مقالات

القائد مالك عقار في صورة مأخوذة من البوم التاريخ وتجربة غرب

القائد/ مالك عقار في صورة مأخوذة من البوم التاريخ وتجربة غرب الإستوائية:

نعود الآن بعجلة الزمان إلي الوراء كثيرًا، ونقف لحظات عند العام 1995م فنطالع سطورًا نيرة من صحائف التاريخ الوطني فيها ما سطره القائد مالك عقار آنذاك من تجارب سياسية ثرة؛ منها إدارة منطقة خضراء ”غرب الإستوائية“ التي ظلت شاهدة علي تاريخ مقاومة ممتدة وثرية وحالمة بميلاد السودان الجديد، وشعب تلك البقعة ما زال يذكر إسم الرفيق مالك عقار، والمرء يبقى في نفوس الآخرين بعمله، وقد سرد لرفاقه أجزاء من تلك القصص في بعض الجلسات الحِوارية الشيقة التي يستذكر فيها ماضٍ كفاح إجتاز الـ(40) عامًا في جنوب وشمال السودان، وفتح ذلك أمامه وإيانا آفاق للتعامل مع قضايا الوطن؛ وهذه صورة من خلفها حكاياته الطويلة؛ رفيقًا وحاكمًا أثقلته التجربة في أرض غرب الإستوائية بجنوب السودان، واللمحة التاريخية التي نحن بصدد إستبصارها الآن هي عبارة عن نافذة نفتح عبرها الأذهان والآذان تأملًا وتبصرًا وحوارًا رفاقيًا للإستفادة من تجربة عاشها جيل من المناضليين الذين ساروا علي طرقات الكفاح الثوري التحرري فتعلموا فنون الحكم والإدارة وصاروا حُكماء العصر.

تعلمنا من تجاربنا الضئيلة في صفوف الحركة الشعبية منذ العام 2005م وبين قادة التنظيمات السياسية الوطنية الذين سبقونا ومما طالعناه في بعض الكتب السياسية الواقعية منها؛ مثّلما خطهُ هارولد ج.لاسكي في كتابهِ ”الدولة نظريًا وعمليًا“ والمنشور بواسطة مؤسسة هنداوي، وكتاب ستيفين ديلو – تيموثي ديل ”التفكير السياسي والنظرية السياسية والمجتمع المدني“ والذي تمت ترجمته وتقديمه بقلم ربيع وهبه ونُشِر بواسطة المركز القومي للترجمة، ومقالات المفكر السوداني د.منصور خالد، ونربط ذلك بالنظريات الإقتصادية لأكينوومي أديسينا رئيس البنك الافريقي للتنمية وغيرها من الأفكار التي نستنتج منها حقيقة أن تعدد الألوان هو ما يُعطينا الطعم الأمثل للأشياء من حولنا، وأيضًا التخطيط الجيد شريان التنمية، وعمليًا مهما إختلفت التعاريف لمصطلح السياسة مع إختلاف المناهج التقليدية والحديثة وكذلك المناخات التي تمارس فيها علي سطح هذا الكوكب الشاسع؛ فان الحقيقة الموضوعية والراجحة فيها أنها مدارس مختلفة التوجهات بيد أنها تعتمد علي تعلم السياسيين أنفسهم المهارات والآداب والقييم الوطنية مع الأخذ بتجارب الآخرين لتثقلهم وتمكنهم من التعامل مع قضايا بلدانهم ومشاغل شعوبهم والتموضع الصحيح علي مواقع الإستنارة بما يقوي مهارة التعبيير عن المصالح العليا والدنيا للوطن والمواطن.

تعلمنا أيضًا من القائد الملهم مالك عقار، ومن واقع تجربته الطويلة تلك أن زوال السلطة يكون حين لا يدرك الحاكم كيف يحفظ كرامة الشعب ومصالح البلاد، وأن بناء الدولة وقيادة المجتمعات يحتاج للحكمة والتخطيط السليم لتحقيق رغبة العطاء لوجه الوطن، والمحافظة علي العلاقة التشاركية والقائمة علي الحقوق والواجبات بين الشعب والدولة طبقًا ما يقره الدستور والقانون، وليس كما حدث في عهد النشطاء الذين ترجموا ”قلة الخِبرة والحيلة وضيق الأفق السياسي“ في ممارسة السياسة والحكم؛ فلم تقوم أعمدة سلطتهم علي أرضية صلبة يعلوها صوت القانون والمؤسسية، وإدارة التنوع عند الحاكم هي ”مربط الفرس“، وعلينا التخطيط السليم لغرس أيّ بذور سياسية علي الأرض التي نعمل فيها، فاذا كانت بذورنا محصنة والأرض خصبة سوف نضمن جودة المحصول حتما ونقيض ذلك هو الخسران، وأيّ عمل لم تسبقه خطط محكمة سيكون مصيره الفشل كما هو حال المتخبطيين الآن علي المسرح السياسي؛ وهنا يكمن الفرق بين من يفعلون ما يأمرهم به طائر الخيال أو طاعة أوهام غيرهم كيما يكسبوا ما في خزائنه ومن يفعلون ما يؤمنون به من أجل كسب راحة الضمير ومحبة وتعاطف الشعب فقط لا غير، وليحكم القارئ هنا أيا من الفريقيين يكسب أو يخسر في نهاية المطاف.

أعتقد أن السياسة عملية تفاعلية منظمة ومقيدة بأداب وقييم كثيرة لا يمكن أن يتخطاها شخص، وتجري بين السياسيين بمختلف واجهاتهم ومشاربهم وشعوبهم بتنوعها ثقافيًا ولونيًا وبطول وعرض الجغرافيا وتباين المزاج العام، ومع تطور العالم من حولنا أصبح السؤال المحوري دائرًا حول الحاجة إلي تجديد أفكارنا في ممارسة السياسة بنضج أكثر مما كان، ويتطلب الأمر ترقية الأدوات التحليلية لإستبصار إستشكالات المجتمع وطرح الحلول الآنية والمستقبلية لها وفقًا لرؤية سياسية ثاقبة ومثمرة تفيد الشعب قبل كل شيئ، ولكن الذين يمارسون السياسة علي أنها ”تجارة أو إسترزاق“ سيصنعون الفخاخ لغيرهم ويقعون فيها وحدهم؛ ثم لا يكسبون أيّ شيئ مما يصنعون، ولذلك يجب التفاعل إيجابيًا مع كافة القضايا، والإبتعاد كليًا عن المماحكات والصراعات الصفرية والأطروحات المبتورة والغير مفيدة للمجتمع والأوطان.

22 ابريل – 2024م

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!