مقالات دينية

رئاسة ربان جبرائيل على دير ربان قفريانوس

الكاتب: وردا اسحاق

 

 

 رئاسة ربان جبرائيل على دير ربان قفريانوس

الجزء الثاني

بقلم / وردا أسحاق قلّو

بعد وفاة ربان بولس رئيس دير ربان قفريانوس ، بدأ الرهبان يغادرون الدير فأجتمع سكان تلك البلاد مع الأخوة وقصدوا ربان جبرائيل وأعلموه أن دمار ديرهم وشيك أن لم يتداركه بأهتمامه ، وقالوا له ( ان الأخوة كلهم يغادرون ، وان هذا الموضع المقدس الذي تعبتم في إقامة سيخرب قريباً ) فأجابهم ( إني لا أستطيع ان انتقل بدون الأمر الأهي الذي أذن لي بالرجوع من بلاد قردو وأولاني الراحة في هذا الموضع المقدس ، فأرجعوا إلى بيوتكم وفي هذه الليلة نصلي غلى الرب انا والأخوة لكي تتم بنا مشيئته ) . أمر الأخوة بقيام صلاة على تلك النية ، أما هو فصعد إلى صومعة الأنبا يوحنان وأمضى الليل كله في الصلاة إلى الله . قبل بزوغ الفجر ، وبينما كان منهدجاً خطف عقله ورأى وكأنه في بيت شهداء دير ربان قفريانوس ، وكان قفريانوس حي يتلو وحده هذا المزمور ( ما أطيب وما ألذ أن يسكن الأخوة معاً ) ” مز 1:132″ . وكأن قفريانوس يطلب منه تلاوة المزامير بصفين متقابلين ، ولا زالت العادة جارية في الكنيسة . أستيقظ وثاب الى نفسه وقد غمره الفرح والأبتهاج وعرف ان مصدر الرؤيا هو الرب الذي يأذن له بالأنتقال الى ديرقفريانوس . أنحدر في الصباح الى ديره وأقام عليه مدبراً ووعد أنه لن ينساهم أبداً . نزل مع الرهبان ومنحه الرب موهبة السيطرة على الشياطين وشفاء كل الأوجاع والأمراض بقوة الصليب ، وانعم الله عليه برؤى عديدة ، وكان يرى ويعرف الأمور البعيدة كالقريبة ، وحمل صليب يسوع بحرارة مضطرمة وتبع هوان الصليب فعظمه الرب بالقوات والعجائب التي كان يعملها ، وأنعم عليه برؤى مجده ، ريثما يأتي اليوم المنتظر فيدعوه ويقيمه عن يمينه في مجلس أتباع انطونيوس وكل الأبرار . وبسببه أجتمع في ذلك الدير رهبان عديدون ، فكل راهب مهمل وخامل تقوى وتجدد في عمله النسكي  . كان ينصح كل الأخوة ويقول:

 ( ان الزمان قصير ، يا أحبائي ، فإننا نشتغل اليوم أمام الرب في هذه الحياة ثم نجتاز ، وأجرعملنا القليل محفوظ لنا مدة لا ينهيها سير الأزمان وتعاقبها . انظروا يا أحبائي كم احتمل الأنبياء القديسون من الآلام والمحن ، وكم عانى الرسل الطوباويون من الضيقات والعذابات ، وكم قاسى الشهداء المظفرون من الأهوال والميتات القاسية لأجل ملكوت السماء . تأملوا الأباء الآباء المتوحدين كيف تركوا العالم وأمواله ونبذوا محبة الآباء والأخوة وخرجوا عراة إلى القفر وحدهم حباً بالرب الذي قال لهم : ان كل من لا يترك أباه وأخوة وأبناء وبنات وكل شىء ويبغض نفسه ويحمل صليبه ، أي الشدائد والتجارب المرة ويحتمل لأجلي كل الصعوبات ويكفر بالمنظورات لا يمكنه أن يكون لي تلميذاً . أيها الأحباء لا نقرأن مىثر القديسين بدون ان نكمل في نفوسنا اعمالهم ، فالله يعير بلسان داود من يقرأ ولا يعمل ، قائلاً ” ما لك تحدث بحكمي وتأخذ عهدي على لسانك ؟ وانت قد ابغضت التأديب ونبذت كلامي ورائك “ مز49: 16-17 . ويكتب بولس الألهي في رسالته البديعة . ” ليس العارفون بالناموس هم المبررون أمام الله ، إنما مكملوا الناموس هم يبررون “ رو 13:2 . فلا يطمئننا ثوبنا والعباءة السوداء وأكليل الرأس والزي الذي نحن به متوشحون ، كأن هذه الأمور شىء يذكر قدام الله ، فإن في العالم أناساً مساكين لا يملكون حتى هذه الأشياء ، بل أنهم عراة ومعوزون ومتضايقون محتاجون وليس لديهم حتى الخبز اليومي ، ولأنهم مهتمون بالأمور الباطلة ، لا يشفق الله عليهم لأجل عوزهم ، فلأن تصوموا وتصلوا وتسهروا وتشتغلوا طيلة حياتكم ـ فإن هذا الشغل لا يوازي القوت الذي بع تعيشون . فلا تظنوا أنكم ستكافأون عوضها في العالم العتيد . فأن سعادة ذلك العالم لا تعطي لأجل الأتعاب بل تمنح للقديسين مجاناً . والأجر المحفوظ للصالحين هناك شبيه بعدل الله . لأن أتعاب القديسين أزاء نعمة الله . إذن أيها الأحباء لا تظن أن التعب الزهيد الذي نعانيه سيبررنا أمام الله ، بل بالحري ليكن لنا دافعاً الى الخوف .فلعل آبائنا وأخوتنا المرتبطين بالأرضيات يكونون أفضل منا هناك أمام الرب هم الذين يؤدون الجزية ورأسهم منحن أمام ضرائب الملوك وهم يفرجون عن المضايقين على المحتاجين ويحسبوننا صديقين ، لأنه مكتوب : ” أن غبطة من يعطي لأعظم ممن يأخذ “ فلا نفقدن تلك الطوبى بأكلنا ثمرة شغل المؤمنين ونحن لا نعمل شيئاً يذكر لمعيشتنا . فالأجير الذي يشتغل بأستقامة أمام إنسان يشبهه ، فكم بالأحرى يجب ان نأكل خبز الرب بدموع ، ولا نهملوقتاً واحداً من الشغل الذي يقتضيه مسلكنا المقدس ” .

” أيها الأخوة ” لنتذكر ذلك الملكوت الذي لا يحول ، والخدر الذي لا يزول ، والنور الذي لا يفنى والذي فيه ينعم والقديسون . ولنصِب الى تلك الأخوة التي لا يدانيها الحسد والأتفاق الذي لايفصم والشركة التي لا تنقسم والصداقة التي لا يعتريها الملل وبها تفعم قلوب الصديقين بمنظر جلال المسيح المسجود له . وإلى ذلك الأجتماع الذي ر يرفض ، إجتماع الكنيسة المكونة من الروحانيين والجسدانيين ، وإلى تلك العذوبة التي لا تتغير . الناتجة عن صوت تهاليل المهللين ، وإلى ذلك التواضع الذي لا يرتفع ، وذلك الأرث الذي لا يغتصب الذي يرثه الأبرار في عالم النور. وذلك المجد الذي لا يوازي الذي يتوشح به أبناء النور هناك . وتلك الموهبة التي لا تسرق والتي يرثها الأبرار في عالم المسيح الجديد . وذلك الشكر غير المنقطع الذي يصعده المناطقون كلهم بغير سكوت . فلما تتألم عقولهم اليقظى في هذه الأمور وفي أمثالها  ، أيها الأطهار الأحباء ، تجدون قوة اتستطيعوا أن تقمعوا وتحتقروا الأهواء القبيحة التي تختلج فيكم بسبب شقاء الجسد الذي تحملون وزره وميل نفوسكمالمنقلبة ، فتستقوا النعمة التي تمنح كل المواهب لكي تقضوا أيامكم من مأمن من كل الهجمات ، حسب أرادة خالقكم ، فتكونوا في هذا العالم هياكل مقدسة ترتل تسابيح الرب ، ومساكن مجيدة تسمع فيها أصوات المجد والخلاص ، كأنوار بين الظلمات ، فيرى الناس أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السماء ، وتكللون بمجد لا يزول مع كل الأبرار الذين بلغوا أليه وسيبلغون .

كان ذلك الفم المقدس يتدفق بهذه الكلمات على مسامع الرعية التي أودعت له . ومثل زرع جيد ألقي في حقل مخصب ، كانت نفوس تلاميذه تعطي ثماراً ، ويزداد أولاده ألقديسون فضلاً وشهرة ، حتى أصبح أبناء هذه الجمعية التي يرئسها هذا العامل الصالح وخادم بيت المقدس . الحكيم والقديس ربان جبرائيل ، علة مجد لسيدهم ).

إلى اللقاء في الجزء الأخير للقديس جبرائيل

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!