مقالات

قراءة لقرار المحكمة الاتحادية العليا بخصوص قانون انتخابات

القسم الاول:

اصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارها المرقم (83 وموحدتيها 131 و185/اتحادية/2023) في 21/2/2024، بعد تقديم ثلاث طعون ضد عدد من مواد قانون انتخاب برلمان كوردستان رقم 1 لسنة 1992 المعدل، وتاجيلها لمرات عديدة. وقبل الخوض في تفاصيل الطعون وفقرات القرار نود أن نشير الى ان المادة 94 من الدستور تنص بان (قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة). لذلك يجب احترام قرارات المحكمة الاتحادية والالتزام بتنفيذها من قبل كافة السلطات الاتحادية والمحلية والمؤسسات والافراد، لكن هذا لايعني عدم امكانية مناقشة حيثيات قراراتها المختلفة، خاصة وان المادة 45 من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية نفسها قد اجازت لنفسها (للمحكمة عند الضرورة وكلما اقتضت المصلحة الدستورية والعامة، أن تعدل عن مبدأ سابق أقرته في إحدى قراراتها، على أن لا يمس ذلك استقرار المراكز القانونية والحقوق المكتسبة.) اي اجازت لنفسها العدول عن مباديء سبق وان اقرتها في قرار سابق لها. لذلك ولاجل القاء الضوء على هذا القرار وطبيعة الطعون والمواد القانونية لقانون انتخاب برلمان كوردستان المطعون فيها، والدفوع المقدمة وفقرات القرار وسندها الدستوري، نشير الى عدد من النقاط:

1-ورد في الدفع المقدم بخصوص عدم دستورية المادة الاولى من القانون رقم 1 لسنة 1992 المعدل حول تحديد عدد مقاعد برلمان كوردستان، بان المشرع الكردستاني لم يعتمد اي معيار موضوعي في تحديد عدد مقاعد برلمان كوردستان. وهذا مخالف لنص المادة الاولى من القانون، وللواقع لدى تشريع القانون، حيث انه تم تحديد مقعد واحد لكل ثلاين الف نسمة في اوائل سنة 1992، وقبل اكثر من ثلاثة عشر سنة ونصف من تاريخ اقرار الدستور العراقي لسنة 2005، عندما قررت الفقرة الاولى من المادة 49 من الدستور تحديد مقعد واحد لكل مئة الف نسمة لمجلس النواب، استنادا لنفس المعيار الذي اعتمده المشرع الكوردستاني. ولم يلتزم مجلس النواب ابدا بتطبيق هذا النص لدى تحديد عدد اعضاء مجلس النواب، بدعوى عدم اجراء احصاء سكاني في العراق منذ سنة 1997. واذا ما تم تحديد عدد مقاعد برلمان كوردستان حسب حكم الفرة الاولى من المادة 49 من الدستور، فان عدد مقاعد برلمان كوردستان يجب ان تكون 61 مقعدا حسب بيانات دائرة الاحصاء في وزارة التخطيط لسنة 2023، (6033745 نسمة)، وان عدد مقاعد مجلس النواب يجب ان تكون (434) مقعدا، لان مجموع نفوس العراق لسنة 2023 حسب تخمينات وزارة التخطيط هو (43324000 نسمة). علما ان الحكومة العراقية ومجلس النواب لحد الان غير مستعدين للاعتراف بمحافظة حلبجة، لاسباب سياسية معروفة، لكن بالنسبة لتقسيم الدوائر الانتخابية، المحكمة الاتحادية اقرت بها كمحافظة ضمن محافظات العراق، والسؤال اذا كانت قرارات المحكمة الاتحادية باتة وملزمة للسلطات كافة، الا يفترض ان تتخذ الحكومة العراقية الاجراءات الادارية والمالية اللازمة للتعامل مع حلبجة كمحافظة قائمة بذاتها، لان قرار المحكمة الاتحادية اعتمدت قانون الانتخابات العراقي الذي يعتمد الان اعتبار كل محافظة دائرة انتخابية واحدة حسب الحدود الادارية لها، والذي يتم تعديله باستمرار عشية اية عملية انتخابية من قبل الاحزاب العراقية الحاكمة.

2-ان احتساب عدد مقاعد محافظات الاقليم والعراق بالنسبة لمجموع مقاعد مجلس النواب، فيها خطأ متكرر منذ سنة 2009 ولحد الان، ولربما هو متعمد ايضا، حيث انه حسب جميع احصائيات وزارة التخطيط من سنة 2009 ولغاية 2023، وبتقسيم مجموع نفوس العراق على عدد مقاعد مجلس النواب العامة (320 مقعدا)، ومن ثم تقسيم نفوس كل محافظة على ناتج القسمة من العملية السابقة، فانه سيحدد عدد المقاعد المخصصة لكل محافظة، ولدى بقاء عدد من المقاعد صمن ال 320 لم يتم توزيعها يتم اضافة مقعد لكل محافظة بقيت لديها اقوى عدد باقي من العملية السابقة، وعلى التوالي من الاعلى للادني، حتى يصل مجموع المقاعد المخصصة للمحافظات الى 320 مقعدا. وحسب هذه الاحصائيات وطريقة تحديد عدد المقاعد المخصصة في مجلس النواب لكل محافظة، فان هنالك غبن واضح بحق ثلاث محافظات عراقية، وهي كركوك حيث ان عدد مقاعدها الصحيح هو 13 وليس 12، وصلاح الدين عدد مقاعدها هي 13 وليس 12، وايضا محافظة اربيل هي 16 وليس 15، وقد استقطعت هذا المقاعد الثلاثة ومنحت لمحافظات اخرى. فكيف يطلب المدعي وتقرر المحكمة ذلك، بالاعتماد على عملية نسبة وتناسب بين عدد المقاعد المخصصة في مجلس النواب لمحافظات الاقليم (44) مقعدا، وعدم الاعتماد على المعيار الذي طالبت المحكمة بتطبيقها وهو معيار تناسب عدد المقاعد لكل محافظة مع عدد السكان، خاصة وان هنالك خطا واضح وغبن بحق ثلاث محافظات في العراق.
3-ان المدعي في طلبه الثاني حول افراز نتائج غير عادلة لحصة المحافظات المكونة لاقليم كردستان في نتائج انتخابات برلمان كوردستان لسنة 2018، ويحيل سبب ذلك الى اعتبار الاقليم دائرة انتخابية واحدة، علما انه حسب هذا التقسيم فان عضو برلمان كوردستان يمثل سكان الاقليم مجتمعا، ولا يمثل محافظة بعينها. خاصة وانه جاء في صدر الفقرة الاولى من المادة 49 من الدستور العراقي ما نصه (يتكون مجلس النواب من عدد من الاعضاء بنسبة مقعد واحد لكل مائة الف نسمة من نفوس العراق يمثلون الشعب العراقي باكمله، يتم انتخابهم بطريق الاقتراع السري المباشر ويراعى تمثيل سائر مكونات الشعب فيه.)، مما يوحي ضمنا حسب اعتقادنا بان عضو مجلس النواب يمثل الامة بمجملها، وان تقسيم العراق او الاقليم الى عدد من الدوائر الانتخابية ربما يجزأ هذا التمثيل. ولكن في حال احتساب عدد اعضاء برلمان كوردستان اعتمادا على تبعيتهم لاي من المحافظات في انتخابات دورات كوردستان الخمس، فانه ليس بسبب كون كوردستان كدائرة انتخابية واحدة، بل نتيجة اسباب اخرى تؤثر في النظام الانتخابي وهي عديدة واهمها نسبة المشاركة في عملية التصويت بين ناخبي منطقة واخرى، حيث ان المشرع لا يتحمل تبعات المشاركة من عدمها، بل هي حرية الناخب في ممارسته لحقه بالانتخاب من عدمه. فلو فرضنا جدلا ان نسبة مشاركة ناخبي محافظة السليمانية كانت اكثر من 70% في انتخابات سنة 2018 اوغيرها، هل كان المدعون سيطالبون بتقسيم كردستان الى عدد من الدوائر حسب المحافظات مثلا ؟ بالتاكيد الجواب هو بالنفي، وبالتالي نعتقد ان هذا الدفع هو سياسي وليس قانوني او فني.
4-بالنسبة للدفع بان تخصيص مقاعد للمكونات هو خلاف مبدأ تكافؤ الفرص الوارد في المادة 16 من الدستور، فان تفسير تخصيص مقاعد للمكونات هو تطبيق لهذه المادة بشكل اخر، حيث انه بدون هذه المقاعد فان هذه المكونات تنحرم من الوصول الى المجالس المنتخبة بسبب قلة عدد ناخبيها، او بسبب توزيعهم الجغرافي، وان اعتبار الاقليم دائرة انتخابية واحدة تفسح المجال اكبر امام ابناء المكونات والاحزاب الصغيرة من الوصول الى مقاعد البرلمان. وبخلاف ذلك هنالك تضييق لمدى تطبيق هذا المبدأ او مصادرة له نظرا لتوزيع ابناء هذه المكونات على مدن وقصبات كوردستان، وعدم تركز وجودهم في منطقة محددة.
5-كما ان تخصيص مقاعد الكوتا تعتمد على انتشارهم الجغرافي وكثافة وجودهم في محافظة دون اخرى، كما هو الحال بالنسبة لقانون انتخابات مجلس النواب بالنسبة لكوتا المسيحيين، فالمعروف ان نسبة وجود المسيحيين الاعلى هي في محافظة دهوك أولا وفي اربيل ثانيا وفي السليمانية ثالثا بالنسبة لمحافظات الاقليم، في حين ان نسبة وجود التركمان في محافظة اربيل هي الاعلى وتليها محافظة السليمانية، في حين انهم غير موجودين في محافظة دهوك، أما الارمن فانهم يسكنون محافظة دهوك وخاصة في زاخو. والدليل على ذلك انه في انتخابات مجالس محافظات الاقليم التي جرت في 30/4/2014 حيث كانت كل محافظة دائرة انتخابية واحدة وفق حدودها الادارية، فقد خصص مقعدان للكلدو سريان الاشوريين في محافظة دهوك ومقعد للارمن، وفي محافظة اربيل خصص مقعدان للكلدو سريان الاشوريين، وثلاث مقاعد للتركمان، وفي مجلس محافظة السليمانية خصص مقعد واحد للكلدو سريان الاشوريين. فكان مجموع الاصوات المدلى بها للمنافسة على مقعدي محافظة دهوك للكلدوسريان الاشوريين هو 8868 صوتا، في حين ان مجموع الاصوات التي ادليت لنفس المكون للفوز بالمقعد المخصص لهم في مجلس محافظة السليمانية كان 311 صوتا فقط، وان السيد الذي فاز بهذا المقعد قد حصل على 170 صوتا فقط. اما مجموع الاصوات المدلى بها للمنافسة على المقاعد الثلاثة للتركمان في مجلس محافظة اربيل فكان 4967 صوتا. وهذا يبين بوضوح لا لبس فيه بان المطالبة بتوزيع مقاعد كوتا المكونات في برلمان كوردستان حسب اجراء عملية النسبة والتناسب بين عدد المقاعد المخصصة لكل محافظة في مجلس النواب، ثم القيام بتطبيق نفس الالية لاحتساب عدد مقاعد كل محافظة بالنسبة لمائة مقعد لبرلمان كوردسان، وتوزيع الكوتا على هذا الاساس هو خطأ فاضح، حيث يفترض ان يكون الطلب بتخصيص مقاعد لكل مكون حسب وجودهم في كل محافظة، كان يخصص مقعد للمسيحين في محافظة السليمانية، ومقعدين لكل من محافظتي اربيل ودهوك، واربعة مقاعد للتركمان في محافظة اربيل، والمقعد الخامس يخصص لمحافظة السليمانية. لا ان يتم الغاء جميع المقاعد المخصصة لكوتا المكونات حسب قرار المحكمة الاتحادية غير العادل، خاصة وان الطعن لم يكن منصبا حول الغاء مقاعد كوتا المكونات في برلمان كوردستان، وانما باعادة توزيعها بما تحقق العدالة حسب طالب الطعن.
6- الغاء مقاعد المكونات الاحد عشر في برلمان كوردستان، يتناقض مع قانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات رقم 9 لسنة 2020 الذي خصص 9 مقاعد لهم في مجلس النواب، وخصص 10 مقاعد لهم في عدد من مجالس المحافظات، ونعتقد ان ذلك ليست من اختصاص المحكمة الاتحادية لانها خيار تشريعي لبرلمان كوردستان مثله مثل مجلس النواب، وتخالف احكام المادة 125 من الدستور، التي تقر الحقوق السياسية والثقافية والتعليمية للتركمان والكلدان والاشوريين، وسائر المكونات الاخرى. ونعتقد ايضا ان الغاء كوتا المكونات يخالف الشطر الاخير من الفقرة الاولى من المدة 49 من الدستور، (ويراعى تمثيل سائر مكونات الشعب فيه).
7-ان جواب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بالنسبة لتوزيع المقاعد المائة لبرلمان كوردستان باجراء عملية نسبة وتناسب بين عدد المقاعد المخصصة لمحافظات الاقليم الثلاثة في مجلس النواب، واحتسابها من المائة مقعد لبرلمان كوردستان، هو أمر غريب لانه باعتقادنا يتناقض مع حكم الفقرة الاولى من المادة 49 من الدستور، والتي اشارت اليها قرار المحكمة الاتحادية هذا مرارا وتكرارا. لان هذه الفقرة تعتمد في تحديد عدد مقاعد مجلس النواب على المعيار السكاني، وبالتالى كان من الاولى على المحكمة الاتحادية ادخال وزارة التخطيط في الدعوى والطلب منهم تزويد المحكمة بتقديرات جهاز الاحصاء لسكان محافظات العراق ومن ضمنها محافظات اقليم كردستان للسنوات 2018 لغاية 2023، ومن ثم تقسيم مقاعد برلمان كوردستان على هذا الاساس، وايضا الطلب منها تزويدها بعدد سكان اقضية محافظة السليمانية لنفس السنوات اعلاه، لتحديد عدد المقاعد التي تخصص لمحافظة حلبجة بحدودها الادارية (مركز قضاء حلبجة، وخورمال وطويلة وبيارة، وسيروان)، حيث نعتقد ان عدد المقاعد لن تكون بشكلها الحالي في حال الاعتماد على عدد نفوس كل محافظة. والغريب ان ممثل المفوضية ابلغ المحكمة الاتحادية بان عدد الناخبين لدائرة حلبجة هو 233785 ناخبا، وعدد المسجلين بايومتريا هو 177292، دون ان يوضح ان هذا العدد يعتمد على كون حلبجة كانت دائرة انتخابية واحدة في انتخابات 2021، وكان من صمنها اقضية سيد صادق وشاربازير وبنجوين التابعة لمحافظة السليمانية، وهي غير تابعة لمحافظة حلبجة الحالية بحدودها الادارية، التي التي تقدر نفوسها حسب تخمينات سنة 2022 ب 120761 نسمة.
للموضوع تتمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!