الحوار الهاديء

السينودس الكلداني لم يوفق في تسمية كنيستنا

السينودس الكلداني لم يُوفّق  في تسمية كنيستنا

لماذا؟ وما هو البديل؟

 

د. عبدالله مرقس رابي

                         

                      جاء في البيان الختامي للسينودس الكلداني المنعقد للفترة 9-14 من اب 2021، وفي الفقرة التاسعة تحديداً (تسمية البطريركية الكلدانية عوض عن بطريركية بابل على الكلدان، وعبروا بح*ما*س عن اعتزازهم بهويتهم الكلدانية). على أثر هذا التغيير لتسمية كنيستنا. اتصلت للتشاور هاتفيا مع العديد من اعلاميين ومفكرين ومؤرخين ومهتمين بشأن الشعب الكلداني، وبعد ان طرحت الفكرة التي سأوضحها كانت استجابتهم بالتأييد لها، ومن جانب اخر عبروا عن خيبة أملهم مما أقدم اليه المجتمعون واعتبروه اخفاقاً بدلا ان يكون منجزاً إيجابيا.

جاء التغيير استجابة لمقترح غبطة البطريرك الكاردينال ساكو الذي اقترحه قبل عدة أشهر بتسمية (بطريركية بغداد على الكلدان) حسناً عملوا وتداركوا انهم لم يتفقوا على تلك التسمية الغريبة البعيدة عن المنطق والحالة التسموية، وكان اقرارهم بالتسمية الجديدة. ويبدو انه قد وصلت اعتراضات على المقترح الاولي لغبطته.

من المعلوم منطقياً ومنهجياً ان أي مقترح او فكرة يقدمها الشخص او الباحث، تعد فكرة أولية وفرضية في السياق البحثي وتحتاج الى برهان واختبار ولا يعني مناقشتها من قبل مجموعة معينة تفتقر الى الاختصاص والخروج بالقبول او الرفض بانها فكرة سليمة، فهكذا مقترحات يجب ان تخضع لدراسة مستفيضة ومن مختصين أصحاب الشأن، وما تتوصل اليه دراستهم ستكون المقرر النهائي. بينما هنا في هذه الحالة لم نسمع او نقرأ عن دراسة أجريت لهذا الغرض. او لأغراض أخرى.

لماذا عدم التوفيق؟

نلاحظ من متابعة تاريخية، ان كل كنيسة رسخت وجودها تدريجياً من حيث الإدارة والتنظيم منحت لنفسها تسمية تتضمن دلالات جغرافية وتاريخية واثنية والتزمت بها، والامثلة عليها متعددة، كنيسة المشرق، وعرفت بكنيسة كوخي في قطيسفون وساليق، كنيسة البيزنطية، وثم كنيسة الروم بشقيها الكاثوليكي والأرثودوكسي، وحديثاً كنيسة المشرق الاشورية، حسناً عملوا والا ماهي حدود كنيسة المشرق الجغرافية؟ وكنيسة انطاكية للسريان بشقيها، كنيسة الكرازة المرقسية للأقباط في الإسكندرية بشقيها، كنيسة الرومان اللاتينية، كنيسة روسيا الأرثدوكسية، كنيسة أرمينيا وهكذا، مع تغيير مكان إقامة البطريرك بحسب الظروف الأمنية عبر العصور دون المساس بالتسمية الأساسية. وتتضمن اغلب هذه الكنائس أقوام مختلفة.

يتبين ان الابعاد الثلاث، التاريخية والجغرافية والاثنية هي اهم عناصر او دلالات تحديد التسمية الكنسية، وان كانت تسمية كنيسة المشرق جغرافية لأنها جامعة لكل الاقوام الشرقية في المنطقة، الا انه اقترن ذكرها ببطريركيتها بكنيسة كوخي. الدلالات الثلاث المذكورة لو اجتمعت في التسمية الكنسية، لأعطت بعداً شعورياً نفسياً اجتماعياً متكاملا للانتماء للهوية والاعتزاز بها عند اتباع الكنيسة أكثر مما لو اقتصرت على رمزية واحدة.

فالتسمية المقررة حالياً (البطريركية الكلدانية)، تفتقر الى الابعاد والدلالات الأساسية لكي تُعرف الاخر بهوية الكنيسة الاثنية التي تربط الكلدان ببعضهم كما وُرد في تصريح البيان الختامي للسينودس (من الأهمية بمكان تقوية حضور كنيستنا في العراق، بسبب الارض واللغة والتاريخ والتراث….) كيف اذن تُعرف الاخر او حتى الكلداني ان مشاعرهم الانتمائية واحدة من حيث انتمائهم الكنسي ولا يعرف ارضه جغرافياً وجذوره التاريخية الاثنية بحسب ما حُدد من مقومات الهوية الانتمائية، وبالأخص لكلدان الشتات الذين لم يبق لهم شيءٌ من هذه المقومات الانتمائية الا الشعور بالانتماء لان كل شيء قد تغير، الأرض، اللغة، التراث بما يحتوي من تقاليد وقيم وسلوكيات، اي مجمل محددات الهوية الثقافية؟

كثيراً ما يصادفنا نحن في الغرب أحدٌ يسألنا عن اصولنا او تبعيتنا، فالإجابة تكون كلداني، يبقى ساكتاً لان الجواب غير شافٍ بالنسبة له، اذ سبق لم يسمع بالكلدان الا في حالة وجود كثافة سكانية عالية منهم في مدينة معينة فعن طريق التفاعل الاجتماعي اليومي يصبح الكلدان معروفين على المستوى الشعبي، وهكذا بالنسبة الى الاثنيات الأخرى من الكورد او الاشوريين او السريان او الفرس وغيرهم. بينما عندما نستطرد في الجواب ونقول من بابلون فيستسيغ ذلك أكثر. حيث ان بلاد بابل مألوفة لدى الشعوب الأخرى وحتى عند العرب والكورد الذين نشاركهم الوطن من أي تسميات أخرى. وهكذا لو طبقنا المثال على كل الاثنيات ذات الأصول التاريخية في بلادها تبقى غير معروفة على المستوى الشعبي وحتى الرسمي، باستثناء بعض المختصين المتقدمين في دراسة الشعوب القديمة. الا كما قلت في حالة تواجد كثافة سكانية منهم في منطقة معينة، مثلما يتم التعرف للكلدان بشكل واضح في ديترويت وسانديكو وتورينتو وسدني وملبورن، والاشوريين في شيكاغو وبعض مدن كاليفورنيا وملبورن وهكذا.

اذن عندما تُلحق دلالات تاريخية جغرافية في تسمية الكنيسة، فمن السهولة يتم إدراك المتابع وحتى الباحثين والمهتمين، ماهية الكنيسة واصولها وتبعاتها وهويتها الثقافية. مثلما نشخص بسهولة كنيسة الاقباط والرومان اللاتينية وغيرها.

ما هو البديل؟

لغرض تكامل ابعاد المثلث للدلالات الرمزية في التسمية الكنسية، التاريخ والجغرافية والاثنية، اقترح ان تسمي (بطريركية بابل الكلدانية) في هذه الحالة سنرسخ الشعور الموحد للانتماء للهوية الكنسية والاثنية التي حدد أهميتها السينودس الكلداني كما ذكرت آنفاً بالنسبة لاتباعها، وتعريف هويتها للأخرين من حولهم أينما كانوا.

ورود بابل سيرسخ بُعديْ التاريخ والجغرافية، أي من هم تاريخياً وما هي جغرافيتهم، وذكر الكلدان بالطبع سيرسخ الانتماء الاثني. أي ان الكلدان المعنيين ينتمون تاريخياً وجغرافياً الى بلاد النهرين وعند الشعوب الأخرى ( ميسوبوتيميا) ووجودهم في بقاع أخرى غير بلاد بابل المعروفة يرجع الى عوامل متعددة، أهمها، التهجير القسري اثناء الحروب منذ القدم و التشتت بسبب التمييز الديني والعنصري والاضطهادات المتكررة فلجأوا الى حيث الأمان، وايضاً منذ وجود الكلدان في بلادهم بابل التي اقترنت عند الآثاريين عندما يتحدثون عنها، يكون المقصود الكلدان لارتفاع نسبتهم السكانية فيها وممالكهم التي ظهرت تاريخياً على ارضها واخرها الدولة الكلدانية للفترة 613- 539 قبل الميلاد.

ولا مجال هنا للخوض في التاريخ، بل هناك مصادر رصينة أكاديمية، اثبتت تشتت الكلدان منذ القدم في بلاد النهرين وما حولها من البقاع، وأبرز تلك المصادر المختصة والتي ركزت على عملية التهجير قسراً للكلدان القدامى، هما: (الآثاري بوستين اودد، في كتابه المعنون ” التهجير الجماعي والمهجرون في الدولة الاشورية الحديثة” والآثاري دانييل ديفيد لوكنيل في كتابه “المدونات القديمة للدولتين الاشورية والبابلية”) باستقراء البيانات من حوليات الملوك الاشوريين الموجودة في المتاحف بالدرجة الأساس ومصادر أخرى. وقد اعتمد عليهما في تأليف كتابه المؤرخ (حبيب حنونا والمعنون سفر الخروج الكلداني) إضافة لعشرات المصادر. واستعان بالجداول المنظمة فيها عن أماكن التهجير من والى اين) بالتفصيل، واطلعت عليها شخصياً اثناء اعداد كتابي الأخير في مكتبة ماك ماستر الكندية، ففيه معلومات مذهلة عن تهجير ما يقارب مليون وربع كلداني الى بقاع أخرى من بلاد النهرين وما حولها شمالاً وغرباً وشرقاً مع تسمية أماكن الخروج وأماكن الاستيطان في تلك الازمنة القديمة. وكما هو معروف، في الازمنة المتلاحقة تشتتوا بسبب الاضطهادات التعسفية ولا يزال الى يومنا هذا.

فإذن ورود اسم بابل في تسمية كنيستنا وترابطه مع ذكر الكلدان هو دلالة رمزية لانتمائنا الجغرافي وعمقنا التاريخي في العراق اليوم وفي الحضارة البشرية، ومن هذا المنطلق اناشد وادعو أعضاء السينودس الكلداني، إعادة النظر بما اتفقوا عليه من تسمية في اجتماعهم الأخير، وتشكيل لجنة اختصاصية من المفكرين الأكاديميين والإعلاميين والنفسيين والاجتماعيين والاساقفة لإثبات صحة ما وضعت من مقترح الحالي وصواب التحليل، والا ما معنى تأكيدكم على دور العلمانيين في الكنيسة، فهل يقتصر دورهم على حمل (التبسية) لجمع الحسنات والهبات؟ علينا عندما نقول دور العلمانيين في الكنيسة وادارتها ان يكون دوراً جدياً وليس هامشياً كما نرى اليوم ومستنداً على لجان تخصصية، وان لا يكون شعاركم (ليس شغلكم، كما يرد على لسان معظمكم، ليلي شولو خن) وقد ولى ذلك الزمان القروي، اذ انفتحت الاذهان، وبات يُعرف ما في الخفايا لأي مؤمن في عصر الاعلام المفتوح والثورة المعلوماتية.

ارجو من غبطة البطريرك والسادة الأساقفة الكلدان ان ينظروا الى الموضوع المطروح بجدية، مما له من انعكاسات نفسية واجتماعية وانتمائية للهوية الثقافية عند اتباع الكنيسة. مع الشكر لكم وللأخوة المتابعين والمهتمين والقراء.

كندا في 18 اب 2021

رابط البيان الختامي للسينودس الكلداني

البيان الختامي للسينودس الكلداني

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!