مقالات

ضيق الأفق !؟ – حسن مدبولى

في السنوات الأخيرة، بدأ بعض مشجعي الأهلي والزمالك، وهم كُثر، يتحررون من التعصب الأعمى، متوجهين باهتمامهم نحو القضايا الحقيقية التي تهدد مستقبلهم ومستقبل أبنائهم. هؤلاء يستحقون التقدير، لأنهم أدركوا أن الرياضة مجرد جزء من الحياة، وليست الحياة كلها.

لكن، في المقابل، ما زالت هناك شريحة واسعة من الجماهير تعيش في حالة من التغييب الذهني، ويمارس أفرادها نوعًا من الولاء المرضي لأنديتهم، وكأنها أوطان مصغرة، أو حتى ديانات لا يجوز المساس بها.

المتعصب الأهلاوي، على سبيل المثال، قد يؤمن أن ناديه يجب أن يفوز دائمًا، وأن ذلك حق مكتسب، وأن الإدارة تمثل مثالًا فريدًا في النزاهة والذكاء، في عالم يعج بالفساد. ويتحول هذا الإيمان إلى تبرير دائم لكل أشكال التجاوزات ما دامت تصب في مصلحة “النادي المقدس”، حتى لو كان ذلك على حساب العدالة والمنطق.

أما المتعصب الزملكاوي، فتتنوع نماذجه. هناك من يرى أن مشاكل ناديه هي الكارثة الكبرى في مصر، وأن فوزه بالدوري هو المطلب الوطني الأول. وهناك من يختزل كل مشكلات الحياة في “مؤامرة كروية” يتعرض لها ناديه من الحكام، والإعلام، والاتحاد، بل وأحيانًا من “القدر نفسه”.

هذا الشكل من التعصب لا يتوقف فقط عند حدود التشجيع الرياضي، بل يمتد ليؤثر على طريقة التفكير العامة، وعلى طريقة تعامل الأفراد مع مؤسسات الدولة، بل ومع الحقيقة ذاتها. فالمتعصب لا يصدق إلا ما يوافق هواه، ويرفض أي معلومة تصطدم بقناعاته، ويشكك في كل صوت مخالف، مهما كان عقلانيًا أو نزيهًا.

الخطورة هنا أن هذا النموذج الذهني المتعصب لا يظهر فقط في الملاعب والمدرجات، بل يتسلل إلى السياسة، والاقتصاد، والدين، والتعليم، وحتى داخل الأسرة. وعندما تصبح العاطفة هي المحرك الوحيد، ويغيب العقل والمنطق، تنهار المجتمعات وتغرق في الفوضى.

الكارثة الحقيقية إذًا ليست في خسارة مباراة أو بطولة، بل في خسارة الوعي. والخسارة الكبرى ليست حين يخسر نادٍ ما، بل حين يصبح الانتماء له أكثر أهمية من الانتماء للوطن، وحين يتحول التعصب الرياضي إلى مرآة تعكس خللًا أعمق في ثقافة المجتمع.

فهل يمكن أن نبدأ من الرياضة، لا لننتصر، بل لنتعلم؟
هل يمكن أن يتحول الملعب من ساحة تعصب، إلى مساحة وعي؟
ربما تكون هذه البداية الوحيدة الممكنة… قبل أن تقع الكارثة التالية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!