مقالات دينية

شهيد الاتحاد: البطريرك يوحنا شمعون الثامن سولاقا

سامي خنجرو

samdesho
شهيد الاتحاد: البطريرك يوحنا شمعون الثامن سولاقا

ولد يوحنا سولاقا في القوش في نحو سنة 1513م ،وكان والده يدعى دانيال من عائلة بلـّو ،وأصله من بلدة عقرة. وسرعان ما اعتزل يوحنان العالم وترهّب في دير الربان هرمزد الذي كان يضم انذاك نحو 50 راهبا. وهناك نال الدرجة الكهنوتية وانتخب رئيسا لديره سنة م1540، وهو في السابعة و العشرين من عمره.

أن كنيسة المشرق تراجعت في القرن الرابع عشر وبعده ، خاصة بعد حملة تيمورلنك 1396-1405 م وانحصرت بما يعرف اليوم بمنطقة كردستان الجبلية، في كل من: العراق، ايران وتركيا. ونظرا لعدم استقرار الوضع السياسي والامني ، نرى الكرسي البطريركي يتنقّل من محل الى اخر نتيجة لذلك. في هذه الفترة، لم يكن سهلا حضور الاساقفة جميعهم لعقد مجامع كنسية لاختيار البطاركة. وصادف اختيار أربعة بطاركة على رأس كنيسة المشرق من عائلة واحدة، عرفت بعدئذ بالبيت الابوي (بيت أبونا). وكان أولهم البطريرك طيماثاوس الثاني 1318-1332م الذي جلس في أربيل، ثم دنحا الثاني 1332-1364م الذي جلس في كرمليس. بعد ذلك انتقل الكرسي البطريركي الى الموصل. وكان اخرهم مارشمعون الرابع الباصيدي 1437-1497م. وفي سنة 1450م، وبسبب الظروف غير المستقرة اضافة الى الرغبة في السيطرة والاستحواذ على المنصب البطريركي، سنّ البطريرك شمعون 4 الباصيدي قانون القاعدة الوراثية لمنصب البطريرك في كنيسة المشرق. وجعل البطريركية محصورة في عائلته، العائلة الابوية فقط. فيتوارث اخوة البطريرك، أو أولاد اخوته المنذورون للكرسي البطريركي وحسب الاسبقية عمرا. وبذلك أبطل نظام الانتخاب الذي كان سائدا في كنيسة المشرق. فكان البطريرك يختار ويرسم ناطور الكرسي (ناطر كورسيا) مطرافوليطا لكي يتوارث البطريركية بعد وفاته وبدون انتخاب.

انّ أصل عائلة بيت الاب هو من دهوك، وهاجرت الى قرية باصيدا بالقرب من أربيل، نظرا للمضايقات على المسيحيين عموما من بعض زعماء الاكراد في المنطقة. واستقرّت أخيرا في ألقوش بعد نقل الكرسي البطريركي الى دير الربان هرمزد، في زمن البطريرك شمعون السادس 1504-1538م. ان هذه القاعدة الوراثية الدخيلة والجديدة، ليس فقط في كنيسة المشرق بل في الكنيسة جمعاء، أحدثت تذمرات ومشاحنات في كنيسة المشرق بعد حين. وان البطاركة من بيت الاب، لم يرسموا مطارنة (رؤساء أساقفة) من غير عائلة الاب، خوفا من سيطرتهم على الكرسي البطريركي. فبقيت بعض الابرشيات بدون رعاة لفترة غير قليلة نتيجة لذلك، هذا من ناحية. ومن ناحية اخرى، لم يكن جميع المطارنة وناطوري الكرسي مؤهّلين لهذه المهمة كما يجب. ففي عام 1539م، اضطر البطريرك شمعون السابع بر ماما (1538-1558م) الى رسامة ابن أخيه، الذي لم يكن قد بلغ الثانية عشرة من عمره، مطرافوليطا لعدم وجود شخص غيره من العائلة الابوية لهذا المنصب. وبعد فترة قصيرة، رسم فتى اخر عمره خمسة عشر عاما.

لذا نرى بوادر حركة اصلاحية في كنيسة المشرق، كنتيجة لسن هذا القانون. هذه الحركة الاصلاحية، اجتمعت في الموصل سنة 1551م، وكانت مؤلّفة من اسقف اربيل واسقف سلامس اضافة الى اسقف أذربيجان، مع عدد كبير من الكهنة والرهبان والوجهاء من الموصل ودياربكر وسعرد واربيل واورمية ونواحيها. وفي هذا الاجتماع، قرّر المجتمعون اختيار الراهب يوحنان سولاقا، رئيس دير الربان هرمزد، بطريركا . واذ لم يكن أحد من الاساقفة الحاضرين مطرافوليطا ليرسم سولاقا بطريركا، قرّروا ارساله الى روما مع وفد لهذه المهمة، لما تحلى به من المزايا الرفيعة. وقبل يوحنان على مضض، بعد إلحاح الأساقفة عليه عدة مرات، وذلك في مطلع عام 1552م. وفي طريقه الى روما، زار الوفد بمعية سولاقا الاراضي المقدّسة. ومن هناك، رافق سولاقا شخصان اثنان ووصلوا روما سنة 1552م. وفي روما، قدّم سولاقا للدوائر الرومانية موجز ايمان كنيسة المشرق وأحوالها. وبعد الاجراءات الرسمية، أعلن سولاقا ايمانه الكاثوليكي في عشرين شباط 1553م. ثم رسم اسقفا، وقام الكرسي الرسولي بتثبيته بطريركا، من يدي البابا يوليوس الثالث، بمرسوم مؤرّخ في 28 نيسان 1553م، وألبسه الدرع المقدّس باسم شمعون الثامن سولاقا. وهكذا بدأت سلسلة بطريركية كاثوليكية جديدة في كنيسة المشرق باسم الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، علما بأن لقب الكلدان كان قد اعطي للمتكثلكين من ابناء كنيسة المشرق في جزيرة قبرص برئاسة المطران طيماثاؤس، من قبل الكرسي الرسولي وذلك سنة 1445م. ان هذا اللقب الجديد للكاثوليك (الكلدان) لم يكن اختراعا جديدا، بل لان منشأ الكرسي البطريركي الاول والاصلي لكنيسة المشرق، كان في منطقة كلدو قرب بابل وتحديدا في ساليق- قطيسفون، المدائن. رجع البطريرك سولاقا الى الشرق في 12 تشرين الثاني 1553م، بمعية الاسقف الراهب امبروسيوس والراهب انطونيوس من الرهبنة الدومنيكية، للمساعدة في نشر الكثلكة، وجعل مقره امد (دياربكر التركية)، كما وحصل على اعتراف الباب العالي (السلطان العثماني) بسلطته البطريركية على الكاثوليك. ثم قام برسامة مطرانين وثلاثة اساقفة: لامد والجزيرة وماردين وسعرد، حيث كان الايمان الكاثوليكي قد انتشر سريعا في تلك النواحي.

لكن البطريرك شمعون السابع برماما في دير الربان هرمزد، الذي كان لايزال على قيد الحياة، لم يرق له الامر، اذ بدأ نفوذه بالتقلّص. لذلك مارس تأثيرا على صديقه حسين بك باشا العمادية للتخلّص من البطريرك الجديد. فدعا باشا العمادية البطريرك سولاقا اليه بحجة زيارة جماعته الكاثوليكية في منطقة العمادية. فلما وصلها، قام حسين بك باعتقاله وتعذيبه، وزجّه في السجن طوال اربعة اشهر ، ثم القي في بئر مدة اربعين يوما في أحد الوديان قرب العمادية. بعد ذلك امر الباشا بإخراجه وحمله إلى الجبال المقفرة وربطه بالحبال ووضعه في كيس وهو حي والقائه في بحيرة على الزاب الاعلى جنوب شرقي العمادية، حيث قضى شهيدا في 12 كانون الثاني 1555 . ولقد عدّته الكنيسة الكاثوليكية شهيد الاتحاد مع الكرسي الرسولي.

سامي خنجرو – استراليا..

 

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!