مقالات دينية

مريم العذراء أم الله

الكاتب: وردااسحاق

مريم العذراء أم الله

بقلم/ وردا أسحاق عيسى

وندزر – كندا

 

 

1 

 

 

 

الله هو خالق كل المخلوقات بما فيها الأنسان فكيف يمكن للمخلوق مثل مريم بأن تكون أماً للأله يسوع المسيح ؟

كانت أمنا حواء أم لكل الأحياء البشرية لكنها خالفت الوصية الألهية فسقطت ، لذا أحتاجت العائلة البشرية الى أم بديلة طاهرة لكي بنسلها يُغلب على الأبليس الذي جلب الغضب الألهي الى بني البشر ( تك 15:3) . بدأ الله بالتدخل وكانت يده القوية واضحة في حالات كثيرة وقعت في العهد القديم نتائجها تفوق قوانين الطبيعة كحبل أمنا سارة العاقرة المُسِنة بأبينا أسحاق وكان ذلك خلافاً لكل توقع بشري . عندما يريد الله أن يظهر قدرته فيختار كل ما هو عاجز وضعيف ليظهر من خلاله قوته لكي يفرض قوله ووعوده وإرادته وأمانته لوعده . كان قد وعد أبراهيم بنسل فعليه أن ينفذ لأبراهيم وعده . وهكذا نجد أمور عجيبة مماثلة مع حنة أم صموئيل النبي ، دبورة ، راعوث ، يهوديت ، أستير ، أليصابات أن يوحنا المعمدان ، وأخيرا مع مريم العذراء التي أحتلت المكان الأول بين تلك المتواضعات وفقيرات في الرب . أنها بنت صهيون المثلى . بعد أنتظار الموعد طويلاً تبدأ خطط التدبير الألهي عندما تتم الأزمنة فيرسل أبنه الوحيد الموجود قبل كل الدهور لكي يولد من إمرأة ( غل 4:4) . كان على الله أن يهيأ لأبنه جسداً مباركاً طاهراً لكي يأخذ منه يسوع جسداً أنسانياً طاهراً . فعليه أن يهيأ حواء جديدة بريئة من الخطيئة . إختار الله أما لأبنه وهي مريم أبنته البكر وكما كتب عنها في العهد القديم ( إنما خرجت من فم العلىّ بكراً قبل جميع المخلوقات ) ” سير 5:24″ .إذاً مريم موجودة في مخطط الله لخلاص البشر قبل آدم  ، وقبل السقوط ، لهذا لا تشملها الخطيئة الأصلية الموروثة من الأبوين ، كما علينا أن لا ننظر أليها كأي أمرأة أو أنسان لأنها أم الله فلا بد وأن تكون بريئة من الخطيئة لأنها ستحل مكان حواء الأولى قبل سقوطها .

لكي نفهم هذا الموضوع بدقة علينا أن نتطلع جداً على نصوص ما وردت لنا في الكتاب المقدس وخاصةً العهد الجديد وفي التقليد الموروث وكذلك إطلاع اللاهوت المريمي ، وأيضاً نمر مرور الكرام على آراء الآباء القديسيسين وآراء المجامع الكنسية المقدسة لكي نصل الى الهدف بدقة ، فتقول : لأن الله أختار مريم منذ القدم لكي تكون أماً لأبنه القدوس فقد حفظها الحبل بها من الخطيئة لكي تكون بريئة منها ونفحها بالمواهب بعد الولادة لكي تكون معِدّة لهذه المهمة الكبيرة فجعلها طاهرة وملأها بالنعم ليكون جسدها هيكلاً مقدساً يسكن فيه القربان الحي النازل من السماء ، أنه الرب يسوع ، الأقنوم الثاني الألهي . إذاً علينا أن نؤمن ونعترف بأن يكون لهذه الأم قداسة رائعة وفريدة أعطيت لها بوجه خاص بأستحقاقات أبنها الأله تفوق أستحقاقات كل شخص مخلوق . لهذا باركها الله الآب بكل أنواع البركات الروحية في السماوات ، في المسيح ( أف 3:1 ) . عجنها الروح القدس لكي تكون خليقة جديدة ، بل حواء جديدة ، كلية القداسة بنعمة الله لكي تكون بريئة من كل خطيئة وعلينا أن نؤمن بأنه لا شىء مستحيل عند الله ، فجعلها عذراء من الخطيئة ، لأن الخطيئة لم تستطع أن تخترق حياتها منذ أن حبلت بها أمها إلى يوم أنتقالها الى السماء . لهذا فإن الأبليس لن يُعَيّر المسيح يوماً بأنه أبن أمرأة تحمل خطيئة ، بل كان يقول له أعلم من أنت ، أنت قدوس الله ، لعلمه بأن العذراء بريئة من كل خطيئة . أما قول الرسول بولس بأن جميع الناس أخطأوا فيه فجاز الموت في كل البشر ( رو 12:5) لكن عدا أم الله الموجودة في خطة الله لخلاص البشر قبل أن يخلِق الأنسان وتظهر الخطيئة ، مريم موجودة في فكر الله لكي بواسطتها يتجسد أبن الله ، أي أن العذراء هي أبنة الآب البكر وكما كتب عنها في العهد القديم قبل ولادتها الجسدية وكأنها هي المتكلمة  فتقول ( إن الرب خلقني أولى طرقه قبل أعماله ، منذ البدء ) ” أم 22:8″ .

وهي مميزة لكونها أم الله عن عموم البشر كذلك تشهد لها الآية ( كلك جميلة يا قرينتي وليس فيك عيب ) ” نش 7:4 ” هكذا يشهد لطهارتها الكتاب المقدس .

أما العهد الجديد فيؤكد لنا بوضوح أمومة مريم الألهية فيدعوها ( أم يسوع ) . أما الملاك فقال لمريم ( … المولود منك يدعى أبن الله ) وأبن الله هو الكلمة ( اللوغس ) الأقنوم الثاني أي الله ، فهي إذاً أم الله المولود منها . علينا أن نتأمل جيداً بهذه الآيات ( يو 1:2 و يو 25:19 و لو 31:1 و لو 43:1 ) فنفهم بأن الذي حبلت مريم به أنه إنساناً وبقوة الروح القدس وليس من زرع أنسان ، والذي صار حقاً ابنها في الجسد ليس سوى أبن الآب الأزلي ، الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس . فقرابة مريم من الله هي ، بنت الآب وأم الأبن الذي ( حل فيه كل ملء اللاهوت جسدياً ) ” كول 9:2) وعروس الروح القدس .

فلاهوت يسوع النازل من السماء أتحد بجسد المسيح الأنسان المأخوذ من جسد مريم ليصبح يسوع المسيح ، أي الإله والأنسان . فتفسير كلمة يسوع هي ( يهوة يخلص ) أي أن مريم هي أم الله المخلص للبشرية . سموا المسيحيون الأوائل مريم العذراء باليونانية ب ( ثيوتوكس )  وتعني ( التي تلد أبن الله ) وقد أتفق على ترجمتها ب ( أم الله ) ويمكن أن نسميها ب ( أم الإله ) .

قبل مجمع أفسس ( 431) قال القديس غريغوريوس ( 330- 395) م الأنسان أبن الله قد أتخذ لنفسه جسداً من مريم العذراء لذلك حق لمريم أن تدعى ( والدة الإله ) . أعترفت الكنيسة المقدسة بعده منذ مجمع أفسس المقدس بأن مريم هي ( والدة الإله ) لأنها والدة أبن الله الأزلي المتجسد الذي هو نفسه الله ( الأقنوم الثاني ) .

في سنة (428) م أتخذ نسطور وهو من أصل أنطاكي موقفاً من التقوى الشعبية التي كانت تدعى القديسة مريم ( ثيوتوكس ) أي أم الله ، ففي نظر نسطور لا يرد هذا في الكتاب المقدس ومريم لا يمكن أن تكون أماً إلا للمسيح الأنسان . في مجمع أفسس ( 431) م عزل فيه نسطور ووصف بأنه يهودا الجديد الهرطوقي بموافقة مئتي أسقف .

 كان نسطور يقول ( لا أدري كيف أدعو الله من كان طفلاً عنره شهران أو ثلاثة لهذا فأني برىء من دمكم ولن أكون بينكم من الآن فصاعداً ) أنضم أليه أساقفة الذين كانوا يؤيدونه . أما مؤيدي كيرلس الأسكندري فطلبوا محاكمته وعزله . هكذا استمر الجدال ، فلما رأى نسطور أن المشكلة وصلت الى حد الأنقسام أحس بالأسف لكل ما حدث وقال ( لندع مريم إذا شئنا أم الله ) لكن لم يرد أحد على قبوله . أرسل الى النفي بقية حياته في واحات الخارجية غرب طيبة ، ويقال في ليبيا . وللأسف تبع عقيدته جماعة من المؤمنين ليكوِّنوا مذهباً جديداً سمي بالنسطورية والباقي لحد هذا اليوم والمتمثل بالكنيسة الآشورية .

في عام 2000 م قابل البطريرك مار دنخا البابا القديس مار يوحنا بولس الثاني وبحضور بطريرك الكنيسة الكلدانية مار روفائيل بيداويد فدخلوا بحوار أخوي من أجل توحيد الكنيستين ، ومن ضمن الأسئلة المطروحة هو قول البابا لمار دنخا ، ماذا كان يقول نسطور عن العذراء مريم ؟ فأجاب ، أنها أم المسيح الأنسان لكنها ليست أم الله . فطلب منه البابا قراءة الآية ” لو 43:1″ والتي تقول ( فمن أين لي أن تأتي أليَّ أم ربي ؟ ) فقال له البابا ،إذاً ما هو رأيك أنت الآن ؟ فأجاب قائلاً إنها أم الله .

هكذا اليوم يعتقد الكثيرين من المسيحين بأن مريم ليست أم الله بل أم يسوع فقط وخاصةً البروتستانت ، وغايتهم هي تحجيم أو ألغاء دور العذراء في الكنيسة كأم الله ، علماً بأن مارتن لوثر مؤسس الكنيسة الأنجيلية كانت الطريقة التي نظر بها للعذراء مريم تختلف تماماً عن ما يعتقدون به اليوم جماعته. وللأسف الفرق شاسع جداً بينهم . لوثر آمن بواقع حبل العذراء بلا دنس ، كذلك آمن بأن مريم هي أم الله ، كما كان يؤمن بديمومة بتولية العذراء أضافة الى أكرامه المستمر لها في طقوس كنيسته الجديدة المنشقة والتي كانت تسمى بالكنيسة اللوثرية ، ورنَّمَ لها وحفظ أعياد العذراء خلال السنة الطقسية اللوثرية وذكرها بالكثير من كتاباته بطريقة محترمة . كرمها لوثر وقَدّرها الى أبعد الحدود على عكس ما نراه اليوم من مواقف وأفكار يتبناها قسم من مفكري الكنائس البروتستاتية التي جعلت مريم لا شىء سوى وعاءٍ حمل الرب لفترة وأنتهى دورها منذ لحظة ولادتها ليسوع الأنسان . يدَعّونَ بأنهم أنجيليين لكنهم لا يعيشوا نص الأنجيل ولا يعترفون بآياته الصريحة ولا يطوبون أم  مخلصهم وحسب نشيدها المدون في ” لو 1: 46-50 ” بل لا يكرمونها حتى في تسمية أطفالهم ، وهل هناك أمرأة في الكتاب المقدس أفضل منها ؟ هي التي ساهمت في خلاص البشر بأيمانها وخضوعها وتضحيتها وبنعمها الغزيرة التي أعطاها لها أبنها بأستحقاقاته وبطاعتها صارت حواء الجديدة أم الأحياء وأم الله المتجسد .

ختاماً نقول ليس قادة الكنيسة في مجمع أفسس هم اللذين قرروا أن مريم هي أم الله ، بل الشعب المؤمن الشجاع الذي كان يهتف أمام الأساقفة المجتمعين في المجمع أثناء دخولهم للكنيسة قائلين ( والدة الله القديسة ) كانت تحية رائعة وأعتراف صريح منذ تلك الفترة فكيف تقوم الطوائف المنشقة بعد لوثر بتغيير مسار الكنيسة وأيمانها .

كرمت الكنيسة المقدسة مريم أم الله ببناء كنائس وأديرة ومعابد باسمها ولها مزارات كثيرة في العالم ، ورسم لها أيقونات كثيرة ، وتكرم باعيادها المقدسة ، وهي الشفيعة والأم الحنونة الساهرة على أبنائها تصلي لهم الى أبنها والمؤمنون كرموها بصلاة الوردية وهم يطلبون منها في الصلاة الملائكي الذ ي ختمونه بهذه الكلمات :

 ( يا والدة الله صلي لأجلنا نحن الخطاة الآن وفي ساعة موتنا آمين )

 

يمكنك مشاهدة المقال على منتدى مانكيش من هنا

 

 

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!