مقالات دينية

قديسان من بلادي …. جبرائيل وأخيه بولس

الكاتب: وردا اسحاق

 

 

قديسان من بلادي …. جبرائيل وأخيه بولس

أعداد / وردا أسحاق قلّو

الجزء الأول

ظهر قديسين آخرين بعد الراهب قفريانوس في نفس المنطقة ومنهم الراهبان جبرائيل وأخيه بواس . فالراهب بولس الذي تعمق في أسرار المسيح فأجرى الرب على يده آيات تساوي آيات الأنبياء والرسل ، فما كتبه الأقدمون عن مآثره ، وكنب عنه من قصص التي رواها بعض الرهبان الذين رأوه وعاشوا معه ، كما رواها الكهنة ومؤمنون كثيرين . إضافة إلى قصة أخيه بولس الشهير بين الأبرار ، فلا يجوز أن يجهل العالم أخبار وبطواة هذين الرجلين اللذين لا ينقصان عن القديسين الأولين فيترتب على القارىء أن يكرم ويُقَدِر المواضيع التي كتبت ، ويقتطف من هذه القصص ما هو مفيد لأيمانه .

أصل القديسين هو من قرية لوز في منطقة بيث كرماي ( كركوك ) من أبوين صالحين . الأب أمتاز بأيمانه وأعماله الصالحة . والأم كانت أمرأة صالحة أنجبت ولدين ، سميّ الواحد بولس والآخر جبرائيل . ولما كانا ما يزالان طفلين بارح والدهما الحياة الزمنية  فظلت الأسرة في عهدة الوالدة التي عكفت على قراءة الكتب المقدسة والصلاة والصوم ، كما كانت غنية بالصدقات والمواهب توزعها على المساكين . أخذت أولادها إلى الغربة في سبيل الله ، والله العالم بكل شىء قبل حدوثه حينما رأى حب تلك المؤمنة ، وعلِمَ من ولديها الراغبان أن يكونا من بني ملكوته ، وجّهَ التي احتقرت كل شىء لأجل محبته مع أبنيها إلى قرية أسمها ( صورا ) وكان فيها مدرسة شهيرة وأساتذة علماء . وكانت لا تزال بقي من المؤمنين الأتقياء يهتمون بجمع الطلاب والأساتذة الذين يهودن العلم . فلما رأت المرأة سكان تلك القرية راسخين في الأيمان أختارت السكنى فيها ، وأدخلت ولديها إلى المدرسة ، وكانت تعلمهما على الأعمال الصالحة ، وتنصحهما وترشدهما إلى أحتقار حطام الدنيا الزائل . ولم تكن تسمح لهما بأي عمل سوى تلقي العلم ز ومكثا في تلك المدرسة خمسة عشر سنة إلى أن تضلعا في العلم الألهي كله . ومع العلم النظري والعملي ، أي الصوم والصلاة وسهر الليالي مع أمهما التقية التي لن تتركهما أبداً ، بل كانت تحضر معهنا الكنيسة والسهر في الأعياد المقدسة والآحاد مثل حنة أبنة فنوئيل . فلما نالا حظاً وافراً من الثقافة ولم يعودا بحاجة إلى المدرسة أشارت عليهما الأم العجوز أن يتركا العالم وينخرطا في السلك الرهباني . في زمنهم كانت مدرسة القديس قفريانوس مزدهرة برجال أبرار كاملين يفوح منهم عرف جهود أبيهم قفريانوس ، فبأرادة الله وبمحض أختيارهما ومحبة الوالدة أننخرطا في ذلك الدير فقبلا فيه وأكملا سني الأبتداء الثلاث بطاعة كاملة مرضية لدى الله وكانا مهتين بحفظ النظام وبضيافة الغرباء وبشغل الدير كله ، كما كانا يعطيان القدوة الصالحة لكلالأخوة في الدير والغرباء الزائرين ، فكات الغيرة عند بولس تمتزج بشىء من العن*ف ، أما أخيه فكان هادئاً وديعاً ومضطرماً بحب المسيح ، وكان الأخوة كلهم يدعونه ( الشيخ) للُطفِهِ ، فهل من وداعة مثل وداعته ؟ وهل حكيم يدانيه بطيب المعشر مع الجميع فإن من لم يره قط كان بوسعه أن يميّزه لخصاله الحميدة ولمظهره الرزين ، فكان منظره طاهراً وكلامه هادئاً ، ومشيته مرتبة ، وعيناه منخفضتين ، وقامته منحنية يتأمل في الكتب المقدسة في الساعات التي لم يكن فيها مقيداً بعمل الأبتداء . أنهى الأخوان الأبتداء بحكمة ، إذ بدون الأبتداء لا يتيسر للمرء أن يكمل السيرة الهبانية . وفي يوم كانت الجمعية تحتفل به بعيد ، خرجا إلى الصوامع وجلسا في الغزلة ، وكان بولس الفاضل يهتم بالغرباء والمرضى لأنه كان يتعاطى الطب الجسدي أيضاً . أما الوالدة العجوز فاسكنها في كوخ بجوار صومعته ، فبعد أن أجتهدت في سيرة فاضلة على غرار النساء الطاهرات القديسات رقدت بالرب بالأسم الصالح والراحة الطيبة .

فَضّلَ جبرائيل في المكوث في الصومعة والعكوف على النسك ، بينما بولس أخذ على عاتقه أن يستقبل المساكين ويعولهم بثمار جهده وشغله ، كان جبرائيل مثل أيليا النبي يفضل العزلة .

أنتقال جبرائيل إلى بلاد قردو وعودته إلى البلاد

في بلاد قردو مكث في الدير زماناً طولاً وهو يدأب وينمو في مختلف أنوع السيرة النسكية ، في الصوم والصلاة والسهر والبكاء بين أوقات الصرة ، فصار كل الأخوة يخبطونه ، فعندما رأى ذلك من الأخوة من الأكرام والطوبى ، رذل كل شىء ( صومعته وىثاثه وكل ما كان يملك ) وأخذ مزودة صغيرة مع الكتاب المقدس وخرج خفية في الليل دون أن يعلم به أحد . وقصد أن يكون زاهداً بعيداً وغريباً عن معارفه ، فيمم شطر جبال قردو ، وأتخذ له مسكناً في كهف وجده في واد كثيف الأشجار بعيداً عن كل عشرة وتعزية بشرية . أما قوته فكان من العروق والأثمار ، فهل من تجربة شيطانية لم تعبر عليه هناك ؟ أن الذين عاشوا في العزلة وحدهم يعرفون طعم هذه المرائر . كان جبرائيل يأنس الحيوانات التي كانت تقصده دةماً وتقف بوداعة بين يديه كما كانت تفعل مع نوح في السفينة . كانت الحيوانات تقترب من جبرائيل وكأنها تلجىء إليه وتحتمي به .

أما بولس ، فما كان ليكف عن البكاء لأبتعاد أخيه الطاهر ، بل كان ليل نهار مع الأخوة يصلون ويضرعون إلى الله أن يعَرِفَهُم ماذا جرى لأخيه وأين يسكن . بعد زمن طويل عرف سكان قردو كلهم بأمر الطوباوي جبرائيل وأنتشر خبر العجائب والأشفية التي أجراها الرب على يده لكثيرين فبلغ خبره خبره أيضاً إلى أخيه العجيب بولس ، فأخذ رسالة الطلب من جماعة الأخوة الذين في هذا الدير ومضى إليه ليعيده . وصل إلى موضع أقامته ، ولما بلغه وتبادلا القبلة وبكيا كأخوين حبيبين ، أعطاه بولس رسالة الجمعية ، فقرأها جبرائيل فلم يقرر الذهاب أو عدم الذهاب لأخيه ، بل فوض الأمر كله إلى الله ، فقام كليهما بالصلاة في الليل كله ليعرفهم الرب إرادته ، وفي الليلة الثالثة ، وقد أعيا السهر بولس فأستسلم إلى الكرى ، ظهر ملاك الرب للأنبا جبرائيل وجهاً لوجه وهو يوعز إليه بالعودة مع أخيه قائلاً له : إن هذه هي إرادة الرب لأنك موضوع لفائدة كثيرين في تلك البلاد . في الصباح الباكر قام ورجع مع أخيه ، وكان بولس فرحاً مبتهجاً يمجد الله على عودة أخيه القديس . وهكذا بقوة المسيح التي كانت ترافقهما عادا إلى هذه البلاد .

الى اللقاء في الجزء الثاني 

 

ملاحظة : سننشر لاحقاً سيرة حياة قديسين كثيرين عاشوا على أرض مابين النهرين في القرون العشرة الأولى بعد الميلاد ، مع محبتنا وتقديرنا للجميع .

 

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!