مقالات دينية

الأنسان ولد إلاهاً ورأينا مجده

الكاتب: وردا اسحاق

 

الأنسان ولد إلاهاً ورأينا مجده

 

                                       بقلم/ وردا أسحاق عيسى

وندزر – كندا

 

 

( والكلمة صار جسداً وخيّم بيننا ونحن رأينا مجده .. ) ” يو 14:1 “

أخباراً سعيدة وأسرار ألهية عميقة دوّنها لنا الرسول يوحنا تُعِبٍرعن محبة الله للأنسان بواسطة أبنه الكلمة الأزلي الذي ظهر بالجسد وأظهر محبة الله الكبيرة لبني البشرلكي يعطيهم الحياة . إنها البشرى التي دونها لنا يوحنا في أنجيله ورسالته الأولى ، فسطورها تعلن للبشرية ملء اللاهوت الذي جاء في ملء الزمان فظهر في جسد ، فقال ( ذاك الذي كان منذ البدء . ذاك الذي سمعناه ، ذاك الذي رأيناه بعيوننا ، وشاهدناه ، ولمسناه بأيدينا ، فإن الحياة تجلت أمامنا ، وبعدما رأيناها فعلاً نشهد لها الآن ) ” 1يو 1: 2-3 ” . كيف رأينا الله بأعيننا ؟ وهو الذي قال في العهد القديم ( … لأنه لا يراني أنسان ويحيا ) ” خر 20:33″ . هنا يحدث العكس ، من يراه ويؤمن به هو الذي سيحيا . والحية النحاسية المصلوبة على خشبة كانت رمزاً لذلك . رفعها موسى في البرية لكي يحيا كل من ينظر اليها فينقذ من الموت الجسدي بعد أن تلدغه الحية ( طالع عد 9:21 ) . هكذا كل من ينظرالى أبن الله المصلوب سيحيا من لدغات الخطيئة . أنه الرب يسوع واهب الحياة الذي يقول عنه يوحنا : سمعناه ، ورأيناه ، ولمسناه .

تجسد الله لكي يصبح ملموساً لحواسنا . أنه لأمر عجيب ! لأننا نعلم بأننا محدودين في الأدراك والفهم لهذا نزل الى عالمنا وصار واحداً منا في كل شىء خلا الخطيئة . فاللاهوت الذي حل فيه يعني بأنه حل في الأنسانية . فالشركة بين الأقانيم الألهية الثلاثة أصبحت شركة بيننا نحن البشر بالمسيح الأنسان .

الله هو الذي خلق كل شىء ومنها البشر ليصبح أباً لكل أنسان ، لهذا نصلي له قائلين ( أبانا الذي في السموات .. ) لكن في التجسد أنقلبت الآية لكي يأخذ الأنسان دور الله في الولادة . فالله هو الذي يولد من الأنسان . وهذا المبدأ قد لا يفهمه الكثيرين ومنذ مجمع أفسس في القرن الرابع حيث رفض البعض تسمية العذراء بأم الله لفهمهم المحدود بأن الله هو أباً وخالقاً للجميع فكيف تصبح العذراء أماً لخالقها ؟ لكن أغلب أعضاء المجمع المقدس أكدوا على وجوب المحافظة على هذا اللقب ، أي ( مريم أم الله ) ، لنقول : الأنسان ولد ألاهاً . وهذه الحقيقة لا يستطيع الأنسان أن يدركها بقدراته الذاتية إلا بالأيمان . وكما يقول الكتاب ( … كل شىء مستطاع لدى المؤمن ! ) ” مر 23:9 ” .

لنسأل ونقول : من أين جاء المتجسد الألهي ، أمِن السماء أم من الأرض ؟

موضوع تجسد المسيح الإله هو أنفجار لطاقة ألهية عظيمة موجودة في الطبيعة ، لأن المسيح الإله موجود في كل مكان . نحن نتصور دائماً بأنه نزل من السماء وحل في أحشاء مريم . فهل هو هذا الأحتمال الوحيد بأن التجسد يجب أن يكون من خارج هذا الكوكب ؟ كما نقول أين هي السماء التي أتى منها ، هل هي في الأعالي فعلاً ؟

لنتأمل بنبؤة أشعيا النبي التي تتناول موضوع تجسد المسيح والذي يقول ( أقطري أيتها السماوات من فوق ، ولتمطر الغيوم البّر ، لتنفتح الأرض وليبرعم الخلاص وليِنبت البر أيضاً ) ” أش 8:45 ” . نجد في هذه الآية تضاد في معاني كلماتها عندما تقول ، لتمطر السماوات من فوق . ومرة أخرى لتفتح الأرض وليبرعم الخلاص . فهل جاء المسيح من السماء أم من الأرض ؟ هل نستطيع أن نقول بأن نزول المسيح هو أنفجار لطاقة كانت موجودة داخل الأرض وفي داخل الأنسان نفسه فخرجت في عملية تشبه المخاض ؟ نقول بأن العذراء تمخضت في ولادتها ليسوع ، فأنه يعبّر عن تمخض الأرض كلها التي تلد المخلص يسوع . المسيح لم يأتي الى الأرض كالغريب ، بل أتى إلى بيته وخاصته لأنه كان في العالم ، وكما يعبّر عنه الرسول يوحنا ، فكتب ( كان في العالم ، والعالم لم يعرفه ) ” يو 10:1 ” وهكذا نفهم من هذه الآيات وغيرها بأن هناك جذور وأدلة قاطعة وبراهين أنجيلية تؤكد بأن المسيح كان في هذا العالم ، وبين الناس وداخل الطبيعة عندما تجسد وظهر للجميع مُذِل في المذود . لكن حين تجلى على الجبل ظهرممجداً لتلاميذه الثلاثة كما كان قبل التجسد . وكل ما فعله هو فتح بصيرة البشر لكي يروه على حقيقته الألهية كما فتح عيون تلميذي عماوس وعيون باقي الرسل في العلية بعد القيامة .  الخلاص أيضاً موجود في داخل كل أنسان وفي العالم ، وما للأنسان إلا أن يقبله إلى أن يتحقق له  . وهكذا موضوع عمل المعجزات كالشفاء من الأمراض فهو موضوع موجود في داخل الأنسان إذا آمن بأن الله سيلبي طلبه بدون شك . لهذا قال الرب لمن يشفيه ( أيمانك شفاك ) ” طالع مت 22:9 .مر 52:10 . لو 50:8 ” وغيرها . فالأيمان إذاً هو أساس لتفعيل طاقة موجودة في داخل الأنسان . وهكذا العلم يعترف بشفاء الأنسان بدون عقاقير لأمتلاك الأنسان قدرات ذاتية تشفيه من مرضه بدون دواء وذلك بأبراز وتفعيل تلك الطاقات الكامنة بداخله وبدون اللجوء الى طبيب . المسيح لم يستخدم أي قوة خارجية في شفاء المرضى ، بل كان يستخرج القدرة الأيمانية النابعة من داخل المريض . ونحن للأسف لا ندركها لنعود الى موضوع التجسد ونقول بأن الطبيعة لها دور في تجسد المسيح  بكل ما فيها من أنسان وحيوان ونبات وجماد ، كلها أشتركت في أبراز هذا الحدث العظيم .

يقول الرسول يوحنا ( فيه كانت الحياة ) أي هو حياة العالم من البشر والنبات والحيوان ، ففي واقعة التجسد تمضخت الحياة كلها حتى تبرز خالقها . الخالق الذي اعطى لها الحياة الجديدة سمح لها أن تخرجه كثمرة . هكذا أعطى الله الكرامة للمخلوق لكي يلد من خلقه . نقرأ في المزمور 148 ( سبحيه أيتها الشمس والقمر … الجبال وجميع التلال … الوحوش وجميع البهائم … والطيور المجنحة .. ) كل الطبيعة اشتركت في مجيئه الأول ، وهكذا تنتظر مجيئه الثاني كما جاء الأول من أحشاء البشرية ، من داخل الأرض ، سيأتي بقوة عظيمة .

من خلال التجسد دخل الله في الأنسان لكي يبقى معه الى الأبد وكما قال ( وهاء نذا معكم طوال الأيام إلى نهاية العالم ) ” مت 20:28 ” .

 الله موجود بيننا وفينا يفجر بداخلنا طاقات كامنة تعمل بقوة أيماننا ، فالأيمان يسيطر على طاقات كبيرة في داخل كل أنسان .

البشرية تتقدم وتتطور بأنجازاتها لأن الحياة التي وهبت لها من التجسد هي حياة ألهية ، والأنسان مدعو إلى ملء الكمال ، بل الى الآلوهة التي لا حدود لها . أنه سعي مستمر وكل من يؤمن ستحقق من خلاله هذه المعجزات لهذا شجعنا يسوع قائلاً ( من آمن بي يعمل هو أيضاً الأعمال التي أعملها أنا ، بل أعظم منها ) ” يو 12:14″ .

ختاماً نقول : المسيح تجسد فينا ، فعلينا أن نعيد ولادته فينا لكي يعيش معنا وفي داخلنا ، وذكرى ميلاده التي نحتفل بها كل عام أكراماً ليوم تجسده ، وهو يريد أن يعلن رغبته في أن يولد مجدداً بكل ملء لاهوته في كل أنسان غير مؤمن . أما نحن المؤمنين فعلينا أن نظهر أيماننا دائماً منتظرين ميلاد المسيح الأخير الذي سيأتي بمجد عظيم مع ملائكته القديسين .

يوجد بين ميلاد يسوع الأول والثاني مسيرة قائمة والبشرية في حالة ميلاد مستمر ، والطبيعة تنتظر ولادة المسيح الثاني ، بل تنتظر ولادة أرض وكون جديد وحياة جديدة .

ليتمجد أسم الرب المتجسد بيننا .

يمكنك مشاهدة المقال على منتدى مانكيش من هنا

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!