مقالات

الحدود السياسية … للقضاء الدستوري

لاشك ان هنالك ارتباط وثيق بين القضاء الدستوري والسياسة ، لان وظيفة القضاء الدستوري مراقبة مدى خضوع الجميع حكاماً ومحكومين للوثيقه السياسية (الدستور) ، حتى اطلق جانب من الفقه على هذا النوع من القضاء مصطلح ( القضاء السياسي) ، وان كان هنالك اتجاهين لتحديد طبيعه الرقابة التي يمارسها هذا القضاء ، الاول يذهب الى اعتبار رقابة القضاء الدستوري ذو طبيعه قانونية بحته وهو الاتجاه التقليدي ، حيث يذهب انصار هذا المبدأ الى ان مهمة القاضي الدستوري تنحصر بالفصل بالمنازعات الدستورية بجانبها القانوني الصرف ، وهو بهذا الوصف يمارس – القضاء الدستوري – عملاً قضائياً خالصاً وليس دوراً سياسياً ، فهذا الاتجاه يحدد مهمة القاضي الدستوري بالفحص والمطابقة النصية للتشريع للدستور ، او مدى تطابق حيثيات النزاع الدستوري المثار امامها لاحكام الدستور بما يحافظ على مبدأ المشروعية الدستورية ، وهو يعتنق المدرسة النصية ويحصر اعمال القضاء الدستوري باعمال المطابقة النصية دون التدخل باعمال السلطة التشريعية ودون تعديه المجال القانوني الى المجال السياسي ، فاعمال تفسير النصوص تنحصر في الاطار القانوني والدستوري دون التأثر بالابعاد السياسية ، اما الاتجاه الحديث لطبيعة عمل القاضي الدستوري فهو الاتجاه الذي يعطي لعمل القاضي الدستوري طبيعه مزدوجه قانونية وسياسية وهم اتباع مدرسة التفسير الحي للنصوص الذي يستند الى ان الدستور كيان حي متطور يمتلك معاني متجددة وفق حاجات المجتمع ، ووفقاً لهذا الاتجاه فان القاضي الدستوري لايكتفي بمجرد البحث في القضايا المعروضه امامه وفق الاصول والمبادىء القضائية التقليدية وانما يتوسع القاضي الدستوري لممارسة دور قضائي مشوب بصبغه او عباءة سياسية من خلال الاستعانة بعناصر من خارج الدعوى الدستورية قد تكون سياسية او اقتصادية او اجتماعية وتوظيفها في سياسة حسم الدعوى الدستورية ، وقطعاً هذا الاتجاه يقلل من صرامة قاعدة ( المدعي اسير دعواه ) ويعطي المجال واسعاً للقاضي الدستوري للانطلاق من عنصر قانوني ضيق ليصيب هدف اكبر خارج نطاق الدعوى الدستورية متأثراً بالابعاد والاعتبارات السياسية ، وهي ابعاد في الغالب جديرة بالاهتمام مع ضرورة الموازنه بين الاعتبارات القانونية والاعتبارات السياسية والا فقد القاضي الدستوري صفته القضائية واتهم بالانحياز لطرف سياسي ، والحقيقة ان القاضي الدستوري مهما حاول ان ينأى بنفسه عن المآزق السياسية يجد نفسة مضطرا للخوض في حيثياتها واسبابها وعنصر فاعل في تحديد مخرجاتها لاحقاً ، لان طبيعه المنازعات التي ينظرها تتعلق بالساسة والمشرعون وان احكامه تؤثر في الغالبية العظمى من المجتمع السياسي ونقصد بذلك الناخبين المؤهلين للانتخاب والترشيح والادلاء بالاصوات في صناديق الاقتراع ، فاحكامها قد تقوض كيان سياسي وترفع اخر او قد تثير المعارك والمناكفات السياسية ، لذا فالقضاء الدستوري تحت ضغط دائم من الجماعات السياسية وجماعات المصالح وهم غالباً وجهان لعملة واحدة ، وهنا يكون المآزق السياسي والقانوني للقضاء الدستوري لان اتباع حرفية النص معناها فقدان تأثيره السياسي الذي يمس الغالبية العظمى ، وان الامعان في مراعات الاعتبارات السياسية يفقده صفته القانونية والقضائية ، وهنا تكمن براعه القاضي الدستوري في مسك العصى من الوسط بما يحفظ التوازنات الدستورية وحماية الدستور ولمن جاء الدستور لحمايتهم ، والاصل ان المنازعة الدستورية تخضع لمعايير موضوعية لا كتشاف المخالفة المستترة لاحكام الدستور والولوج لنوايا المشرع ، الا ان هذه المعايير وكوابحها ذاتية من خلق القاضي الدستوري نفسة ، وبالتالي لايمكن ان ننفي قطعا الى تحول المعيار الموضوعي الى شخصي بالنهاية ، وبالتالي لايمكن ان ننفي تاثر المعيار الشخصي بأعتبارات سياسية معينه وهنا تكمن نقطه ضعف هذا الاتجاه ، ففي مصر استطاعت المحكمة الدستورية العليا ومن قبلها المحكمة العليا تخطي الاسوار العالية لهذه الحدود وبدأت تاخذ بالعوامل الخارجية بعين الاعتبار انطلاقاً من كون وعي وادراك القاضي من وعي وادراك المجتمع ، وهذا يتطلب بالضرورة ان يكون القضاء الدستوري مستشعراً لما يدور حوله ويعمل على اطفاء الحرائق السياسية دون ان يفقد حياديته وموضوعيته وثقه المواطنين به ، لذا يجب ان يكون القاضي الدستوري حذراً عند الخوض في الجوانب السياسية حتى لايقع حامي الدستور في حومة مخالفة الدستور وفي هذا الشأن يقول فقيه القانون الدستوري د.احمد كمال ابو المجد عن ضرورة وجود حدود للدور السياسي للقاضي الدستوري ( …ان جوهر السياسة القضائية هو تحديد الحد الفاصل بين اداء القاضي لدور سياسي بالمعنى الواسع من خلال وظيفته القضائية الملتزمة بحدودها وبين تصديه للقيام بعمل سياسي مكشوف يصعب الدفاع عنه لانه تخلص من الرداء القضائي مع ان الرداء القضائي هو الذي منح من اجله الاستقلال ….)

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!