مقالات

عرض موجز لكتاب ( أثريات الانتلجنسيا : الموروث التقليدي لدى المثقف العضوي – (الهجنة الايديولوجية) أنموذجا-)

إن الفكرة المركزية التي يتمحور حولها موضوع هذه الدراسة تقوم على افتراض ؛ إن ما يسمى (بالمثقف العضوي) في المجتمعات التي من النمط المتخلف القابل للتصدع والتشظي ، لا يمتلك – بالضرورة – شهادة حسن سلوك تبرؤه من اتهام حيازة (الوعي التقليدي) ، كما ولا تجيز له التمتع بالحصانة أو المناعة ضد ما أميل الى تسميته (الهجنة الإيديولوجية) ، وبالتالي لا تعفيه من نيل حصته من النقد المعرفي والتعرية السلوكية . ولهذا فهو لا يختلف عن نظيره (المثقف التقليدي) من حيث (نوعية) الوعي الذي يضمره وإنما (بمقدار) ذلك الوعي ، حيث إن كليهما ينتميان لنسق سوسيو- ثقافي واحد ، ويمتحان من نسغ قيم وتصورات مشتركة ، ويحتكمان إلى تراث وتاريخ وحضارة مشتركة ، وهو الأمر الذي يفسّر لنا شيوع مظاهر (الازدواجية) في المواقف و(التناقض) في السلوكيات ، التي غالبا”ما يقع ضحيتها المثقفين (العضويين) أنفسهم دون أن يفطنوا / يشعروا بذلك . وإذا ما أشرنا – في بعض الأحيان – إلى وجود فارق (ايجابي) بدرجة (الهجنة) الإيديولوجية وبمستوى استبطانها من لدن المثقف (العضوي) ، فلأن ظروف معينة سمحت له بحيازة بعض المزايا الاعتبارية / النوعية مقارنة بنظيره (التقليدي) ؛ منها ، على سبيل المثال لا الحصر ، انفتاح فكري أكثر مرونة على أفكار الآخر ، وأفق ثقافي أوسع مدى لاستيعاب ثقافات المختلف ، ورصيد معرفي أكثر غنى لتقبل معارف المغاير .
وهكذا فقد قادتنا هذه الاستقراءات والاستنتاجات إلى ضرورة التمهل في إطلاق النعوت المزاجية وإزجاء الأوصاف العشوائية ، والتريث من ثم في صياغة الأحكام القطعية والضوابط الجزافية ، إزاء تحديد طبيعة الشرائح (المثقفة) وبيان أصولها السوسيولوجية / الطبقية ، وإظهار خصائصها الابستمولوجية / المعرفية ، والكشف عن اتجاهاتها الإيديولوجية / الفكرية ، وإماطة اللثام عن مضمراتها السيكولوجية / الأخلاقية . لاسيما ما يتعلق بمسائل تصنيف أنماطهم وتوصيف أنواعهم ما بين (عضوي) و(تقليدي) بالمعنى الغرامشي الكلاسيكي ، والتي أصبحت من أبرز معايير التصنيف والتوصيف الرائجة في دراسة النخب / الصفوات الثقافية في العالمين الغربي والشرقي على حدّ سواء . ولعل ما يعطي لهذا التصنيف أهميته وضرورته في نفس الآن ، ليس فقط كونه يقلص من هامش الغموض والالتباس الذي يحيط بماهية هذا الفاعل فحسب ، وإنما لأنه الأنسب علميا”والأجدى منهجيا”بالنسبة لمجتمعات بلدان العالم الثالث / المتخلفة ، التي كانت – ولا تزال – تعاني من ضروب (نكوص) و(ارتداد) نخبها الثقافية إلى مضارب مواريثها التاريخية والاجتماعية والثقافية ، على حساب ولائها الوطني وانتمائها الجمعي وارتباطها التاريخي واندماجها الحضاري ، كلما شعرت إن هناك أزمة / عاصفة تلوح في الأفق السياسي ، بصرف النظر – طبعا”- عن مستويات تحصيلها العلمي / الأكاديمي ، أو إمكانات خزينها المعرفي / الثقافي . لا بل أنها تتصرف – في بعض الأحيان – بشكل يثير السخط والاستهجان ، إزاء ضروب التعصب لجماعاتها الانثروبولوجية والتطرف لفكرياتها الأصولية .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!