مقالات دينية

الوجود الحقيقي للمسيح في القربان المقدس ( الأفخارستيا )

الكاتب: وردااسحاق

الوجود الحقيقي للمسيح في القربان المقدس ( الأفخارستيا )

بقلم/ وردا أسحاق عيسى

وندزر – كندا

( من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير ) ” يو 54:6 “

الرب يسوع أسس كنيسة واحدة رسولية وحسب قوله لبطرس ( أنت الصخرة وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وقوات الموت لن تقوى عليها ) ” مت 18:16 ” ونحن المؤمنون نعترف بكنيسته الواحدة الرسولية ( الكاثوليكية والأرثوذكية )  ونعلن أيماننا بها في صلاة قانون الأيمان والمسيح هو الذي بروحه القدوس يهب كنيسته أن تكون واحدة ومقدسة ورسولية ، هذا الذي بصلبه على الصليب أصلح ما بين الله والبشر وجعل من كل شعبه جسداً واحداً وهو رأسه . وفي هذه المؤسسة الألهية وضع سبعة أسرار مقدسة وجميع تلك الأسرار والمهام الرسولية مرتبطة كلها بسرالأفخارستيا ومترتبة عليها لأن الأفخارستيا تحتوي على الكنز الأثمن وهو المسيح الأله . ففي الأفخارستيا يوجد جسد ودم المسيح المبارك ، الخبز النازل من السماء أنها الوليمة السماوية وكلنا مدعوّنَ أليها ، فكل مؤمن يأكل من هذا القربان بأستحقاق لا يموت لأن المسيح بذل ذاته من أجل أن يحيا كل من يتناول منه وبحسب كلامه الصريح ( من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير ) ” يو 54:6″ . أثار هذا الكلام السامعين الى المسيح فتسائلوا كيف يقدر أن يعطينا جسده لنأكله ! فنقول اليوم ماذا كان يقصد الرب بكلامه الذي قالوا عنه التلاميذ ( ما أصعب هذا الكلام ، من يطيق سماعه ) ” يو 60:6″ المقصود هو أنه سيقدم نفسه فدية على الصليب من أجل خلاص العالم فمن يؤمن به ويأكل من جسده المبارك والذي قدمه في العشاء الأخير كخبز وخمر لتلاميذه وهم بدورهم ومع خلفائهم لجميع الأجيال لأجل مغفرة الخطايا . إذا الرب يسوع أسس هذا السر في الليلة التي أسلم فيها عندما أخذ رغيفاً وبارك وكسر وأعطى تلاميذه وقال ( خذوا ، كلوا هذا هو جسدي ! ) لم يعارضه أحد لكي يقول له هذا ليس جسدك بل هو رغيف الخبز ،  بل الجميع آمنوا بكلامه لأنهم يعرفون بأنه الأله القادر على كل شىء ، هذا الذي أمامهم حول الخبزات الخمسة أو السبعة الى آلآلاف ، وهو الذي خلق عيون للمولود أعمى ، وهو الذي أقام لعازر المنتن .

 ثم أخذ الرب الكأس ، وشكر وأعطاهم قائلاً ( أشربوا منها كلكم . فإن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد والذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا ) ” مت 26: 26-28″ علينا إذاً أن نثق بكلام الرب الذي حول الخبز الى جسده والخمر الى دمه . لم يقل بأن هذا الخبز هو رمز لجسدي أو هذا الخمر هو رمز لدمي كما يعتقد الكثير من المسيحيين اللذين لا ينتمون الى الكنيسة الرسولية . لهذا نقول لهم وبكل محبة ، أجل الخبز والخمر أصبحا جسد ربنا يسوع المسيح ودمه الطاهر مع نفسه وآلوهيته ، أي القربان المقدس يحتوي المسيح كله كاملاً . وهذا الحضور يسمى ( حقيقياً ) لا بمعنى المنافاة ، ولا بشكل رمزي ، بل بمعنى التفوق والجوهري وبه يكون المسيح الإله والأنسان حاضراً كله بشكل كامل .

أكد لنا آباء الكنيسة الأولون تأكيداً حازماً إيمان الكنيسة بفعل كلام المسيح وعمل الروح القدس في عملية التحويل هذه وقد صرح القديس يوحنا الذهبي الفم بقوله ( ليس الأنسان هو الذي يحول القرابين الى جسد المسيح ودمه ، بل المسيح نفسه الذي صلب لأجلنا ) . الكاهن الذي هو صورة المسيح ، ينطق بهذه الكلمات ولكن الفعل والنعمة هما من الله . يقول ( هذا هو جسدي ) أي القائل بفم الكاهن هو المسيح وهذه الكلمة تحول القرابين . أما القديس أميروسيوس فقال في شأن التحويل لنقتنع من أن ( هذا ليس من فعل الطبيعة ، بل من فعل التكريس بالبركة ، وأن قوة البركة تفوق على الطبيعة ، لأن الطبيعة نفسها تتحول بالبركة ) كلمة المسيح التي خلقت كل الأشياء من لا شىء ، ألا تقدر أن تحول الخبز والخمر الى جسده ودمه ؟ كما علينا أن نعلم بأن وجود المسيح الحقيقي ودمه الحقيقي في هذا السر، ( لا ندركه البتة بالحواس يقول القديس توما – بل بالأيمان وحده المرتكز على سلطة الله ) . لهذا القديس كيرلس عندما فسر نص أنجيل لوقا 19:22 ( هذا هو جسدي الذي يبذل لأجلكم ) صرح قائلاً ( لا تتسائل هل هذا صحيح ، بل تقبل بإيمان كلمات الرب . لأنه هو الحق ، لا يكذب ).

القربان المقدس هو الذبيحة الألهية الغير دموية والتي يجب أن تكرر حسب قول الرب ( أعملوا هذا لذكري )  ، لأن الذبيحة الدموية هي واحدة قدمت على الصليب . لهذا يعتقد الغير مؤمنين بوجود الرب في الأفخارستيا بأن كسر الخبز والمشاركة في كأس الخمر هو لغرض الذكرى فقط . نعم وصية الرب هي لكي تكرر أفعاله وأقواله الى أن يجىء ، لكن لا تقتصر على أن نتذكره ونكرر ما قام به فقط ، بل تهدف الى أن يتولى الرسل وخلفائهم الأحتفال الليترجي بتذكار المسيح وموته وتشفعه الى الآب وتقديم جسده ودمه للأجيال المؤمنة .

كان المسيحيون الأولون يجتمعون في أول يوم الأسبوع أي  يوم الأحد ، اليوم الذي قام به المسيح ليكسروا الخبز ( طالع أع 7:20 ) ومن ذلك الوقت حتى أيامنا هذه نواصل الأحتفال بالليترجيا نفسها ، نلقاها اليوم في كل الكنائس وبنفس الهيكلية الأساسية وستظل محور الحياة المسيحية ، فلكي ندرك هذا السر العجيب ونفهم قول الرب لنا ( خذوا فكلوا منه كلكم ) فالمناولة المتواترة هي دعوة ملحة من قبل الرب لنا لنتناوله في سر القربان المقدس وإن لا نفعل فلن نصل الى الحياة الأبدية وحسب قوله المشروط لنا ( إذا لم تأكلوا جسد أبن الأنسان وتشربوا دمه ، فلن تكون فيكم الحياة ) ” يو 53:6″ فعلينا أن نلبي هذه الدعوة ونتهيأ لهذه اللحظة العظيمة المقدسة والقديس بولس يحثنا على محاسبة الضمير أولاً قبل المناولة وحسب قوله ( من أكل خبز الرب أو شرب كأسه ، ولم يكن أهلاً لهما ، فقد جنى على جسد الرب ودمه . فليحاسب الأنسان نفسه قبل أن ياكل من هذا الخبز ويشرب من هذه الكأس . فمن أكل وشرب ، وهو لا يرى فيه جسد الرب ، أكل وشرب الحكم على نفسه ) ” 1كو 11: 27-29″ . فمن عرف نفسه أنه في خطيئة ثقيلة فعليه أن ينال سر التوبة والمصالحة قبل أن يقدِم على المناولة . لنسأل ونقول للذين يعتبرون القربان المقدس هو لمجرد ذكرى موت وقيامة المسيح أي أنه يرمز فقط الى جسد الرب فقط فكيف يقول الرسول بولس ( من لا يرى فيه جسد الرب ) . فليعلم كل مؤمن أن الأفخارستيا هو الخبز الحقيقي النازل لنا من السماء عن طريق دعوة الروح القدس لتحويل الخبز والخمر الى جسد ودم المسيح وبتناولنا له بأستحقاق تمحا خطايانا فنتحد مع جسد الرب وحدةً سرية . كما أنه عربون المجد الآتي .

الأفخارستيا هي قلب حياة الكنيسة وقمتها . أنها تذكار فصح المسيح وموته وقيامته . الكهنة المرسومون من قبل الأساقفة بوضع اليد عليهم ، هم وحدهم مخَولّون أن يرئسوا الأفخارستيا ويرددون كلمات الرب ويطلبوا الروح القدس لكي يتقدس الخبز والخمر ليصيرا جسد الرب ودمه .

ختاماً نقول أن السميح هو الكاهن الأبدي للعهد الجديد . هو الذي يقرب ذاته في الذبيحة الألهية بواسطة الكاهن . والمسيح نفسه هو الذبيحة كما كان على الصليب هو الكاهن وهو الذبيحة . في الأفخارستيا هو حاضراً حضوراً حقيقياً لا رمزيا تحت شكلَي الخبز والخمر .

من يريد أن يقبل المسيح في القربان المقدس فعليه أن يكون في حالة النعمة ، فإن تنبه أحد الى أنه ارتكب خطأ فعليه أن لا يتقدم الى المناولة قبل أن يحصل على الحلّ من ذنوبه في سر التوبة والأعتراف .

أشتراك المؤمن في جسد الرب ودمه ينمي أتحاده مع الرب يسوع فيغفر له ذنوبه العرضية والكنيسة المقدسة تشجع المؤمنون الى الأعتراف بخطاياهم والتقدم للمناولة المقدسة لأن جميعهم مدعوون الى وليمة الأفخارستيا المقدسة .

أنا هو خبز الحياة. فالذي يقبل إليّ لا يجوع، والذي يؤمن بي لا يعطش أبدا” يو 6/ 32ـ 36 . 

 

ليتبارك أسم الرب الذي قدم نفسه لنا قرباناً أبدياً من أجل خلاصنا

 

يمكنك مشاهدة المقال على منتدى مانكيش من هنا

 

 

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!