مقالات دينية

تجارب أيوب البار وإنتصاره

تجارب أيوب البار وإنتصاره

بقلم / وردا إسحاق قلّو

  قال أيوب ( حي هو الله الذي نزع حقي ، والقدير الذي أمر نفسي ، إنهُ ما دامت نسمتي فيّ ، ونفخة الله في أنفي ، لن تتكلم شفتاي إثماً ، ولا يلفظ لساني بغش ) ” أي 27: 1-5 “

   سفر أيوب من الأسفار الطويلة ، يتكون من 42 إصحاحاً ، وقد يكون من أقدم أسفار الكتاب المقدس أي قبل أسفار الشريعة ، لهذا لم يذكر في سفره شيئاً عن أسفار الناموس ولا عن كل ما في شريعة موسى . سنتناول في هذا المقال فقط التجارب التي مر بها موسى ، وكيف إنتصر على المجرب ، ونال رضا الخالق .

   الله يعطي للشيطان سلطة وحرية محدودة لكي يجرب مختاريه ، فلا سلطة إلا من عند الله ( طالع رو1:13 ) . أعمال الشيطان شريرة ، والعالم يعيش تحت وطأة الشرير ( 1 يو 19:5 ) . الله أسس العالم لكي يعيش بسلام ووئام ومحبة ، فالله الذي أسس السلطة على العالم ، طمع الشيطان بها ، والله حدد له السلطة لتجاربه التي يريد أن يسقط في شباكها بني البشر وإن أمكن حتى المختارين . فالشيطان الذي أغوى حواء وأسقطها مع بعلها ، أستمر في تجاربه لإسقاط آباء كثيرين أقوياء في الإيمان ، ومنهم أيوب البار الذي رفض كل خطط المجرب فصمد بكل قوة لكي لا يتجاوز وصايا الله ويتمرد على خالقهِ . المحن والتجارب والخسائر التي تحملها أيوب من أجل أن يتحدى كل فخاخ عدو الإيمان ، منها الفخ الذي نصبه لهُ عن طريق زوجتهِ وكما سبق وإن فعلهُ مع آدم ، لكن أيوب كان له بالمرصاد فصمدَ وقاومَ واستحمل بكل صبر وإيمان كأنه جبل لا تهزهُ الرياح مهما بلغت قوتها .

   في نظر القديس أوريجينس ، أن التجارب التي مر بها أيوب كانت صورة مسبقة نوعاً ما لتجارب يسوع في البرية ، وإنتصاره على مخططات الشيطان .

  كان على أيوب أن يتحمل كل التجارب وينتصر على المجرب في تجربتين فقط : الأولى في ممتلكاته . والثانية في جسده ، في حين خصص الله لأبنه يسوع بأن يجرب بثلاث تجارب .

   أما عن سبب التجارب التي تعرض لها أيوب الذي كان طاهراً نقياً ، بل أطهر الناس في عصره ، لهذا قال الله عنه ( لا نظير له في الأرض ) لهذا تحجج الشيطان وتحدى الله في محضره قائلاً : ( جلد بجلد ، والإنسان يبذله كل ما يملك فداء نفسهِ . ولكن أبسط يدكَ وأمسس عظمه ولحمهِ ، فترى إلا يجدف عليكَ في وجهك . فقال الرب ها أنا اسلمه إليك ، لكن أحفظ نفسه ِ ) ” 2: 4-6 ” . لكن المصارع الجبارأيوب هزمَ الشيطان دون أن يخطىء بشفتيهِ أمام الله (10:2 ) بعد إنتصاره في التجربتين ، لم يواجه معركة ثالثة بالأهمية نفسها ، إذ كان يجب أن تدّخر تجربة المعارك الثلاثة للمخلص يسوع الإنسان لكي ينتصرعلى العدو .

   تجارب أيوب تختلف عن تجارب يسوع ، فأيوب حورب بممتلكاته وأولادهِ وبجسدهِ . في حين لم يتعرض يسوع إلى أي من تلك الخسائر والأوجاع ، والسبب يعود إلى تعدد طرق تجارب الشيطان .

    خرج أيوب من كل تلك التجارب منتصراً بسبب إيمانهِ وقد أثبت من خلالها ، بل تنبأ بإنتصار مخلصهِ يسوع على ذلك المجرب اللعين لاحقاً .

    الله سمح للشيطان بأن يجرب أيوب لأنه يعلم بأن الأخير مستعد للتجارب وتحمل المحن وسينتصر ويحصل على المكافأة التي يستحقها بعد المعركة .

   فَشَلت فعلاً تجارب الشيطان الخاصة بالغِنى ، والأولاد ، وبقروح الجسد والروح . علم أيوب بأنه جاء إلى العالم عارياً ، وسيغادره كذلك . إذاً ليس لديه ما يخسرهُ .

   في موضوع السيادة سلب الشيطان أيوب من السيادة على ممتلكاته عكس المسيح الذي قدم له الشيطان كل ممالك العالم . مات كل أولاد أيوب ليصبح أباً للكثيرين ومثالاً صالحاً للمؤمنين عبر الأجيال . وهكذا المسيح صار رأس كل القطيع وراعيه عندما دفعه الشيطان ليموت على الصليب ، فالموت كان أقوى سلاح يمتلكه الشيطان . مات يسوع ، لكنه غلب الموت عندما قام منتصراً . الجميع تركوا أيوب لكنه لم يخطأ ، كذلك يسوع لم يخطأ على الصليب رغم هزيمة تلاميذه ليبقى وحيداً ، بل طلب الغفران بكل محبة لصالبيه ِ . وأيوب لم ينكر إلاههِ رغم إستدعاء الشيطان لأصدقاء أيوب ليتدرجوا صديقهم بنصائهم السيئة لصالحهِ . ورغم كل الحوارات بينهم وبين أيوب ، رغم لعنه للنهار الذي ولد فيهِ ( 3:3 ) فقد قال بعد ذلك ( ليلعنهُ السحرة الحاذقون في أيقاذ التنين ) ” 8:3 ” وكلامه هذا نبؤة ، بمعنى أن الشيطان وحش هذا العالم الملىء بالعواصف ، وقد تم سحقه بواسطة ربنا يسوع المسيح . وهكذا فإنَ أيوب البار كان يتكلم في أثناء تجاربه على أسرار محجوبة ، لأن هذا العملاق المنتصر كان يرى بعين الروح إنتصار ربه يسوع المسيح ، له المجد الدائم .  

 التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة ، فهي قدرة الله لخلاص كل من آمن ) ” رو 16:1 ” 

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!