمريكا الى درجة كبيرة هم احرار في اتباع الخطوط السياسية العامة التي يفضلونها، مما يؤدي الى ضرورة الاهتمام بعناية فائقة لاختيارهم، ومن مؤشرات تلك الاهمية قيام بعض الرؤساء الامريكان بتعيين القضاة ممن يتوافقون وافكارهم او أفكار احزابهم، ومن الأمثلة تغير اتجاه المحكمة العليا في امريكا من الاتجاه المتحرر الى الاتجاه المتحفظ بعد التعيينات التي اجراها نيكسون بعد فوزه بالانتخابات بنسبة ضئيلة عام 1968، فضلاً عن دور رئيس المحكمة الفعال في توجيه المحكمة نحو الاتجاهات التي يعتنقها ” نقلا عن الدكتور هشام محمد فوزي في كتابه أعلاه (ص273)”.
قاضٍ متقاعد

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!