الحوار الهاديء

موقع مانكيش يجري حواراً مهماً مع ألأب نياز توما المالح

 

موقع مانكيش يجري حواراً مهماً مع ألأب نياز توما المالح

 

خاص/ موقع مانكيش نت

(الكاتب عبد ألأحد قلو /مشرف في منتديات موقع مانكيش)

 

 أجرينا حواراً خاصأً مع الاب نياز توما المالح في مقر إقامته في مدينة هاملتون الكندية بتاريخ 19/3/2013م.

 

ولقد رأينا من المناسب إجراء هذا الحوار مع الاب نياز توما الكاهن في الكنيسة الكاثوليكية للكلدان، وذلك لما يتمتع به من كارزما كهنوتية خاصة ولما يمتلكه من الثقافة الواسعة والمواهب المتعددة والامكانات اللغوية، علما بأنه يدير حاليا شؤون رعيتين، وهما كنيسة مار توما الرسول للكلدان في هاملتون وكنيسة مار بطرس الرسول للكلدان في اوكفل واللتين تعتبران جزءاً من ابرشية مار أدي للكلدان في كندا، وهذه الابرشية تضم تسعة مراكز كلدانية وعلى اطراف مترامية من البلد الذي يمثل ثاني أكبر بلد في العالم من حيث المساحة.  واليكم مجريات الحوار.

 

 

 

(الكاتب عبدالاحد قلو):

الأب نياز.. سلام ومحبة

يسعدني ان اجري معكم مقابلة تتضمن حوارا مفتوحا حول مجمل القضايا  التي تتعلق بامور عديدة ومنها نشأتك الدينية والشهادات العلمية الحاصل عليها وعن كهنوتك بالاضافة الى القضايا المستجدة على الساحة فيما يخص كنيستنا الكلدانية ومجتمعنا المسيحي ان كان ذلك في العراق او في المهجر. وعليه ستكون اسئلتنا عبارة عن محاور متعلقة لما ذهبنا اليه اعلاه.

 

(الأب نيازتوما) :  أرحب بك أخي العزيز عبدالأحد وأود أن أوجه شكري لكم لهذه الفرصة، مجدداً اعتزازي بكل الغيارى على الكنيسة خصوصاً من يخدم في حقل الإعلام.

 

 

المحور الاول / التنشئة الدينية والحياة الخاصة

 

 

س:  هل سبق واِن كانت لك نشاطات دينية معينة في بلدنا العراق وخصوصاً قبل دخولك للإعداد الكهنوتي وماهي ان كان ذلك ممكنا؟

 

ج: لقد كنت منذ الطفولة متعلقاً بالكنيسة، وقد خدمت المذبح وأنا في سن مبكرة، وتدرجت في الأخويات وأصبحت لي مسؤوليات كبيرة على المستوى الأبرشي وأنا في سن الشباب، ومنها مسؤوليات في خورنة مار توما الرسول في بغداد والتي خدمتها لقرابة 25 سنة، وأتذكر أن مثلث الرحمات البطريرك روفائيل الأول بيداويد قد كلفني بالإشراف على الكنيسة المذكورة قرابة السنة حين بقي كرسي راعي الخورنة شاغراً بعد تعيين الأب داود بفرو في كندا، إضافة الى مسؤوليات أخرى في أخوية المحبة، كاريتاس العراق التي أسستُ فيها قسم الإعلام والعلاقات، وأدرتُ قسم البرامج التنموية واشرفتُ على مشاريع إعادة أعمار القرى في شمال العراق. وقد عملت بقرب مع الأب العلامة الغائب الحاضر يوسف حبي، وبدأنا سوية مجلس الثقافة أو بيت الحكمة مع نخبة من المفكرين من ابناء الكنيسة والعراق في زمن الخير. كنت ايضاً عضواً في اللجنة المقترحة الدائمة لموسيقى الكنيسة التي اقترحها الأب المرحوم الغائب الحاضر فيليب هيلايي والاستاذ باسم حنا بطرس، منحه الرب الصحة، وقد عملت بشكل غير معلن لمدة قصيرة كسكرتير صحفي وإعلامي لمثلث الرحمات البطريرك بيداويد، خصوصاً في زيارته التاريخية الى شمال العراق عام 1998. أفخر بتواضع أنني كنت من المنشطين للمؤتمر البطريركي العام للكنيسة الكلدانية المنعقد عام 1995 وكنت، والفضل للبطريرك بيداويد والأب حبي، العلماني الوحيد الذي شارك في اجتماعات اللجنة التنفيذية، والعلماني الوحيد الذي قدم كلمة إحدى اللجان العشر الرسمية للمؤتمر (لجنة التثقيف والإعلام) مع الأب حبي مناصفة، حيث قدم هو الجزء الخاص بالتثقيف بينما قدمت الجزء الخاص بالإعلام.    

 

س: من هي الشخصيات التي تأثرت بها والتي كانت حافزا لك والتي  شجعتك لكي تصبح كاهنا؟.

 

ج:  من المؤكد أن لراعي الخورنة دور في التأثير على الدعوات الكهنوتية، وقد كان للنشاط الذي كنت ألحظه على الاب داود بفرو، تأثير أيجابي عليّ، وتأثرت ايضا بالأب يوسف حبي، خصوصاً من خلال الحضور الثقافي الذي كان يتمتع به، لا على مستوى الكنيسة فحسب، بل على مستوى العراق والشرق الأوسط، وكذلك الاب يوسف توما بثقافته الواسعة واسلوبه الشيق في المحاضرات. الحقيقة أنني تأثرت بالعديد من الآباء المفكرين والأكاديميين الذين كانوا وبعضهم لا يزال مناهل للمعرفة والثقافة، ولا أريد أن أسمي أحداً لئلا أنسى أحداً. وعلى مستوى التشجيع فقد كان العديد من الأساقفة والكهنة والبطاركة، حتى من غير الكلدان يشجعوني، حتى أن بعضهم كانوا يقولون لي بالنص إننا نراك وكأنك مخلوق لهذه الدعوة فلماذا التأجيل؟! كنت أضحك في نفسي آنذاك والآن أتذكر أقوالهم ومواقفهم وأقف بأندهاش أمام نعمة الرب. 

 

س: ماهي المرحلة الدراسية التي تخرجت منها والشهادات العلمية والادبية التي تمتلكها؟

 

ج:  لي شهادة البكالوريوس في الهندسة المعمارية من الجامعة التكنولوجية في بغداد، ولكوني من العشرة الأوائل أكملت دراستي العليا، وحصلت على الماجستير ايضاً، وبسبب أن الأطروحة ناقشت العلاقة بين العمارة والموسيقى، بحضور رئيس قسم الموسيقى في جامعة بغداد وعضويته ضمن لجنة الأمتحان، فقد حصلت على الدبلوم العالي شرفاً في الموسيقى كما تقضي الأعراف الأكاديمية.  وعند وصولي الى كندا أردت تغيير مسار اختصاصي فدرست شيئاً من الصيدلة وعملت لمدة ثلاثة سنوات كمساعد صيدلي، على أمل أن أدرس الصيدلة خارج كندا، لكن الله غيّر كل شيء، فدخلت الدير الكهنوتي ودرست في كلية الملوك، جامعة ويسترن أونتاريو وحصلت فيها على البكالوريوس المعادل في الفلسفة والماجستير في اللاهوت. ولي شهادات تقديرية أخرى متفرقة في الإعلام وإدارة المشاريع، وغيرها.  

 

 

 

المحور الثاني / كندا واقتبال سر الكهنوت

 

 

س: هل لك ان تحدثنا عن سبب قدومك الى كندا وبقائك فيها وماهي الاعمال التي مارستها وقبل دخولك لسلك الكهنوت؟

 

ج: وصلت الى كندا عام 2002 للمشاركة في الايام العالمية للشباب التي تنظمها الكنيسة الكاثوليكية كل ثلاث سنوات تقريباً برعاية الأب الأقدس، خصوصاً بعدما دعيت وشاركت في احتفالات سابقة في فرنسا عام 1997 لكني لم استطع أن اشارك في ايطاليا عام 2000 لأسباب تتعلق بتأخر إجراءات الموافقة على سفري من العراق. كان من أهم الطموحات في كندا، هو التأسيس لأخويات شبابية وحركات تدعم وتنعش الكنيسة الكلدانية لأنه لم يكن هناك اي نشاط كبير وواضح آنذاك. أنصب التركيز على تأسيس رعية العائلة المقدسة في وندزر خصوصاً بعد شراء الكنيسة الذي تم قبل عام من وصولي في 2001. ونشكر الله أننا في زمن قصير ومن خلال دعم الأب داود بفرو، استطعنا أن ننهض بالرعية على مستويات مختلفة. أما الأعمال المدنية التي زاولتها، فقد تطرقت اليها في الجواب السابق.  

 

س:  ما السبب الذي دعاك الى ان تصبح كاهنا، واِن كان ذلك بدعوة مؤجلة من الرب شعرت بها وانت في الثلاثينيات من العمر بالرغم من امتلاكك لشهادة تؤهلك للعمل في كندا؟

 

ج: يا أخي عبدالأحد، لقد كانت هذه القضية بالنسبة لي قضية ضمير! كنت في صراع قاسٍ منذ وصولي لكندا، فقط كانت لي طموحات عديدة، ولكني كنت أمام واقع أرى فيه كنيستنا في كندا وهي بأمس الحاجة الى فعلة. كنت أزور العائلات التي أعرفها من العراق، وعائلات أخرى تعرفت عليها هنا، وكانوا يقولون لي وهم ينظرون الى أطفالهم: من سيرعى أبناءنا هؤلاء وهل تقبل أن يضيعوا في هذه البلدان؟ كان في كل كندا في ذلك الوقت ثلاث رعاة كلدان أعمارهم تزيد على الخامسة والستين، مما أبرز الحاجة الى تضحية كبرى لأجل شيء أكبر من جميعنا وهو الكنيسة المقدسة عروس المسيح الرب. لم استطع مقاومة صوت الضمير الداخلي، الذي كان الرب يناديني من خلاله قائلاً: “إن لم تكن أنت وغيرك، فمن سيخدم شعبي؟! كنت متردداً وخائفاً لكني كنت أسمع صوتاً يقول لي: لا تخف فسأكون معك!”

حرب العراق في 2003، والظلم الذي شاهدته هزني جداً وجعلني اشعر بأنني مدعو للدفاع عن العدل والحق، فقد تم تدمير بلد بأكمله تحت شعارات الحرية والديمقراطية من أجل فائدة عدد من الشركات النفطية الكبرى ومصلحة جهات معروفة. هناك شعب بأكمله دفع الثمن ولابد للكنيسة أن تكون ذلك الصوت للذين لاصوت لهم. أما العامل الثالث المساعد فقد كان موت الطوباوي يوحنا بولس الثاني وما شاهدته من تأثير أحدثه في عموم العالم من خلال شهادته للمسيح بالأعمال المبنية على المحبة.

 

س: حسب علمي فأن دراستك للكهنوت استغرقت اربع سنوات وفي دير يعود الى اللاتين في لندن اونتاريو، ارجو ان تعرفنا عن الدروس التي اهلتك لأن تصبح كاهنا. وهل كانت هنالك جهة مساهمة في دفع تكاليفها؟

 

ج: مثلما تعرف أخي العزيز أن الإعداد للكهنوت في هذه البلدان جدي جداً خصوصاً في واقع مؤسف تعرضت فيه الكنيسة الى تداعيات بسبب خروقات وامراض بعض الكهنة النفسية التي لم تؤخذ على محمل الجد في ذلك الوقت. فضلاً عن الدراسة في الدير فقد درست في واحدة من اشهر الجامعات الكندية في لندن أونتاريو، مختلف العلوم التي تؤهل الكاهن ليتعامل مع متغيرات العصر الكثيرة، كالفسلفة القديمة والمعاصرة واللاهوت بأنواعه والكتاب المقدس ولغاته، ومواضيع أخرى جديدة كفن الإرشاد الرعوي وحل المشاكل الاجتماعية وأخلاقيات الصحة، والعدالة الاجتماعية، ومواضيع متفرقة يحتاجها أي راعٍ في بلد مثل كندا وفي زمن كزمننا. وقد ساهم بشكل مباشر سيادة المطران أبراهيم أبراهيم، رغم كوني لا انتمي الى أبرشيته، بدفع تكاليف الدراسة لمدة أربع سنوات كاملة، مع أنني اضطررت لأخذ قرض حكومي بسبب المصاريف الأخرى التي كنت أتحملها نتيجة السفر الى مدن عديدة للمشاركة في اجتماعات بشأن قضية شعبنا وما شابه. وانتهز الفرصة لأعبر عن شكري الجزيل لسيادة المطران أبراهيم على موقفه الأبوي وشهادته ودعمه للدعوات الكهنوتية بشكل يثير الأعجاب. 

 

س: من الواضح ايضا، أنك لم تدرس اللغة الكلدانية والطقس الكلداني في دير اللاتين في كندا، فهل لك ان تعرّفنا على الجهة التي ساعدتك في اِتقانها أو اِن كان ذلك بمجهود فردي اخذته بنظر الاعتبار مسبقا لتصبح كاهنا لتخدم الكنيسة الكلدانية لاحقا؟

 

ج: أتذكر أنني كنت أقرأ الكلدانية بطلاقة وأنا بعمر 13 عاماً والفضل يعود للأب داود بفرو، الذي أعد جيلاً من الشمامسة الصغار، كان من بينهم ايضاً أخي العزيز الأب فارس توما، راعي كنيستنا في عموم الدنمارك. أتذكر أن الكلمة الأولى التي حفظت شكلها كانت “ساهديه” ومعناها “الشهداء” وكم عميق هو هذا المعنى، ومع مرور الزمن واظبت واجتهدت بشكل شخصي لأتمكن من فهم اللغة وقواعدها بشكل أكبر، لأصل الى مرحلة أفهم فيها ما أصلي ولا أكون كالببغاء. 

 

س: من ناحية الابرشية الكلدانية في كندا، والتي يرأسها سيادة المطران مار حنا زورا فهل لك ان تعلمنا عن حجم اعدادنا في كندا، وهل هنالك نوع من المعرفة لأبرشيتنا مع الحكومة الكندية؟.

 

ج: الحقيقة أنه ليس لدينا إحصاء دقيق، ولكن تقديراتنا قريبة جداً من الواقع في ضوء معطيات السفارة العراقية لدى كندا ووزارة الهجرة. وقد ذكر المرسوم البابوي الذي أعلن إنشاء أول أبرشية كلدانية في كندا عام 2011 أن عدد الكلدان في كندا هو 38000 ثمانية وثلاثين ألفاً. أما ما يخص معرفة الحكومة الكندية، فنعم واسم الكلدان الآن معروف جداً، الى الدرجة التي ذكره رئيس وزراء كندا مؤخراً في أحدى كلماته، فضلاً عن المرات العديدة التي تم فيها ذكر الكلدان على لسان وزيري الهجرة والخارجية ومسؤولين آخرين، والكلدان هي قومية رسمية في كل أنواع الاستمارات المعتمدة لدى الحكومة الكندية.

 

س: تتميز حضرتك برغبتك في تكوين علاقات مع المسؤولين ان كان على مستوى الكنيسة اللاتينية او على مستوى الحكومة، وهنالك علاقة ملحوظة ما بينك وبين وزير الهجرة الكندي من خلال لقاءاتكم المستمرة ومنها ذهابكم بشكل خاطف ضمن وفد الوزير الكندي لحضور مراسيم تنصيب غبطة البطريرك ساكو والذي كان أعلى تمثيل على مستوى الدول لحضور تلك المناسبة، فما المقصود من تلك الخطوة وانت منسقها وحسب علمي؟

 

ج: في الحقيقة لم أكن الوحيد الذي عمل لأجل هذه الزيارة فقد كان معي السيد ربيع اللوس، الرجل الغيور على شعبه ووطنه وكنيسته، ولا يمكن أن ننسى الجهد الكبير لسفير العراق لدى كندا، د. عبدالرحمن الحسيني. لقد تشجعت بعدما شاهدت الوزير يحضر تنصيب بابا أخوتنا الأقباط في القاهرة. كان الهدف من هذه الزيارة هو التعبير عن تضامن الحكومة والشعب الكندي مع مسيحيي العراق والشرق الأوسط، من خلال الدعم الدولي الذي يمكن ان يقدموه لقضيتهم. فمثلما تعلم أن أخوتنا المسلمين على اختلاف مذاهبهم وأطيافهم لديهم الدعم العشائري والعسكري، الأقليمي والدولي أيضاً، بينما تعليم المسيح الرب لا يجيز لنا استخدام الكفاح المسلح لأجل المطالبة بحقوقنا القومية والدينية، وفي ضوء ركاكة عمل أحزابنا السياسية المسيحية في العراق من خلال الواقع المؤلم الذي نراه، رأينا أنه لم يبق أمامنا غير تدويل قضية شعبنا وكنيستنا، وهذه الخطوة كانت على هذا الطريق.

العلاقات دائماً مفيدة ومثمرة خصوصاً لخير الكنيسة، والأنغلاق هو مرض خطير. فمن خلال العلاقات تكون كنيستنا حية وحاضرة وتسنح لها الفرص لتعلّم وتشارك بأرثها الثري، وتتعلم هي أيضاً.

   

س: وعن كلامنا بالعلاقة مع الحكومة الكندية، فقد اجريت استفتاءا رائعا في قداس لكنيسة مار توما في هاملتون حول مدى تأييد فكرة انشاء محافظة مسيحية خاصة بالمسيحيين ومعهم الاقليات الاخرى في موقع سهل نينوى وكانت نتيجة الاستفتاء، رفض هذا المقترح بالأغلبية الساحقة من الحضور، وبرأيي فقد كان موقفا صائبا وذلك للتبعات السلبية التي سترافق وجودها من قبل المحيطين بها من الكتل الاخرى الكبيرة، بالاضافة الى وجود مسيحيين اخرين في مناطق عديدة من العراق والذي لا يتوافق وهذا المطلب، فهل سيكون هنالك تاثير على رأي الحكومة الكندية بهذا الخصوص؟

 

ج: بالتأكيد سيكون له تأثير كبير على موقف حكومة كالحكومة الكندية. لقد أجريت الاستفتاء عينه في رعية أوكفل وحصلنا على النتيجة ذاتها. من المهم جداً أن يعرف الراعي من يُمثل، ويتأكد عندما يتكلم أمام المسؤولين أنه يمثل الشعب وأنه لايمثل نفسه أو أجندة خارجية معينة. لقد طرحت قبل فترة في إحدى الصحف سؤالاً للجهة التي تروج للمحافظة المسيحية، عمّا إذا كانت الحكومة الكردية ستوافق وتدعم هذا المشروع كما هو الآن، لو طالبنا بأربيل مثلاً أو دهوك مع كل وارد منفذها الحدودي مع تركيا الذي كان يذهب لسنوات طويلة لحساب عائلي. لقد قلناها علانية أمام أخينا العزيز سعادة سفير العراق لدى كندا في إحدى الاجتماعات الرسمية، إننا ككنيسة (وكان هذا بحضور أغلب كهنتنا في كندا الذين خولوني بمعية أخي العزيز الأب نوئيل فرمان أن نتكلم باسم الكنيسة) نطالب أولاً بضرورة تغيير وتعديل الدستور، وحل الأحزاب الدينية لكي يستطيع العراق أن يعيش الديمقراطية، أما في ما يتعلق بالمحافظة المسيحية، فقد قلنا أننا سنوافق على المحافظة المسيحية بشرط واحد هو أن تمتد حدودها من زاخو حتى الفاو، فالبلد بلدنا والمساومة على شبر واحد ( يتمثل بسهل نينوى) يقع في خط ومنطقة زلزالية هو خيانة لدماء شهدائنا.   

 

س: هنالك نوع من التناقض ما بين البعض الذي يدعو الى احتواء هجرة المسيحيين من العراق وعلى رأسها البطريرك مار لويس روفائيل الاول ساكو. وهنالك من يشجع على تهيئة الظروف المناسبة للآسراع بهجرتهم خارجا ومنها كندا، فما هو رأيك في الحالتين؟

 

ج: يا أخي هذه هي مشكلتنا، أننا دائماً نكون على أحد طرفي النقيض. في رأيي المتواضع، وأنا أؤمن بهذا ايماناً مطلقاً أن لوجودنا في العراق والشرق الأوسط عين الأهمية لوجودنا في المهجر. فكنيستنا لا تعرف الحدود وهويتها لا ترتبط بالأرض. دعني أثبت لك ذلك. نحن الآن ليس لنا دولة مستقلة، وأصبحنا شتاتاً في الأرض بأسرها، إذ لنا كلدان حتى في باكستان، ولكن هل فقدنا هويتنا؟ بالطبع كلا. ولذلك أتمنى أن تكون هناك ستراتيجية (خطة طويلة الأمد) تنظر لواقع كنيستنا وشعبنا من منظارين مكملين لبعضهما، وهما الوجود المسيحي في بلدنا الأم والوجود في المهجر. لو كانت الهجرة خطراً وخطأً في آن واحد لما انتشرت المسيحية في العالم، عن طريق الذين هاجروا من أرضهم الأم الى أصقاع المعمورة. لهذا علينا أن ننظر للهجرة على أنها رسالة عيش إيماننا وأرثنا الايماني والثقافي والحضاري في بقعة أخرى من العالم وليس ترك كل شيء ورائنا والأنصهار في الحياة الغربية. المشكلة هي في بلدان مثل أميركا يجبر فيها النظام الاجتماعي الجميع على الانصهار، ولكن في بلدان مثل كندا، يشجع الدستور على أحياء الهوية والموروث داعياً جميع الأعراق للاحتفال بهذا باحترام من الجميع للجميع. لولا الهجرة لما أمكننا أن يكون لنا أبرشية كأبرشية مار توما الرسول في أميركا، مع أن ما تحقق الى الآن هو جزء يسير من الطموح والأمكانيات الموجودة. لولا الهجرة لما استطعنا أن نتعاون في إفهام الحكومات الغربية كمواطنين في شعوبها، مظالم شعبنا ومعاناته الطويلة في محاولة لخلق دعم دولي لقضيته.

الحقيقة التي ننساها دائماً هي أننا مهما فعلنا ومنعنا، فسيكون هناك مسيحيون يغادرون العراق، ومهما سوّقنا للهجرة فسيكون هناك مسيحيون باقون في العراق، صحيح أن النسب قد تختلف ولكن الحقيقة هي ذاتها.    

 

س: تم تشكيل دائرة في كندا للدفاع عن الحرية الدينية والأقليّات في البلدان التي تحكمها أديان ذات الغالبية والتي لا تتوافق مع حقوق الانسان، فما هي الفائدة المرجوة من ذلك والذي ينطبق على الاقليات الدينية من المسيحيين واليزيديين والصابئة وغيرها والتي معظمها يعيشون في الشرق الاوسط. وحيث امورهم تتفاقم نحو الاسوأ في ظل ما يسمى بالربيع العربي ان كان كذلك؟

 

ج: الحقيقة أن هذه الدائرة لا تعنى فقط بالبلدان التي فيها أقليات مضطهدة، بل هي للدفاع عن الحرية الدينية في العالم. مشكلة الإنسان بقيت كما هي، وجميع الأديان تدعي أنها على صواب وأنها الدين الحق، الى الحد الذي يجعلها تق*ت*ل. لقد وصلنا الى مرحلة لا نستطيع فيها أن نقبل إكراه أي إنسان أو وضعه تحت اي نوع من الضغط للدخول في دين معين أو عدم تغيير دينه، فالله خلق الإنسان بكرامة الحرية وحرية الكرامة، ولأنه لا يجبر الإنسان أن يؤمن به، مع أنه يستطيع، على الإنسان أن يكون مثله. إجبار البشر على البقاء في ديانات لم تعد تجيب عن تساؤلاتهم، أو عدم تغيير أيمانهم هو خطيئة جسيمة ضد كرامة الإنسان وحقوقه، فضلاً عن أنها خطيئة جسيمة ضد كرامة الله نفسه.

هذه الدائرة سترصد وضع الحريات الدينية في العالم، لكي تعمل من خلالها حكومة كندا على بلورة موقف دولي ضاغط وواضح باتجاه تشجيع أحترام الإنسان وحقوقه بكل معنى الكلمة. لا نريد أن نكون متناقضين، كما أصبح الربيع العربي، فقد حمل أسماً جميلاً ولكن الواقع الذي سببه كان كالشتاء المليء بالسيول والأمطار والبرد والظلام!

 

 

المحورألثالث/ الكنيسة الكلدانية ومستقبلها

 

 

س: وأخيرا استبشرنا خيرا بأنتخاب بطريرك جديد لكنيستنا الكلدانية، وقد كان اختيار البطريرك مار لويس روفائيل الاول ساكو مناسبا وحسب الظروف التي تحيط بشعبنا الكلداني في العراق خاصة، وذلك لما له من امكانات لتكوين علاقات مع اطياف الشعب العراقي، خصوصاً عندما كان رئيساً لأساقفة أبرشية كركوك الكلدانية، فبرأيك مالذي يستطيع فعله للمحافظة على الوجود الكلداني في بلدنا العراق؟.

 

ج: نعم، نشكر الله على نعمة البطريرك الجديد، الذي نعرفه حق المعرفة ونحن نستبشر به خيراً، لا فقط على مستوى الكنيسة بل العراق، مع أن وضع العراق أصبح معقداً جداً وهو أكبر مما قد نتصور.

الأمر الأول والأخير الذي يمكن لأبينا البطريرك أن يشجع من خلاله أبناءنا، لا الكلدان فقط بل مسيحيي العراق بشكل عام، أن يكون له حضور قوي وفاعل، يحسب له الف حساب على الساحة العراقية. وعندما أقول الساحة العراقية، فأنا أقصد مختلف مجالاتها، الدينية والثقافية وحتى السياسية. أؤمن شخصياً بأننا، ومع تعقيد المشهد السياسي العراقي، لنا القدرة إذا ما خططنا وعملنا بشكل صحيح، للحصول على حقوقنا كاملة بل حتى لاحتواء أية حكومة، إذا ما شذت عن الطريق، مع أننا أقلية عددية. وأهم وسيلة لكي يكون لنا هذا الدور وهذه الأمكانية هي تدويل قضية شعبنا، والحضور الدولي الذي يجب أن نعمل جميعاً لتحقيقه.   

 

س: رفع غبطة البطريرك شعار، الاصالة والوحدة والتجدد، فما هي المعايير المطلوبة التي يجب ان تتوفر والتي يرتكز عليها غبطته لتطبيقها وعلى مستوى شعبنا الكلداني؟.

 

ج: المعيار الأول هو الانفتاح، فالأصالة ليست أصالة إن لم تكن ترسيخ هوية الانتماء، وهذه الهوية لا تظهر ولا تشع إلا بوجودها بين هويات أخرى. الانغلاق مرض خطير، والشعب أو الدين الذي يحاول دائماً إلغاء الآخر، فإنما يعيش ويعكس عقدة النقص في المركّب الفكري والنسيج الاجتماعي. من خلال هذا المعيار سنستطيع أن نرسخ لا الاصالة فقط بل الوحدة والتجدد أيضا، لأننا سنتعلم كيف نحترم الغير الذين سبقونا في مجالات معينة، وعلى جميع الشعوب أن تدرك أن الحضارة التي لم تأخذ وتعطي بل أعطت فقط هي حضارة مريضة.

المعيار الثاني، حسب ما أرى هو الحوار (وليس النقاش)، فالأصالة تتطلب الإدامة وهذه الإدامة لن تتحق إلا بالحوار المتواصل سواء أكان حواراً داخل البيت الكلداني، ككنيسة أو مؤسسات قومية أو حواراً مع الأطياف المسيحية أو الأديان أو المؤسسات السياسية أو الشعبية الأخرى. وإن تكلمنا عن الحوار، علينا أن نتذكر دوماً أن الحوار لا يتوفر إلا وهناك أرضية مشتركة ولغة مشتركة وإن لم تتوفر، فمسؤوليتنا هي توفيرها، لأن الحياة بدون حوار تصبح مسلوبة الجوهر!

ولكي نميز بين الحوار والنقاش، فالحوار هو التواصل الذي لا يهدف الى تغيير عقلية المقابل أو عقليتنا عنوة أو حتى بالحجة والمنطق، بل هو ذلك التواصل الذي يعرض فيه الإنسان فكره ويشارك بإرثه الحضاري والثقافي والأيماني باحترام نحو الجميع، وإذا كان التغيير بالنسبة لأي طرف من المتحاورين احتمالاً، فسيكون هذا التغيير نتيجة تحول راقٍ ناتج عن قناعة تامة مبنية أساساً على احترام المقابل.

المعيار الثالث هو الشفافية، فتحقيق شعارات مثل هذه يرتبط بتغييرات إصلاحية عديدة، ولن ترَ هذه التغييرات النور إلا من خلال إعادة ثقة ابناء البيت الكلداني بالمؤسسة الكنسية، وأهم معيار لإعادة هذه الثقة هو الشفافية، خصوصاً في هذه المرحلة من تاريخ البشرية، التي يدعو فيها الله الكنيسة لكي تشهد له بأمانة وروح الأنجيل، وسط الفساد الإداري والظلام المستشري في العالم، ولكن في بلدنا العراق بشكل خاص.

المعيار الرابع، المحافظة على استقلالية الكنيسة، وإيقاف كل أنواع المعونات المادية التي تتهافت الأحزاب والمنظمات السياسية لتقديمها ليس لسواد عيوننا بل لغاية في نفس يعقوب! الحل هو في محاولة البدء بخطة طويلة الأمد لمشاريع كنسية تنموية بدعم كنسي صرف، تكون في المستقبل مصدراً مؤمَناً لواردات تحفظ كرامة الكنيسة وتصون استقلاليتها.

 

س: هناك قضية مهمة يتطلب حلها وفي اقرب سينودس قادم والمتعلقة بالمطران مار باوي سورو العائد لكنيستنا. وقد علمنا بأهتمام وتقرّب اهالي ابرشية مار بطرس الكلدانية في سان دياكو التي يعمل فيها حاليا وبمعية المطران مار سرهد جمو راعيها بسيادته، فهل هنالك امكانية منحه ابرشية وذلك وفق امكانياته المؤهلة لذلك. وانا اعتبرته في احدى مقالاتي بأنه سيكون نواة الوحدة ما بين الكنيستين!.

 

ج: مع أنني لا أريد الخوض في هذا الموضوع لأنه من اختصاص السينودس، ورغم الاحترام الكبير والمحبة الفياضة اللتان أكنهما لسيادة المطران مار باوي، لكني أعتقد أن المشكلة هي ليست في إعطاء أبرشية أو لا. السؤال الحقيقي الذي علينا أن نسأله هو: ماذا بعد المطران باوي؟ لنفترض أنه تسلم رعاية إحدى الأبرشيات الكلدانية، وماذا بعد؟ حقيقة، أنا أتمنى أن لا تكون قراراتنا ردود أفعال وقرارات عاطفية، بل أن تكون أفعالا مستندة الى أرضية خصبة. إن التخبط الموجود في العلاقة بين شقي كنيسة المشرق الكلدانية والنسطورية (الآثورية ومن ثم الآشورية)، يجب أن ينظم، فإن وافقنا على ضم سيادة المطران مار باوي الى المصف الاسقفي الكلداني، علينا ألا نعلق أبداً ولا نعترض على قبول أخوتنا في كنيسة المشرق الآثورية لكهنتنا الكلدان الذين اصبح عددهم كبيراً والذين لم يلجأ العدد الأكبر منهم لذلك (الحل) قناعة منهم بالإيمان النسطوري ولكن لأسباب معروفة! أنا أرى أن علينا أن نجلس ونتحاور بهدوء لنصل الى نظام مبني على احترام الطرفين لبعضهما وانفتاحهما على بعضهما البعض وأن يكون لنا الشجاعة أن نرجع الى إيمان الكنيسة الأولى، بما فيها كنيسة المشرق منذ اليوم الأول، قبل أن يكون هناك نساطرة أو كاثوليك أو أورثوذكس. وإذ أقول هذا فإنني أؤمن أن للشعب دور كبير في الوحدة في تصحيح أخطاء الكراسي، فلقد تغير الزمن وعلينا أن نستفاد مما توفره هذه المرحلة من امكانيات.    

 

س: حُكي كثيرا عن احتمالية التقارب ما بين كنائسنا المشرقيّة في العراق، لما لها من تاريخ مشترك بالاضافة الى الطقس واللغة والدرجات الكهنوتية المشتركة ايضا. ولكن الاختلاف كان في المذهبية عندما انفصل البطريرك مار دنخا الثالث عشر من السلالة الشمعونية في القرن السابع عشر ليعيد اتباعه للهرطقة النسطورية في قوجانس/ تركيا. وكنيستنا ملتزمة بكاثوليكيتها الجامعة، فما هي الامورالتي يمكن ان تدعونا لنوع من التقارب او الوحدة بين الكنيستين.

 

ج: أحقاً تسألني هذا السؤال يا أخي عبدالأحد؟ بالتأكيد، المسيح الرب هو من يوحدنا، فالمسيح واحد، وبعض آباء الكنيسة الأولى يتأملون في لباسه الذي كان يلبسه قبل الصلب ويقولون انه كان رمز للكنيسة، إذ كان منسوجاً وقطعة واحدة، وهكذا علينا أن نتأمل واقعنا من هذا المنظار، وأن نصلي ونعمل لأجل الوحدة المسيحية. لقد قلت في إحدى كرازاتي وربما تذكر يا أخي عبدالأحد، أن الشماس أو الكاهن أو الاسقف الذي لا يصلي ويعمل لأجل الوحدة المسيحية هو ليس بخادم للمسيح.

لماذا حدثت الانقسامات؟ لأننا لم نعد ننظر للمسيح وأصبحنا ننظر يميناً ويساراً لنرى أمواج هذا العالم فبدأنا بالغرق. وأنا أحب كثيراً هذه القصة التي ترد في الإصحاح الرابع عشر من الأنجيل بحسب متى، حين مشى بطرس وهو الخاطئ، على المياه لأنه كان ينظر للمسيح، ولكن بمجرد أن أدار نظره عن المسيح، بدأ يغرق، وهذا حال الكنيسة الآن. الحل بسيط، لننظر مجدداً للمسيح ونخلي ذواتنا ولنرى عجائب الله فينا!.
نحتاج الى أفق واسع وروح الله لكي يملأنا ويجدد الدعوة لنكون واحدا لأن الراعي واحد. واحدى مشاكلنا الكبرى اننا لانفهم ضرورة الاختلاف احيانا لأننا غالبا ما نحول هذه الاختلافات في الآراء او المعتقدات الى عداء شخصي أو ديني أو اجتماعي أو قومي.

أحببت كثيراً مبادرة غبطة ابينا البطريرك ساكو في قداسه الأول بعد التنصيب في بغداد، إذ وعد بأن يحتفل المسيحيون العراقيون سوية في عيد القيامة 2014، وسط استغراب واندهاش الجميع عن الكيفية التي سيتحقق بها هذا الامر! فقال غبطته، إن كان أخوتنا الأرثوذكس يحتفلون معنا بعيد الميلاد، فعلينا أن نحتفل معهم بعيد القيامة. إن مبادرات كهذه يا اخي عبدالأحد، والتي تأتي رغم كون نسبة الكاثوليك في كنيسة العراق تزيد على 90%، تعبّر عن إرادة صالحة ورغبة حقيقية وصادقة وخطوة نحو الوحدة المسيحية، ونصلي من كل قلوبنا أن يتحقق هذا الوعد.        

 

 

المحور الرابع/ أسئلة واقعية تحتاج الى أجوبة صريحة

 

 

س: بعد قطيعة لبعض ابناء الجالية لكنيسة مار توما الرسول في هاملتون ولمدة تقارب السنتين ولأسباب كان يمكن معالجتها وبطريقة اكثر حضارية، والذي احدث فتوراً لبعض ابنائها وبالاخص الشباب منهم في التعلّق بكنيستهم الأم،  وما يقتضيه ذلك من الكاهن الراعي الحالي بأن يبذل جهودا اضافية لردم الهوة الحاصلة ما بين الجالية والمؤسسة الكنسية من جراء ذلك، وذلك بأقامة نشاطات دينية متعددة لهم من خلال اعداد المحاضرات وندوات اضافية والرياضات الروحية والاخويات متعددة بالاضافة الى التعليم المسيحي وعلى مراحل سنيّة مختلفة. وسؤالنا ينحصر حول ما اذا كنت راضياً لما قدمته لرعية مار توما وبالحد الممكن الذي يفي ما ذكرناه اعلاه، وكذلك في ما يخص رعية مار بطرس ومنذ استلامك للمهمة في منتصف سنة 2011 ولحد يومنا هذا؟

 

 ج: الحقيقة انه ومع التقدم الكبير الذي احرزناه كرعية لمعالجة الجراح التي حدثت في الماضي إلا ان طموحي هو اكبر بكثير مما تحقق. صحيح أننا نجحنا بنعمة الرب في جمع الرعية من جديد ومعالجة بعض الجراح التي وصل بعضها الى أبناء العائلة الواحدة، وصحيح أن عدد المؤمنين الذين يشاركون في القداس الإلهي تضاعف حوالي عشرة مرات وان هناك اخويات للشباب والكتاب المقدس فضلا عن التعليم المسيحي والتناول الأول وصحيح أن الميزانية تضاعفت بشكل ملحوظ خصوصا من خلال النظام المالي الشفاف والدقيق الذي تبنته الخورنة وهذا النمو في الموارد يعبر بشكل اكيد عن التزام المؤمنين بدعمهم لمسيرة الإصلاح ورغبتهم ان يروا كنيستهم وهي تلك المؤسسة التي يفخرون بها، إلا أنني أدرك أننا لا زلنا في بداية الطريق، لأن هم الراعي الأول والأخير يجب أن يكون خلاص النفوس، وأرى أن لدينا جميعاً ضعف في قبول هبة الايمان وعيشها وإنمائها.
اعود لنقطة الشباب وتركيزك عليهم في السؤال الذي طرحته اخي عبدالأحد وانت محق فقد كانت مهمة صعبة ان تعيد الثقة لهؤلاء الشباب بمؤسسة الكنيسة وان توجه انظارهم الى المسيح الرب وتعتقهم من تأثيرات عائلية تريد ان تبقيهم في واقع الانقسامات، واشكر الله على ما تحقق لكن الطموح كما قلت لك، يبقى اكبر بكثير وبالتأكيد، كان الوضع سيكون افضل لو كانت لي رعية واحدة وليس رعيتين.

س: يلاحظ من خلال ادائك لواجباتك الدينية هو ترددك خارجا عن حدود رعيتك قاصدا مناطق مختلفة من اونتاريو ومنها مسيساكا وتورنتو بالذات والتي تقع من ضمن رعية تورنتو، والتي تأخذ من وقتك وعلى حساب نشاطات  كنيسة مار توما الرسول. فهل يعود ذلك الى  وجود اهمال لتلك المناطق التي قد لا تحظى بأهتمام سيادة المطران يوحنا زورا، لكونها كبيرة وتفوق قابليته في ادارتها ام ان هنالك رغبة من الجالية في تلك المناطق لدعوتك بخدمتهم في اقامة قداس او المراسيم الدينية الاخرى لهم. وهل هنالك توافق مع ادارة الابرشية بهذا الخصوص؟.

 

ج: هذه المسألة أخي عبدالأحد هي أيضاً قضية ضمير. فأنا أقرب كاهن كلداني جغرافياً من مدينة تورنتو التي يعيش فيها وعلى أطرافها ما يزيد على 25000 من ابناء كنيستنا، وراعي الأبرشية، الشيخ الوقور والمصلّي الورع، مار حنا زورا لا يستطيع مهما فعل، مع غيرته ورغبته الصادقة في الخدمة، أن يروي ظمأ المؤمنين جميعهم، خصوصاً من أصبح منهم يتكلم الأنكليزية كلغة رئيسة، أو الطبقة المثقفة (وهي تمثل غالبية ابناء شعبنا) التي لم تعد تتقبل الكلام التقليدي والاحتفال بالليتورجيا (القداس ومختلف الأسرار) بشكل لا يفهموه ولايشرح الرموز والمعاني وبشكل لا يوظف لغة كرازة جديدة دعا إليها الطوباوي يوحنا بولس الثاني في الألف الثالث، إذ كان يؤكد على الكنيسة بحاجة اليوم لكارزين مقنعين بتعليم المسيح، وتعليم الكنيسة الاجتماعي.

في البداية، كنت أرفض تقديم اية خدمات لكوني بالكاد أستطيع أن أخدم الرعيتين الموكلتين إلي، ولكن بعد أن حدثت حالات ذهب من خلالها أبناؤنا الى كنائس أخرى، أضطررت وأضطر لتقديم بعض الخدمات لتلك المناطق. ولدينا وثائق واحصائيات مؤسفة عن لجوء عدد كبير يصل دون مبالغة الى أكثر من 600 من عائلاتنا الكلدانية في تلك المناطق الى كنائس شقيقة أخرى وتسجيلهم رسمياً فيها، لا بل أن البعض ارتسموا شمامسة وخدام في تلك الكنائس. صحيح أن المسيح الرب واحد، ونحن نعمل لأجل الوحدة الكنسية، ولكن إن ترك أحد بيته وبدأ يعيش في بيت اخيه، فهذا بالتأكيد دليل على وجود خلل في بيته وإلا لماذا تركه!  وجواباً عن السؤال الأخير، فللأسف ليس هناك سياسة عامة للأبرشية وتنظيم أبرشي لحد الآن، وعملنا اجتماعاً واحداً فقط ككهنة خلال هاتين السنتين مع راعي الأبرشية، وبعدم وجود سياسة معينة ونظام معين، نعمل كرعاة كل حسب اجتهاده بما يمليه علينا ضميرنا. لكن الأمور لا يمكن أن تبقى كذلك والتغيير قادم لا محالة.

 

س: من الملاحظ هو امتلاكك قابلية التحول بين اللغات الثلاثة (السورث الكلدانية،العربية والانكليزية)  لأتقانك لهذه اللغات وبصورة جيدة جدا، وذلك اثناء تلاوتك لفقرات قداس الاحد وكأنك تقسم القداس على هذه اللغات بصورة متساوية تقريبا.  ولكن يكون ذلك على حساب زيادة الوقت وقد يستغرق القداس الذي تقيمه بحدود الساعة والنصف ومن ضمنها التعليمات والارشاد والوعظ. ومع ذلك هنالك من يدعي بانه يسمع ثلث القداس من الذين يعرفون لغة واحدة ان كانت السورث او العربية، ولا اعرف ان كان ذلك مقبولا، وما السبب في عدم اقامة قداس اخر وبلغة موحدة بالرغم من اعلانك سابقا عن امكانية ذلك؟.

 

ج: اشكرك أخي عبدالأحد على طرح هذه النقطة، وللجواب فهناك شقين: الأول يتعلق بطول القداس ذي اللغات الثلاث، وهذا الأمر لن يُحل إلا في حالة شراء كنيسة وأقامتنا ثلاث قداديس كل بلغة مستقلة، مثلما كان الحال في وندزر بعد رسامتي الكهنوتية. أما عمّن يفهم ثلث القداس فقط، فالنسبة قليلة جداً وعلينا أن نحمل أثقال بعضنا البعض حتى يصبح لنا كنيستنا.  وجواباً على الشق الثاني المتعلق بسبب عدم أقامة قداس آخر، فهو عدم توفر الوقت المناسب لأننا وبسبب استئجارنا لكنائس لاتينية لا نُعطى إلا ما يفضل من أوقات الكنائس، مع أن لي قداس كامل باللغة الأنكليزية للشباب في أوكفل مرة واحدة في الشهر ومن المؤمل أن يصبح قريباً مرتين في الشهر.  

 

س: كلنا يعلم وحجم المشكلة التي نعانيها من عدم امتلاكنا لكنيسة، وما يسبب ذلك من منيّة اصحاب الكنيسة المؤجرة لكثرة ملاحظاتهم وذلك بسبب الاختلاف الثقافي بيننا وبين الغربيين. ولا اعرف ان كانت هنالك فرصة قريبة لشراء كنيسة وحسب المعطياة المطلوبة بأن تكون كبيرة، وقياسا لأمكانيات رعية كنيسة مار بطرس في اوكفل التي باشرت بشراء الارض لبناء الكنيسة والتي تتطلب مبالغ لا اعتقد ان الرعية في هاملتون تستطيع مجاراتهم في ذلك، والبديل المناسب لهم يفضي لشراء كنيسة جاهزة.  فهل هنالك حل يلوح في الافق لهذه الازمة؟.

 

ج: الحقيقة يا اخي العزيز، وانت على دراية بالتفاصيل لأنك احد ابناء الرعية، اننا درسنا طرقا مختلفة بخصوص حل هذا الوضع وعلينا ان نتحلى بالصبر ولكن هذا لا يعني ان نتراخى وننتظر فقط.
توقعاتنا انه ستتوفر بناية كنيسة تلائم احتياجاتنا في هاملتون خلال فترة سنتين او ثلاث ولكن مع ذلك نحن ندرس ونفكر بشكل متأن وجدي في آن واحد بمشروع شراء ارض او بناء كنيسة خاصة بنا في هاملتون. في اوكفل كان الوضع مختلفاً، فلم يكن شراء الارض والبداية من الصفر خيارا اذ ان المدينة هي حديثة ولن تتوفر كنائس للبيع، لذا كانت القضية بالنسبة لنا ان نكون او لا نكون. أما ما يتعلق بالأمكانيات المالية لرعية هاملتون، فأنا أتفق معك ولكن لدي ثقة كبيرة في عين الوقت في دعم المؤمنين للمشروع والاساليب المالية الحديثة التي نتبعها، إذ أن رعيتي هاملتون وأوكفل هما الرعيتان الكلدانيتان الوحيدتان في عموم كندا، اللتان بدءا تتبعان اسلوب التبرع الألكتروني من أبناء الرعيتين، وذلك من خلال سحب مبلغ معين يكون عادة صغيراً ومعقولاً بشكل ألكتروني من حساب الشخص أو العائلة بشكل شهري الى حساب الكنيسة، وهذا النظام المالي سيشكل بالتأكيد دعامة مالية رصينة لأي مشروع مستقبلي.   

 

س: أبتي، هل لك رأي في التنظيمات والاحزاب الكلدانية؟ وهل تعتقد بأن الكنيسة يجب ان  يكون لها دور في اسنادهم؟، وكما هو الحال مع باقي الكتل الاخرى التي مرجعياتها تلازم العائدين لها وعلى مستوى التنظيمات والاحزاب. ولكن هنالك تهميش حاصل بخصوص الكلدان من المحسوبين علينا لأستفادتهم النفعية الخاصة مستغلين صفة الدين التي تجمعنا معهم، وكما هو واضح في الواقع الحالي للأخفاقات التي لاحت بمسيحيي العراق وبالاخص الكلدان الذين يشكلون اكثر من 75%من مسيحيي العراق.

 

ج: (يتنهد وبشدة) هذه التنظيمات والأحزاب هي وليدة الشعب، وهذا الشعب هو الكنيسة، ولذلك كل ما تشاهده في الكنيسة يا أخي عبدالأحد من مشاكل، تشاهده أيضاً من خلال الأحزاب. فالانقسامات والتكتلات والمصالح هي واقع لا يمكن لأحد نكرانه. لماذا لم يكن لنا مشكلة في تحقيق حضور كلداني فاعل على مستوى كندا كبلد، وهو أصعب حتى من تحقيق هذا الحضور في بلد كالعراق هو بلدنا أصلاً؟! ففي كندا تعيش أكثر من 150 إثنية وقومية، ومع ذلك استطعنا تحقيق هذا الحضور الفاعل. مشكلة الكلدان في العراق وكانت ولا تزال ضعف الإعلام والعلاقات وافتقار الأشخاص الممثلين الى الوسائل التي تجعل حضورهم فاعلاً. مع ذلك فأنا على ثقة أن الوضع سيتغير في عهد أبينا البطريرك ساكو، وعلينا أن ندعم كل الجهود المخلصة في هذا الصدد. أنا اؤمن أن الكنيسة بثقلها الشعبي، كونها هي الشعب أولاً وأخيراً، وأيضاً بثقلها المؤسساتي من خلال دور الأكليروس في تنمية العلاقات مع صانعي القرار على المستويات كافة، لها دور فاعل في دعم تنظيماتنا واحزابنا السياسية.

وأمام محاولات التهميش والإلغاء التي يواجهها الكلدان، هنا وهناك، أود أن انتهز الفرصة لأؤكد نقطة ربما ستكون مكررة، وهي أن من يحاول إلغاء الآخر(حتى وإن كان هذا الآخر وليد يوم واحد)، يعاني دائماً من عقدة النقص، على المستوى الفكري والاجتماعي والعقائدي، وهو يعمل ضد قانون الطبيعة الذي هو قانون لله ضمنياً، فالله خلقنا مختلفين، وهو يدعونا أن نعيش الوحدة من خلال التنوع، والتنوع في الوحدة. 

 

س:  واخيرا، ماهو طموحكم بخصوص الكنيسة الكلدانية في كندا، وماهو طموحك الشخصي والذي تريد ان تصله وبأقرب فرصة ممكنة؟

 

ج: طموحي أن أرى كنيستنا شابة، حية، نقية، وقوية تشهد للمسيح وتعطي الرجاء لأبنائها وسط هذه الثقافة الغربية. أتمنى أن ارى هذه الكنيسة العريقة، وهي تصبح كنيسة مؤسسات وفكر وتنظيم، والأهم كنيسة شهادة، وليست كنيسة مُلائية كما كانت لعهود طويلة، فلقد تغير الزمن والذي لا يتغير لن يجد من يحمله لأنه سيبقى وحيداً، ويقول الكتاب المقدس، ويلٌ للذي وحده لأنه إذا سقط فليس آخر ينهضه!

أما عن طموحي الشخصي، فأتمنى أن يكون لي وقت أكثر بكثير مما لي الآن للصلاة والتأمل الشخصي، فأنا أشعر بعطش جياش لله، وكأن قلبي صحراء قاحلة. يستغرب الكثيرون من هذا الكلام عندما يروني فرحاً دائماً وأعامل الجميع بلطف واحترام كبيرين مما يعكس بالتأكيد نعمة الله، لكني اشعر بهذا الجوع والعطش الى ان أكون قريباً أكثر من الله. الحقيقة أنني اتمنى لو كان باستطاعتي التقاعد الآن لكي أتفرغ للصلاة والتأمل والتأليف والموسيقى! ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه… وبدل الرعية رعيتان!!!    

 

 

انتهت المحاور،  ولنا بسؤال أخير عابر !

 

 

س: بالرغم من كونك عينكاوي ومن عائلة المالح ولكن الملاحظ ان لهجتك “السورث” الكلدانية هي مقاربة للهجة المانكيشية.  وحسب علمنا فأن ذلك يتأتّى من العشرة الطويلة مع المانكيشيين في العراق وايضا في كندا وبالاخص في خورنتك الحالية في هاملتون والتي يشكلون الغالبية فيها.. (وراك وراك). وعليه نقترح إعادة تعميذك في بركة الكورنكة (عين ماء في مانكيش) وبالاستئذان من اهالي عينكاوا طبعا، فماذا تقول؟

 

ج: (يضحك) كما تعلم يا أخي عبدالأحد أن المعموذية الثانية هي غير صحيحة في التعليم الكاثوليكي، فيقول الرسول بولس، رب واحد، إيمان واحد، معموذية واحدة! لكني أود أن أنتهز الفرصة لأجدد محبتي واعتزازي بأهلي من المانكيشيين الذين اشعر فعلاً أنني واحد منهم، وللمعلومات فإن الكرمليسيين في رعية أوكفل بدأوا يعتبرونني منهم أيضاً، وكذلك أخوتنا الموصليين الأصلاء، وإن دل هذا على شيء فإنما على حقيقة أن الكاهن قد أخلى ذاته ناسياً حتى أصله وعائلته، لأن شعب الله الذي ولد من رحمه والذي يخدمه، هو أصبح عائلته الجديدة.

 (الكاتب عبد ألأحد قلو): في نهاية هذه المقابلة الشيقة، لا يسعني الا ان اقدم شكري الجزيل، لما اغنيتنا به من معلومات قيمة حول مجمل القضايا المطروحة في هذه المحاور، طالبا من سيدنا المسيح ان يمدك بالصحة وطول البال في سبيل خدمة رعياتنا الكلدانية في كندا مع محبتي وتقديري لأبوّتكم لنا جميعا.

(الأب نياز توما): شكراً لك أخي العزيز على هذه المقابلة وأنا أجدد اعتزازي بك والرب يباركك دائماً.

                                  

 

 

                                         أجرى الحوارالكاتب الكلداني /عبدالأحد قلو

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!