مريم أم الله والله خالقها
الكاتب: وردا اسحاق
مريم أم الله والله خالقها
بقلم/ وردا أسحاق قلّو
نؤكد أولاً بأن يسوع المسيح هو أبن الله وحسب قول الملاك للعذراء في يوم البشارة ، قال ( إن الروح القدس سينزل عليكِ وقدرة العليِّ تظللكِ ، لذلك يكون المولود قدوساً وأبن الله يدعى ) ويسوع أبن الله المولود من مريم هو الأقنوم الثاني في الثالوث الألهي المقدس ، أي أنه الله .
بعد هذا ننتقل إلى مريم العذراء التي هي أعظم إمرأة في التاريخ ، لها شأن رفيع لكونها أبنة الآب وأم الأبن وعروس الروح القدس ، فعظمتها لا تدرك لأنها أسمى من كل البشر والملائكة . وصفها القديس أفرام السرياني بأنها :
( الخليقة الأكمل والأجمل ، فالساروفيم لا يساوونها في القداسة ، والكاروبيم لا يتوقعونها في الجمال ، وجيوش الملائكة هم دونها في الطهارة ، فهي إذاً أعلى من الملائكة في كل شىء .فما أولاها بأن تكون أرفع شأناً من الناس ، إنها قديسة في جسدها ، جميلة في روحها ، طاهرة في أفكارها حادقة في ذكائها ، كاملة جداً في عواطفها ، عفيفة ، حازمة في مقاصدها ، صافية في قلبها ، رفيعة الشأن ، مليئة بجميع الفضائل ) .
أكرمتها الكنيسة المقدسة بألقاب كثيرة منها ( أم الله ) وهذا اللقب هو بمثابة أكليل منح لها . ألقاب العذراء كثيرة وكل لقب جاء في حقبة زمنية لأسباب كثيرة منها لاهوتية ، فيجب أن تدرس جيداً لكي لا يسقط المؤمنون في الشك ، فسبب أحتفاظ الكنيسة لفترة طويلة من تسمية مريم بهذا اللقب فكان لوجود مذاهب وهرطقات في تاريخ الكنيسة كالمريميين والوجوديين وغيرهم ، لهذا لم يطلق عليها هذا الأسم منذ البداية لكي لا يساء الفهم فيعتبرونهم هم ايضاً هراطقة . حان الوقت في مجمع أفسس عام ( 431) م . فأعترفوا المجتمعون من قادة الكنيسة علناً بهذا الأسم لكي ينهوا الجدالات التي كانت تحدث سابقاً . بعد أن قرر المجمع أن للرب يسوع طبيعتين إلهية ةإنسانية متحدة مع بعضها في شخص الأنسان يسوع المتجسد ، وأن مريم هي أن هذا الأنسان ذو الطبيعتين الإلهية والإنسانية ، أي أنها أم الإله يسوع ، ويسوع الإله ، الكلمة هو الله ( .. والكلمة هو الله ) ” يو 1:1 ” . نقرأ في كتاب تاريخ الكنيسة بأن القديس غريغوريوس الذي عاش في القرن الرابع أي قبل مجمع أفسس ، قال ( إبن الله أتخذ له جسداً من مريم العذراء ، لذلك حقّ لمريم أن تدعى أم الإله).
أما رأي الكنيسة الأرثوذكسية القبطية ، فقال البابا كيرلس الكبير ( تجسد ” الله الكلمة ” وولد من أمرأة حسب الجسد ، والذي حدث أنه أخذ من العذراء القديسة جسداً وأتحد به أتحاداً حقيقياً . لذلك نعتقد أن العذراء القديسة هي والدة الإله . كما تعتقد كنيسة الأسكندرية بأن العذراء مريم إذا لم تكن قد ولدت الله ، فلا يجب أن نسمي المولود منها الله ، ولكن حيث أن الكتب الموحى بها تدعى الله المتجسد وبطريقة بشرية ، لذا تدعى التي ولدته والدة الإله ).
قبل المجامع الكنسية الأولى كانوا يلقبون مريم بألقاب قريبة جداً من هذا اللقب منها موجودة على صفحات الأنجيل ، كأم الرب ” لو43:1 ” و “أم أبن العلي ، وأم أبن الله ، وأم الكلمة الإلهية ، ووالدة خالق الكون ، وأم المسيح المتجسد وغيرها .
أما ملافنة الكنيسة في القرون الأولى فكانوا يجدون أنفسهم ضعفاء أمام فهم موضوع مريم لأنها ليست كباقي البشر لكونها أم الخالق ، والمختارة من السماء لكي تحمل أبن الله المتجسد , فلا يجوز مقارنة أم الله بعبيد الله ،علماً بأنها هي أيضاً أمه وأمته ، فلا شبيه لها لا في السماء ولا على الأرض من المخلوقات ، لهذا نجد الملفان مار أفرام السرياني يعترف للرب يسوع قائلاً ( إن كانت أمك لا تدرك ، فمن يستطيع فهمك ؟ ) والكنيسة المقدسة تقول عنها ( طوباك يا مريم ، كم جزيلة هي خيراتك ، إذ لا تستطيع الألسن ترديدها . طوباك كم عظِمتِ بولادتك ملك الملوك ، رب وسلطان ما في السموات وما الأرض وما في الأعماق . من يستطيع مدحك لكونك معين الخيرات السماوية )..
ومار نرساي في القرن الخامس فله أنشودة لميلاد المسيح يسمي فيها مريم والدة ذلك الذي خلق آدم والخليقة . أي أم الله الخالق . أما مار باباي الكبير الذي ألف 83 مؤلفاً ، فعبّرَ عن يسوع والعذراء ، فقال ( أخذ جسداً من طبيعةِ أمهِ ، وليس من طبيعة الله ، الله الكلمة من طبيعة الآب ، ولأنه متحد ، لذا يقال عن الطوباوية مريم والدة الله . ولدت أنساناً بطبيعته ، وولدت الله ، لأنه متحد بالأنسان).
أما البطريرك مار طماثاوس الكبير الذي حاور الخليفة المهدي ، فيقول ( ان أيماني بيسوع ربنا هكذا هو : أنه إله كامل ، وأنسان كامل إبن واحد ، وإن مريم البتول ولدت الإله الكامل والأنسان الكامل ، أبن واحد ، الذي هو المسيح ربنا . ويقول ، أن الأنجيل علمنا بأن للمسيح طبيعتان ، فلا بد إذاً ، أن البتول القديسة هي أم الله وأم الأنسان معاً ) .
أما مار كوركيس وردا مطران أربيل في القرن الثالث عشر ، كتب عونيثا ( تراتيل ) كثيرة ، أما عن العذراء مريم فلا أحد يضاهيه في كتاباته الكثيرة عن هذه المبجلة . فيقول عنها في أحد التراتيل ( هذه هي التي حل فيها الله ومنها ظهر إبن الله ) ” أي أم الله “ وفي صلاة الصعود ، قال ( من الأزل كان الإله الكلمة ، الإبن البكر ، إبن البتول )
للمسيح طبيعتين إلهية وإنسانية أتحدت مع بعضها في شخص المسيح ، وأن مريم هي أم هذا الأنسان ذو الطبيعة الإلهية والإنسانية ، أي أنها أم الإله يسوع ، ويسوع الكلمة الإلهية هو الله
مريم أصطفاها الله وأعدها لتكون الأناء المختار الذي يحمل المتجسد الإله ، لهذا نجد صورة مريم في سفر الأمثال قبل ولادتها ، فقال في ” أم 22:8 ” ( إلهي خلقني أولى طرقه ) كذلك طالع التكملة في الآيات اللاحقة من 23-31 .
كانت أم الله ، هي نفسها بدون شك ، نعمة من الله ، هذا أمر أكيد ، ولكن لا يبدل أي شىء كان في أنها تصير أم الله في حرية إيمانها ، فالنعمة لا تبطل الحرية ، بل ترفع من شأنها وتحررها .
ختاما نقول : الأسفار المقدسة دونت آيات كثيرة تتنبأ بهذه القديسة قبل ولادتها بمئات السنين ، والعهد الجديد على لسانها يقول ( ستطوبني جميع الأجيال ) ” لو 48:1 ” كما يعترف نفس الأصحاح بأنها ( أم ربي ) والرب هو يسوع الإله الذي هو إله من إله . أما الكنيسة والملافنة القديسين فنسجوا لعظمتها مدائح كثيرة وألقاب وتسميات مثبتة في الحُذرا وكتاب الكَزا . فللعذراء أكثر من 178 لقباً منها ( أم الله ) ووالدة الله ، والدة عمانوئيل ، ووالدة الكاهن الأعظم ، ووالدة الحبر وعظيم الأحبار ، والدة النور ، والدة المسيح ، وأم يسوع إلهنا ، أم ربنا ، أم ملك الملوك ، أم أبن الله ، أم أبن العلي ، تابوت العهد ، أم المعونة … إلخ
بل جسدها الطاهر تحول إلى فردوس وسكن فيه الله بلاهوته ، هذا الذي لا يسعه الكون كله ، أنها كتلك العليقة التي حملت الله دون ان تحترق .
مريم ليست أم الله فحسب ، بل أم الكنيسة ، وهي الكنيسة قبل الكنيسة . هي الهيكل الحقيقي الذي حمل القربانة الأولى الحية في أحشائها . يقول عنها القديس أمبروسيوس بأنها ( مثال الكنيسة ) وشخصيتها الجماعية لا تخص بالمسيحيين فقط بل هي أم كل أنسان حي ، هي بديلة حواء ، فهي أم كل الأحياء والله يريد خلاص جميع البشر ، وهي تُقَدِم أبنها الإله كمخلص للجميع . فالجميع مدعوون إلى الخلاص بأبنها الفادي . فمريم هي أبن الله وأم جميع البشر ، وللجميع تقول
( أعملوا ما يقوله لكم “يسوع في الأنجيل “ .)
لتكن شفاعة العذراء مريم مع جميع البشر