آراء متنوعة

التقليل من شأن الآخر – قراءة في الجذور النفسية

ا.د. حسين الزيادي – جامعة ذي قار

التقليل من شأن الآخرين وتهميش نتاجاتهم الاجتماعي والعلمي والفكري اسلوب مرفوض وتصرف ذميم، بل هو من أقبح الرذائل وأخس الصفات التي تنم عن اضطراب نفسي وسلوكي، وفيه اشارة الى وجود شخصية سادية سايكوباثية ذات ميول مرضية، إذ يلجأ البعض للتقليل من شأن الأخر نتيجة شعوره بتفوق الآخر وعدم امكانية اللحاق به وعدم قدرته على تحقيق اهدافه، وربما يلجأ البعض لهذا الاسلوب حين يصاب بصدمة نتيجة فشله في مجال ما فيبدأ بتقصي زلات الآخرين الذين نجحوا حيث فشل، بل افتراء أخطاء لهم لم يقترفونها وهفوات لم يقعوا فيها ، بما يقلل من نجاحهم ويعرقل مسيرتهم في محاولة منه للانتصار والسعي الى شفاء الغيظ الذي يعتمر صدره، فعند ذلك يحاول جاهداً ان يقلل من شأن الآخر، وقد يلجأ بعض ضعاف الشخصية والعناصر الهزيلة للتقليل من قيمة الآخرين ومكانتهم للضعف الكامن في نفوسهم، فتنشأ هذه العقدة النفسية لتحقيق ثلاثة اغراض رئيسة هي:-

أ‌- ارضاء الآخرين من الذين يرغبون في هدم شخصية معينة واسقاطها واضعاف مكانتها والانتقاص منها فينفذون رغباتهم الشخصية بالتقليل من شان الآخرين في محاولة منهم لتسقيط الشخص الناجح كثمن لكسب رضاهم ونيل قبولهم، وهؤلاء مصداق لمن اخرته بدنيا غيره.

ب‌- الحسد والانتقام والحقد والعجز عن الرقي الى مستوى الآخرين، فيلجأ الى الهجوم عليهم والانتقاص منهم كموقف تعويضي ملتو للتعبير عن عقدة الحسد والعجز عن الرقي الى مستوى ذلك الشخص فيلجأ الى اسقاطه بذكر او اختلاق بعض النواقص والعيوب التي اطلع عليها او التي اختلقها زوراً وبهتاناً.

ج- ربما يشعر البعض ممن يحاول التقليل من شان الآخرين والنيل منهم ومن نتاجهم وافعالهم، انه بفعلته هذه يعلو بذاته ويضفي مكانة واهمية لوضعه الفكري والاجتماعي.

ولهذه الظاهرة اسباب وجذور نفسية تتعلق بتراكم الخبرات السابقة للفشل بالشكل الذي يجعل البعض يتلذذ في البحث عن هفوات الناجحين وزلاتهم وأخطائهم ان وجدت، واختلاقها ان لم توجد، بل وتضخيم تلك الزلات لتأخذ طابع الاثارة، ويحاول ان يضيف عليها اضافات يجعلها اكثر جذباً وأعمق تأثيرا لدى المتلقي بالشكل الذي يسهم في تهديم شخصية الآخر.

وربما يتخذ التقليل من شان الآخرين صفة (التبخيس) ، اي التقليل من وزن وقيمة الاخر، لتبرير العن*ف اتجاههم، وتحقيق الرضا النفسي للمصاب بالعقد النفسية والاضطرابات السلوكية وشيزوفرينيا انفصام الشخصية الذي يجعل الشخص يرى أشياء غير موجودة ويختلق عدواً وهمياً ويحاول التقليل من شأنه ما امكنه ذلك، ويكون لديه قناعات غير صحيحة مما يجعله يتخذ مواقف وفقاً لذلك، وتؤدي دوافع الغيرة والحسد والأنانية والأثرة وانعدام العدل والإنصاف دوراً كبيراً في هذا المجال..

وقد نهت الشريعة الاسلامية عن تبخيس حق الآخرين والآيات القرآنية في هذا الاتجاه كثيرة ، ومنها قوله سبحانه وتعالى: (وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) سورة هود:85.

والغيبة احدى مصاديق التقليل من شأن الآخرين، فقد رويّ عن أبا عبد الله الصادق(عليه السلام) يقول: الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره الله عليه ، اما البهتان فتقول فيه ما ليس فيه، كما رويّ عنه (عليه السلام): من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه وهدم مروءته ليسقط من أعين الناس أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان، وفي حديث اخر روي عن الإمام الصادق (ع) ايضاً وهو يروي عن جده الرسول الاكرم أنه قال: (اذكر أخاك إذا توارى عنك بما تحب أن يذكرك به إذا تواريت عنه، ودعه من كل ما تحب أن يدعك منه).

وعلى المستوى الاسري يتخذ التقليل من شأن الآخر بعداً آخر، اذ ربما يتم الأمر عن جهل وبدون قصد الضرر بالآخر فيقوم الأب او الأم بالتقليل من شأن اطفالهم، وعندها يفقد الطفل ثقته بنفسه شيئاً فشيئاً، ومع الوقت يبدأ بالاقتناع أنه غير قادر على التحكم بالأمور وهذا النوع من العلاقات لا يمت للحب بصلة، اذ يخسر الطرف الخاضع امكانياته الاجتماعية فيفضل الانعزال وعدم التواجد في المناسبات العائلية والاجتماعية ويفضل الصمت، ويتخذ وضعية دفاعية بشكل دائم مما يسبب له التوتر الدائم ، وهذا النوع من الاضطهاد النفسي والعن*ف المعنوي لا يقتصر على الاطفال، اذ تعاني منه النساء كما الرجال .

وتأسيساً على ماتقدم بات من الضروري الالتفات لهذه الظاهرة وبيان اخطارها واسبابها وطرق الحد منها على الصعيد المجتمعي او الاسري ، واصبح من الضروري اشاعة ثقافة الكمال لله والعصمة للمعصومين، ومن كان صادقاً حريصاً على الآخرين، فليدعُ لهم بالهداية والتوفيق، وليقدم لهم النصح ما استطاع لذلك سبيلًا، وليستر ما علم من حالهم، ولا يبحث عن زلاتهم ولا يضخم اخطائهم فهو امر مرفوض من الناحية الشرعية والقانونية والاخلاقية.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!