مقالات

أي مستقبل لمهنة المحاماة في ظل مشروع قانون المسطرة المدنية

السيد الوزير، السيد النقيب، السادة الرؤساء، السادة النقباء، السادة المسؤولين القضائيين والاداريين، زميلاتي زملائي، أيها الحضور الكريم، كل باسمه وصفته ومركزه والاحترام الواجب لشخصه؛

أود في البداية أن أتقدم بشكري وامتناني، الى كل من السيد رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب والى السيد نقيب هيئة المحامين بالرباط، على هذه الدعوة الكريمة وهذا التشريف، للمشاركة والمساهمة معكم في هذه التظاهرة العلمية القانونية الفكرية المهنية، حول مشروع القانون رقم 02-23 المتعلق بالمسطرة المدنية .
ولابد من التأكيد، على أهمية قانون المسطرة المدنية بالنسبة للمتقاضين بصفة عامة، وبالنسبة للمحامين بصفة خاصة، لأن هذا القانون يعتبر هو الأساس الذي ينظم كيفية تقديم الدعاوى والإجراءات التي يجب اتباعها بمختلف المحاكم، وكذا الآليات المتاحة للأطراف، لحماية حقوقهم ومصالحهم، والطعون في الأحكام الصادرة عند الاقتضاء، مما يعزز ثقة المواطنين في النظام القضائي.
ويمكن القول بأن المشرع كان دائما يولي أهمية وعناية كبرى لمهنة الدفاع، سواء في قوانين الموضوع، أو في قوانين الشكل، نظرا للدور الأساسي والبارز الذي يقوم به المحامون في منظومة العدالة، لمساعدة القضاء ومشاركته في تحقيق العدالة.
فلا المجتمع ولا المشرع، ينظرون الى المحامين كمجرّد أرقام تقدم خدمات قانونية، بل يعتبرهم الجميع حماة للحقوق والحريات، وجزء لا يتجزأ من أسرة العدالة. ولم يأتي ذلك من فراغ، بل لأن المحاماة ولإن كانت مهنة حرة مستقلة، إلا أن من يمارسها عن قناعة واختيار، يشعر بأنها تحمل في طياتها رسالة إنسانية سامية، شريفة ونبيلة، رسالة مبادئ ومواقف، تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة، وفي إرساخ دولة القانون، بالتوعية القانونية وبالنصح والإرشاد، وكفالة حق الدفاع، عن حياة وحريات وشرف وكرامة وأموال المواطنين.
إلا أن المحاماة لا يمكن أن تمارس بالطريقة الصحيحة والراقية، وبالجودة المطلوبة، في مناخ تختل فيه الضمانات الدستورية والقانونية، ليبقى المجتمع بصفة عامة، والمشرع بصفة خاصة، مسؤول على تهيئ الأجواء الملائمة لها، لتقوم بالدور المنوط بها، وتجعل من المحامي ذلك الفاعل الأساسي، في العالم القانوني والقضائي والحقوقي والاجتماعي.

ولقد أحالت الحكومة المغربية على البرلمان منذ مدة، مشروعا لقانون المسطرة المدنية، ورد في مذكرته التقديمة، بأنه جاء “انطلاقا من الوعي بأهمية العدالة الإجرائية والقواعد المسطرية، في تحسين جودة الخدمة القضائية، وضمان المحاكمة العادلة، بالنظر الى ارتباطها الوثيق بالواقع، وتأثيرها في حسن تطبيق النصوص القانونية الجاري بها العمل، وضمان استيفاء الحقوق”.
إلا أن البعض من مواد مشروع هذا القانون، لم تصادف الصواب فيما أتت به، وتقتضي منا كباحثين وكمهنيين ممارسين، الوقوف عندها لإثارة انتباه السلطة التنفيذية وكذا السلطة التشريعية، لما قد ينتج عند تطبيقها من تبعات، قد تزعزع استقلال القضاء، واستقلال المحاماة من جهة، كما أنها قد لن تخدم المحاكمة العادلة من جهة أخرى.
وسنكتفي في هذه المداخلة ببعض الإشارات لأن القراءة النقدية المفصلة للمشروع توجد رهن إشارة الباحث والمهتم رفقته.
فهكذا، تنص المادة 408 من المشروع مثلا على أنه “يمكن لوزير العدل أو للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض أن يحيل الى هذه المحكمة المقررات التي قد يكون القضاة قد تجاوزوا فيها سلطاتهم.” كما تنص المادة 410 من نفس المشروع، على أنه “يمكن لوزير العدل أن يتقدم بطلب الإحالة من أجل التشكك المشروع”. وتنص المادة 411 بأنه بإمكان وزير العدل أن يتقدم بطلب الإحالة من أجل الأمن القومي..”
ونعتقد بأنه يجب علينا جميعا تدارك عدم دستورية هذه المقتضيات، والقيام بالتعديل الواجب لهذه المواد، لأن القضاء قد استقل في المغرب عن السلطة التنفيذية منذ دستور 2011.
أما بالنسبة للمحاماة فإن بعض مقتضيات المشروع تمس باستقلال المحامين، وسنقتصر هنا على ذكر المواد 8 و 78 و259 منه حيث تعطي المادة 8 و 259 الصلاحية للقاضي في تكليف المحامي بإجراء صلح بين الأطراف بينما المحامي مستقل عن القاضي؛ كما أصبحت المادة 78 تعتبر مكتب المحامي موطنا للمخابرة مع موكله، وتبلغ اليه جميع الإجراءات، باستثناء تبليغ الحكم الفاصل في الدعوى، حيث صارت هذه المادة تمس هي الأخر باستقلال المحامي عن موكله، بل وقد تشكل عليه خطرا، خصوصا فيما يتعلق بالأحكام التمهيدية، وبتبليغ بعض الإجراءات، كأداء واجب الخبرة مثلا، وبعض الاستدعاءات، كحضور إجراءات الخبرة، أو كالحضور في عين المكان، حيث سيصبح المحامي يقوم بعمل المفوض القضائي من جهة، وسيتحمل مسؤولية عدم قيامه بهاتة المهام، أو بالقيام بها بشكل خاطئ الخ..
ولن نقف عند الصلاحية التي تعطيها المادة 9 للقاضي في تجاهل تام للدفاع ودعوة الأطراف مباشرة لحل النزاع عن طريق الوساطة، ولا عند المادة 87 التي تحمل المحامي مسؤولية السهر على التبليغ تحت طائلة عدم قبول الدعوى، لنتأمل جميعا فقط في تداخل مهام واختصاصات المحامي التي أصبحت قائمة بين القانون المنظم لمهنة المحاماة وبين القانون المقبل للمسطرة المدنية، حيث يلاحظ الباحث بأن قانون الإجراءات سيصبح قانون موضوع.
ذلك أن المتعارف عليه تشريعيا، هو أن القانون المنظم لمهنة المحاماة – الذي نرجو التأني في إحالة مشروع تعديله على البرلمان – هو من يقرر متى يكون المحامي إجباري، ومتى يكون اختياري، الا ان الباحث سيلاحظ بأن المشروع قد استبق القانون المنظم لمهنة المحاماة، الذي هو قانون موضوع وقانون خاص، مقارنة مع قانون الإجراءات، الذي هو قانون شكل وقانون عام، لينص في مواده على مقتضيات متعددة، تذهب في اتجاه الاستغناء عن المحامي، وتكريس الحضور الشخصي، ليس فقط للدولة والإدارات العمومية كما هو الشأن في قانون المهنة الحالي، ولكن أيضا للجماعات الترابية ومجموعاتها، والوصي على الجماعات السلالية، وباقي أشخاص القانون العام، وللعديد من المتقاضين من الأشخاص الذاتيين بالنسبة للكثير من المساطر، سواء بمناسبة تسجيل المقالات، أو من خلال تتبع سيرها بالجلسات وما يتبعها من إجراءات التبليغ والتنفيذ والطعون.
وبالنسبة للمشروع فإنه يسمح للجهات الرسمية أن تكون ممثلة أمام القضاء بواسطة أحد الموظفين المنتدبين قانونياً، ويمكن للأشخاص الذاتيين التقاضي في الكثير من المساطر بصفة شخصية، أو بواسطة الأقارب الى الدرجة الرابعة، ولا سيما في القضايا التي ينظر فيها ابتدائيا وانتهائيا طبقا للمادة 30، وقضايا الزواج، والنفقة، والرجوع لبيت الزوجية، والطلاق الاتفاقي، وأجرة الحضانة، والقضايا المتعلقة بالحالة المدنية، والقضايا الاجتماعية، وقضايا استيفاء ومراجعة وجيبة الكراء، والقضايا الأخرى، التي ينص عليها القانون حيث تطبق قواعد المسطرة الشفوية.
كما يتم الاستغناء على المحامي أمام محكمة النقض، كلما كان أحد طرفي النزاع قاضيا او محاميا ويمكن أيضا الاستغناء على المحامي كلما كان الطلب يهدف الى تجريح قاض من قضاة محكمة النقض.
ولابد من التأكيد بإن التوجه الوارد في المشروع يتنافى وسياسة الدولة، التي ترغب في التخفيف على المحاكم من الاكتظاظ، وكثرة الحضور الجسدي، حتى بالنسبة للمحامين من خلال الرقمنة والمحاكم الالكترونية، وابعاد العموم عن الاتصال والتواصل المباشر بكتاب الضبط، والقضاة، بهدف إبعاد الشبهة عن هؤلاء وأولائك، والمساهمة من تم في تخليق المشهد القضائي.
كما يجب التأكيد بأن إلزامية المحامي، لم تكن في يوم من الأيام بترف، ولا هي كانت وسيلة غدائية لهذا الأخير، بقدر ما هي وسيلة للمساهمة والمشاركة في تحقيق العدالة، ولتجويد عمل المحاكم ومردوديتها، ولتفادي هضم الحقوق والمصالح، وتفادي أيضا كثرة الأحكام بالرفض أو بعدم القبول، لأن تكوين المحامي، يسمح بفض النزاعات بكفاءة، وبسرعة بالإضافة الى ما يتوفر عليه من ضمانات وتأمينات، لأنه يعمل ضمن هيئة منظمة مؤمنة تخدم العدالة وتخدم المتقاضي.
والى جانب التوجه الذي يهدف الى ابعاد المحامي والذي قد يربك المنظومة القضائية وعمل المحاكم فإن عدد ممثلي الوكيل القضائي أصبح ضخم جدا (168 إطار سنة 2021 ومن المرتقب أن يزداد هذا العدد بمائة إطار آخر في القريب حسب بعض المصادر)، الى درجة أنه صار يسوق لضرورة السماح لموظفيه، بارتداء بذلة مهنية خاصة، تميزهم عند حضورهم بالمحاكم، وستتقدم غدا ربما باقي القطاعات العمومية بنفس الطلب، الأمر الذي من شأنه خلق الكثير من الخلط وتبخيس بذلة المحامي التي ترمز لرسالة الدفاع.
والى جانب هذه الملاحظات، فإنه لابد من الإشارة الى بعض النقط التي لا تستقيم وحقوق الدفاع، والاستقرار والأمن القضائي، إذ نلاحظ بأن المشروع قد حرم المتقاضين من الطعن بالاستئناف وبالنقض في الكثير من القضايا، كما أعطى لأطراف هذه القضايا، إمكانية التوجه لرئيس المحكمة لإلغاء الاحكام الصادرة على القضاة، حيث يعد هذا الطعن بدعة من شأنها خلق مشاكل لا حصر لها لرؤساء المحاكم مع القضاة والمحامين والمتقاضين.
ولابد من الوقوف عند المادة 17 من المشروع التي أعطت للنيابة العامة – سواء كانت طرفا في الدعوى أم لا- ودون التقيد بآجال الطعن المنصوص عليها، أن تطلب التصريح ببطلان الحكم المخالف للنظام العام، عن طريق ممارسة طرق الطعن القانونية، وهو ما يزعزع الثقة في القضاء وفي استقرار القضاء وفي الأمن القضائي.
ولن أتحدث عن التناقضات الواردة في المشروع، وسأكتفي بالإحالة على المادتين 61 و62 بخصوص الدفع بعدم القبول، ولن أقف عند المخاطر التي ستواجه ربما المحامي، لأشير فقط الى الغرامات المدنية المالية ، التي سيحكم بها بمناسبة ممارسة بعض المساطر، ولن أتوسع في باقي الملاحظات الواردة بالتفصيل في القراءة النقدية للمشروع، التي توجد رهن إشارة الباحث والممارس والمواطن العادي رفقة هذه الدراسة التركيبية، لأخلص الى القول، بأنه لا يمكن بناء الدولة الديموقراطية والدولة القانونية، التي اختارت بناؤها المملكة المغربية، والواردة في السطر الأول من الدستور، بدون قوانين تقديمة عالية الجودة، قوانين تتسم بالحكامة في الصياغة وفي المضمون، وبدون محاماة مستقلة قوية، التي يبقى مستقبلها في مغرب اليوم، رهين بالإرادة السياسية، والمهنية، والتشريعية الحقيقة لمختلف الفرقاء، لتسترجع بريقها ومكانتها الطبيعية ضمن نخب المجتمع.

شكرا لكم جميعا، وتحية عالية لجمعية هيئات المحامين بالمغرب، ولهيئة المحامين بالرباط، -نقيبا ومجلسا وجمعية عمومية- الذين أتاحوا لنا فرصة هذا اللقاء والى فرصة قادمة ان شاء الله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!