مقالات سياسية

المسيحيون والجمرة الخبيثة !

الكاتب: اوراها دنخا سياوش
المسيحيون والجمرة الخبيثة !  
عرفت علي وعرفت عمر وعرفت الحسين وعرفت معاوية، وبدلا من ان انشأ على تأريخي نشأت على تأريخ المسلمين، وتعرفت على اطباعهم وثقافتهم، وشعورهم نحونا نحن المسيحيين. وبمرور الزمن اكتشفت ان هنالك من لا يعرف عن وجود المسيحيين في العراق، ولا يعرف ما هو المسيحي وبماذا يدين. وعندما عرف صار يطلق علينا (المسيح !) بدلا من المسيحيين. ففي احد ايام الحرب العراقية الايرانية وبداية القصف العشوائي على المدن بصواريخ ارض – ارض ما بين العراق وايران، اصاب بعض اهالينا المسيحين بالذعر مما دعاهم الى الهروب الى ضواحيها في الريف والمكوث بعض الوقت عند اصدقائهم من المسلمين لحين هدوء الوضع. وبالرغم من سوء الظروف فقد كانت مناسبة لطيفة للتعرف والعيش مع عوائل المسلمين، وحصل ان صادف يوم الجمعة فاخذ اهل الدار للاستعداد للذهاب الى جامع القرية، وكان من ضمنهم امرأة كبيرة في السن… لاحظت هذه المرأة ان ضيوفهم لا يستعدون للذهاب الى الجامع، فتبادر الى ذهنها ان تدعوهم فقالت بلهجتها القروية :
ـ اشوفكم ما تردون تجون ويانا للجامع ؟
ظلوا الضيوف ينظرون اليها باستغراب شديد، لسؤالها هذا، وللحال تدارك احد ابنائها الوضع، واستلم زمام الكلام وقال ضاحكاً : يمّه اخوتنا هذوله مسيحيين !
لم تفهم ما قاله ابنها لكنها اجابت : شكو بيها يمّه محمد، چا هما المسيحيين مو مسلمين ؟!
فانطلق الجميع في يضحكون بأعلى اصواتهم، والعجوز تنظر اليهم بوجهها الضحاك، مبتسمة لا تعرف سبب كل هذا الضحك، حتى ضحكت هي الاخرى على ضحكات الاخرين.
وبقدر ما تحمله هذه الحكاية من معاني المحبة بين اطياف الشعب العراقي والعلاقات الجميلة الطبيعية الخالية من التعصب الديني التي كانت سائدة، الا انها بنفس الوقت في طياتها تهميش التاريخ لأهل الارض.
 حتى ممن كانوا اصدقاؤنا من المسلمين، بطائفتيهم السنية والشيعية، كان من الصعب عليهم ان يفهموا اننا كلدوآشوريين سريان، لذا كانوا يدعوننا مسيحيين ولغتنا هي (المسيحية !)، فمضى الحال هكذا حتى بزغت الحركة الديمقراطية الاشورية التي اضاءت واضافت البعد القومي (المنسي !) الينا نحن المسيحين. هذا البعد الذي يحاول البعض من الاصدقاء اللدودين تجاهله، والاصرار على اننا مكون مسيحي ومسيحي فقط.
وبعيدا عن الجانب القومي، كان المسيحيون محل انجذاب اخوتهم المسلمين، فكان المسيحي يجمع السني مع اخيه الشيعي من دون ان يفكر كل منهما بمذهبه والصراع بينهما، حتى ان الشلّة الواحدة في المدارس والجامعات ومواقع العمل كانت تحوي على جميع المكونات الدينية العراقية، متناسين العدو الاول للإنسان العراقي الا وهو الطائفية.  
  لكن كلما انظر الى وضع العراقيين الان وما آل اليه الوضع في العراق من تدهور في الشخصية العراقية، افكر في الزمن الجميل، واعيد التفكير في شخصيتنا المسيحية، وكم كُنّا على نياتنا، لان جمرة الطائفية كانت مخفية تحت رماد القلوب التي جمعناها كمسيحيين، بثقافة المحبة التي اكتسبناها من ثقافة السلم التي تجري في دمائنا، والتي دعتنا ان نجري مع اول (طگة !) وننفذ بجلدنا وننتشر في بلدان العالم. لقد استطعنا كمسيحين من ان نجمع الطوائف تحت ثقافتنا في اماكن تواجدنا، لكن لم نستطيع ان نطفي نار الجمرة الخبيثة تحت الرماد. هذه الجمرة التي طالتنا نحن ايضا، تحت شعار كلنا في الهوا سوا، مع اول اندلاعه (للثورة!) ضد بعضهم البعض !
فيا ترى لو فرغ العراق من المسيحيين من سيجمع الطوائف مرة اخرى ؟!
 
اوراها دنخا سياوش..

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!