مقالات دينية

وليمة ملكوت الله

وليمة ملكوت الله

بقلم / وردا إسحاق قلّو

( طوبى لمن يتناول الطعام في ملكوت الله ) ” لو 16:14 “

    قبل أن ندخل في موضوع الوليمة علينا أن نتعرَف على معنى كلمة ( الملكوت ) وعبارة ( ملكوت الله ) لكي نستطيع أن نميّز بين المعاني الكثيرة التي تقصدها ، وخاصة ملكوت الله الذي قال عنه المسيح بأنه حاضر بيننا ( لو 21:17  و مت 28:12 ) . قبل أن نطلب ملكوت الله علينا أن نطهر ذواتنا لكي نعيش حياة التقوى في القلب ( مت 32:6 ) وبعدها نطلب ملكوت الله وبره . فالملكوت هو هيمنة الله على ذواتنا بسبب محبتنا له لأنه سيكون مسكننا الأبدي . المحبة تملك القلوب ، فنحب أولاً  كل الناس الذين نلتقي بهم ، ومن خلالهم سنحب الله الذي لا نراه ( طالع 1 يو 20:4 ) فعندما نشعر بأمتلائنا بمحبة القريب ، سنشعر بوجود الله في قلوبنا وفي عقولنا .

نطالع بعض النصوص الإنجيلية فنجد فيها عبارت ( ملكوت الله ) و ( ملكوت السموات ) . اليهود الأتقياء كانوا يتجنبون من ذكر أسم الله لأنهم كانوا يهابونه لهذا استخدموا لفظة ( أدوناي ) أي السيد الرب ، أو لفظة ( آلوهيم ) أي الله ، وهنا نجد أن العرب على طرف نقيض مع اليهود ، إذ يكثرون من ذكر أسم الله بلا خوف .

بعد هذه المقدمة عن ملكوت الله علينا أن نتابع خطوات الإنسان نحو الملكوت منذ أن خلقه الله في جنة عدن ، وبعدها سقط وطرد منها ، ومن هناك اتجه برحلته للعودة إلى الله ، فانتقل إلى جبل صهيون لكي يعبد الرب ، ويحاول مجاهداً لمغفرة خطاياه للعودة إلى الله ، والله تجسد لأجله لكي ينقله إلى مكان آخر ويسكنه في بيته الذي بناه بدمه على الصليب وهو الكنيسة ، والكنيسة هي ملكوت الله على الأرض ، بل هي صورة للملكوت في السماء التي غمرها بحبه وأعتبرها عروسته ، فخطبها خطبة سرية وأفتداها بآلامه على طريق الجلجلة وعلى الصليب وجعلها سر الأزمان والأجيال ، وترك لأبنائها جسده ودمه في سر رهيب لا تدركه العقول ودعى الشعوب إلى وليمة عرسه في الكنيسة إنها وليمة فصحه التي اقترنت بصليبه عربوناً وباكورة لوليمة الملكوت وضمانة للخلود.

بدأ يسوع بتأسيس كنيسته وأسرارها ، وخاصة سر الإفخارستيا الذي يشير إلى وليمة الملكوت ، أسسه في يوم خميس الأسرار عندما قال لتلاميذه ( إني لا أشرب بعد اليوم من نتاج الكرمة هذا حتى يأتي اليوم الذي فيه اشربه معكم جديداً في ملكوت أبي ) ” مت 29:26 ” . مات المسيح على الصليب وصعد إلى السماء وجلس عن يمين القدرة ليشفع لعروسه التي لا تزال في رحيل خروجها من هذا العالم ، ولا يزال يقدّم ذاته من خلال الأفخارستيا كذبيحة غير دموية فزرع قيامة لجسده السري المنتشر في كل كنائس العالم ، وهكذا نسير بفرح لا يوصف نحو المدينة السماوية المقدسة بقوة الصليب الذي وسِمنا ، وثبتنا به يوم عمادنا وتثبيتنا ، وسيظل كدليل طوال مسيرتنا نحو الملكوت .

يسوع يصور لنا ملكوت الله بالأمثال ، قال أحد الجالسين على الطعام مع يسوع ( طوبى لمن يتناول الطعام في ملكوت الله ) ” لو 16:14 ” . أما يسوع فَمَثل ملكوت السموات بملك أقام وليمة في عرس ابنه ، فأرسل عبيده ليدعوا المدعوين إلى العرس فأبوا أن يأتوا …. فغضب الملك ( وانتقم ) … ثم ارسل عبيده إلى الطرقات

ليأتوا بالفقراء والكسحان والعميان والعرجان لكي يمتلىء بيته . ” أي علينا أن ندعوا اللذين لا يستطيعون أن يكافؤنا بوليمة مماثلة لكي تكون مكافئتنا في يوم الدينونة ” .

كما على الذي يحضر الوليمة أن يكون مستعداً لابساً ثوباً يليق بالأحترام لصانع الوليمة الذي دعاه وإلا سيطرده ، كما تقول الآية ( يا صاحبي ، كيف دخلت إلى هنا وأنت لا تلبس ثوب العرس ؟ ) ” مت 12:22 ” . كذلك شَبّهَ يسوع عرس الملكوت بعشر عذارى أخذن مصابيحهن لملاقات العريس ، وكانت خمس منهن حكيمات ، وخمس جاهلات . فأخذن الجاهلات مصابيحهن بدون زيت عكس الحكيمات ، وعندما جاء العريس ، نهضت العذارى جميعاً لتجهيز مصابيحهن . وقالت الجاهلات للحكيمات ، إعطنا بعض الزيت من عندكن فأن مصابيحنا تنطفىء ! فأعتذرت الحكيمات . ذهبت الجاهلات للشراء ، لكن العريس وصل ، واغلق الباب . فقالت الجاهلات : يا سيد ، يا سيد افتح لنا ! فأجاب العريس : الحق أقول لكن . أني لا أعرفكن ! فعلينا نحن السهر ،

لأننا لا نعرف اليوم ، ولا ساعة موتنا ( طالع مت 25: 1-13 ) فالدخول إلى وليمة العرس تحتاج إلى إستعداد لائق .

الوليمة السماوية تبدأ من هنا ، فالرب يسوع هو الذي يعمل لنا مائدة سماوية ويدعوا الجميع إليها ، وهي وليمة القربان المقدس في كنيسته المقدسة ، فالمشغولين في أعمالهم ومشاريعهم الدنيوية ليس لهم الوقت للحضور إلى الكنيسة لتناول من مائدة الرب بملابس لائقة ، ملابس الطهارة والتوبة ، أي يرفضون لبس ملابس العرس فلا يستحقون تناول جسد الرب فلكي لا يجلبوا على أنفسهم الدينونة ، يرفضون الحضور ( طالع 1 قور 11: 28-29 ) كل الذين يخلقون حجج للحضور في الكنيسة يرفضون دعوة المسيح لهم ، ويرفضون محبته ، فحتماً سيحاسبهم على أعذارهم في يوم الحساب ، ويرفض دخولهم إلى الوليمة السماوية .

وليمة الملكوت التي سيقيمها الله الآب ليسوع ولأبناء كنيسته العروس ستدوم إلى الأبد . جسد المسيح ودمه الآن مطموران ، ومدفونان وممزوجان كضمانة في أجسادنا ، أي نحن المؤمنين متحدين بجسده القائم من بين الأموات ، فنحن إذاً متحدين به لأننا جسده وهو رأسنا ، وسنتناول معه الوليمة السماوية ، إنه العريس ، وعرس الحمل قد إقترب ، وعروسته الكنيسة تهيأت للقائه على الغمام لكي يأخذها إلى الوليمة السماوية ( فطوبى للمدعويين إلى وليمة عرس الحمل ) ” رؤ 19: 7-9 ” سيغسلوا ثوبهم بدم الحمل أيضاً ، وبعد ذلك ( يكون لهم سلطان على شجرة الحياة ، ويدخلون المدينة من الأبواب ) ” رؤ 34:22″ وهناك ستكتمل غبطتنا .

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!