مقالات سياسية

ثورات الشرق الأوسط – الأسباب والنتائج والدروس

د. رياض السندي

د. رياض السندي
دكتوراه في القانون الدولي

قامت دول الشرق الاوسط ، وبالاخص العربية منها، على أنقاض الدولة العثمانية التي أنهارت رسمياً في 1/11/1922 استمرت طيلة 624 عاماً على يد المغول الذين دخلوا الاسلام لاحقا ولاينتمون للقومية العربية، اخضعت لها أنذاك 41 دولة من دول العالم اليوم وحكمت ثلاث قارات هي اوربا واسيا وافريقيا، وأمتدت من روسيا الى أثيوبيا، مستندة على نظام الخ*لافة الاسلامية الذي اعلن عن انتهاءه رسمياً في 3/3/1924.
ولعبت بريطانيا وفرنسا أنذاك دورً كبيراً في التخطيط لتفتيت تركة الرجل المريض وتقسيم الدولة العثمانية وللمساعدة على إقامة دول جديدة مطلع القرن العشرين بفضل جهد وإندفاع ابناء تلك المناطق التي كانت تتطلع الى التحرر والاستقلال، وتغاضى الجميع عن وثيقة سايكس- بيكو التي بينت بوضوح أهداف الدولتين من ذلك، والتي كشفتها روسيا بعد استيلاء البلاشفة على الحكم فيها عام 1918.
وقصة وتاريخ الثورة العربية الكبرى وتفاصيلها معروفة تماما. وكان أول ضحايا هذا المخطط هو رأس الثورة العربية في الحجاز الشريف حسين بن علي شريف مكة، الذي قاد التمرد على العثمانيين أولي الامر. وعلى الرغم من مكافأة اثنين من ابنائه الاربعة وهم فيصل وعبد الله، حيث جعلا ملوكاً على دولتين حديثتين هما: العراق والاردن، وابنه الثالث علي ملكا على الحجاز، الا انهما جميعاً لم يستطيعوا ان يوفروا لوالدهما الشيخ وقائد الثورة ، ملاذاً آمناً له فيها، والذي نفاه البريطانيون الى قبرص عام 1925 ليموت عند عودته الى عمان مريضا عام 1931 ودفن في القدس، بعد إذلاله من البريطانيين لعدم توقيعه إتفاقية منح فلسطين للص*ها*ينة، والذين أخبروه انهم يقفون على الحياد في صراعه مع ابن سعود، والذي قال تشرشل رئيس وزراء بريطانيا أنذاك: اذا رفض التوقيع على الاتفاق ، فاننا سندفع ابن سعود للقضاء عليه خلال ايام.
وظّلت الدول الغربية العظمى تعتقد حتى هذه اللحظة بأنها هي التي أقامت تلك الدول، وبالاخص العربية منها، بما يفهم ضمناً بأنها الوحيدة القادرة على إنهائها.
وطيلة أكثر من قرن، كانت التدخلات الغربية التي مارستها بريطانيا وفرنسا، وإنضمت اليهما الولايات المتحدة الامريكية كقوة عظمى جديدة برزت بعد الحرب العالمية الثانية، أثراً كبيراً في مسار هذه الدول وسياساتها، وتمثلت أبرز مظاهر تلك التدخلات فيما يلي:-
(1) إختيار قادة تلك الدول وحكامها بمختلف تسمياتهم وألقابهم. ولم يقتصر هذا الاختيار على القادة السياسيين بل تعداه الى القادة الاقتصاديين والاجتماعيين وحتى الدينيين. أو في اقل الاحوال كسب ولاء كبار القادة لاستخدامهم ضمن استرتيجية خاصة. فيما ظّل أرباب الثقافة متحررين الى حد كبير.
(2) السيطرة على ثروات تلك الدول بشتى الوسائل تحقيقا لمصالح الدول الغربية السائرة على النهج الاستعماري القديم بصيغ جديدة. أما الدول غير السائرة على هذا الخط فلم يكن حالها افضل من الدول العربية ، مثل دول امريكا اللاتينية وفي مقدمتها كوبا التي جرى مقاطعتها إقتصادياً ل 54 سنة، هي خير دليل على ذلك.
(3) توجيه سياسات تلك الدول قادة وشعوب وفقا لتوجهات الغرب وبما يحقق مصالحها، وفقا لفلسفات ونظريات حديثة لاتصمد أمام البحث العلمي والجدل المنطقي، وإنما يتم استثمارها بشكل مدروس، وهي ماينطبق عليها مقولة (كلمة حق يراد بها باطل). ولهذا فقد إنقادت تلك الدول وشعوبها انقياد الاعمى وراء تلك الطروحات الفكرية، دون تمحيص أو تدقيق، بما جعلهم يحركون شعوب هذه المنطقة ويحددون مصائرها وفقا لعوامل معينة جرى استخدامها بشكل دقيق، فالعديد من دول المنطقة قامت على عامل القومية مطلع القرن الماضي، وبدأت تتفكك وتنهار بفعل عامل الدين، الذي بدأ استخدامه مطلع هذا القرن. فيما ظلت الاصوات الرافضة لها تردد مفاهيماً مقابلة مثل سياسة فرق تسد، والمسألة الشرقية، وأصول الحكم الاسلامي، ضعيفة وغير ذي قيمة، وفائدتها أقل من ضررها. ومن هذه النظريات ظهرت مفاهيم جديدة براقة مثل، إعتماد مبدأ القومية العربية اساس للدولة، حق الشعوب في التحرر، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وحقوق الاقليات، وحقوق الانسان، والتخلص من الدكتاتورية، والديمقراطية وغيرها. وهذه المفاهيم مثل مبادىء الدين جميلة في مفهومها، قبيحة في تطبيقها. وقد اتبتت الوقائع طيلة قرن كامل، بأن هذه المبادىء لم تصاغ الا لتدمير تلك الدول وشعوبها مستغلة تخلف القسم الاكبر من شعوبها والظروف التي رافقتها.
وفي مطلع القرن الحادي والعشرين ثارت الشعوب ثانية في تونس وليبيا واليمن وسوريا ومصر، ولكن هذه المرة ليس لبناء دولتها وانما لتحطيم دولها. فما الذي تحقق للعرب أولا، وللدول التي رعت تلك الثورات منها؟
في البدء يجب استذكار غزو العراق عام 2003 واسقاط مفهوم الدولة فيه، الذي كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. فتمسك ابناء العراق بوطنهم، دفع الغرب لجلب اشخاصاً تخلصوا من هذا الشعور الوطني النبيل، ومستعدون لتدميره تحقيقا لاهداف أجنبية، مشحونين بحقد كبير، وظلم مزدوج من بلدانهم التي هجروها، ومن البلدان التي لجأوا اليها.

– اسباب ثورات الشرق الاوسط
وقبل الاجابة على السوأل المطروح، وما الذي حققته تلك الثورات من نتائج، ينبغي أولا البحث في الاسباب التي قادت الى ذلك، والتي كانت بمثابة الاستعداد الوراثي للاصابة بهذا المرض المزمن بتقدم العمر. ويمكن تلخيص تلك الاسباب الى مايلي:-
1. فشل النخب الحاكمة في بناء مفهوم الدولة
فقد ظل الرؤساء العرب، على مختلف ألقابهم، أسرى لواقعهم المرير، مشحونين بزهو الماضي، ومستخدمين لاليات قديمة على دول حديثة. ومن هذه الاليات:-
أولا. القيادة الفردية. فقد ظلت الدول العربية بعيدة عن مفهوم القيادة الجماعية، وظلت رهينة أسلوب الادارة المركزية، مما قاد الى خلق جماعات داخل الدولة تسعى لنيل السلطة بنفس الطريقة لتكرر نفس المأساة. وهنا يكون عمر الدولة مرتبطاً بعمر الحاكم. والاصل أن عمر الدولة أطول ويستغرق حكامً وحكومات عديدة، لا أن يكون قصيراً ومرتبطاً بعمر شخص معين. وهذا المفهوم وجد في أوربافي القرون الوسطى وخير تعبير عن ذلك ما قصده الامبراطور لويس الرابع عشر بقوله: (أنا الدولة والدولة أنا).
ثانيا. فقدان مفهوم الحضارة التراكمية. فالمجتمعات العربية ترى انها تعيش أعمارا قصيرة وكل يفكر بفترة بقائه، وفقا لمبدأ (ومن بعدي الطو*فا*ن). لهذا يصعب والحالة هذه ان تجد مؤسسات دائمة، وأرشفة دقيقة، لا بل مازالت الغالبية من تلك الشعوب تعتمد الحوادث تاريخاً لها، كما كان الامر قبل الاف السنين، ويشابه الى حد كبير تاريخ مولد النبي محمد (في عام الفيل).
ثالثا. تقسيم الشعب الى طبقات وإعتماد مبدأ الاغلبية المتسلطة أو (دكتاتورية الاغلبية)، والابقاء على الولاءات الطائفية ، مثل الولاء لدين أو لقومية أو لمذهب أو لطائفة أو لعشيرة أو مدينة، ضمن الدولة الواحدة.
رابعا. الولاء للخارج. لقد ظلت الطبقات الحاكمة تستمد وجودها وإستمراره إعتمادا على قوى خارجية، مما ولّد الانطباع السائد بان الحكام هم عملاء أكثر من مواطنين، ورغم النهايات المأساوية المتكررة لمعظم الرؤساء والقادة العرب الا انهم ظلوا يكررون نفس الاخطاء. وحتى هذه اللحظة، فان اي مجموعة سياسية تنشأ في الدول العربية تبحث عن دعم خارجي مهين قبل كل شيء. ومن جانب أخر، فقد سعى المواطنين أيضا الى منح ولاءاتهم لقوى خارج حدود الدولة. وهكذا تسابق الحكام والمواطنون لخيانة دولهم. وبالتاكيد فان الدول الاخرى تتربص وتسعى لكسب مثل هذه الولاءات لمصلحتها. وهذا مايفسر لجوء الكثير من المجموعات العرقية والاقليات داخل الدولة الواحدة الى الاستنجاد والاستقواء بدول أخرى. مثل لجوء الاكراد الى كسب تأييد روسيا أولا، ثم فرنسا وأمريكا واس*رائ*يل. بينما أمتد الولاء المذهبي للاقليات المسيحية الى الفاتيكان او الكنيسة الارثوذكسية في روسيا، وهو نفس ما فعله اليهود في الدول العربية الذين وجدوا حاضنات لهم خارج أوطانهم. وقد تطور هذا الامر اليوم في العراق فالسنة يستنجدون بالسعودية وتركيا وقطر، والاكراد يستنجدون بالولايات المتحدة، والشيعة يستنجدون بإيران، والتركمان يستنجدون بتركيا. وفي سوريا استنجد العلويون بأيران. وفي اليمن أستنجد الحوثيون بايران، فيما استجد اخوانهم في الوطن بالسعودية … وهكذا حتى وجدت الدولة نفسها أمام حالة (الولاءات المتعددةMulti-Loyalties ). وربما يفسر لنا هذا ما قاله السياسي البريطاني المعروف ونستون تشرشل من أنه إذا ماتت أمة العرب، ماتت الخيانة في العالم.
ويمكن أن يقال اكثر من هذا عن الاحزاب الدينية التي نشأت او مولّت أو دعمت من الخارج، مثل الاخوان المسلمين في مصر والمجلس الاعلى للثورة الاسلامية وحزب الدعوة الاسلامي في العراق، اللذان أنشأ في ايران أيام الحرب العراقية – الايرانية عام 1982.
خامسا. عدم الخضوع للقانون. وهذه المسألة يمكن ملاحظتها لدى شعوب الشرق الاوسط بشكل عام. وقد تنبه الاسلام لهذه الحالة التي ربطها بالحق، وأوجز في وصفها وتحديد أتباعها بقوله: لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ.(1) لذا تكره شعوب هذه المنطقة القبول بالحق الذي يحميه القانون، لذا فهم في نزاع مستمر مع القانون الالهي والوضعي على حد سواء، ولا يقبلون سوى الحق الاجتماعي. وإذا كانت الناس تتهرب من القانون عموما في كل مكان في العالم، الا ان المجتمعات الغربية إستطاعت تطويع الناس لتقبل القانون، وساعدت الاغلبية في ذلك. وهذا الامر يسري على صعيد الحكام ايضاً. فقد ظلّ الحكام في دول الشرق الاوسط يعتقدون إن القانون هو تعبير عن إرادتهم وليس تعبير عن إرادة الشعب. كما قصروا تطبيقه على الشعب فقط، وأستثني كل من هو ضمن دائرة الحكام وحاشيتهم. وقد خلق ذلك حالة من التذمر داخل تلك المجتمعات يصعب تلافيها.
2. ضعف الحس الوطني
نتيجة لممارسات السلطة ضعف الحس الوطني وسادت الرغبة في الانتقام وتدمير الذات والهرب من الواقع البائس، وعلى الرغم من إن المجتمعات العربية لاتقل وطنية عن غيرها، إن لم تزيدها، الا إن هذه المجتمعات قد شهدت حالات وممارسات سلطوية تسعى للقضاء على اصحاب الحس الوطني بدلا من مكافأتهم. لذا فقد لاقى معظم الوطنيين مصيرا سيئاً دفع الكثير الى التخلي عنهم وحتى من أقرب الناس اليهم. وليس غريبا ان نرى اليوم ان حكومات المنطقة لاعلاقة لها بمواطنيها سواء أكانوا في الداخل والخارج، كما لاعلاقة للمواطنين بحكامهم ومايفعلونه. في حين إن المواطن الاوربي أو الامريكي لا يستطيع ان ينفصل عن دولته الا بموافقتها وان يعود اليها في غضون سنة واحدة، وان يقدم لها تفسيرا لغيابه وما فعله هناك، وحتى نفقاته المالية.
لقد ولدّت تلك الممارسات (دولة بلا مواطنين State without Citizens) و(مواطنون بلا حكومةCitizens without government ). فالحكومة لا تستمد شرعية وجودها من شعبها، والشعب يرى إن هذه الحكومة قد تمثل اي جهة اخرى في العالم عداه. فهي لاتمثله حقا. وضعفت رابطة الجنسية ولم تعد تحمي حاملها خارج حدود الدولة كما لم تحميه داخلها.
فقد “اعتمدت السلطنة العثمانيّة في أنظمتها الشرع الإسلامي وصنّفت رعاياها على هذا الأساس. فالمسيحيّون في التعريف الفقهي، هم “أهل الكتاب”، وفي التعريف القانوني هم “أهل ذمّة” أو “معاهدون” أي يتمتعون بضمانات أعطيت لهم بعهد، مقابل واجبات وقيود محدّدة. ومن المعروف أنّ معاهدة نجران، هي أوّل معاهدة وقّعها النبي محمّد مع وفد من مسيحيي المدينة سنة. 631
إنّ هذا التمايز بين أفراد المجتمع العثماني على أساس الدين لم يكن طارئًا على مسيحي الشرق، فقد خبروه مع الفتوحات العربيّة الأولى بعد النبيّ، واستمرّ في العهود الأمويّة والعبّاسيّة، وإزداد حدّةً في عهد المماليك. الإسلام هو معيار تصنيف أفراد المجتمع وليس الإنتماء المشترك إلى أرض وشعب، وفيه تأتي الأمّة بالدرجة الأولى، وتضمّ جماعة المؤمنين بالدين الإسلامي. أمّا المسيحيّون فهم مؤمنون من الدرجة الأدنى، لأنّهم لم يشهدوا بالحقيقة القرآنيّة التي يعتبرها المسلمون نهاية الوحي الإلهي الذي بدأ مع موسى وعيسى ليُختتم بمحمّد”.(2)
عاش المسيحيّون هاجس الحرّية في العهد العثماني، لكنّهم لم يعرفوا الركود أو الانعزال، بل ساهموا في نهضة مجتمعهم العلميّة والإقتصاديّة والفكريّة. كانوا من روّاد الفكر النهضوي الداعي إلى التطوّر والتحرّر، وإلى بناء المجتمع على أساس المواطنة والقوميّة اللّتين تتخطّيان الإنتماء الديني.(3)
وكما يقول د. عبدالوهاب المسيري:”عندما يدرك الناس إن الدولة تدار لحساب نخبة وليس لحساب أمة، يصبح الفرد غير قادر على التضحية من أجل الوطن …وينصرف ليبحث عن مصلحته الخاصة”. وهنا تفقد الدولة معنى وجودها.
3. العلاقة المتذبذبة مع طبقة رجال الدين
يشكل رجال الدين طبقة مؤثرة في المجتمع. وفي دول الشرق الاوسط يزداد دورهم ويتعاظم بفضل كثرة اتباعهم فيها، وتوجه المجتمعات نحو الدين.
وقد تأرجح دور رجال الدين بين توعية شعوبهم وتأييد حكامهم، بين معارضتهم للسلطة القائمة أو الانجرار وراء مصالحهم الشخصية. لذا فقد كانت إما خاضعة للسلطة أو معارضة لها. ولم تجد يوما نفسها متعاونة مع السلطة بشكل بنّاء. ولهذا كانت هذه الطبقة دوما معرقلة لخطط الدولة ولم تلعب دوراً تشاركياً في بناء الدولة كما في الغرب.
4. ضعف دور المثقف في قيادة المجتمع
لقد قامت المجتمعات العربية على استغلال الثقافة والمثقفين وعدم إحترامهم. ومازال ينظر للفكر على انه بضاعة مجانية ورخيصة، بعكس النظرة الى القوة البدنية والعسكرية التي ظلت محل إحترام وتقدير وامتيازات، على اختلاف اشكالها وتطورها عبر العصور. وهذا أمر شائع في المجتمعات التي تلجأ لحل نزاعاتها بالقوة المسلحة، حيث يكون فيها المحارب أو المقاتل أثمن من العالِم. ولهذا فقد ابقت المثقف يرنو بعيونه الى عطايا السلطة والحكام بشكل أو بأخر، وظلت الصورة الشائعة عن المثقف كالشاعر الي يمدح الخليفة ليجزل له العطاء ويلقي له بكيس دراهم. في حين إستغل الحاكم قوة الثقافة لصالحه لفرض هيمنته واستمرارها، وظل الحاكم يستعير مفردات العلم والثقافة ويستخدمها بشكل غبي، وكثير ما يكلف صاحب السلطة عالِم ما بكتابة تقرير عن موضوع معين، وفي كثير من الاحيان دون ايفاء هذا العالِم حقه، مما يدل على الاستخفاف بالعلم والعلماء. مما قاد الى تنامي شعور خفي بتفاهة العلم والثقافة، ودفع الناس الى ثقافة التفاهة فتقدم الجهلة على العلماء، ولجأت الكثير من العوائل الى تشجيع أولادها على نبذ التعليم فساد التخلف وتفشى الجهل .
5. نمط الحياة البدائي وغير العلمي
لقد إعتمدت المجتمعات العربية على نمط حياة بدائي ومتخلف سادته عوامل متعددة منها:-
(1) إعتماد الحسابات الالهية ونبذ الحسابات الارضية، فمازالت شعوب تلك الدول تعتمد المبدأ القائل (إتركها على الله)، وهم لايعلمون إن هذا المبدأ هو مبدأ إتكالي نابع عن العجز أولا، وإن الله لايتدخل في كل أمور البشر وخاصة الصغيرة والتافهة منها. وإن الارض لها حسابات أرضية قائمة على الواقع ويعبر عنها بالرياضيات بشكل لايقبل الجدل والاختلاف وفقا لقاعدة(1+1=2) ولايمكن تغييره اطلاقا، في حين ان الحسابات الالهية لها معيار مختلف ونتائج مختلفة، فالكافر قد يدخل الملكوت ، والمؤمن قد يذهب للجحيم وفقا لحسابات الله. إن هذا التفكير يجد أساسه وصداه في قصة يوسف الذي تحول من مسجون الى نائب فرعون مصر.
في حين قامت المجتمعات الغربية على دقة حساباتها الارضية. واليوم يمكنك ان تشعر بمدى دقة حسابات التقنية التي تصل الى اجزاء في الثانية في كل الاجهزة التكنولوجية. في حين مازالت الدول العربية تعتمد نفس نظرية جدي الذي عاش طيلة حياته مستخدما مفكاً متوسط الحجم يستخدمه لفك اي برغي مهما كان كبيرا أو صغيرا، دون أن يفرق بين حجم 13 و16، ومهما كانت الصعوبات في ذلك. وعلى غرار ذلك، فمعظم العائلات العربية لديها مطرقة واحدة تستخدمها للسيارة والساعة معا. وشعوب هذه المنطقة لم تستخدم الخرائط إلا ماندر. ولا تستخدم البارومتر لمعرفة أحوال الطقس الا بعد أن فرض عليها في السيارة والهاتف المحمول بعد أن كانت تكتفي بمجرد الشعور بان هذا اليوم حار أو بارد.
في حين كان السويسريين مثلا ومازالوا يتفننون في صناعة الساعات الدقيقة، ويذهبون بأبصارهم من أجل تلك الصناعة. وشتان بين الاثنين.
وقد طبق مبدأ الحرص هذا في كل المجالات، ففي الاماكن العامة يجري تقنين للمياه بشكل مستغرب فصنابير المياه تنقطع بعد عدة ثوان لن تلحق في غسل يديك مهما اسرعت وحثثت الخطى. مما ساعد على الاقتصاد وتجنب الهدر في كل ما يشكل ثروة وطنية.
وفي هذا الجانب تثور مسألة في غاية الاهمية الا وهي مسألة حقوق الناس. فالمعروف إن كل الغرب يقيم كل جهد ووقت أو فكرة بالمال، وصحيح إن تلك المجتمعات أصبحت مادية، الا انها تجنب الخلاف. لذا فقد نستغرب عندما نرى أن أي اغنية تصدر في الغرب تتضمن قائمة طويلة من الاسماء العاملين في هذا العمل الفني، وبالتأكيد أن كل منهم تقاضى أجرا لقاء ذلك. أما في المجتمعات العربية، فمازالت حقوق الافراد منتهكة وسرقة الجهود والعمل والافكار على أشده. فالمترجم في الغرب يتقضى أجرا عما قام به من ترجمه حتى لو استغرقت عدة دقائق وكان الاجر عليها ضئيلا. في حين ان الفيلسوف العربي يقدم محاضرته مجاناً ويكتب بحوثاً عديدة دون أن يتسأل أحد أو حتى يفكر اعطاءه أجراً لقاء ذلك. وهكذا فإن الاف المقالات والبحوث والرسوم والمسرحيات والبرامج تقدم دون أجر، في الوقت التي يشكو المنتفعين منها دوما بأن الدولة تسرق جهودهم وتنتهك حقوقهم. وهذا الاسلوب في التعامل قد قاد الى ظهور ملايين الحالات لانتهاك حقوق الافراد، بما يخلق حالة من التذمر وعدم الاستقرار في المجتمع.
(2) إعتماد فلسفة الموت بدلا من فلسفة الحياة، حيث ان المسلم يولد وعينه على آلاخرة بخلاف المسيحي الذي علمته الكنيسة على مفهوم الجنة الارضية. ولهذه الفلسفة مايعززها في النصوص الدينية الاسلامية التي خلقت تصورا حسّياً مادياً للجنة الاسلامية في انهار الخمر والعسل والحسناوات من النساء دفعته الى التقاعس في الحياة على الرغم من إن هذه الامور كلها موجودة في الحياة ويمكن الحصول عليها بجهد بسيط، وهي أمور يمكن تحقيقها في هذه الدنيا على الارض، وهذا مافعلته الدول الغربية تماما. وعادة ما أستشهد بقصة حقيقية طريفة من التاريخ الاسلامي تبين بجلاء إن العرب المسلمين لم يفكروا بادارة الارض ومواردها بشكل صحيح ، ولم يفهموا قيمة وجودهم في هذه الدنيا ودور كل فرد فيه. وقد ترسخت في العقلية العربية فكرة إن العمر قصير ولا يحتاج لكثير من الاهتمام. وفي قصة المرأة التي بكت ابنها لوفاته صغيراً عن عمر 300سنة، ان نوح سألها: فماذا سوف تفعلين لو عشتي في أمة أعمارهم لاتتجاوز الستين؟ فقالت: لو عشت معهم لجعلتها سجدة واحدة لله.
وفي المجتمعات الاسلامية إزدهرت صناعة الموت، ومنظر ومؤسس ألاخوان المسلمين يقول: “إن الامة التى تحسن صناعة الموت وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة، يهب الله لها الحياة العزيزة فى الدنيا والنعيم الخالد فى الآخرة،وما الوهن الذى اذلنا إلا حب الدنيا وكراهية الموت، فأعدوا انفسكم لعمل عظيم.. واحرصوا على الموت توهب لكم الحياة واعلموا أن الموت لابدَّ منه، وأنه لا يكون إلا مرةً واحدةً، فإن جعلتموها في سبيل الله كان ذلك ربحَ الدنيا وثوابَ الآخرة.”(4)
وكان اول ملوك العراق وبعض مساعديه يرون ضرورة تعليم النشء الجديد صناعة الموت، حيث يقول الدكتور سامي شوكت عن بعض ذكرياته مع الملك فيصل الاول ” في سنة 1933 جمعت مديري المدارس ومدرسيها والقيت فيهم كلمة طويلة اعلنت فيها ادخال الدروس العسكرية في مناهج المعارف (التربية) وتطرقت الى معنى الغرور القومي وضرورة معرفة (صناعة الموت) وضربت عددا من الامثلة على بعض الشعوب التي لم تستطع الحصول على الاستقلال وحرمت من الحرية لانها لم تتقن (صناعة الموت) ومن جملتها سورية على الرغم من انها قطعت شوطا كبيرا في مضمار الحضارة والمدنية ولاتقل عن مدنية أي دولة من دول اوروبا الجنوبية قلت لهم. وإنكم ترونها الان (العوبة بيد باريس الجبارة).
اأغضب هذا القول وزير فرنسا المفوض في بغداد واحتج في وقتها لدى البلاط وكذلك وزارة المعارف (التربية) على كلمتي هذه. حيث اعتبرها ماسة بالعلاقات الودية القائمة بين العراق وفرنسا وعلى اثرها دعاني الملك فيصل الى البلاط الملكي وسلمني صورة الاحتجاج. وقد قرأت الاحتجاج فامتعضت مما جاء فيه، ولما شاهد الملك فيصل امتعاضي ربت على كتفي وقال: لاتهتم ياسامي فامضي في طريقك في تلقين النشئ الجديد روح العزة القومية وحب صناعة الموت وما من أحد يستطيع اأن يحول دون تطبيق مناهجنا على هذه الناشئة إذهب بأمان: فشكرته وانصرفت”.(5)
وقد ألف الدكتور سامي شوكت عام 1939 كتاباً اسماه (أهدافنا) ووشى غلاف كتابه بعبارة تنسب للنبي محمد تقول: (إخشوشنوا فإن الترف يزيل النعم).(6)
وهذا الامر لا يقتصر على مذهب إسلامي معين، فأخر البدع في هذا المجال هي دعوة أحد زعماء الشيعة في العراق في 6/8/2016 الى تضمين المناهج الدراسية باباً عن الاستشهاد.
ويبدو إن هذا التوجه الذي ينسجم مع الكثير من التوجهات الاسلامية هو ما تريده الدول الغربية بحيث استغلته ابشع استغلال. وقد سمعت شخصياً عام 1999 من الزعيم العراقي الكردي مسعود البارزاني: إن الدول الغربية تنظر الى الاكراد على انهم مقاتلون عند الطلب. وبالفعل فقد جرى إستخدامهم لهذا الغرض في مناسبات كثيرة. (7) كما جرى إستغلال الاشوريين مطلع القرن العشرين.(8)
وهكذا فقد سادت فلسفة الموت في هذه المنطقة الحيوية من العالم، وبما يفسر استمرار مسلسل الحروب فيها، حتى اصبحت كل حرب تلد أخرى وهكذا دواليك. في حين ان الشعوب الاخرى تواصل مثابرتها للحياة بشكل تراكمي، وهذا ماتفتقده شعوب الشرق الاوسط عموماً والمسلمين خصوصاً.
(3) قلة الاعتماد على التكنولوجيا. تتميز المجتمعات الغربية بإعتمادها على العنصر التقني او التكنولوجي في حل الكثير من النزاعات والخلافات البشرية. فلم يعد هناك من حاجة لان تجادل مع سائق سيارة الاجرة حول مقدار ألاجرة، فقد تكفلت التكنولوجيا بحل هذا الخلاف من خلال محكم علمي محايد هو جهاز عداد الاجرة، ومثل هذا الامر ينطبق على إعتراضات المواطنين حول طلب الموظف مبلغ من المال رشوة لقاء انجاز معاملاتهم، فالمواطن الذي ينجز معاملته الكترونيا لن يعيقه أي عنصر بشري عند انجاز معاملته بعد الان. هذا الاستخدام التكنولوجي مازال ضعيفاً لا بل معدوما. وقاد ذلك الى خلق منازعات كثيرة يصعب حلها وادى الى تراكمها، في حين ان معالجتها بوسائل بسيطة جدا وحلها اسهل مما نتصور. وهذا العنصر المحايد والذي يعتمد الدقة والموضوعية والحيادية في قراراته قد دخل عالم الحسابات المصرفية والتعاملات التجارية والطب والعلوم وكل مجالات الحياة الاخرى، لذا يندهش المواطن العربي عندما يجد ان جهاز صغير في الشارع يمكن ان يؤدي كل المعاملات المصرفية المطلوبة من سحب النقود وايداعها وتحويلها ومعرفة رصيده حتى في ايام العطل. وهذا مما قلل نزاعات الافراد فيما بينهم، حيث إن الالة تشكل عنصرا مساعداً محايداً في أي علاقة قانونية.

– نتائج ثورات الشرق الاوسط
هذه الاسباب وغيرها قادت الى نتائج كارثية ضاعت بسببها مجتمعات عديدة وإنهارت من جرائها دول كثيرة. ومن تلك النتائج وهذا ما سنتناوله بشيء من التفصيل:-
(أ) إنقسام المجتمعات
ظلت المجتمعات العربية ومازالت تعاني من الانقسام وعدم التوحد. وعلى الرغم من أن الاختلاف أمر طبيعي ومؤشر صحي بين البشر، الا ان المقصود هنا هو الانسجام والتناسق والتناغم كا هو مطلوب في الفرقة الموسيقية ليبدو اللحن واضحا ومؤثرا في الناس بدلا من أن يكون نشازاً.
ورسالة مؤسس العراق الملك فيصل الاول لعام 1921 خير وصف لهذه الحالة فيقول:-
” أقول وقلبي ملآن أسىً… إنه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد تكتلات بشرية خيالية، خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة، سمّاعون للسوء ميالون للفوضى، مستعدون دائماً للانتفاض على أي حكومة كانت، فنحن نريد والحالة هذه أن نشكل شعبا نهذبه وندرّبه ونعلمه، ومن يعلم صعوبة تشكيل وتكوين شعب في مثل هذه الظروف يجب أن يعلم أيضا عظم الجهود التي يجب صرفها لاتمام هذا التكوين وهذا التشكيل.. هذا هو الشعب الذي اخذت مهمة تكوينه على عاتقي “.
إن السياسات التي انتهجها الحكام العرب رسخت هذا الانقسام نتيجة غياب القانون أو ضعفه وميل السلطة الى فئة معينة وتقضيلها على باقي فئات المجتمع مما أوجد أرضية مناسبة للطائفية، الامر الذي استغله الغرب لصالحه، وكانما إتفق الطرفان على إعتماد السياسة القديمة المعروفة ” فرق تَسد ” “divide et impera”. ومن الامثلة على ذلك، هو حكم السنة في العراق، وحكم العلويين في سوريا وغيرها. وما زالت المجتمعات العربية تسودها الولاءات القومية والدينية والمذهبية والطائفية بالاضافة للانتماءات العشائرية. وهكذا فشلت السلطة في دول الشرق الاوسط من بناء دولة المواطنة التي تقوم على اساس المواطنة الحقة، ولا تفرق بين المواطنين التي نصت معظم دساتيرها على مساواتهم أمام القانون.
(ب) هدر الثروات الوطنية
إن مجيء حاكم متعاون مع دول أجنبية ليس مشكلة بحد ذاته، إذا ما تحلى الحاكم بالوطنية وقدم مصلحة الدولة والشعب على الولاء الاجنبي، وهذا أمر صعب جداً، بل يكاد أن يكون مستحيلا. وهذا مايميز طبقة الحكام السابقين أمثال حافظ الاسد وصدام حسين وحسني مبارك وأخرون. أما الطبقة الجديدة من الحكام بعد غزو العراق عام 2003، فقد قدمت الولاء الاجنبي على أي اعتبار أخر، لذا فقد سعت الى هدر الثروات الوطنية وتبديدها، وفي مقدمتها الثروة النفطية. وعلى سبيل المثال، فقد قدرت ثروة العراق المهدورة للفترة من 2003-2015 ب (700) مليار دولار. وهذا ما قاد البلاد الى الافلاس والانهيار الاقتصادي وإنعدام الخدمات وتفشي البطالة والامراض، وتحول العراق من دولة نفطية دائنة الى دولة مدينة للمؤسسات المالية الكبرى كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
وفي الواقع، إن هدم أي مبنى مهما كان صغيرا بسبب الصراع على السلطة، إنما هو هدر للموارد، فما بالك بتدمير مدرسة أو مستشفى أو مصنع؟ وبالتأكيد إن دول الغرب هي المستفيد الاول من جراء ذلك، معظم المصانع والمنشآت الضخمة في دول الشرق الاوسط قد قامت ببنائها دول غربية مما يوفر لها لاحقا عملا وموارد كبيرة من إعادة بنائها.
(ج) الهجرة البشرية
عندما يتهاوى اي منزل، فإن أول مايفعله سكانه هو الخروج منه. هذا الوصف يفسّر لنا ببساطة الهجرات الكبيرة التي حدثت لدول الشرق الاوسط بعد إعتماد السياسة الامريكية لمبدأي الشرق الاوسط الكبير ل(جورج بوش)، والفوضى الخلاقة ل(كوندليزا رايس). وهكذا ظهر مفهوم الدولة المنهارة، أو الدولة الساقطة (Collapsed State).
ويشبه سقوط الدول الى حد ما سقوط أي مبنى. حيث يمكن تفسيره لاسباب عديدة متظافرة أدت بالنتيجة الى ذلك السقوط المريع.
وإذا كانت الربع الاول من القرن الماضي قد شهد ولادة دول حديثة، فإن الربع الاول من هذا القرن يشير الى موت دول عديدة في المنطقة.
وبسريان الموت الى الدول يخرج أفراد الشعب نازحين ومهاجرين وحداناً وزرافات، وهذا ما ادى الى ظهور مشكلة اللاجئين. وقد قادت سياسات العديد من الدول وما نتج عنها من حروب وفي مقدمتها الحربين العالميتين الاولى (1914-198) والثانية (1939-1945) الى إهتمام الامم المتحدة بهذه المشكلة المتفاقمة عقد انتهاء الحرب فأنشأت هيئة أممية سميت (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (Office of the UN High Commissioner for Refugees (UNHCR) مهمتها تقديم العون الانساني لللاجئين للتخفيف من معاناتهم وايجاد حلول لمشكلاتهم (دون التجرؤ لمناقشة أسبابها). ومن البديهي إن هذه المشكلة لاتظهر الا تزامنا مع الحروب أو النزاعات المسلحة أو في أعقاب الثورات، أونتيجة الظروف التي تنشأ من رسم خرائط جديدة لتقسيم الامبراطوريات الكبرى كالعثمانية والنمساوية-الهنغارية. فالمواطن لايرغب في ترك بلده لاسباب تافهة ألا عندما يصل الامر الى محك فقدان حياته هو وعائلته، فليس سهلا على الاطلاق ان يغادر المرء منزله. لذا فإن اوائل اللاجئين كانوا من الالمان والارمن والبولنديين واليونانيين والاتراك والهنغاريين والسوفييت وغيرهم وقد بلغوا بحدود 60 مليون لاجيء.
واذا كان القرن الماضي قرن حروب أوربا ولاجئي أوربا، فان القرن الحادي والعشرين هو قرن حروب الشرق الاوسط ولاجئي دول الشرق الاوسط، كالعراقيين والسوريين والليبين والتونسيين واليمنيين وغيرهم حتى بلغ عددهم 34 مليون لاجىء.
وقد قادت سياسات حكام الشرق الاوسط وخاصة العرب الى تزايد مشكلة اللاجئين نتيجة سوء الادارة وقسوة المعاملة ورفض قبول أي رأي معارض. ومن الطبيعيأن تلقف الدول الصناعية هذه الطاقات البشرية وتستفاد منها عاجلاً أم آجلاً. وهذا ما أوجد جاليات كبيرة لشعوب هذه الدول في دول أوربا وأمريكا، مثل الجالية التركية في المانيا، والجالية الايرانية في أميركا، وغيرها. وعلى سبيل المثال ففي بريطانيا هناك (000 5) طبيب عراقي بحسب تصريح لجنة الصحة النيابية في العراق في 13/6/ 2013، في حين يعاني النظام الصحي في العراق تدهوراً كبيراً.
ويبدو ان دول الشرق الاوسط وعلى الاخص العربية منها لا تقيم إقتصاديا هذه الكتل البشرية وما هو وزنها الاقتصادي وتأثيرها على التنمية الاقتصادية لكل دولة، وهي في هذا تقف على النقيض منها في مواجهة دول متقدمة كما هي دول أوربا التي تدرك تماما القيمة الاقتصادية حتى للحيوانات المنوية لكل رجل. وكان فريدجوف نانسن النرويجي أول مفوض سامي لشؤون اللاجئين عام 1921 يرى إن “اللاجئين الذين كانوا يُعتبرون عبئاً لا يطاق قد يشكلون رصيداً غنياً”. فأين النمير من البعير؟
يضاف الى ذلك أن الدول تبني سياساتها على الفائد الاقتصادية من المهاجرين ودولهم التي تلزم لاحقا بدفع نفقات أزمتهم. وهكذا تغدو دولهم شاءت أم أبت مثقلة بديون اللاجئين من شعبها أمام المنظمات الدولية المتخصصة في هذا المجال.
(د) هدم الحضارات العريقة
يقتصر الحسد على مستوى الافراد فقط بل يتعدى الى الدول. والشرق الاوسط بحكم موقعه الجغرافي ودفء مناخه كان مهدا للحضارات القديمة كالفرعوية والاشورية والبابلية والفينيقية وغيرها. لذا كان هم الغرب في كيفية الحصول على آثار هذه الحضارات طيلة العقود العشر الماضية ومن خلال اشخاص متمرسين ومحترفين انتحلوا صفات مقبولة لدى شعوب هذه المنطقة مثل رجال الدين (المبشرين)، او أطباء لتداوي الناس في ظل تدهور مستوى الخدمات الصحية في دول المنطقة آنذاك. وقد جرى سرقة أو شراء الكثير من آثار الشرق كالمنحوتات والمخطوطات. واتذكر شخصياً وانا بعمر 12 عاما كيف تم نقل 55 مخطوطة مكتوبة على جلد الغزال عند طرد الاباء اليسوعيين الامريكان من بغداد عام 1969.
واليوم تمتلىء متاحف الغرب في باريس ولندن وبرلين بآثارنا العريقة والغالية جداً، وسيتملك العجب أي انسان من كمية الآثار التي تم جمعها طيلة ثلاثة قرون في حقبات إستعمارية مختلفة، وقد جمعت ودرست وحفظت بعناية .
رب قائل يقول: ان ذلك افضل لحفظها لاننا لا ندرك قيمتها أونسعى للحفاظ عليها بشكل جيد كما هي هناك.
هذا الكلام غير دقيق، اذا ماقيل بغير قصد، وهو يشبه انتزاع مال شخص لعدم قدرته على ادارته. وهذا الامر جائز في مجال تعاملات الافراد، ويتقدم به اقرباء الشخص ومن له مصلحة في ذلك، ولايمكن تطبيقه في التعامل بين الدول. ولو اردنا الاحتفاظ بها لما سمحوا لنا بذلك، ولحاولوا انتزاعها بأي وسيلة كانت، أو تدميرها كحلٍ أخير. وتحضرني شهادة شاهدعام 1977 لراهب (مطران اربيل لاحقاً) يدعى عبد الاحد ربان في ان والده رفض في عام 1930 منح أو بيع مخطوطة قديمة لديه عرضها على مبشر فرنسي، الذي حاول حيازنتها بكل الوسائل وبعد أن اعيته الحيلة في الحصول عليها، تناولها ورماها في موقد النيران لتحترق بحجة انها تتضمن كفرا بالايمان المسيحي.
وبعد ذلك قامت الحركات الاسلامية بتدمير هذه الحضارات بشكل ابشع، وصور تحطيم تنظيم القاعدة لتماثيل بوذا في أفغانستان عام 2000، أو تحطيم د*اع*ش لاثار نينوى عام 2015، وهدم آثار تدمر في سوريا عام 2015 ماثلة في الاذهان.
وبعد هدم هذه الحضارات الانسانية القديمة والتي يرجع تاريخها الى أكثر من سبعة الاف سنة، سوف لن يبقى من الذاكرة الانسانية والتراث الانساني على كوكب الارض سوى تاريخ انشاء أول مطعم كنتاكي للهمبرغر عام 1952.
(ه‌) ضياع القيم الانسانية
إن من يقرأ يستعرض تاريخ الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا، لن يستطع أن يفهم هل إن الغرب مع الاخلاق أو ضدها؟ ولكنه بالتأكيد سيصل الى نتيجة مفادها وهي ضياع الاخلاق والقيم الانسانية تدريجياً في العالم. وهذه القيم تشكل بمجموعها قيماً روحية-معنوية مستقاة من الخبرات البشرية المتراكمة ومبادىء الدين وقواعد الفلسفة.
إن السبب الرئيسي لضياع هذه القيم هو التعلق الشديد بالمال، واعتماد القيمة المالية اساس لتقييم أي عمل بشري، ولما كانت الاخلاق مما يصعب وضع قيمة ماليه له، لذا فقدت بدأ تفقد بريقها وتتضاءل أهميتها شيئاً فشيئاً.
وبضياع الاخلاق بدأت البشرية تنزلق نحو منزلقات خطيرة لم تكن مقبولة حتى الامس القريب، مثل إلاجهاض، والموت الرحيم وغيرها. وهذا ماسيكون له أثار مدمرة على البشرية جمعاء.

– الدروس المستنبطة من ثورات الشرق الاوسط
أولا. الفهم النفسي للمسلمين (امة غنائم)
مازال المسلمون وهم أكثرية شعوب الشرق الاوسط يعملون وفقاً لنظام الغنائم الذي جاء به الاسلام. وهو نظام معمول به في معظم المجتمعات القديمة حتى القرون الوسطى، ومازالت أثارها باقية في نظام التعويضات المبالغ فيها. ويعتقدون وفقا لذلك، إن ممتلكات الاخرين واموالهم ومقتنياتهم إنما هي غنائم مباحة لهم. وقد خلق هذا اعتقاداً بأن المال يأتي بسهولة، لذا فانه زواله بسهولة لا يدعو للتألم على فقدان أو خسارة أو تضرر المال. وهذا ما أوجد فلسفة يتدوالها الناس بعد كل حادث وهي (بالمال ولا بالعيال) أي لا مشكلة في خسارة الاموال مهما كانت كبيرة مقابل البقاء على قيد الحياة. في حين إن الغرب يعتبر كل خسارة مهما بدت ضئيلة هي خسارة تستحق الالم.
ونظرا لتوقف حروب المسلمين وغزواتهم منذ زمن بعيد، الا ان المسلمين مازاوا يسيرون على نفس النهج مع تغيير في اساليب الحصول على الغنائم. وقد ساعد ذلك دول غربية عديدة لاستثمار هذه الفلسفة واستخدامها بما يحقق مصالحها، وهكذا وجدت إن من السهولة تجنيد الكثير منهم مقابل منافع مالية بسيطة حتى لو أدى الامر الى تدمير دولهم وتبديد ثرواتها الوطنية. وقد سبق الذكر وصف تشرشل لامة العرب بانها أمة الخيانة. وبعد اعلان الثورة العربية الكبرى شاعت عبارة لطالما رددها العثمانيون وهي (عرب خاين). وقد شهد التاريخ العربي دوما خيانة الاغلبية القصوى لمبادئها، مما قاد الى حوادث كبرى في التاريخ العربي والاسلامي مازالت جراحا متقيحة في تاريخ المنطقة. وهذا يندر وجوده لدى الشعوب الاخرى.
ثانياً. وجود صراع حضاري بين الشرق والغرب (حقد تاريخي)
شئنا أم أبينا، فمازال التاريخ هو المحرك للكثير من النزاعات والصراعات في العالم. ومازالت البشرية اسيرة الماضي. ومازلنا أسرى التاريخ. وهذا الامر يسري على جميع سكان الارض بدرجات متفاوتة، والا ما الذي يدفع مصورة صحفية هنغارية لوضع قدمها أمام مهاجر سوري يحمل طفلته ويسعى للهرب من الشرطة، ليعثر ويقع جراء ذلك، حتى دون ان تكون بينهما اي معرفة شخصية أو مصالح متناقضة الا انه صراع ثقافي يرجع لايام سيطرة العثمانيين على دول اوربا. ويمكن ان يوجد مثل هذا الصراع الثقافي بين ابناء الدين الواحد، ومازال الصراع الشيعي-السني بين المسلمين تمتد جذوره لاكثر من 1400 سنة.
وقد ابدع صموئيل هينتغتون عندما وصف لنا كل ذلك في كتابه الشهير (صراع الحضارات) الصادر عام 1996. يجادل هنتغتون بأن الصدوع الثقافية وليس الآيديولوجية أو القومية يجب أن تُقبل نظرياً باعتبارها بؤرة الحروب القادمة. يجادل هنتغتون بأن الاختلافات أو الخصائص الثقافية لا يمكن تغييرها كالانتماءات الآيديولوجية، فبإمكان المرء أن يغير إتنمائه من شيوعي إلى ليبرالي ولكن لا يمكن للروسي مثلاً أن يصبح فارسياً. ففي الصراعات الآيديولوجية، يمكن للناس أن يختاروا الجانب الذي يؤيدونه، وهو ما لا يحدث في الصراع الثقافي أو الحضاري، ونفس المنطق ينطبق على الدين، فبامكان المرء أن يحمل جنسيتين فرنسية وجزائرية مثلاً، ولكنه لا يمكن أن يكون مسلماً وكاثوليكيا في آن واحد.
واذا اعتمدنا تفسير هتنغتون لمسار الاحداث منذ بداية القرن 21، فسنفهم إن الدول الغربية والتي توصف بأنها دول متحضرة وتنتهج سياسة متفتحة وتحترم حقوق الانسان، قد كشفت عن وجهها الاخر الذي يبدو قبيحاً قياساً للوجه المعلن منذ خمسة قرون، والذي مازالت تحاول ان تخفيه رغم سقوط القناع. فما زالت أوربا وأمريكا تكره المسلمين، وتسعى لمحاربتهم بمسميات مختلفة مثل الحرب على الار*ها*ب، الا ان الجميع يفهم ان القصد منها هو الحرب على الاسلام.
وهكذا يمكن تفسير الحرب التي تشنها الدول الغربية على دول الشرق الاوسط والتي تدين بالاسلام باستثناء الكيان الجديد إس*رائي*ل الذي وضع اصلا للتعامل مع المسلمين بشكل اقسى من التعامل الغربي المسيحي إستنادا على ماتحركه الاحقاد التاريخية لدى اليهود في التعامل مع المسلمين بشكل واضح لا لبس فيه. ويمكن ملاحظة الخبث بارزا في الاسلوب الغربي.
ولم تكن هناك اية صعوبة تذكر في الجانب الاخر لدى المسلمين حيث أن النموذج جاهز في الموروث الديني، وقد واجهه محمد قبل 1437 سنة ووجد له حلا نموذجياً صالحاً للتطبيق حتى يومنا هذا من خلال استخدام القوة بقسوة. وهكذا فان الصراع في الشرق الاوسط يجري بين الخبث والقسوة.

ثالثاً. إستغلال هذا الصراع لمصالح دولية خاصة (استثمار الغباء)
لقد استطاع الغرب استثمار الغباء الاسلامي بمهارة فائقة لتدمير حضارات دول الشرق الأوسط، فضربوهم ببعضهم البعض، فمنحوا الحكم للشيعة لأنهم يعرفون جيدا انهم اذا ما استلموا السلطة في اي بلد عربي فانهم سيتركون كل شيء في الحضارة ليبحثوا عن يزيد بن معاوية لينتقموا منه، وهكذا سيق*ت*لون السنة ، وبالمقابل سيتشدد السنة فيق*ت*لوا الشيعة، وهكذا ظهرت القاعدة ود*اع*ش، وبين الفريقين ستزول الاقليات الواقعة بين حجري الرحى لانها الحلقة الأضعف في هذا الصراع . وهكذا سالت الدماء وتوسعت المقابر حتى سادت ارادة الموت على ارادة الحياة، وضاعت الثروات الى جانب تدمير اثار الحضارات ماقبل الاسلام كالاشورية والبابلية والسومرية والفينيقية وغيرها ، وقريبا سنجد ان اقدم تاريخ لدينا هو تاريخ انشاء مطاعم كنتاكي عام 1964. فالمبشرين الذين توافدوا على هذه المنطقة منذ الف سنة انما درسوا التاريخ الاسلامي وشخصوا نقاط ضعفه.
والسوأل : الا يفكر احد ان يزيد مات قبل 1400 سنة ، وان الاقليات ليست مسؤولة عن واقعة كربلاء ، وان الغرب الذي يعادونه ليس مسيحيا بدليل انه أجاز الإجهاض وزواج المثليين وهذه أشياء لم يفعلها المسيح ، وأن المسيحيين وبقية الاقليات كانوا سنداً يشد بنيان الامة ويعمر البلدان، وان الدول اثمن من ان تضيع بلحظة غباء .

رابعاً. عدم الاعتراف بالاخطاء التاريخية ومعالجتها (العزة بالاثم)
العرب أمة لا تعرف الاعتراف بالخطأ، لذا يتعذر عليها إصلاحها. وقد تنبه محمد لهذه الظاهرة النفسية-الاجتماعية المعروفة ب (عزّة الجاهلية)، حيث يذكر القرآن الكريم ذلك بعبارة بليغة موجزة هي: (تأخذهم العزة بالاثم)، وجزاء أولئك هو جهنم وبئس المهاد، بقوله: وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ.(9)
وفي مشهد من الفيلم القديم “فجر الإسلام”، يسأل الفنان محمود مرسي أحد الكفار (الفنان محمود فرج): “ما هذه الرائحة يا حنظلة؟ ألا تستحم يا رجل؟”، فيجيب الكافر باعتزاز “إنها رائحتي، وأنا فخور بها”.
واليوم يحيا الملايين من المسلمين حالة العزة بالاثم التي توارثوها من الجاهلية. في حين نجد إن الغرب يعتذر عن خطأ أرتكب قبل مئات السنين، وأن كانت هذه الحالة لا تعوض صاحبها الي توفى منذ زمن طويل، الا انه يحقق نوعا من الاستقرار النفسي- الاجتماعي للمجتمعات. وواحد من أشهر الامثلة على ذلك هو اعتذار الكنيسة لجاليليو، حيث أعاد الفاتيكان في 2 نوفمبر 1992 لجاليليو كرامته ببراءته رسميا، وتقرر عمل تمثال له فيها، وصدر اعتذار رسمي بحقه عام 2008 . (10)
وإزاء هذه الحالة، تشهد منطقة الشرق الاوسط ثباتاً في التخلف، وإستمرارا في التدهور. وفي ظل التطور السريع الذي يشهده العالم في كافة المجالات، تبقى المجتمعات الشرقية تعيش حالة التمسك بالخطأ مبررة ذلك بمفاهيم غير منطبقة كالاصالة والتقليد والتمسك بالقيم وغير ذلك.

خامساً. نمط تقهقر الشرق الاوسط (المُحرِر الخبيث)
يمكن القول إجمالا، إن منطقة الشرق الاوسط تشهد تدهورا على مختلف الصعد والتوجهات. وهذا التدهور بدأ منذ النصف الثاني من القرن العشرين ولم يكد يمر على نشوء دول الشرق الاوسط الحديثة نصف قرن من الزمان.
واليوم، تستذكر شعوب تلك الدول نسمات الحضارة التي هبت عليها طيلة نصف قرن من نشوئها. ويتبادل الناس صور الامس الجميل وهم يرددون عبارة (الزمن الجميل). فما الذي جرى على تلك الدول وشعوبها؟ وما سبب هذا التدهور؟
يمكن القول ابتداءا، إن هذا التدهور هو غير طبيعي بل ومصطنع، أي بفعل فاعل. ولا حاجة لتكرار ما قلناه عن حالة الصراع بين الغرب والشرق. ولكن من الممكن أن نشير الى بعض المحطات البارزة التي تشكل معالم واسباب هذا التدهور:-
1. سقوط الخ*لافة الاسلامية 1924.
2. قيام دولة إس*رائي*ل 1948.
3. الحروب العربية – الاس*رائ*يلية الخاسرة 1948، 1972.
4. الثورة الاسلامية الايرانية 1979.
5. غزو العراق للكويت 1990.
6. الاحتلال الامريكي للعراق2003.
7. الحرب السورية منذ 2011.
وهي كلها أحداث عمل الغرب على قيامها في هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم. ومازالت هذه الاحداث مستمرة. ولو دققنا في دوافع قيامها وتبريراتها نجدها لا تتعدى مفهوم واحد هو (الحرية والتحرر)، كما انها لا تخرج عن غاية واحدة هي ( الفوضى والدمار)، والاكثر من ذلك ان الداعي اليها جميعها هو واحد ويسمي نفسه بالمحرر، والانكى من ذلك، هو جري شعوب هذه المنطقة دوما وراء هذا المحرر، وغالباً ما يعقبها الندم.
والعراق خير مثال على ذلك، فقد أطلق الجنرال البريطاني مود الذي إحتل بغداد عام 1917 عبارة ( لقد جئنا محررين لا فاتحين)، وقد تكررت تلك العبارة ثانية عند الاحتلال الامريكي لبغداد عام 2003 تحت قانون تحرير العراق.
فما الذي تحقق من الجري وراء المحرر من مفهوم الحرية؟
لن أخوض هاهنا في النتائج المادية لهذا التوجه، فتقارير المنظمات الدولية المتخصصة توضح بدقة الخسائر المادية والبشرية للجري وراء مفهوم الحرية الموهوم.
ولكن يجدر التحدث هنا عن ماهية هذا المفهوم ووسائل استغلاله لخداع الناس في كل مكان.
مشكلة الانسان الكبرى إنه يتمتع بخيال واسع يقيده جسد ضعيف لا يلبي طموحات خياله المحَلِق . وهكذا، فإن الجسد هو ثوب ضيق لروح كبيرة تسعى للانطلاق. وهذا يفسر لنا جموح الشعراء وقدرتهم على تأجيج مشاعر الجماهير، وقد وصفهم القرآن الكريم وصفاً دقيقاً بقوله: ” وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ. وهذا يفسر لنا ايضاً رغبة الناس الى افلام الخيال العلمي. كما هي رغبة كل فتاة في فارس الاحلام.
وفائدة الخيال إنه متنفس الجسد في معاناته. وعندما تجد البشرية نفسها عاجزة عن دفع أي قوة قاهرة يصعب على الجسد الضعيف التخلص منها فإنهم يتقاعسون ويضعفون وتتشتت قواهم ويغزوهم التمزق والتشرذم ويسيطر عليهم العجز.
وقد عَبّر المفكرون عن الجسد والروح بحاجاتهم فإختصروها بالخبز والحرية. وهاتين الحاجتين مترابطتين لا يمكن فصلهما الا بالوفاة. فتنطلق تصورات الانسان وخياله بعيداً عن أعضاء الجسد، الذي يبدو مثل قفص حبست فيه الحرية. وكما قال المسيح: الروح مستعد، أما الجسد فضعيف.(11)
ومنذ الوجود البشري على كوكب الارض، كان صراعه يتمحور حول هاتين الحاجتين. الحاجة الى الخبز كتعبير عن متطلبات الجسد الواسعة والكثيرة (12)، والحاجة الى الحرية كأساس للارتباط بما وراء الكون، وأساس للمسؤولية والمحاسبة لاحقا نتيجة إختلال التوازن البندولي بين هاتين الحاجتين. واحدى الملاحظات الجديرة بالاهتمام إن ذهاب بندول الطبيعة البشرية أقى مدى اي جهة فإنه سيعود تلقائيا الى أقصى الجهة الاخرى بنفس السرعة ونفس المقدار. وهذا ما يفسر لنا بعض الظواهر المتناقضة في الحياة، فاحيانا تسمى إن رجلا مؤمناَ بتطرف سرعان مايتحول الى ملحد متطرف. وهذا يتحول النزيه الى لص، والسارق الى رجل دين، والعاهر الى إمرأة محافظة. والعرب المحافين يتحولون الى منطلقين متحررين خارج مجتمعاتهم، لا بل إن الكثير منها يسافر الى الخارج تخلصا من قيود صوم رمضان الاسلامي. وصور أمثال هذه الحالات تملأ الصحافة العالمية.
وفي رائعته الفريدة رواية الإخوة كارامازوف، يكتب فيدور دستويفسكي واحدة من أروع المحاورات البشرية التي تستغرق 35 صفحة كاملة بين بطل الرواية إيفان والشيطان. (13)
وما يهمنا في هذا المقام، هو مسالة الحرية. فالمجتمعات الاسلامية قد ورثت من التقليد الاسلامي الذي نجح في إخضاع مجتمع قريش والمجتمعات الاخرى لاحقا، مسالة تقييد الحرية، نظرا لاستخدامها عنصر القوة في التعامل. على النقيض منها قامت المجتمعات المسيحية على الحرية نظرا لعدم إستخدامها القوة، لا بل دفعت الثمن باهضاً من التضحيات الجسدية من أجل الحفاظ على الحرية. ويمكن حتى هذا اليوم من ملاحظة تحرر مفاهيم المسيحي عن المسلم.
إن مفهوم الحرية المفتقد لدى المجتمعات الاسلامية كان الاساس الذي استخدمته الدول الكبرى لهدمها. فمفهوم الحرية هو اساس الفكر الانساني، بينما ظّل الخبز أساسا للوجود البشري.
والحرية قدر محبَب، كما يقول احد الاصدقاء. لذا فقد كان الحرمان من الحرية أول العقوبات البشرية. ومازالت القوانين الجنائية تتضمن عدد من العقوبات التي تسمى (العقوبات السالبة للحرية). وما زال السجن اتعس عقوبة في كل المجتمعات.
ولو أحصينا حالات الهجرة من مجتمعات الشرق الاوسط ودرسنا بواعثها – فباستثناء الامان- نرى أن الغالبية تهاجر بحثا عن الحرية، وتبقى الفئات الاشد ضعفا، كالنساء والاقليات، في تلك المجتمعات الاكثر نشدانا للحرية. ويبقى الدافع الجنسي هو المحرك للشباب العربي للهجرة. في حين ينحصر تذمر الرجال هناك في خسران الخبز المضمون في تلك المجتمعات. وكما يقال، فأن للحرية ثمن. وهذا يفسر لنا أسباب إرتفاع تكاليف الزواج في تلك المجتمعات، حيث أن الرجل يحصل على إمرأة لم تتحرر من قبل، إمرأة إرتضت أن تتنازل عن حريتها مقابل ثمن معين يضمن لها الخبز لاحقاً، لذا يكثر تقديم الذهب في هذه المجتمعات. ونتيجة لذلك، فكلما زادت حرية المرأة كلما قلت حظوظها بأقتناء الخبز. وحتى فتات الخبز الذي يمنح للمتحررات منهن فهو الثمن لقاء التخلص من الحرية لفترة محددة.
إزاء كل هذه المعطيات الفكرية تبقى منطقة الشرق الاوسط بحاجة الى مناخ من الحرية لتحصنة تلك الجرعة البسيطة من فيروس الحلم الغربي وفي مقدمته الحلم الامريكي الذي هو سراب أكثر منه حقيقة.
إن إعتماد هذا المفهوم انما يحصن تلك المجتمعات ضد الافكار والدعوات التحريضية التي يمارسها الغرب لنوايا خبيثة. فقد أدركت مجتمعات الشرق الاوسط تمام الادراك إن الغرب الذي يظهر بمظهر المحرر إنما هو محرر خبيث لن تعرف نواياه الا بعد فترة زمنية، يكون قد حقق خلالها كل ما اراده من تلك الدعوة التحريضية، وتكون المعرفة بها قد جاءت متأخرة بعد أن وقع الفأس على الرأس.

سادساً. الحركات الارتدادية العنيفة (قسوة مفرطة)
من المؤكد إن كل شخص طبيعي يمكن أن يتعاطف مع شمشون(14) في نهاية قصته المأساوية عندما قرر أن ينتقم من الجميع، جراء الظلم الذي الحقه به أعداؤه بعد أن سجنوه وفقأوا عينيه، وإن كان في ذلك نهايته. واليوم يشعر المسلمون في كل أنحاء العالم بإن الغرب هو عدوهم الاول. فلقد إنكشفت أمامهم حقيقة الغرب الذي يخفي حقداً تاريخياً متأصلا ضد المسلمين بعد أن حاول إخفاءها قرابة الف سنة بمفاهيم إنسانية ودعاية مدفوعة الثمن، وشعروا انهم خدعوا كثيراً وجرى إستخدامهم بشكل حقير وأسوأ من العبيد، وإن هذا الحقد قد ولّد صراعاً مريراً أسماه هنتغتون ب (صراع الحضارات).
وهذا ما يفسر لنا ظهور الحركات الاسلامية المتشددة كالقاعدة وجبهة النصرة والدولة الاسلامية وغيرها. ونسي العالم في غمرة هذا الصراع إن الاسلام ليس وليد اليوم، فقد مضى على ظهره 1437 سنة بالتحديد، فما الذي غيره؟ لقد ذهب بعض الحمقى الى البحث في بطون الكتب التاريخية والدينية القديمة لتشير الى حالات ق*ت*ل كثيرة تملأ صفحات التاريخ الاسلامي، وعزز هذا التوجه الغباء الاسلامي المفرط الذي كانت ردود أفعاله خير إثبات لها، فرجعت البشرية القهقرى في حركات ارتدادية عنيفة، وعادت مشاهد قطع الرؤوس وحرق البشر وأكل الاكباد وغيرها. وهكذا تناسى الجميع إن القوة كانت أسلوبا متبعا في العالم القديم لحل النزاعات بين مختلف المجتمعات، ومازال هذا الاسلوب مستخدماً حتى يومنا هذا، وتمارسه الدول الغربية التي تدّعي بالمسيحية أكثر من الدول الاسلامية.
إن هذه الحقيقة لم تنكشف أمام المسلمين فقط، بل إن بعض مسيحيي الشرق قد أدركوا تلك الحقيقة أيضاً. وبهذا الصدد، كتب البروفيسور جوزيف ابو نهرا يقول:
“إنّ المضايقات التي تعرّض لها المسيحيّون في العهد العثماني، لم تكن فقط نتيجة مواجهات مع السلطة الحاكمة، أو نزاعات ذات طابع إسلامي-مسيحي. لقد كانت أيضًا، ومع شديد الأسف، نتيجة نزاعات داخليّة مسيحيّة-مسيحيّة، ومضايقات متبادلة بين أتباع كنيسة القسطنطينيّة وأتباع كنيسة روما، أو انقسامات بين أبناء الرهبانيّة الواحدة الذين ينتمون إلى الكنيسة نفسها، وذلك قبل أن تهبّ الروح المسكونيّة، وتلفح العقول والقلوب، في جميع الكنائس الأرثوذكسيّة والكاثوليكيّة، كما هي الحال في أيّامنا.
في أواخر العهد العثماني، اضطلع المثقّفون المسيحيّون، جنبًا إلى جنب مع المفكّرين الطليعيين المسلمين، بدور رئيسيّ في النهضة العربيّة، كحركة إصلاحيّة فكريّة وسياسيّة. أمّا اليوم، وقد زال الحكم العثماني، ونعمت الدول العربيّة باستقلالها، فما زال الإنسان فيها، مسيحيا أو مسلمًا، يعيش هاجس الحريّة والعدل والأمان. كما نرى على أرض الواقع، مظاهر استراتيجيّة تفتيتيّة للأوطان والشعوب، على أساس العصبيّات الطائفيّة والعنصريّة. وهي تستدعي وعيًا مشتركًا بين جميع مكوّنات المجتمع، لدرء الأخطار ومنع الإنهيار. عبثًا نلقي اللوم على الإرث العثماني وعلى مؤامرات الخارج، ونتغاضى عن مكامن الخلل في الداخل”.(15)
أن المشكلة تكمن في أن الغرب قد درَس الاسلام وطبيعة المجتمعات الاسلامية منذ أكثر من خمسة قرون، وشخّص مكامن الضعف فيها. وإن أي استفزاز لهم سيعيدهم الى النموذج الاسلامي الاول، وهو نموذج جاهز للاستخدام عند أي نزاع. وهذا النموذج غنما هو إستنساخ للنوذج الذي ابتكره محمد للتعامل مع حالة الظلم الاجتماعي الفادح، الا وهو استخدام القسوة. وفي كل حالات الظلم الاجتماعي القاهرة وتعذر إيجاد مخرج لها، يهرع الجميع الى هذا النموذج الجاهز. وهذا ما حدث تماما عند استلهام ميشيل عفلق لذكرى مولد الرسول العربي عام 1934. كما استلهمه ابن لادن عام 2000 في التعامل مع جورج بوش والحضارة الغربية، وإستلهمه إبراهيم عواد البدري الذي سجن عام 2004 لدى القوات الامريكية في سجن بوكا في العراق، والذي اصبح يُعرف فيما بعد ب (أبو بكر البغدادي) الذي أعاد نظام الخ*لافة الاسلامية على يد الدولة الاسلامية في العراق والشام عام 2014.(16)
وسيظل المسلمون يتبعون نفس سياسات القسوة مالم يتخلى الغرب عن سياسة الشيطان.
إن العالم يشهد مواجهة بين القسوة والخبث، وستكون البشرية على كوكب الارض والتي وجدت نفسها بين المطرقة والسندان، هي وقود هذه المواجهة كما يحدث الان في أنحاء متفرقة من العالم.

*كاتب عراقي مقيم في سويسرا
[email protected]

الهوامش والمصادر
1. سورة الزخرف، الاية 78.
2. البروفيسور جوزيف أبو نهرا، المسيحييون وهاجس الحرية في العهد العثماني، بحث مقدم الى المؤتمر الدولي: خطاب الجماعات المسيحية في الشرق الادنى في زمن التحولات، جامعة القديس يوسف، من 24-26 كانون الثاني 2013، ص7.
3. المصدر السابق، ص 37.
4. حسن البنا، صناعة الموت، صحيفة النذير، 2 شعبان 1357/سبتمبر 1938.
5. د. سامي شوكت: هذه ذكرياتي عن الملك فيصل الأول!، جريدة الاتحاد، العدد 88 في 5/أيلول/1988.
6. ولقد كانت الافكار الشوفينية المؤدلجة قد بدأت تؤتي اكلها عندما بشّر احد العراقيين المتعصبين واسمه سامي شوكت بالذي اسماه (صناعة الموت) في كتاب اصدره ببغداد ابان الثلاثينيات وهو يعلن من دون اي خجل بالشوفينية العربية علما بأن سامي شوكت من اصل تركي! وكان ذلك بتأثير صعود كل من النازيست في المانيا والفاشيست في ايطاليا. ثم جاءت الموجة الاخري ابان الاربعينيات بتأثير حركة 1941 وعشرات المدرسين الفلسطينيين، ومن اشهرهم: درويش المقدادي واحتدمت بدايات الصراع السياسي بين القوميين والوطنيين حتى لما بعد الحرب العالمية الثانية . د. سيّار الجميل،النظام التربوي والتعليمي في العراق : التطور.. الفاشية والدمار، موقع الحوار المتمدن-العدد: 712 – 2004 / 1 / 13.
أنظر كذلك، الدكتور مجيد خدوري، العراق المسستقل، حيث يقول: وفي العراق تولى “نادي المثنى” الذي أنشيء في بغداد سنة 1935 الدعوة الى العروبة والوحدة العربية. ولعلّ كتاب سامي شوكت “هذه أهدافنا ، من آمن بها فهو منا” الصادر في بغداد سنة 1939 يعبّر عن الاتجاه الرومانسي في الفكر القومي العربي. فقد كان المؤلف عضواً بارزاً في نادي المثنى. Khadduri M., Independent Iraq, 2nd Edition, London, Oxford University Press 1960, pp. 166-167.
7. لقاء مسعود البارزاني مع اساتذة جامعة دهوك في أيلول/سبتمبر 1998، وهو في طريقه الى الولايات المتحدة الامريكية.
8. YUSUF MALEK, THE BRITISH BETRAYAL OF THE ASSYRIANS,Chicago 1935.
9. سورة البقرة، الاية 206.
10. غاليلوغاليليه، ويكبيديا، الموسوعة الحرة.
11. أنجيل متى 41:26.
12. عندما طلب تلاميذ المسيح أن يعلمهم الصلاة، كان من بينها عبارة (أعطنا خبزنا كفافنا اليوم) في تعبير واضح للحاجة الجسدية. ومازال المسيحيون في كل العالم يرددون هذه العبارة ملايين المرات يومياً. أو كما يقول علي بن ابي طالب: كاد الجوع أن يكون كفرا.
13. فيدور دوستويفسكي، الإخوة كارامازوف، ترجم سامي الدروبي، ج 2، ص ص 240-276.
14. شمشون بن منوح الدني (بالعبرية: שִׁמְשׁוֹן) من شخصيات العهد القديم، هو بطل شعبي من إس*رائي*ل القديمة اشتهر بقوته الهائلة وورد ذكره في سفر القضاة في الأصحاحات 13 إلى 16، وفي الرسالة إلى العبرانيين من العهد الجديد في الأصحاح 11، وقصصه شاعت في القرن الحادي عشر قبل الميلاد. أحب بعدها امرأة اسمها دليلة، فطلب منها الفلستيُّون أن تحاول كشف سر قوة شمشون، لم يخبرها شمشون سره في البداية لكنه قال إنه يمكن ربطه بأوتار طرية، فعلت ذلك خلال نومه لكنه قطعها عند استيقاظه، فقالت قد ختلتني وكلمتني بالكذب فاخبرني الآن بماذا توثق، فأخبرها أنه يمكن ربطه بحبال جديدة، فربطته في نومه لكنه استيقظ وقطعها أيضا، ثم أخبرها أنه يمكن ربطه إذا ربطت خصل شعر صدغيه، ففعلت في نومه لكنه حلها عندما استيقظ، أخيرا أخبرها أنه يفقد قوته إذا فقد شعره، فطلبت من خادم أن يحلق شعره، ومع كسر عهده النذيري تركه الله وقبض عليه الفلستيُّون وحرقوا عينيه، ثم بعد أن أصبح أعمى أخذه الفلستيُّون إلى غ*ز*ة وسجنوه ليعمل في طحن الشعير. وفي أحد الأيام اجتمع الفلستيُّون في معبد ليضحوا للأله داجون كشكر على مسكهم شمشون، وأحضروا شمشون ليسليهم، وكان هناك ثلاثة آلاف رجل وامرأة على سطح بيت العبادة لمشاهدة الحفل، لكن شعر شمشون كان قد عاد فسأل الخادم عن أعمدة المعبد الرئيسية لكي يستند عليها. وقبض شمشون على العمودين المتوسطين الذين كان البيت قائما عليهما واستند عليهما الواحد بيمينه وآخر بيساره وقال شمشون لتمت نفسي مع الفلستيُّون وانحنى بقوة فسقط البيت على الأقطاب وعلى كل الشعب الذي فيه فكان الموتى الذين أماتهم في موته أكثر من الذين أماتهم في حياته. بعد موته أخرجت عائلته جثته ودفنوه قرب قبر والده. لمزيد من التفصيل، أنظر شمشون، ويكبيديا، الموسوعة الحرة.
15. البروفيسور جوزيف، المصدر السابق، ص37.
16. إبراهيم عواد إبراهيم علي البدري السامرائي وشهرته أبو بكر البغدادي قائد تنظيم القاعدة في العراق والمُلقب بأمير دولة العراق الإسلامية، قام بإعلان الوحدة بين دولة العراق الإسلامية وجبهة نصرة أهل الشام في سوريا تحت مُسمى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (د*اع*ش)، وبعد ذلك صدر التسجيل للرد على هذا الإعلان من خلال أمير جبهة النصرة (أبو محمد الجولاني) وقد جاء بعدم تأييد هذا الإعلان. بعد سلسلة من العمليات أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في 4 أكتوبر 2011 أن أبا بكر البغدادي يعتبر ار*ها*بيًا عالميًا. وأعلنت عن مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يُدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض عليه أو ق*ت*له. في 29 يونيو 2014، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام قيام “الدولة الإسلامية”، ونُصب أبو بكر البغدادي خليفة لها. وذكر تقرير صادر يوم الجمعة 1 مايو من صحيفة الغارديان البريطانية بأن البغدادي تمت إصابته في العمود الفقري إثر غارة أمريكية مما أدى إلى شلله . وقد ورد اسمه في قائمة العشرة من أخطر القادة في الجماعات الار*ها*بية. أنظر، ويكبيديا، الموسوعة الحرة.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!