مقالات

هل أسهمت هيئة النزاهة بتعزيز ثقة الشعب بالحكومة؟

من اهم اعمال هيئة النزاهة هو تعزيز ثقة الشعب بالحكومة، وذلك بالزام المسؤولين فيها بالكشف عن ذممهم المالية وعلى وفق ما ورد في المادة (3/خامساً) من قانون هيئة النزاهة والكسب غير المشروع رقم 30 لسنة 2011 المعدل، وبموجب النص أعلاه فان وسيلة هيئة النزاهة في تعزيز الثقة تكون عبر كشف الذمة المالية لكل مسؤول في الدولة، واقتصر الالزام على بعض العناوين الوظيفية ذات التوصيف الخاص ومنهم ذوي الدرجات الخاصة والوزراء وأعضاء مجلس النواب والقضاة والمحققين القضائيين وغيرهم والمذكورين حصراً في المادة (16/اولاً) من قانون هيئة النزاهة وبلغ عدد هذه العناوين والمناصب (23) ثلاثة وعشرون عنواناً،
وعند التمعن في هذه الوسيلة ومدى فعاليتها في تعزيز تلك الثقة نجد ان نشاط هيئة النزاهة المعلن عبر تقاريرها السنوية تشير الى نسبة عالية من الإنجاز، بمعنى ان اغلب المسؤولين أعلاه قدموا كشف بذممهم المالية الى هيئة النزاهة، وبعض كبار المسؤولين يكونوا من الأوائل الذين يقدمون كشف ذممهم المالية، وفي اخر تقرير لهيئة النزاهة للنصف الأول من عام 2023 المنصرم، انها استلمت (29594) تسعة وعشرون الف وخمسمائة وأربعة وتسعون استمارة، وان نسبة من لم يقدم الاستمارة ضئيلة جداً، وهذا نشاط ممتاز لهيئة النزاهة،
لكن هل اتى هذا النشاط في الكشف عن الذمم المالية لكبار المسؤولين الى تعزيز ثقة المواطن؟، وللوقوف على الإجابة ولو بصورة تقريبية، لابد من توضيح النقاط الاتية:
1. ان الحكمة في الزامهم بتقديم كشف الذمة المالية، تكمن في خطورة الموقع الذي يشغله ذلك المكلف بما يمتاز به من سلطة قد تكون منفذ من منافذ الفساد والإثراء على حساب المال العام من خلال ممارسة هذه السلطة الممنوحة له بحكم الوظيفة، وبما ان ذلك الشخص يعتاش على الراتب (المعاش) الذي يمنح له من المال العام، لابد وان يكون خاضع لرقابة الهيئات التي تمثل المجتمع، لان المال العام هو ملك الشعب وليس ملك الافراد، كما ان المبالغ الضخمة التي منحت لهؤلاء كان الغرض منها تعويضه عن حرمانه من ممارسة الاعمال الاخرى في التجارة وغيرها، لان من يتقلد بعض الوظائف يمنع عليه ممارسة هذه الاعمال حفاظاً على حياده في العمل، ومنهم القضاة والوزراء وأعضاء مجلس النواب وسواهم، فكان لهذا الحرمان دوره في تضخيم الرواتب الممنوحة لهم على حساب المال العام وعلى حساب سائر العاملين في الدولة، الذي خلق هذا التباين الكبير بين طبقات العاملين في الدولة،
ولغرض تمكين المجتمع والشعب مالك المال العام من معرفة كيفية تعامل هذا المكلف مع وظيفته ومدى التزامه بالمحرمات في ممارسة سائر الاعمال، وجد مبدأ الشفافية المتمثل بكشف الذمة المالية حتى يتسنى لهيئة النزاهة من مراقبة ما تحصل عليه ذلك الشخص خلال مدة سنة من عمله وهل يتناسب مع وارداته من الراتب ام انها تمثل اثراء غير منسجم مع الايراد المشروع، والغاية من ذلك محاربة وجود طبقة من المفسدين الذين سيكون لهم دور في اضعاف سائر الطبقات الاجتماعية وتكون لقوتهم المالية اثر في تغيير انماط سلوك المجتمع سلباً، ويرى البعض ان مبدأ الشفافية جاء رد فعل لما حصل من تغول بعض الاثرياء من طبقات المجتمع في الاثراء على حساب المال العام ودورهم في تعاظم الفقر بين العامة وحصر مقدرات الامة بيد عدد محدود من الأشخاص.
2. من اهم وسائل تعزيز الثقة باي شخص او مؤسسة هو معرفة ما يدور في فلك أعمالهم ونشاطهم الوظيفي ذو الصلة بالمواطن، وهذا ما يسمى بمبدأ الشفافية في العمل، ويعد الاعلام خير وسيلة لاطلاع المواطن ومن ثم نعزز ثقته بهؤلاء المسؤولين، وهيئة النزاهة هي المسؤولة عن متابعة كشف الذمم المالية، والتحقق منها ومتابعة تضخم الأموال، حيث أشار تقريرها النصف سنوي لعام 2023، الى وجود تضخم في أموال المسؤولين الملزمين بتقديم كشف الذمة قج بلغ اكثر من (170,000,000,000) مائة وسبعون مليار دينار عراقي، واكثر من (1,900,000) مليون وتسعمائة الف دولار امريكي، هذا الرقم وان كان لا يمثل الا نسبة ضئيلة جداً مما يعتقد به المواطن تجاه ما يملكه المسؤولين أعلاه، الا انه يؤشر الى وجود شبهة فساد، والمواطن لم يعلم من اين أتت هذه الأموال وكيفية الحصول عليها وهل تم استرجاعها، ومن هم هؤلاء الذين افصحوا عن تضخم أموالهم، مع ان الغالب الاعم يتبع شتى السبل للتهرب، او التحايل عبر تسجيل الأموال بأسماء أقاربهم او بأسماء وهمية، وبوسائل شيطانية،
فهل هذا الإعلان الخجول الذي لم يطلع عليه اغلب المواطنين قد عزز هذه الثقة؟ لأنه نشر في موقع هيئة النزاهة الالكترونية، بينما المواطن تمنعه مشاغله وهمومه اليومية لتحصيل قوته وقوت عياله اليومي، الجواب بالنفي قطعاً، لان الثقة ما زالت متزعزعة بالقائمين على أمور البلاد، وخير دليل مظاهر الاحتجاج وعزوف المواطن عن الانتخاب، والتقارير الصحفية الكثيرة، وغيرها من مؤشرات فقدان الثقة،
3. هل تحقق هدف هيئة النزاهة بتعزيز الثقة بين المواطن والمسؤول عبر وسيلة كشف الذمة المالية؟، أرى انها ما زالت قاصرة عن بلوغ هذا الهدف، والسبب يكمن في الضبابية التي تعلن بها الية كشف الذمة المالية، فإنها اقرب الى الضبابية والتعتيم بدلاً من الشفافية التي الزمت هيئة النزاهة باتباعها، تجاه كل نشاطاتها، بما فيها وسيلة كشف الذمة المالية، وعلى وفق ما ورد في مقدمة المادة (3) من قانونها النافذ التي جاء فيها (تعمل الهيئة على المساهمة في منع الفساد ومكافحته، واعتماد الشفافية في ادارة شؤون الحكم على جميع المستويات)
4. لذلك لابد من مراجعة الية التحقق من الذمم المالية عبر نشر كشف الذمة المالية الذي يقدمه المكلف الى الجمهور، ليطلع على ما يملك المسؤول حاليا وما كان يملكه سابقاً قبل تقلده المنصب، وليطلع على مصادر هذه الأموال التي يملكها، لان بعضها تتوسم المشروعية وفي حقيقتها صورة من الفساد المالي والإداري، فاذا اطلع المواطن على الكشف لكل مسؤول وبالتفصيل الذي يقدمه المسؤول ذاته، فأننا سوف نحقق الاتي:
‌أ. معرفة مدى نزاهة واستقامة المسؤول من خلال الموازنة بين موارده وما تحصل على أموال بعد تقلده المنصب، ومن ثم يخضع للرقابة الشعبية.
‌ب. تمكين المواطنين من معرفة مصير أموالهم التي يتنعم بها المسؤول عبر رواتب ومعاشات وحوافز ومكافئات كبيرة، بينما هو يشحذ قوته اليومي،
‌ج. يتمكن المواطن من معرفة مدى جدية هيئة النزاهة وأجهزة المحاسبة والرقابة الأخرى في مكافحة تضخم الأموال، بتقديم هؤلاء المفسدين والفاسدين الى العدالة، ومقدار المبالغ التي استرجعتها الهيئة، ومدى تناسبها مع الأموال التي تحصلوا عليها عبر تضخم أموال المسؤولين.
الخلاصة: لذلك ومما تقدم اكرر الاقتراح بان تكون استمارات كشف الذمة المالية متاحة للجمهور ليطلع عليها، ويقف عند مقدار اخلاص منفوضهم إدارة أمور البلاد، ومقدار التجاوز على المال العام، ولابد من التنويه الى ان هذا المقترح لا يتقاطع مع مبدأ الخصوصية، لان بعض الأصوات ومنها نيابية في الدورات السابقة قد اعترضت على مبدأ كشف الذمة المالية عند تشريع قانون هيئة النزاهة النافذ، وتمسك بعضهم بحق الخصوصية الذي اقره الدستور، ولا يجوز كشف خصوصياتهم امام الجمهور، لكن هذا غير صحيح لان بعض الأفراد حينما يتصفون بصفات معينة مثل الموظف العام وغيره من اعضاء مجلس النواب والوزراء فان حياتهم الخاصة بقدر تعلق الامر بأدائهم الوظيفي لا تحميه هذه القاعدة لان موقع أدائهم يتعدى الخصوصية الفردية إلى العمومية الجمعية، وانهم مفوضون من الشعب، اما عبر انتخابهم او تعيينهم على حساب المال العام، وعملهم هو من يخضع للرقابة وما ينتج عنه من تضخم في الأموال.
قاضٍ متقاعد

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!