مقالات دينية

التهيئة للصوم الأربعيني المقبول لدى الله

التهيئة للصوم الأربعيني المقبول لدى الله 

بقلم / وردا إسحاق قلّو 

كتب أشعياء النبي عن الصوم ( ألا يكون في مشاطرة خبزك مع الجائع ، وإيواء الفقير المتشرد في بيتك … ) ” 7:58″

    الصوم هو أول وصية إلهية للإنسان في جنة عدن . وقد أبتدأ العمل به بعد سقوط الإنسان . ومن أبرز متطلبات الصوم هو التهيئة النفسية والأستعداد لخوض معركة الصوم بالإنقطاع عن الطعام أولاً ، وذلك لأن الإنسان كسر وصية الله بإطعام فمه فسقط في الخطيئة ، فعليه أن يعمل العكس وهو الإنقطاع من تناول الطعام أثناء الصوم لكي يثبت لمن خطأ إليه بأنه خاطىء وضعيف ونادم محتاج إلى الصفح من لدنه . عندما يصوم الإنسان فلا يجوع جسده فحسب ، بل سيجوع إلى الله أيضاً ، والبحث عنه يحتاج إلى صوم وصلاة وصدقة وصفح لمن أخطأ إليه لكي يصفح عنه الله ، وبحسب الصلاة الربية ( إغفر لنا خطايانا كما نحن نغفر لمن أخطأ إلينا ) ، وفي فترة الصوم يجب النيل من الكبرياء ، والأبتعاد من مديح الناس لكي لا يصبح الصائم كالمرائين . لأن الصوم يجب أن يكون روحانياً أولاً لا مادياً فقط ، وذلك لأجل تغيير الذات ومسيرة الحياة . وعكس ذلك يكون مرفوضاً من قبل الله ( طالع أش 56: 2-5 ) ويسوع المسيح حذرنا من ممارسة الصوم الخاطىء ، فوضع شروط للصائمين ، وقال ( وإن صمتم فلا تعبسوا كالمرائين ، فإنهم ينكرون وجوههم ، لكي يظهروا للناس إنهم صائمون . الحق أقول لكم  إنهم أخذوا إجرهم ) ” مت 16:6″ فالإنسان المرائي غايته من الصوم هو لبس قناع الخِداع لكي يبرر نفسه أمام الناس ، فيتظاهر بوجهٍ آخر أمام الجموع . إنه يتناسى أقوال الرب في الأنجيل ، قال ( إياكم أن تعملوا بركم بمرأى من الناس لكي ينظروا إليكم . فلايكون لكم أجرٍعند أبيكم الذي في السموات … ) ” مت 6: 1-4 ” كان صوم الفريسين غير مقبول لدى الله لأنه لم يخلى من الكبرياء والأنانية ، وحب الظهور، بل الفريسي في داخل الهيكل تباهى بصومه أمام الله ، فقال ( … إني لست مثل هذا العشار . فإني أصوم في الأسبوع مرتين … ) ” لو18 : 11-12 ”  .

    الصوم المقبول لدى الله يجب أن يسبقه إعلان التوبة بإنسحاق وتواضع ، لأن التوبة هي إستنارة وعبور من الظلام إلى النور ( الشعب الساكن في الظلمة أبصر نوراً عظيماً ، والمقيمون في أرض ظلال الموت أضاء عليهم نور ) ” أش 9: 2 و مت 16:4″ . وكما فعل وانتصر شعب نينوى عندما تابوا ولبسوا المسوح ووضعوا الرماد على رؤوسهم ، وصار الرماد رمزاً للصوم . ففي بداية الصوم الكبير يرسم الكاهن صليب من الرماد على جبين كل مؤمن في اليوم الأول من الصوم ، والذي يسمى ب ( إثنين الرماد ) في الكنائس الشرقية . أو ( أربعاء الرماد ) في الكنائس الغربية . فالصوم يبدأ بالتواضع والأنسحاق ، والتوبة ، والصلاة والقراءات ، وحضور الكنيسة ، وهكذا يتم تحطيم قيود الشر بقوة الإيمان المبني على أرضية الإتضاع . الكتاب المقدس يربط التوبة الحقيقية بالصلاة والصوم وإرتداء المسيح والجلوس على الرماد ومسح الرأس والجسم بالرماد . تقول الآية ( ولما سمع آخاب هذا الكلام ، شق ثيابه وجعل مِسحاً على جسده ، وصام واضطجع بالمسح ومشى بسكوت ) ” 1مل 27:21 “

   نعيش فترة الصوم بإتزان روحي مقبول لدى الله ، وبحسب وصية السيد القائل ( أما أنت فإذا صمتَ فإدهن رأسك وأغسل وجهك ، كيلا تظهر للناس أنك صائم ، بل لأبيك الذي في الخفية . وأبوك الذي في الخفية يجازيك ) ” مت 6: 17-18″ . كما علينا أن نعلم بأن الله يريد من المؤمن قلباً نقياً أكثر مما يريد الجسد الجائع ، وإلا ما فائدة الصوم لصاحب القلب الخاطىء . فالصائم يجب أن يبتعد من عمل الخطيئة ، ويصون لسانه من التحدث بالسوء لمن مات المسيح من أجله . ويصوم قلبه وعقله من الشهوات والطمع والأباطيل والعمل بمحبة مع الجميع . فالصائم الذي يعطي كل أمواله للفقراء بدون محبته لهم لا ينفع شيئاً ( طالع 1 قور 12 ) .

   الصوم هو إمساك الإنسان فمه ونفسه ، أي ضبط النفس في العفة والعطف لكي يكون سيداً على أهوائه ورغباته . لهذا تعتبر الكنيسة أسابيع الصوم الكبير فترة تنقية الذات ومدرسة للتوبة ، وهي أفضل أيام السنة ، يجب على كل مؤمن أن يعيشها بقداسة لأنه زمن العودة إلى الله للعيش في خشوع ، وتقوى ، ومخافة الله ، وقراءة كلمته الإلهية ، أنه زمن البكاء والنحيب على البعد الذي عاشه الإنسان عن الله بسبب عصيان الوصايا وممارسة الخطايا . فبالصوم يعود الإنسان إلى ما قبل الخطيئة والموت . وهذا هو السبب الأساسي لإمتناعنا عن تناول اللحوم ومشتقاتها في فترة الصوم . قال الله للإنسان ( ها قد أعطيتكم كل عشب يخرج بزراً على وجه الأرض كلها . وكل شجر فيه ثمر يخرج بزراً يكون لكم حطاماً )” تك 39:1 ” فالإمتناع والإنقطاع عن أكل اللحوم ومشتقاتها يعني في المفهوم اللاهوتي والروحي ، العودة إلى إنسان ماقبل الخطيئة إلى زمن التنعم بالخيرات السماوية الإلهية .

   في الختام نقول ، أن الصوم الصالح والمقبول هو الذي يأخذ مكانه الطبيعي في القلب ، لأن القلب هو مركز ومصدر الإحساس والعاطفة ، ومركز العلاقة بين الإنسان والله . فالإنسان الصائم يجب أن يجعل قلبه هيكلاً حياً يذبح المسيح عليه شهواته ، أي شهوات الصائم وملذاته . فيخلق منه المسيح خليقة جديدة بالروح ، ومن ثمار الصوم إقتناء الفضائل الإلهية الرئيسية . وهدف الصوم هو البلوغ في القداسة ، وهذا ما يريده الله من المؤمنين ( كونوا قديسين كما أن أباكم السماوي قدوس ) .

                          التوقع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1 “

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!