مقالات عن مانكيش

لعبة كسر البيض وتلوينه ورمزيته

لعبة كسر البيض وتلوينه ورمزيته

بقلم / وردا إسحاق قلّو

بيض-عيد-الفصح

من أبرز العادات التي تزرع البهجة في قلوب الشباب في عيد الفصح لدى ملايين المسيحيين في العالم هو تلوين وتزيين البيض المسلوق ، وخاصةً بيض الدجاج . تاريخياً البيض يشير إلى الحياة الجديدة . كما أن البيضة ترمز إلى بداية الحياة على سطح الأرض بحسب بعض المعتقدات التي سبقت المسيحية ، فسبقوا المسيحيين في تلوين البيض كالمصريين الأوائل اللذين مارسوا هذه العادة قبل خمسة آلاف سنة في عيد الربيع ( عيد شم النسيم ) .

في المسيحية البيض يرمز إلى بعث المسيح من بين الأموات ، فكما أن الفرخ الموجود في داخل البيض يشق قشر البيضة ليخرج خارجاً ويقوم للعيش في حياة جديدة ، هكذا المسيح خرج من القبر المختوم لينبعث في حياة جديدة وخالدة . قام وخرج من ظلام القبر ليشع نور قيامته في قلوب البشر المظلمة لينورهم ويقيمهم معه في حياة جديدة .

تروي لنا أحدى القصص عن بداية تلوين البيض في المسيحية بأن مريم العذراء هي أول من لَوَّنَت البيض كي تسلي به الطفل يسوع وتلاعبه . فهل أتت بالفكرة من مصر التي عاشت فيها العائلة المقدسة بعد هروبها من الأراضي المقدسة بسبب تهديد هيرودس الملك ، أم كانت فكرتها ؟ بعد ذلك وبحسب التقليد الكنسي بدأت فكرة تلوين البيض في عيد القيامة بسبب المعجزة التي صارت أمام قيصر روما عندما قابلته القديسة مريم المجدلية الحاملة للجنسية الرومانية والتي قررت بالذهاب إلى روما لمقابلته لرفع إحتجاجها إليه بسبب ج#ريم*ة صلب المسيح البريء ، فشرحت له قصة محاكمته ، وصلبه ، وقيامته . فعندما كانت تتحدث عن قيامته ومقابلتها له بعد القيامة قاطعها قيصر قائلاً ( لو أن البيض يصير لونه أحمراً سأصدق أن المسيح قام من بين الأموات ) عندها أخذت المجدلية بيضة وقالت ( المسيح قام ) فتحول لون البيض إلى أحمر . وبعد تلك المعجزة أتبعت الكنيسة تقليد صبغ البيض في عيد الفصح تأكيداً لحقيقة قيامة المسيح من القبر . هذا عن تاريخ تلوين البيض في عيد الفصح . أما عن تاريخ لعبة البيض فيعود هذا التقليد إلى العصور الوسطى في أوربا حيث كان الكاهن أو الراهب ينظم لعبة البيض برمي بيضة مسلوقة وملونة إلى أحد الأطفال المجتمعين في ساحة الكنيسة ، وعلى ذلك الطفل رميها بدوره إلى طفل آخر وتستمر اللعبة في تناقل البيضة إلى أن يدق الكاهن جرس الكنيسة عند الساعة الثانية عشر فيفوز بها الطفل الذي بحوزته البيضة .

قبل دخولنا في موضوع أنواع ألعاب البيض في منكيش علينا أن نبدأ بطريقة تلوين البيض وأنواع الألوان التي كانت تستخدم ومصادر تلك الألوان :

كان أهل منكيش يصومون عن كل المنتوجات الحيوانية منذ بداية الصوم الكبير ولمدة خمسين يوماً فكانت كل عائلة تجمع محصول البيض في سلال تسمى ( قوبي ) يضعون بين كل مجموعة كمية من التبن للحفاظ عليها ، وفي الأسبوع الأخير ( أسبوع الآلام ) كانت ربة البيت بمساعدة أبنائها يسلقون تلك الكميات الكبيرة من البيض في قدر كبير يحتوي على الماء وأنواع من الأعشاب الطبيعية التي كانت متوفرة في الحقول . بعد درجة الغليان يبدأ الماء يَتلوَن بالألوان التي تطرحه تلك الأعشاب أو جذورها وبعدها يبدأ البيض بإمتصاص اللون من الماء فيتحول إلى بيض مسلوق وملون . في منكيش كل ألوان البيض هو اللون الأبيض فقط لا يوجد بيض بني المتوفر في الأسواق حالياً .

مصادر الألوان المستخدمة في صبغ البيض

  • بوثا : ” الباء تحتها ثلاث نقاط ” ليس عشباً بل جذور لنبتة تنمو في البساتين المطلة شمال منكيش ، أو في بساتين آل جركو الواقعة جنوب القرية . أما اللون التي تقذفه تلك الجذور فهو اللون الماروني أو الرماني .
  • بادارا : عشب من الأعشاب التي تنمو في الآراضي الديمية ، كان يُحصل عليه من الأرض الواقعة خلف التل المطل على قرية كُريمي . هذا العشب يحًوِل لون البيض إلى اللون الأصفر .
  • قشور البصل الأحمر : يتم وضع كمية من قشور البصل الأحمر في الماء لكي يحصل على اللون الماروني ، لكن بدرجة تختلف عن اللون التي تطرحه جذور نبتة ال ” بوثا “
  • خُبازي : تعطي اللون الأصفر
  • كركم : يعطي اللون ألأصفر الغامق .
  • كِلّا دِصوَئا بثي : وهذا هو اسمه ويشبه نبتة ال ( خِبلو ) يكثر في المنطقة الواقعة جنوب المستوصف القديم وحديقة البلدية . يعطي اللون البرتقالي.
  • قلبد كوزي ( الغلاف المحيط بثمرة الجوز ) : يعطي اللون البني .
  • كِلّا د جايي ( بثل الشاي ) : يعطي اللون القهوائي الغامق
  •   أخيرا دخلت مساحيق ملونة لصبغ البيض إلى الأسواق فكانت تستخدم إلى جانب الأصباغ المحلية .

في ليلة عيد القيامة كان البيض يتوزع من قبل الأبوين لأبنائهم وبناتهم مع الإحتفاظ ببعض البيضات الملونة لوضعه أمام ضيوف العيد . فأول فرحة بالبيض الملون المسلوق كانت تبدأ في القداس الكبير المسمى ( رازا رَبّا ) والذي كان يطول ساعتين ونصف وأثناء القداس كان كل طفل أو مراهق يحمل معه بيضة فعندما كان الكاهن ينادي في أثناء القداس ( قام المسيح ) وهو نفس الوقت الذي قام به المسيح حقاً إي في وقت الفجر ، فكان كل من يحمل بيضة يكسرها ويتناولها بفرح داخل الكنيسة ، وكانت تلك البيضة أول منتج حيواني يتناوله الصائمون منذ خمسون يوماً .

بعد القداس كان المِصّلون الذين تناولوا الفصح المقدس ، يعودون إلى بيوتهم ليتناولوا الفطور الشهي الذي كان يحتوي كل أنواع المنتجات الحيوانية المحلية ، وبعدها كان ينطلق الشباب والشابات إلى أرض المعارك الكثيرة لألعاب البيض وهناك من ينتظرهم للتحدي بمشاركتهم في ألعاب البيض المسلوق . أشهر الساحات التي كانت تحتوي على أكبر عدد من اللواعيب كانت الساحة الواقعة شرق الكنيسة ، وساحة ( ارئا دأيتا ) لأبناء محلة ( جَرو ) والساحة القريبة من ( بيركتا ) .

لعبة كسر البيض

      تاريخ هذه اللعبة يعود إلى العصور الوسطى ، مارسها الأوربيون منذ القرن الرابع عشر ، ووصلت إلى بولندا في القرن الخامس عشر وإلى أميركا الشمالية في القرن لسابع عشر ، وهكذا وصلت إلى الشرق الأوسط . منذ عام 1983 تقام سنوياً مسابقة بطولة العالم في عيد الفصح في بريطانيا في نادي بيتري كريت الأجتماعي في مقاطعة درهام يذهب ريع المسابقة لجمعية ماميلان لدعم مرضى السرطان ، تتم اللعبة بكسر أكبر عدد من بيض المنافسين ، كما توجد مبارت مماثلة في ولاية لويزانا الأمريكية والتي تزعم بأنها أول من أقامة هذه المبارات بشكل رسمي عام 1956م .

 أ- لعبة كسر البيض للرجال ( دق ودَق )  

تتم هذه اللعبة بعد الأتفاق الحاصل بين لاعبَين وذلك بعد طرق كل منهم بيضة الآخر على أسنانه الأمامية لمعرفة درجة قوة البيضة ، وبعد الأتفاق ينقر أحدهم بيضة الآخر إلى أن تكسر أحدى البيضتين  . كان الذي يَعد بيضته للخصم لكي ينقرها يحيط الجزء المراد ضربه كقمة البيضة مثلاً ( الجزء المدبب )  بأصابعه بإحكام ولم يعرض إلا جزءاً صغيراً منها لكي تزداد قوة أمام بيضة الخصم . كان هناك مبدعين في معرفة البيضة الأكثر قوة ، إضافة إلى وجود خبرة دقيقة للمراهنة الناجحة مع الطرف الآخر ليضمن الفوز ، فكان الكثيرين يخشون التعامل معهم فيتجنبون اللعب مع أؤلئك المحترفين اللذين كانوا يحملون على صدرورهم باليد اليسرى أكبر عدد من البيض المكسور الملون بمختلف الألوان . بعض الشباب عندما كان يخسر كل ما عنده كان يضطر للعودة إلى البيت ليفتش عش الدجاج المسمى ( قِنا ) لكي يحصل على بيضة غير مسلوقة فيذهب بها إلى أحدى الساحات للعب بها ، كنا نجد مع البعض بيض غير مصبوغ أو مسلوق وكان يسمح له باللعب بها ، بل كان البعض يضطرون إلى جَلب البيضة الدائمة الموجودة في وسط العش والمسماة ( برا قنا ) .

كان البعض يأتون بأنواع أخرى من البيض من القرى لطيور أخرى كبيض المسمى ( بيتا دقانا ) وكانت البيضة تمتاز بالقوّة اكثر من بيض الدجاج . ودجاج ال ( قانا ) حجمه أكبر من حجم الدجاج المحلي ويحمل على رأسه كركوشة ، والذي يسمى بالدجاج الهندي .

 أنواع المراهنات في لعبة الرجال

  • ريشي كو ريشوخ أخوا كآرتا .
  • زوكي كو ريشوخ أخوا كآرتا
  • ريشي كو خلفتا دريشوخ أخوا كآرتا
  • دِبني كو دبنوخ أخوا كآرتا
  • وهكذا بالنسبة إلى البقية

لأجل الربح الحرام كان يستخدم البعض مادة ال ( شَّب ) لتزداد البيضة قِوة ، وبعد ذلك تصبغ . كانوا يحصلون على تلك المادة من الغجر ( قرجايي )  .

 ب- لعبة جركافي

لعبة رجالية يستعمل فيها الكعب ( قابا ) فكان يقذف به أحد الاعبين فإذا وقف على الجهة العريضة التي تسمى ( مَلكا ) يحصل على بيضة من خصمه . أما إذا وقف على الجانب الآخر الرفيع الذي يسمى ( وزيرا ) يخسر اللعبة .

ج- لعبة البيض للنساء

  لعبة البيض عند النساء تختلف كلياً عن لعبة الرجال ، ففي هذه اللعبة لا يوجد فحص قوة البيض بالأسنان ، ولا نقر البيض مع بعضها لمعرفة الفائز،  فللنساء لعبة أخرى تتم بين عدد من اللاعبات ، يتم إختيار شابة  ترتدي فستاناً طويلاً يخفى تحته عدد من الأخذية العائدة للاعبات . تدفع كل لاعبة بيضة واحدة للمشرفة التي تقوم بأخفاء البيض في الأحذية ، ففي بعضها تضع بيضة واحدة فقط وفي أخرى بيضتان أو اكثر وتترك باقي الحذية فارغة وإثناء هذا التوزيع يدورون اللاعبات  وجوههن إلى الخلف لتصبح أنظارهم بأتجاه مدبر عن المشرفة التي تقوم في تلك اللحظات بأخفاء كل البيض في الأحذية . ومن ثم تخفي كل الأخذية تحت فستان الجالسة على الأرض ، وبعد ذلك تأمر اللاعبات بالحضور لتختار كل منهن حظها وذلك بمد يدها تحت الفستان لسحب حذاء واحد ، ومن ثم تفتيشه لمعرفة حظها . تتكرر اللعبة بين الفائزات للحصول على أكبر عدد من البيض الملون .

 وكل عام وأنتم بخير وفرح الفصح المجيد

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!