مقالات

منازل القلب؛ فاروق وادي

منازل القلب؛ فاروق وادي كتاب يقع على متن 140 صفحة من القطع المتوسط وهو من اصدارات المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمان بطبعته الاولى سنة 1997 .

هذا الكتاب يناول سيرة المدينة والمكان [رام الله] وسيرة صاحبنا فيها ابتداء منذ الولادة وتسميته بفاروق وسبب التسمية المفاجيء ودراسته وتنقله بين مدارسها وحتى النزوح على اثر نكسة حزيران ١٩٦٧، تلك الفترة التي بقيت تعيش في الذاكرة ومنها جائت احداث الكتاب.

فالكتاب يتحدث عن رام الله كمدينة لها ذاكرة وتاريخ وهوية تستحق ان تروى وان تعرف، وهذا ما اقدم عليه فاروق وادي في هذا الكتاب، والذي اشار في نهايته بانه كتب هذه المادة بعد زيارتين له الى مسقط راسه، الاولى ١٩٩٥ والثانية ١٩٩٦، اي بعد انشاء السلطة الوطنية ا*لفلس*طينية.

في هذا الكتاب يتحدث فاروق وادي بلغة شاعرية مفعمة ومزدحمة بنوبات الحب والحنين، يكتب صاحبنا اعتمادا على الذاكرة وما اختزنته ايام الطفولة واللجوء والشقاوة في شوارع رام الله ومخيمها ومدارسها وابرز معالمها، فصاحبنا يكتب عن رام الله كما هي وبنفس تلك التفاصيل العالقة بالذهن، والتي تحتل حيزا مهما في الذاكرة التي لا تشيخ..

صاحبنا يكتب عن رام الله كما هي وكما تراها عين القلب لفتى يرجع للمكان بعد غياب قسري ثلاثون عاما تقريبا فلا يرجع اليه المكان، فيبحث عمّا ضاع منه وعن كل ما كان، فكان هذا الكتاب الرائع ثمرة هذا الحنين والعودة [المنقوصة] للجزء المتاح من الوطن.

في الكتاب سطور وصفحات عن تاريخ رام الله وحكاية عائلاتها وهجرتهم ونزوحهم وارتباطها الوثيق بالبيرة وسبب هذا الارتباط والتماهي، كما يتحدث عن كل معالمها وابنيتها ومراكزها وشوارعها ومدارسها وابرز النخب والاحداث فيها، كما يتحدث عن جوامعها وكنائسها وحكايتها مع العذراء، ولا ينسى ان يفوته الحديث عن الاحتلالات المتعاقبة التي ارخت بظلها الثقيل على المدينة وقد احسن صاحبنا التقاط اللحظة والتعبير عنها على ظهر الصفحة ١٣٠ حين سأل عمته، عمتي يا عمتي، كم عمرك الآن؟” انا داري يا عمتي… هات القلم والورقة واحسب معي. عشت 11 سنة تحت حكم الاتراك، و 31 سنة تحت حكم الانجليز ، و19 سنة تحت حكم الاردن، و 10 سنوات بعدها تحت حكم. اليهود فاحسب معي يا عمتي كم عمري”.

في هذا الكتاب نتلمس كم كان وادي متيما حد الوله بحب رام الله، فعلى مدار صفحات الكتاب تشعر بذلك الحنين الجارف للطرقات والاماكن والحكايات، حتى تخال نفسك تشاهد منظرا سينمائيا او فيلما وثائقيا يحكي عن رام الله المدينة ذات التاريخ والحكاية التي اصبحت فصول ذكرياتها لا تنتهي…

صاحبنا ابدع واحاد بالتقاط كل ماراه او تراء له؛ فاجاد انتقاء والتقاط اللحظة والفكرة التي يصورها؛ فكان كالمصوراتي المبدع الذي يحسن التقاط المشهد الانسب في الوقت الانسب، وكان بعد عودته لرام الله كمن يتقمص كتبة المعلقات الاوائل من الشعراء حيث الوقوف على الاطلال ونظم القصائد التي تبكي الحال وتبدل الاحوال وتشبع نحيبا على ما قد مضى…

” عيناك تدوسان المكان ، بينما تطلق الذاكره بروقها التي تتسكع في الزمان.. في الزاوية القصية منه، فتضاء الامكنة، ويمتلك الحجر خاصية افراز احداث حدثت… وقدرة على استدعاء البشر ، فترشح بهم كل شقوق الجدران وشقوق ذاكرة مهيئة، تقف على اهبة الاستعداد…

تتطلع الى بيت، فيتدفق اليك ناسه. تستعيد المكان في ذاكرتك فتاتيه الارواح الراحلة، الهائمة في المنافي او في ملكوت الرب” ص ٥٠.

يمضي صاحبنا في شوارع المدينة فتستفيق الذكريات وسيرة المدينة، وينساب قلمه مع تعدد الخطوات، وينهال الحنين مع اعين المحب العائد بعد فراق بمجرد نزول حبات المطر، يقول صاحبنا على ظهر الصفحة ١٣٥:” لا تسال اهل المدينة كيف كيف نسجوا حكاية رعدهم، اسالوا الخالق الذي اختار هذه السماء دون سواها لمثل هذا المطر ، وهيئها مدى مفتوحا للريح وسنابك جياد تسبق الريح، وتحمل على ظهورها اجسادا اثيرية منذورة القداسة والنبوءات…
ارض خلقت لمثل هذه السماء …
سماء خلقت لتعدو فيها جياد الانبياء…
تكاد تتماثل للشفاء من الحنين، تتخفف من نزف الاشواق، لكنه المطر … يعيدك الى كل ما كان فيك، وينفث في الروح شوقا ازليا للمكان، لا يستكين .. ولا يسكن باللقاء، وحنينا لا شفاء منه لرام الله، مكانا وزمانا!
مطر لا يشبهه مطر اخر …
مطر يعيد للارواح الهرمة روحها…

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!