آراء متنوعة

الثقافة.. الحمار القصير في تونس

الثقافة.. الحمار القصير في تونس

الثقافة في تونس بين نارين، نار التهميش ونار التحقير، الأول من السلطة والثاني من الشعب.

هي دائما الأولى في مرمى الاتهامات
يقول المثل الشعبي التونسي “البهيم القصير الي يواتي ينقز عليه” وهو ذاته المثل الشعبي في عدد من الدول العربية الذي يقول “الحمار القصير كل من جاء يركبه”، ويستخدم هذا المثل كناية على سهولة الاعتداء على الحمار القصير وسهولة امتطاءه دون مشقة أو خوف من رفسه وركله لراكبه.

هذا هو ما يبدو عليه حال الثقافة في تونس، فهي الحمار القصير الذي من السهل أن يركبه كل فاشل ويقوده أي كان ويتطفل عليه أي صاحب واسطة ومتملق، وربما أيضا يهاجمه أي كان ويرميه بحجر.

تأتي وزارة الشؤون الثقافية في آخر قائمات الوزارات من حيث الميزانية السنوية المخصصة لها، حيث تبلغ الميزانية المقررة للعام 2023، 0.69 في المئة من إجمالي الاعتمادات المرصودة لمختلف الوزارات التونسية. ورغم أن وزير الشؤون الثقافية الأسبق محمد زين العابدين قد أعلن في العام 2020 الترفيع في هذه الميزانية إلى 1 في المئة بتوجيه من رئيس الحكومة آنذاك يوسف الشاهد إلا أن القرار ظل حبرا على ورق أو هو بالأصح “كلمات في مهب الريح”.

نحن هنا لسنا بصدد مناقشة الميزانية الخاصة بالوزارة، وإنما بطريقة عمل هذه الوزارة التي كلما قادها وزير ألحق بها أضرارا واسعة، ألغى مهرجانات أسسها الوزير الذي سبقه، وألغى قرارات مهمة أعادت مآسي الفنانين للحضيض. والحجة الوحيدة لغالبيتهم إذا ما سئلوا أن الميزانية ضعيفة.

منذ سنوات، والوزارة عاجزة عن معالجة أمراض القطاع، أو حتى تقديم خطة علاج نافعة على المدى الطويل، بل تفاقمت المشكلة أكثر منذ العام 2020، مع التغيير المستمر للوزراء، وعدم اهتمام أغلبهم بالإنصات للمهنيين وأبناء القطاع وتقبل نصائحهم ومقترحاتهم.

قانون الفنان لا يزال رهين الأدراج والبريوقراطية الإدارية، في حين يبكي الفنان حاله في كل فرصة يخرج فيها على الجمهور. مراكز الفنون الدرامية والركحية تشكو هي الأخرى من سوء التنظيم والإدارة وغياب التمويلات وبعد أن ألحقها الوزير زين العابدين بالمندوبيات الجهوية للثقافة، هي تسير اليوم نحو الإلغاء والإقفال، ورغم أن مديريها ينددون منذ أكثر من عام ويصرخون ويضربون، إلا أن كل الآذان الرسمية صماء عنهم.

مهرجانات كثيرة لم تعد تنعقد، ألغيت تدريجيا حتى نسيها الجمهور والفنان والصحافي والناقد. وبعض المهرجانات الأخرى لا تزال تقودها الوجوه نفسها، وجوه تكرم أحبابها وأصدقاءها، وتدعو معارفها من الدول الشقيقة والصديقة، وتحول مهرجاناتنا المهمة لمناسبات وأفراح سنوية تضم الأسماء ذاتها.

أغلبهم، استسهلوا ركوب “الحمار القصير”، الذي يبدو أن لا صاحب له، يهش عنه المتطفلين، وينضم على الأقل حركة الركوب وقوانينها. إن الثقافة في تونس “البهيم القصير” يركبه أي كان دون قانون أو خطة عمل واضحة أو تغييرات كبرى ملموسة وجريئة، تواكب التطورات في المجال ذاته في الدول العربية والعالم.

ولأنها “الحمار القصير” هي دائما الأولى في مرمى الاتهامات، إن حدثت أزمة يقال لك المال الذي يرصد للمهرجانات القطاع الفلاني (صحة تعليم دين تجهيز فقر بطالة…) أولى به، إن فكرت السلطة في التقشف يرى الشعب أن الثقافة أول ما يجب التقشف فيه، إن انتشرت ظاهرة خطيرة اتهم المثقفون بالتسبب فيها، حتى إن انقطع المطر وجفت السماء والأرض قيل إن ما تنشره الثقافة من “عهر” أخلاقي هو السبب في غضب الرب.

الغريب أن هذه الاتهامات تصدر عن شعب تراه الشعوب المجاورة مثالا للثقافة والتحرر والانفتاح الفكري، لكن الحقيقة على الأرض تؤكد أن الثقافة بين نارين، نار التهميش ونار التحقير، الأول من السلطة والثاني من الشعب.

حنان مبروك

صحافية تونسية

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!