مقالات دينية

تأملات في ميلاد المسيح

الكاتب: مشرف المنتدى الديني

 

تأملات في ميلاد المسيح

“المسيح رئيس السلام”
 بقلم :نافع شابو البرواري
السلام (في المفهوم المسيحي ) قائم على ثلاثة أركان وهي :
أولا :السلام مع الله (بالمصالحة التي تمّت بولادة يسوع المسيح وفدائه للبشريّة)
ثانيا :السلام مع النفس (مصالحة الذات والتمتّع بالسلام الداخلي)
ثالثا :السلام مع الآخرين ( او كيف نصنع السلام مع الآخرين من أخوتنا البشر؟)
واليوم سنتأمّل في السلام مع النفس (او مصالحة الذات والتمتّع بالسلام الداخلي)
قد نشكر الطبيب الذي يشفينا من مرض الى حين .
قد نشكر الأصدقاء عندما يقفون معنا في الشدائد والمحن .
قد يحمينا رجل الأمن من الذين يحاولون الأعتداء علينا .
قد يهبّ الشعب ويثورعلى أستبداد الحاكم ونتحرر من الظلم والطغيان .
قد  نحصل على حقوقنا المسلوبة في هذا العالم .
قد نتسلّق مناصب دنيويّة ونحصل على المال والشهرة .
قد  ننجح في الأمتحان ونحقق أحلامنا وقد نتسلق القمم وننتشي بنشوة النصر ونقطف  ثمار الجهود التي بذلناها في مسيرة حياتنا من سهر الليالي والصراع الطويل .
قد نحصل على العلوم والمعارف الأنسانية وقد نكتشف نظريات ونخترع اشياء تفيد الأنسانية جمعاء .
قد نبدو سعداء في اسرة ويكون لنا بنات وبنين .
قد قد………………………………الخ  .
ولكن يبقى السؤال المطروح وهو ، هل نحن فعلا نعيش في سلامٍ مع الذات ؟
أو بعبارى أخرى هل نحن نعيش في سلام داخلي وهل هناك فرح وسعادة حقيقية في داخلنا ؟
الحقيقة هذا العالم لايستطيع أن يمحنا هذا السلام (الداخلي) لأنّ هذا العالم لايستطيع الأجابة على الحقائق التالية :
الموت  والوجود والمصير ، لابل لايستطيع هذا العالم أن يمنحنا السلام والفرح  الحقيقي ، السلام (الحقيقي) يبدا بداخل كل انسان (النفس) ، هو التناغم  والأنسجام مع الحياة ومع النفس وهو ما يسمّى بالسلام الداخلي أي التخلص من  الأضطرابات النفسية والخوف الداخلي بامتلاء الأنسان بسلام يطرّد هذه  الأضطرابات والمخاوف ويحتاج الأنسان في هذه الحالة الى تحقيق الذات ،  السلام هو أساس المهمّة التي سيسلّمها الرب يسوع المسيح لتلاميذه بعد  القيامةّ ولكنّها تعبّر أيضا عن بركات الله وازالة الخوف الذي يسيطر على  الأنسان ، والكتاب المقدّس هو الكتاب الوحيد الذي يجيب على اسئلتنا  الوجودية ويجيب على سؤالنا كيف نعيش بسلام حقيقي؟ و يخبرنا يسوع المسيح   فيقول “والحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الآله الحق وحدك ويعرفوا يسوع المسيح  الذي أرسلته”(يوحنا 17:3)” .
انّ هذا السلام لاياتي إلا عندما يُملئ  فراغ النفس والروح شخص يسوع المسيح واهب السلام ورئيس السلام فعندما يمتلئ  الأنسان بالروح القدس عندها يستطيع الأنسان أن ينقاد بقوة الروح الى كل ما  هو خير وسلام  فيصبح الأنسان نفسه اسير السلام فلا يستطيع إلا أن يعيش في  سلام ويصنع السلام ويعمل السلام ويدعو الى السلام ويتمتّع بالسلام ، فلا  سلام إلا بمحبة النفس والآخر وقبلهُما محبّة الله والسلام والمصالحة معه  لأنه هو الخالق ولن يرتاح المخلوق إلا بين راحتيه ، الكثيرون يذهبون الى  الكنيسة أو يصنعون السلام خوفا من مصيرهم الأبدي أو خوفا على حياتهم او  مصالحهم الأرضية وهو سلام مزيّف يعمل الأنسان فيه هذه الأعمال كفرائض  وواجبات خوفا أو من أجل مصلحة شخصية وهم ليس لهم علاقة شخصية بواهب السلام  يسوع المسيح ، ولكن في داخلهم يفقدون السلام ، وهنا فاقد الشيئ لايستطيع أن  يعطيه. السلام (أي السلام الداخلي) هوالأ ساس لمجتمع صحي  يعيش في سلام عام  . فعندما نصنع السلام (الداخلي) ونزرعه في الأنسان منذ طفولته وذلك  بالتربية وزرع مفاهيم المحبّة والسلام والصدق والأمان والحق في نفسية الطفل  والتلميذ والطالب من خلال البيت حيث الأم هي المدرسة الأولى والكنيسة  (بالنسبة لنا كمسيحيين) وصولا الى السُلّم الأعلى في المجتمع من خلال  المدرسة والجامعة والعمل ، عندها يكون المجتمع بخير وسلام ، ان البقاء في  سلام هو سلاح روحي وحرب بوجه الشيطان والقوّات الشريرة هو يعني أطفاء سهام  العدو .
كثيرا ما نخسر  السلام بسبب الشك والقلق والخوف من عدم تحقيق  مواعيد الله وأقواله ووعوده فنُصاب بالأضطرابات النفسيّة والعصبيّة والكآبة  والقلق عندما نفقد ثقتنا وايماننا بيسوع المسيح القائل: ثقوا لقد غلبتُ  رئيس هذا العالم .
الكثيرون يشتكون من الظلم والآلام والأحزان والمعاناة  في الحياة اليوميّة ولكن ننسى غالباً انّ هذه كلّها امتحانات لنا ، بها  تُطهّر نفوسنا وتؤدّي بنا الى الأتّكال والتركيزعلى الهدف الأسمى الذي هو  ملكوت الله ، المؤمن الحقيقي يجب أن لا يتزحزح ايمانه بمواعيد الله ومشيئته  وارادته بالرغم من كل الظروف التي تحيط به ، لأن طاعة الله تؤدي الى  السلام مع النفس ومع الاخرين ، قد نتخلّى عن الكثير من حقوقنا من أجل كسب  السلام ، قد نهاجر من مدينة الى مدينة ومن دولة الى دولة من أجل  البقاء في  سلام والمحافظة على ايماننا وامتصاص غضب الأخرين ولكّننا يجب أن لا نفقد  ايماننا فالأرض واسعة ورحبة لكل المؤمنين ولا بد للمؤمن أن يصل الى ما  يريده الله له ، ويسوع المسيح سبق واخبرنا أننا سوف نُضطهد من قبل الآخرين  ولكن الأهم أن ّالمؤمن يعيش في سلام داخلي وهذا السلام لا يستطيع الأخرون  السطو عليه أو انتزاعه أو سلبه ، لأنّه سلام الله الذي يطرد الخوف والقلق  ويرفع الأنسان لكي يعلو عن المشاكل والأحداث الخارجية فيرتقي بالأنسان لكي  يصبح فوق هذه الظروف، ويكون الروح القدس هو المعزّي والأخ والخليل (كما كان  الرب مع ابينا ابراهيم في غربته عن اهله ووطنه وعشيرته واصدقائه فسميّ خليل  الله وعاش ابينا ابراهيم في رحلة دائمية ولم يكن له وطن ثابت لأنّه كان  يتطّلع الى الوطن الأبدي مع الله فكان الله معه في رحلته هذه . وكان  ابراهيم يشعر بالسلام ويصنع السلام مع الأخرين ) .
قد نبني وغيرنا يهدم  وقد نعطي من جهدنا وأموالنا وصحتنا من أجل بناء اجيال يستمتعون بالسلام  والأمان ، ولكن غيرنا قد يصنع الموت والبغض والكراهية ، لكن من يصمد الى  النهاية هو الذي يفوز لأنّ الله دائما مع صانعي الخير والسلام ، يسوع  المسيح الذي يقول لنا “ان اراد احد أن يتبعني فليحمل صليبه ويتبعني”  فالسلام ليس بالضرورة معناه الراحة بل استغلال الراحة لنحُصّن انفسنا من  هجمات قوات الشر ، والراحة عند المؤمنين هي محطّة لأعادة النظر في حياتهم  الماضيّة لتجديد الحياة الروحيّة والتحصّن بأسلحة الروح القدس لمواجهة قوات  الشر في المستقبل . السلام يأتي من يقين  استجابة الصلاة ، يقول كاتب  المزمور”بصوتي الى الربّ أصرخ فيجيبني من جبله المقدّس .في سلام استلقي  وأنام”(مزمور 3:5 )” . فاليقين والثقة من انّ الصلاة مستجابة وهي تجلب  السلام لانّ الله مُهيمن على كلّ الظروف التي لانستطيع أن نغيّرها .
السلام  يجلبه الروح القدس وهو سلام يتحرّك في داخل قلوبنا ويحيا ليحدّ من قوات  الشر المعادية( الخطية والخوف والشك والريبة وعدم اليقين.. ..وقوى اخرى  كثيرة  تحاربنا من الداخل) ويقدّم العزاء والراحة عوض الصراع  والحرب وقد  وعدنا الرب يسوع المسيح ان يعطينا هذا السلام ان كنا مستعدّين لقبوله  منه.”سلاما أترك لكم وسلامي أعطيكُم ، لا كما يعطيه العالمُ أُعطيكم أنا ،  فلا تضطربُ قلوبكم ولا تفزع”(يوحنا 14:27 )” .
انّ نتيجة عمل الروح  القدس في حياتنا هي السلام العميق الدائم . وعلى عكس سلام العالم  الذي  يُعرف عادة بأنّه عدم الصراع ، فأنّ هذا السلام هو ثقة أكيدة في وسط أي  ظروف ، وبهذا النوع من السلام لسنا بحاجة لأن نخاف من الحاضر أو المستقبل ،  لأنّ الروح القدس يملأ حياة المؤمن فيعيش في سلام ، ويوضّح لنا الرسول  بولس هذا السلام بقوله”لا تقلقوا أبدا بل أطلبوا حاجتكم من الله بالصلاة  والأبتهال والحمد وسلام الله الذّي يفوق كُلّ ادراك يحفظ قلوبكم وعقولكم في  المسيح يسوع”( فيلبي 4:5,6 )” . نستطيع أن نختصر قول الرسول ” دع القلق  وأبدأ الحياة مع يسوع المسيح” (عنوان كتاب قرأته ) انّه العلاج النفسي  والروحي لكلّ أنسان يريد أن يعيش في سلام مع نفسه ومع الآخرين . يخبرنا  الرسول بولس عن انّ أحد ثمار الروح القدس هو السلام“وامّا ثمرة الروح فهي  :المحبّة والفرح والسلام ...”(غلاطية 5:22)” .
انّ ثمار الروح القدس هي  صفات الشخصيّة المسيحيّة ، فالصلاح والفرح والمحبّة وطول البال واللطف  والأمانة والوداعة وضبط النفس يستمدّها المؤمن من ثباته بالمسيح  ، فالمؤمن  يشعر بالسلام عندما يمتلئ بالروح القدس ، ويقول كاتب الزمور  125“المتوكّلون على الربّ هم كجبل صهيون ،لا يتزعزع بل يثبت الى الأبد” مزمور 125:1  ويقول داود النبي في مزمور 11“بالربّ أحتميتُ فكيف تقول لي  اهرب الى الجبال كالعصفور؟ “الى الله ترتاح نفسي ومنه وحده  رجائي”(مزمور62:6 )” .
السلام الداخلي يؤثّر في قراراتنا ، يقول الرسول  بولس”وليملُك في قلوبكم سلام المسيح، فاليه دعاكم الله لتصيروا جسدا واحدا ،  كونوا شاكرين”(كولوسي3:15 )” ، انّ قلوبنا(عقولنا)هي مركز الصراع لانّ  هناك تتصادم مشاعرنا ورغباتنا ، مخاوفنا وامالنا ، أرتيابنا وثقتنا ،غيرتنا  ومحبّتنا ، في وسط هذه الصراعات المستمرّة يجب أن نحيا كما يريد الله وليس  كما يشتهي الجسد ، وانّنا يجب أن نكون”حَكما”بين هذه العوامل المتصارعة  على أساس السلام ، “فما ملكوت الله طعامٌ وشراب ، بل عدلٌ وسلامٌ وفرحٌ في  الروح القدس”( رومة 14:17)   ويقول الرسول ايضا:“…والأهتمام بالجسد موت  وأمّا الأهتمام بالرُّوح فحياة وسلام” (رومة8:6 )
كلّ أنسان لا يؤمن  بكلام الله ومواعيده ولا يسلّم حياته ليقودها الروح القدس فهو يعيش في حالة  التخبّط والتعاسة والكآبة والقلق والخوف من المستقبل ، إلا أنّ الذي يسلّم  القيادة للروح القدس ويسلّم ذاته لمشيئة الله ،عندها سيحقٌق الله ما يطلبه  الأنسان ولكن على طريقة مايريده الله لصالح هذا الأنسان (أُطلبوا تجدوا  أقرعوا يُفتح لكم..) .
قرأت منذ عدة سنوات موضوع عن مسابقة عالمية  لفنّاني الرسم  وكانت المسابقة عن أجمل لوحة فنيَة يرسمها الفنّان ليجسّد  فيها معنى السلام أو ماذا يعني السلام .
وقد رسم بعظهم أجمل مناظر  طبيعيّة والبعض الأخر شروق الشمس وشعائها الذهبي المنعكس من قمم الجبال  …الخ ، ولكن واحد من هؤلاء الفنّانين فقط فاز بجائزة المسابقة وكانت  اللوحة عبارة عن رسم لبحر هائج حيث امواجه تتلاطم الشطئان مصاحبة لعواصف  رعدية ولكن الغريب في هذه اللوحة هو وجود صخرة صغيرة  وسط هذا البحر الهائج  تتلاطمه الأمواج من كل الجوانب ومع ذلك كانت هناك حمامة جالسة على عش لها  على هذه الصخرة وهي غير عابئة بمايجري حولها بل كانت تنعم بسكينة وهدوء  وسلام . يقول الرسول بولس عن المؤمنين :”لأنّ الروح الذّي
نلتموهُ  لايستعبدكم و يردُّكم الى الخوف ، بل يجعلكم أبناء الله…”(روميا 8:15  )”.
فالمؤمن الحقيقي لايخاف بل يعيش في سلام لانّ الروح القدس الذي  ناله في المعموديّة يحرّره من الخوف ، ويسوع الرب قال عن الروح القدس بأنّه  المعزّي أي يشجعنا ويواسينا في الشدائد وهو يمنحنا القوّة لنكون شهودا  للمسيح دون خوف ، والروح القدس يشفع فينا بأناة ويمنحنا الفرح والسلام  والراحة والأطمئنان ، يقول الرسول بولس عن الحياة الجديدة في المسيح:”..فمن  يفصلنا عن محبّة المسيح ؟ أتفصلنا الشدّة أم الضيق أم الأضطهاد أم الجوع  أم العري أم الخطر أم السيف؟”(رومة 8:35 ) ، نعم المؤمن المتمسّك بالمسيح  يعيش بسلام وحريّة لانّه تحررّ  من الداخل ولهذا يقول الرب يسوع  المسيح:

(لاتخافوا من الذي يستطيع أن يهلك الجسد بل خافوا من الذي يستطيع أن  يهلك الروح والجسد) .

 

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!