مقالات سياسية

تركيا العضوة الشاذة في الناتو

الكاتب: د. محمود عباس
تركيا العضوة الشاذة في الناتو
 
  جريئة تركيا، ترفض وللمرة الثانية قرارات حلف الناتو، تعترضها، إذا تعرضت مصالحها التاريخية أو الغائية للخطر، كما وتضع على المحك مصالحها الاقتصادية، وتدرك أن خطواتها الماراثونية في التطور الاقتصادي بنيت بدعم من الرأسمالية العالمية، أي من حلف الناتو، فضلت هذه المرة مصالحها التوسعية الروحية- التاريخية وليست الاقتصادية، ولم تنجرف إلى الحلف المتجه لمحاربة منظمة د*اع*ش الار*ها*بية، والتي أقرت من قبل مجلس الأمن ودول الناتو والعديد من الدول العربية والإسلامية، وهي بهذا أكدت على حقيقتين: الأولى أنها تدعم مجموعات خاصة من منظمة د*اع*ش، بالسلاح وتمولهم كما وتساهم بجمع أعضائها في أراضيها وضمن مجمعات خاصة  موجودة في ولاية هاتاي القريبة من الحدود السورية. والثانية لا تعطي اعتبارا لدول الناتو ولا لقرارات مجلس الأمن، لأنها ترى ذاتها العضو الأهم بعد أمريكا فيها، والتي لها خاصية مختلفة عن الجميع، كدولة مسلمة أولا، وتظهر ذاتها على إنها تنشر الفكر الإسلامي الليبرالي في سياستها الدينية، مع خلط بين العلمانية والروحانية في ثقافتها العامة، كما وتحتضن أكبر ترسانة لأسلحتها في أراضيها إضافة إلى موقعها الجغرافي الاستراتيجي فيما بين القارتين. وهذه الخواص هي التي ساندتها بأن تدرج حزب العمال الكردستاني ضمن قائمة الار*ها*ب في أوروبا وأمريكا، وهي التي أغمضت أعين العالم عن جرائمها بحق الشعب الكردي، فعتمت عليهم خصوصياتهم القومية وعلى مدى القرن الماضي. كما وإنها في الأروقة الدبلوماسية تبرر عدم مشاركتها محاربة د*اع*ش بمنطلقين: الأول د*اع*ش تملك أسرى من مواطني تركيا والذين قبض عليهم قبل شهور، والابتعاد قد تحافظ على أرواحهم. والثانية وهي التي لا تصرح بها، نزعتها المذهبية السنية، وهي تأمل أن تخرج د*اع*ش كمنظمة متطرفة تخدم مصالح الهلال الشيعي وعلى رأسها السلطة السورية. مع كل هذا، فإن الاحتمال الأقرب للفكر هو أنها تستخدم تكتيكاً أبعد ومخالف للماضي والحاضر، وكأنها تحاول بليونة استخدام سياسية الخروج من دائرة الصراع السوري قدر المستطاع، مع الاحتفاظ بقدوة الحلف السني.
  تدرك تركيا، أن التقاعس على مساندة أمريكا في حربها على الار*ها*ب ستضع ملفها تحت الدراسة، مثلما حصلت في المرة الأولى أثناء إزالة الطاغية صدام حسين، وتعلم بالمقابل حقيقة أخرى وواثقة منها، بأن أمريكا سوف تغض الطرف عن هذه في المرحلة الجارية على الأقل، كما فعلتها في المرة الماضية، وهي تستند في هذا إلى خصوصياتها المذكورة سابقا، ضمن الناتو، وستتحمل الطعنات السياسية أو الدبلوماسية التي قد تظهر، تهدئة لبعض  المتشددين في الحكومة الأمريكية حول ملف تركيا واستراتيجيتها الذاتية، وعليه نرى البعض من الإعلام الأمريكي والمحللين السياسيين وشخصيات سياسية من الدرجات العليا يعرضون القضية التركية كتخاذل وخداع، ، ولا يخفون بعض التهديد المبطن لمستقبلها إذا استمرت على نهجها الحاضر، رغم تبريرها المعروض سرا، كما ذكرنا سابقا، بوجود مواطنيها في قبضة منظمة د*اع*ش، وتخاف من أن يكون مصيرهم كمصير الصحفيين الأمريكيين والبريطاني.
  ولا شك أن التغاضي الظاهر عن تحييد ذاتها من حروب الناتو، قد تعيد مستقبلا إلى دراسات حول إمكانية إيجاد بديل عنها كدولة استراتيجية للحلف، ولا يستبعد أن تكون كردستان القادمة هي البديلة، لكن هذه تتطلب الكثير من الحراك الدولي والدبلوماسية الكردية وحل الخلافات الذاتية بين القوى الكردستانية. كما ولا نشك في أن مثل هذه الأفكار تعرض كطروحات للنقاش في بعض الأروقة السياسية لدول الناتو، والتقييم المستمر من قبل الجنرالات الأمريكيين والسياسيين من السويات العليا للنوايا الكردية الصادقة مع أمريكا، وقدرات البيشمركة في مساندة  حربها ضد د*اع*ش إلى جانب رؤية مستقبلية لبعض السياسيين الأمريكيين والأوروبيين للكيان الكردستاني الحاضر، والتي ظهرت من خلال الزيارات من أعلى المستويات، تظهر إن هذه المقارنة موضع نقاش ومحاورات، حتى ولو لم تكن رسمية، رغم أن ميزان المفاضلة السياسية والاقتصادية والمصلحة العامة تلغي الوجود الكردي مقابل ثقل الدول التي تعادي كردستان ولها مصالح مع أمريكا وهم العديد من الدول العربية وتركيا، وفي كثيره إيران عندما يكون القضية الكردية على المحك، والتهجمات المبطنة والمباشرة على الكرد عامة والقضية الكردستانية بشكل خاص من قبل جميع القوى المذكورة سابقا تنحصر في  الرؤية المستقبلية للعالم على جغرافية الشرق الأوسط ومصير الشعوب الأخرى غير المستبدة، والتغييرات المحتملة للمنطقة.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]..

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!