مقالات دينية

حدثت المعجزة … ولكن !

حدثت المعجزة … ولكن !

إعداد / جورج حنا شكّرو

عندما كنتُ في ولاية بوسطن بالولايات المتّحدة، سمعت عن سيّدة التحقت بدير “الميلاد المقدّس” للراهبات، هذا الدير الذي اعتدت أن أقضي فيه بعض الخلوات. وكانت هذه السيّدة أرملة يونانيّة، وكان لها ابن وحيد في الثانية عشرة من عمره، وقد كرّست هذه السيّدة كلّ وقتها واهتمامها لهذا الابن، إذ كان ولدًا لطيفًا جدًّا، ولكنّه كان ضعيف الشخصيّة وسهل الانقياد لأصدقائه أيًّا كانوا.
أصيب ولدها بسرطان الكبد، وقد تمّ اكتشاف المرض في مراحله الأخيرة، لدرجة أنّ الأطبّاء لم يجدوا أيّة فائدة تذكر لعلاج هذا المرض الخبيث، ولذلك نصحوا أمّه بأن تأخذه ليقضي أيّامه الأخيرة في بيته.
وفي أحد الأيّام، أخذ معدّل تنفّسه يتباطأ رويدًا رويدًا، الأمر الذي أدركت فيه والدته بأنّه يحتضر. فذهبت إلى النافذة، ولوّحت بقبضتها نحو السماء قائلة: “كيف تجرؤ أن تأخذ منّي ابني؟”. وبعد ذلك رجعت ثانية إلى فراش ابنها متوقّعة أن تراه قد فارق الحياة. ولشدّة دهشتها، وجدته يستعيد معدّل تنفّسه الطبيعيّ بالتدريج. وبمرور الأيّام، ولدهشة الجميع، فإنّ ابنها ليس، فقط، تحسّنت حالته الصحّيّة، ولكن أثبتت التحاليل والأشعّة عدم وجود أيّة خلايا سرطانيّة في كبده على الإطلاق. وكانت هذه معجزة بكلّ المقاييس، لدرجة أنّ الصحف تناولت هذه الواقعة بالنشر والتحقيق.
وكانت الأمّ في قمّة السعادة، ولكنّها في أعماقها كانت تتساءل: “كيف تجرّأت أن تتحدّى الله؟!”. وبعد برهة تركت عنها تلك الأفكار المتواترة، وقرّرت أن تبتهج باستعادة حياة وحيدها.
وبعد عدّة سنوات، عندما بلغ ابنها الخامسة عشرة، لاحظت اختفاء النقود من حقيبة يدها، كذلك اختفاء بعض الأشياء من المنزل. وبسؤال الابن كان يردّ بوقاحة بالغة وينكر معرفته بأيّ شيء.
وبمرور الأيّام، أصبحت الحياة معه في غاية الصعوبة، إذ كان يقضي معظم وقته مع مجموعة من أصدقاء السوء من نفس سنّه. وبدت محبّته لأمّه تقلّ، يومّا بعد يوم، وأصبح سريع الانفعال عليها لأتفه الأسباب حتّى بدا وكأنّه يكره أمّه.
ونتيجة لكلّ هذه التغيّرات التي حدثت في أخلاق الابن، بدأت الأمّ تقضي معظم لياليها وهي قلقة عليه جدًّا. وفي إحدى الليالي أوصلتها تصرّفاته الغريبة إلى أن تقول: “ليتك كنت قد متّ”. وبعد أن تفوّهت بهذه الكلمات، تذكّرت كيف أنّها تحدّت الله ملوّحة أمامه بقبضتها. وحينئذ بدأت تبكي في حسرة بالغة.
وبعد عدّة أسابيع، أذاعت نشرة الأخبار التلفزيونيّة الخاصّة بالولاية خبرًا عن سيّدة مسنّة تمّ الاعتداء عليها بالضرب داخل منزلها، بواسطة مجموعة من الأحداث، وأفضى ذلك الاعتداء إلى موتها.
وعندما سمعت الأمّ هذه الأخبار المفجعة، خفق قلبها بشدّة، خشية بأنّ يكون ابنها ضمن أفراد تلك العصابة. وبينما كانت غارقة في تلك الأفكار، إذا بباب المنزل يطرق بشدّة. وعندما فتحت الباب، وجدت رجل شرطة يسألها: “أين كان ابنك في الأمس القريب؟”، وعندما أفادته بعدم معرفتها، أخبرها بأنّه مشتبه فيه أن يكون ضمن العصابة المتّهمة بج#ريم*ة ق*ت*ل السيّدة المسنّة.
مرّت الساعات بطيئة مريرة على هذه الأمّ، وكاد القلق وعدم اليقين يق*ت*لها، إلى أن جاء رجال الشرطة إلى منزلها مرّة أخرى. وفي تلك المرّة، أكّد رجال الشرطة للأمّ بأنّ ابنها كان بالفعل عضوًا في تلك العصابة التي داهمت قوّات الشرطة أحد أوكارها، والذين لاذوا بالفرار. ولكن أحد رجال الشرطة تعقّب ابنها الذي قفز بدوره فوق أحد السوار العالية، والذي سقط من الناحية الأخرى من السور على رقبته ممّا أدّى إلى وفاته في الحال.
والآن، وبعد أن علمت الأمّ بما حدث لابنها، قضت بقيّة حياتها نادمة على تجديفها، وهي تذرف الدموع السخينة على وفاة ابنها، وعلى مصيره الأبديّ.
وعندما تتقابل هذه الأمّ الثكلى مع أيّ شخص، كانت تقول:
“لقد أحبّ الله ابني أكثر منّي، وقد سمح بموته في الثانية عشرة من أجل خلاص نفسه، قبل أن يسلك طريق الشرّ. لقد تشكّكت في صلاح ومحبّة وحكمة الله وقد تحدّيته. وهو من أجل خلاص نفسي أنا استجاب لأمنيتي. لكي يريني أنّ محبّته هو أعظم بما لا يقاس من محبّتي أنا. وها إنّ مصير ابني في علم الله. وربّما يكون قد تاب في الدقيقة الأخيرة، أو إنّه ظلّ قاسي القلب حتّى موته، فأنا لا أعرف. ولكنّني أستطيع، فقط، أن أتوسّل إلى الله أن يرحمه كعظيم رحمته، وأن يمنحنا، نحن أيضًا، رأفته التي لا توصف.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!