ما ألفرقُ بين ألله في التوراة وألله في العهد الجديد؟
الكاتب: نوري كريم داؤد
ما ألفرقُ بين ألله في التوراة وألله في العهد الجديد؟
يتهجم ويتهكم الغير مؤمنين على الإختلاف الكبير في طبيعة تصرف الله في العهد القديم وبين طبيعته وتصرفِهِ في العهد الجديد, فما حصل في ألعهد ألقديم كان لإتمام أحكام ألله كديان عندما يكتمل إِثم ألشعوب, بينما ألله هو ألمُحب ألفادي ألغفور ألرحيم في ألعهد ألجديد مع أبنائهِ ألمؤمنين بفدائهِ.
فالله في العهد القديم لا يتسامح ويأمر بالق*ت*ل وبأشنع الطرق التي قد يستهجنها البشر أحيانا لشدتها وفضاعتها, بينما ألله في العهد الجديد متسامح وغافر لدرجة لا يقبلها التصرف العقلي البشري, فهو يطلب أن تسامح أخاك الإنسان وتغفر له إلى سبعين مرة سبع مراتِ على ألأقل إذا أخطأ نفس الخطأ تجاهك, ويطلب من المؤمنين أن يدوروا خدهم ألآخر إذا لطمهم أحد, وأن يعطوا ردائهم أيضا لمن خاصمهم وإغتصب ثوبهم. وبرهنَ أللهُ على صبره وتسامحه مع بشر يبصقون عليهِ ويشتمونه ويذهبون بهِ إلى ألصلب ويدق جندي بسيط مساميرا في يديه ورجليهِ وألأنكى من ذلك فهو لم يفتح فاهُ, وعندما نطقَ طلب من ألأبِ ألسماوي أن يغفر لصالبيهِ أفعالهم. فما هذا التناقض في تصرف ألله وطلباته في العهد الجديد عن ما فعله بالبشر في العهد القديم؟
فألله في العهد ألقديم هو ألخالق فيخلق من العدمِ كُلَّ شيء في الوجود, ثُمّ هو ألمنظم ومُسيّر الأكوان ومُشرِع قوانينها ونُظمها وأزمنتها أولاَ, وهو ألمحييالذي يهب الحياة لمخلوقاتهِ فخلقَ كُلَّ شيءِ حيِّ في الوجود, ومِنْ ثُمَّ خلقَ آدم ولهدفِ, ولم يفهم هذا الهدف معظم البشر عبر ألأجيال ولغاية يومنا الحاضر! ولما تدخلّ إِبليس وأفسدَ طبيعة مخلوقات الله وتسببَ في معصية آدم وحواء, أعدَ ألله خطة الخلاص لانقاذ البشرية من مصير ألموتِ ألجسدي والروحي ألذي أوصلهم إِليهِ إِبليس.
فلما فسدَ ألبشر ظهَرَتْ فورا طبيعةُ ألله ألحاكم وألعادل وألديان فأغرقَ ألخطاةِ ومن دونِ أيةِ رحمة, فقداسةُ ألله لا تقبل نجاسة الخطيئة. ودينونة الخطيئة هي ألموت ألابدي جسديا وروحيا بحَسَبِ عدالةِ أللهِ وقوانينهِ ألأزلية, وبالرغمِ من ضرورةِ ألدينونة ألقاسية ألتي شملت حتى ألاطفال ألرضع من ألبشرِ في حينِهِ, إِلا أَنَّهُ إِختار نوحا وأولادهِ ليُنقِذَ ألبشرية ولإِنقاذِ ما يُمكنَ إِنقاذهُ لغرضِ إِكمال ألهدف ألذي مِنْ أَجلهُ خلقَ ألأكوانَ والخليقةِ والبشرِ, وللضرورة غَيَّرَ أللهُ وأَنقَصَ أعمارَ ألبشرِ حتى لا تُغريهم طبيعة الخطيئة التي دخلت في أجسادهم عبرَ ألزمن فيفسدوا ثانية, خاصةَ وإِنَّهُ أي الله أعطى ألبشريةَ عهدا أَنْ لا يكونَ طو*فا*نا شاملاَ مرةَ أُخرى. ولما إِبتدأَ ألبشرُ يفسدونَ مرةَّ أُخرى عمدَ أللهُ إلى إِنقاذ ألمومنون بهِ وبخطة خلاصهِ ألتي أعدها منْ أجل إكمالهدفَه الحقيقي لخلقِ ألأكوان وألبشر.
وهنا عمدَ ألله إلى تبيان هذهِ ألخطة للبشرية وبمسرحيةِ حيَّة فإِختارَ أللهُ أشخاصها ليُمثلوا أدوارا لشخصيات في مسيرة الحياةِ ألبشرية من وقتِ آدم ولغاية نهاية ألزمان.
فإختارَ إِبراهيم كنواة ألإيمان ألبشرية ألجديدة وأعطاهُ دور آدم في ألمسرحية الحيَّة ألتي بدأ ألله بسَردِها بصورةِ حيَّة على ألبشرية, وهناكَ هدفان لهذهِ ألمسرحية ألحيَّة, ألأول إِختيار جيل إِيماني مِنَ ألبشر يُكْمِلَ أللهُ بهِم ألهدف ألحقيقي لخلقِ ألخليقَةِ وألبشرية ويجعلَ مِنهُم شعبا سماويا مُختارا لمملكتِهِ ألسماوية وألتي ذكرها ألمسيح للذين إستجوبوه قبلَ صلبهِ ولم يَفهموا مِنْ كلامِهِ شيئاَ, وطبعا شخصيات هذهِ ألمسرحية ألحيَّة يُكملون حياتهم ألطبيعية لكن يُمثلون ألشخصيات ألتي إتخذوا أدوارها ويُحَسِنوا من تصرفها إِيمانيا ومسيرةَ مع ألله, فيخلصوا هُمْ كما يخلصُ من ينتمي إلى نسلهم ألإيماني, وألإنتماءليسَ جسديا لهولاء الممثلون كما فَهِمَ أليهود وألعرب, بل إيمانيا بالسير على خطواتِ إيمانهم وألتشبه بهم. وأما ألهدف ألثاني لهذهِ ألمسرحية ألحيَّة فهو لإفهام ألبشر ماذا حصلَ في ألماضِ من أحداث للبشرية من وقتِ خلقِ آدم وبدأ ألخليقة وما سيحصل للبشرية مِنْ أحداث لغاية نهاية ألعالم.
وحالَ إِختيارِ إبرام ألذي أعطاه ألله دورَ آدم طلبَ مِنهُ مغادرة بلدتهُ آور ألكلدانيين وألإنتقال إلى أرضِ فلسطين ليبدأ أبرام فيها بتمثيل دور آدم, فقد إختارألله لفلسطين دور ألفردوس ألارضي ألذي كانَ فيهِ آدم وحواء اولاَ (وهنا فهمَ ألبشرُ بأَنَّ فلسطين هي أرض ألميعاد خطأَ), وهنا أعطى ألله أبرام إسمَإبراهيم وقالَ له من الآن يكون إسمك إبراهيم لأنَّك تكون أبا لحمهورِ أُمَمِ (أي كآدم الذي ستُمثل دورهُ), وغيرَ ألله إسم ساراي زوجة إبراهيم لسارة, لتبدأ بتمثيلِ دورِ حواء, وكانَ أولَ عملِ عملهُ ألله بعد ظهورهِ لأبرهيم بعد منحهِ دور آدم هو إعلامه بأنَّهُ هو ألله ألديان ألصارم بألإضافة لكونهِ ألرفيق وألخليل والصديق لإبراهيم وألبشر ألمؤمنين, فقال له بِأَنَّهُ عازم لإهلاكِ سدوم وعمورة بالنارِ وألكبريت وقلبها رأساَ على عقِبْ فقد فسدوا ووصلت آثامهم إلى السماء. أي بينَ ألله لإبراهيم طبيعته كديان ألذي لا تقبل قداسته آثام وخطايا ألبشر.
ألتكوين(18-20): وَقَالَ الرَّبُّ: “إِنَّ صُرَاخَ سَدُومَ وَعَمُورَةَ قَدْ كَثُرَ، وَخَطِيَّتُهُمْ قَدْ عَظُمَتْ جِدًّا. …. (23) فَتَقَدَّمَ إِبْرَاهِيمُ وَقَالَ: “أَفَتُهْلِكُ الْبَارَّ مَعَ الأَثِيمِ؟ … (25) حَاشَا لَكَ أَنْ تَفْعَلَ مِثْلَ هذَا الأَمْرِ، أَنْ تُمِيتَ الْبَارَّ مَعَ الأَثِيمِ، فَيَكُونُ الْبَارُّ كَالأَثِيمِ. حَاشَا لَكَ! أَدَيَّانُ كُلِّ الأَرْضِ لاَ يَصْنَعُ عَدْلاً؟” … (322) فَقَالَ (إبراهيم): “لاَ يَسْخَطِ الْمَوْلَى فَأَتَكَلَّمَ هذِهِ الْمَرَّةَ فَقَطْ. عَسَى أَنْ يُوجَدَ هُنَاكَ عَشَرَةٌ”. فَقَالَ: “لاَ أُهْلِكُ مِنْ أَجْلِ الْعَشَرَةِ”.
وقلبَ أللهُ ألديان سدوم وعمورة ومات كُلَّ ساكنيها كبارهم وصغارهم ونسائهم وأطفالهم, منظر صعب لفهم ألبشر, فقد يكون هناك أطفال رُضع من بينهم, فألله صارم جدا كديان بالرغمِ من كونهِ ألمحبةِ ذاتها في حِلْمِهِ وصبرهِ وأناتِهِ, وما لا يُدرِكُهُ ألبشر إِنَّ ألله لم يُهلِكْ ويُعذِبْ سكان سدوم وعمورةجسديا فقط, بل روحيا أيضا فرماهم في ألنيران ألابدية.
وهنا أعلمَ أللهُ إبراهيم بأنَّ نسلهُ ألجسديين سيكونون عبيدا لفرعون لمدة أربعمائة سنة, ثُمَّ يُخرجهم أللهُ من هناك, حيثُ لَمْ يَكتَمِلْ إِثمُ ألاموريين إِلا بعدِ أربعمائة سنة يسخطون ألله خلالها ليحُلَّ موعِدَ هلاكِهِمْ, فألله كديان لا يُدين ويُهلِك ألبشر إلا إذا إستنفذ كُل ألسبل لهدايتهم, وهنا نستغربْ فإِبراهيم لمْ يسأل ألله ألقدير لماذا ستترك نسلي يُستعبدون؟ طبعا كان هذا لأنَّ ألبشر بعد خطيئة آدم وعصيانه أُستعبدوا لابليس ألذي أعطى ألله لفرعون مصر دورهُ في هذهِ ألمسرحية ألحيَّة ألحقيقية بنفس ألوقت, ففي هذهِ ألمسرحية ألحية يجب أَنْ يُستَعبد نسلُ إبراهيم لممثِل إبليس مثلما أُستُعبِدَ نسل آدم لإبليس, ومنْ ثُمَّ يبدأ تحريرهم من عبوديتهم تماما كَما تَمَّ تحرير بني ألبشر بفدائهم بدفعِ مستحقاتِ عبوديتهم ودينونتهم على ألصليب لاحقا.
وعند تحريرِ بني يعقوب ألذي سماهُ ألله في هذهِ المسرحية ألحية بإس*رائي*ل, فاولا تمَّ معاقبة ممثل إبليس وجُندِهِ, أي فرعون مصر وجندهِ, وتَمَّ فداء نسل يعقوب رمزيا أولا بالحملِ ألذي ذبحوه وإِقتسموه فيما بينهم لكُلِ مجموعةِ منهم, وتمَّ أعطائهم ألتشريعات والوصايا, ولم يستحقوا دخول ألأرضِ ألموعودةلعدمِ إيمانهم, بالرغمِ من حملهم علامة ألعهد ألتي أعطاها ألله لإبراهيم ونسلهِ ألجسديين أي ألختان, فأتاههم ألله أربعين سنة في صحراء سيناء ألتي مثلت مرحلة ألعملِ بالوصايا وأحكامِ ألشريعة رمزا بتوهان ألبشرية, وهي ألفترة التي تعيشُها ألبشرية حاليا قبل حلول موعدِ آخر ألايام وزمن ألنهاية, وحلولِ هذهِ ألفترة ألزمنية للبشرية الحالية, قابلها في ألمسرحية ألحية ألتي تَمَّ تمثيلها من قِبَلِ يشوع بن نون وقومهِ عندما دخلوا أرض ألموعد وما فعلوه بأريحابأمرِ ألله ذاته, فأُمروا أن يسير ألجند وخلفهم سبعةِ كهنة حامين سبعة ابواق وبعدهم تابوت عهد ألله, وأن يطوفوا حول اريحا مرة واحدة لستة أيام, ومن ثُمَّ يطوفوا حولها سبعة مرات في اليوم ألسابع ويهتفوا وينفخ الكهنة السبعة بالأبواق, فيسقط سور أريحا بإعجوبة ربانية, وأمرهم ألله أن يدخلوا المدينةويق*ت*لوا كل سكانها الكبار والصغار والأطفال الرضع, وحتى كل ألحيوانات ألتي في ألمدينة, فهل هناك أفضع من هذا الق*ت*ل والتدمير والذي يشمل حتىالحيوانات البريئة وأخيرا حرق ألمدينة بكُلَ ما فيها بالنار.
وهنا يضن أكثر البشر وأولهم كُنْتُ أنا عندما قرأت ألموضوع أول مرة, بأنَّ قوم يشوع فعلوا ما فعلوا حقدا ولإغتصاب ألأرض ليس إلا ويُبرروا ألامر دينيا بأوامر تلقوها من ألله ذاته! فاي إلهُ هذا ألذي يأمر بق*ت*ل الأطفال والرضع وحتى الحيوانات ويأمر بحرق ألمدينة بالنار وينتقمَ من أي شخص أخذَ غنيمة من أريحا!
لكِنّ الحقيقة هي إنَّ ألله أعطى مثلا للبشرفي هذهِ ألمسرحية ألحيّة عن الذي سيحصل في نهاية ألعالم وآخر ألزمان, فعندما إكتمل إثمُ سكانِ أريحا إستحقوا العقاب ألذي حلَّ بهم تماما كما حلَّ بسكانِ سدوم وعمورة عندما إكتمل إثمهم من قبل, وهنا أُخذت اريحا عند إكتمال إِثمها رمزا حيّا لما سيحصل على الارض وسكانها في ألأيام ألاخيرة عندما يكتمل إِثمُ ألارض, فكما تقول رؤيا يوحنا عن مستقبل الارض في ألايام ألاخيرة ونهاية العالم, سيضرب سبعة ملائكة – كل مرة ملاك واحد في بوقه لإنزال مختلف الضربات كما في الرؤيا على الارض لغاية ألملاك ألسابع, وعندما يضرب الملاك السابع في بوقهِ يتبعهُ مباشرة سبع ملائكة يصبون سبعة جامات من الغضب ألإلاهي على ألأرض وسكانها فيموت كل سكان الارض بما في ذلك الاطفال والرضعوحتى الحيوانات ولا يبقى اي من البشر لأخذِ أيةِ غنيمة, ولذا مُنِعَ أتباع يشوع بن نون من أخذِ الغنائم لأنَّ ذلك يناقض الواقع الذي سيقع على الارض والبشرية, وبعدها ستُحرق الارض بِكُلِّ ما فيها وعليها. فالله ألديان ومن دونِ أَيَّةِ رحمة يأمر يشوع وجماعته هنا من إنزال العقاب الرباني كديان علىأريحا وسكانها وحيواناتها لأَنَّها أخذت دور العالم في هذهِ ألمسرحية ألحيَّة في ألأيام ألاخيرة ألتي تسبق ألدينونة, فعندها سَيأمر أللهُ ألديان بإنزال ألعقاب ألإلاهي على ألأرض فيُفنى سكانها وحيواناتها جميعا وتُحرق بالنار, فيخلق ألله بعدها أرضا جديدة وسماءَ جديدة يسكنها ألبر.
فنحنُ كبشر نتعجب من ألأحكام ألإلاهية وقت يتصرف ألله كديان ومن دونِ أية رحمة, خاصة عندما نراهُ ونقرأ عنه بأنَّهُ ألخالق ألرحيم ألمُحب للبشر ألذي يتجسد ويفديهم بذاتهِ ألمتجسدِ على الصليب لا بل ويُسامح حتى صالبيهِ, فقد كانَ ألفداء هو ألحل ألوحيد لإنقاذ ألبشر ألمؤمنين ليكتمل ألهدف ألذي خلق أللهُ بسببهِ ألأكوان وألبشرية جمعاء, أي ليخلقَ شعبا سماويا مفديا لملكوتِهِ ألسماوي ألأبدي.
فما حصل في ألعهد ألقديم كان لإتمام أحكام ألله كديان عندما يكتمل إِثم ألشعوب, فالله هو الخالق والمشرع العادل والديان ألصارم ألذي لا يمكن أن تُنتقص أحكامُ قوانين عدالتهِ في العهد القديم, بينما ألله هو ألمُحب ألفادي ألغفور ألرحيم في ألعهد ألجديد مع أبنائهِ ألمؤمنين بفدائهِ, فإحسبوا أناةِ ربُنا في ألعهد ألجديد خلاصا, وآمنوا بفدائهِ وخلاصهِ لكي تقعوا تحت قوانين خلاصهِ وفدائهِ وتسجل أسمائكم في سجل ألحياة, والويل لمن يبقى خارجا او يُمحى إسمهِ من سجل ألحياة ويقع تحت قوانين ألله كديان فيهلك في ألنار ألابدية.
نوري كريم داؤد
16- 10- 2016