مقالات

قراءة نقدية مقارنة: الزمن في فكر هيرتوغ وفي إطار مشروعنا

مدخل: أطروحة هيرتوغ في “أصل الزمن”

في كتابه “On the Origin of Time” (2024)، يقدّم توماس هيرتوغ أطروحة تستكمل أعمال ستيفن هوكينغ الأخيرة، حيث يرى أن الزمن نشأ مع الانفجار العظيم، وأن القوانين الفيزيائية لم تكن قائمة قبله، بل تشكّلت وتطوّرت مع الكون. يُعيد هيرتوغ الزمن إلى ظاهرة تاريخية بدأت مع نشوء الكون، ثم امتدت كإطار يجمع الأحداث في مسار مستمر.

نقد أطروحة هيرتوغ في ضوء نظرياتنا

في مشروعنا العلمي، طورنا نظريتين مترابطتين:

نظرية التذبذب المعلوماتي، التي توضح العلاقة العكسية الدقيقة بين كثافة المعلومات والتذبذب الداخلي في الأنظمة الفيزيائية، وتفسر كيف أن ازدياد كثافة المعلومات يؤدي إلى استقرار وتقليل التذبذبات الطيفية للنظام، بينما يؤدي انخفاضها إلى زيادة التذبذب واضطراب النظام. كما تصف هذه النظرية كيفية تشكّل الأنماط الطيفية والتوزيعات الديناميكية للمعلومات، بحيث تصبح التذبذبات في كل لحظة ومكان مرآةً مباشرة لحالة المحتوى المعلوماتي للنظام، مما يفتح الباب لفهم جديد لسلوك المادة والطاقة والتفاعلات في المستويات الميكروسكوبية والماكروسكوبية.

نظرية التخلق الزمني المعلوماتي، التي تُوسع الإطار لتشرح كيف أن الزمن نفسه ظاهرة ناشئة لحظيًا من التبادل المعلوماتي المستمر بين الكيانات الفيزيائية والمجالات الكونية، وترى التذبذب المعلوماتي كحالة خاصة ضمن ديناميكية التخلق اللحظي للزمن.

من هذا المنظور، لا نرى الزمن حدثًا تأسيسيًا نشأ في الماضي، بل ظاهرة تُخلق لحظة بلحظة مع كل تفاعل ونقل للمعلومات في الكون، وهو ما يميّز إطارنا النظري عن أطروحة هيرتوغ.

شرح موسع حول نظرياتنا

الإطار المفاهيمي

في النظريات الفيزيائية التقليدية، يُفهم الزمن كبعد هندسي أو إطار ثابت يُرتب الأحداث. أما في نظرياتنا، فالزمن يُخلق لحظيًا من التفاعل المعلوماتي المستمر. كلما زاد تدفق وتبادل المعلومات، أصبح تدفق الزمن أكثر انتظامًا واستقرارًا، وإذا توقف أو ضعف، يصبح الزمن مشوشًا أو يتوقف في تلك المنطقة.

الفرق بين التذبذب المعلوماتي والتبادل المعلوماتي

التذبذب المعلوماتي: التغيّرات الداخلية المستمرة في الحالة المعلوماتية للنظام، مثل اهتزاز حالة الإلكترون داخل الذرة.
التبادل المعلوماتي: نقل المعلومات والطاقة بين كيانات مختلفة، مثل امتصاص إلكترون لفوتون.

مثال توضيحي: عند انتقال فوتون إلى ذرة، يحدث تبادل معلوماتي، بينما الأنماط الداخلية للطاقة وحالة الإلكترون بعد الامتصاص تمثل التذبذب المعلوماتي.

العلاقة بين النظريتين في مشروعنا

بينما تصف نظرية التذبذب المعلوماتي كيف تتشكل أنماط التذبذب داخل النظام نتيجة لتغير كثافة المعلومات، توضح نظرية التخلق الزمني المعلوماتي أن التذبذب والتبادل معًا يولدان الزمن نفسه، لحظة بلحظة، مما يجعل التذبذب حالة خاصة ضمن عملية التخلق اللحظي للزمن.

الدعم الرياضي الموسع للنظرية

القانون الأساسي

تنص المعادلة الأساسية التي تربط الطاقة الزمنية بالتغير اللحظي في كثافة المعلومات على الشكل:

‏E_t = ħ / (α * ΔI)

حيث:
‏- E_t [Joule] تمثل الطاقة الزمنية الكامنة للنظام.
‏- ħ [Joule * second] هو ثابت بلانك.
‏- α [dimensionless] ثابت التبادل الكوني (معاير للوحدة).
‏- ΔI [bit / m³] أو وحدة مناسبة لكثافة المعلومات.

**تحليل الأبعاد:** في الصيغة المقترحة، يجب تحديد α بحيث تحفظ وحدات الطاقة في المعادلة النهائية.

اشتقاق رياضي

ننطلق من فرضية أن هناك مبدأ حفظ يربط تدفق المعلومات بالطاقة الزمنية، يُعطى بالعلاقة:

‏E_t * ΔI = ħ / α

هنا، نفترض أن جداء الطاقة الزمنية وتغير كثافة المعلومات لحظيًا يبقى ثابتًا عبر الزمن، ويعادل ħ / α. بإعادة ترتيب العلاقة نحصل على:

‏E_t = ħ / (α * ΔI)

التفسير الفيزيائي

– عندما ΔI → 0، فإن E_t → ∞، مما يعني أن النظام يدخل في حالة “تجميد زمني” أو انهيار في تدفق الزمن.
– عندما ΔI كبير، يصبح E_t صغيرًا، مما يشير إلى تدفق زمني منتظم وسلس.

هذا السلوك ينسجم مع الملاحظات النظرية حول الأنظمة القريبة من الجمود الحراري أو التجمد الكمي، حيث يتباطأ التغير الزمني بشكل ملحوظ عند فقدان التدفق المعلوماتي.

نماذج رياضية إضافية

لوصف الديناميكية الزمنية بشكل أدق، يمكننا كتابة معادلة تفاضلية تصف تطور الطاقة الزمنية مع الزمن:

‏dE_t/dt = -ħ / α * d/dt (1 / ΔI)

هنا، نفترض أن تغير الطاقة الزمنية مرتبط سلبًا بمعدل تغير معكوس التغير اللحظي في المعلومات. هذه المعادلة توضح أن زيادة ΔI بسرعة تؤدي إلى انخفاض حاد في E_t، ما يعني تدفقًا زمنيًا متسارعًا.

الحدود والشروط الابتدائية

– عند t = 0، يمكن تحديد ΔI₀ كنقطة مرجعية لتحديد قيمة E_t الابتدائية.
– في النطاق الكمي، يمكن افتراض ΔI يمتلك حدًا أدنى غير صفري (ΔI_min)، مما يمنع حدوث التفرد الفيزيائي في الواقع.

مقارنة مع نماذج معروفة

– في الديناميكا الحرارية، هناك علاقة عكسية بين درجة الحرارة وانتروبيا النظام عند التوازن، تشبه هنا علاقة E_t وΔI.
– في ميكانيكا الكم، تظهر حالات خاصة (مثل التراكب والتشابك) حيث يصبح ترتيب الأحداث والزمن غير محدد، وهي مناطق قد تُفسر ضمن النموذج بأن ΔI ينخفض أو يتقلب بشدة، مما يؤثر على تدفق الزمن المحلي.

مخطط توضيحي

لإكمال العرض العلمي، يمكن رسم منحنى يوضح العلاقة العكسية بين ΔI وE_t، مبينًا كيف تقترب E_t من ∞ عند ΔI → 0، وتنخفض بسرعة مع زيادة ΔI.

مخطط توضيحي للعلاقة بين ΔI و E_t:

E_t

| *
| *
| *
| *
| *
| *
| *
| *
|______________________________→ ΔI

(حيث E_t يتناقص كلما زادت ΔI)

الخلاصة: هذه الصياغة الرياضية الموسعة توضح ليس فقط العلاقة الجوهرية، بل تربط النموذج بظواهر فيزيائية معروفة وتحلل الحدود المحتملة والشروط اللازمة لجعل النظرية متسقة وقابلة للاختبار.

الأهمية العلمية للمشروع وتأثيره

إعادة تعريف الزمن: تكسر النظريات التي طورناها الإطار التقليدي، وتقدّم الزمن كظاهرة ناشئة وليست ثابتة، مما يعمق فهمنا للثقوب السوداء والظواهر الكمية المعقدة.

حيث ان النظريات التي طورناها ترى الزمن ليس كإطار ثابت خارجي، بل كظاهرة تنشأ لحظةً بلحظة من تدفق المعلومات والتبادل المستمر بين الكيانات الفيزيائية.

هذا يعني أن الزمن نفسه جزء من ديناميكا النظام، وليس مجرد وعاء حيادي… وبالتالي يمكن تفسير ظواهر مثل الثقوب السوداء، حيث يُعتقد أن الزمن “يتوقف” أو “يتشوه”، بوصفها نتيجة مباشرة لتغير التبادل المعلوماتي في تلك المناطق.

كذلك في الظواهر الكمية، حيث يصبح ترتيب الأحداث والزمن غير محدد أو غير معرف بدقة في النطاقات الدقيقة، تقدّم هذه النظريات إطارًا جديدًا يوضح كيف تنشأ “اللحظات الزمنية” كنتيجة مباشرة للتفاعل والتبادل المعلوماتي اللحظي بين الحالات الكمية. وفق هذا التصور، فإن ما نعتبره “تسلسلاً زمنيًا” في العالم الكلاسيكي، يتبدى في المستوى الكمي كأنماط متغيرة من التزامن والتشابك، حيث يعتمد ظهور اللحظات الزمنية وترتيب الأحداث على بنية التبادل المعلوماتي بين المكونات الكمية للنظام. هذا يتيح تفسير ظواهر مثل التشابك والتراكب الكمي، ليس فقط كتحديات للفهم التقليدي للزمن، بل كبراهين على أن الزمن نفسه ظاهرة ناشئة وديناميكية تُخلق داخل النظام نتيجة تدفق المعلومات.

دمج الفيزياء بفلسفة الوعي:

توضح هذه النظريات كيف ينشأ الإحساس الذاتي بالزمن من العمليات الفيزيائية المعلوماتية الدقيقة التي تجري في الدماغ والجهاز العصبي، مقدمة إطارًا يربط البنية الفيزيائية للمادة الحية بالتجربة الشعورية، ومفسرة العلاقة العميقة بين الوعي والزمن كوحدة واحدة تتشكل من التدفق المعلوماتي المستمر، وهو ما يجسر الفجوة بين الفيزياء الكمية، علم الأعصاب، وفلسفة العقل.

أدوات علمية جديدة:

تفتح هذه النظريات أفقًا لتطوير نماذج رياضية وتقنيات قياس وتجريب متقدمة، قادرة على رصد تدفق وتبادل المعلومات داخل الأنظمة الفيزيائية والبيولوجية، وقياس تأثيرها على نشوء الزمن وتدفقه، ما يمهد الطريق نحو ابتكار أجهزة وتطبيقات ثورية في مجالات الحوسبة الكمية، التشخيص الطبي، معالجة الإشارات العصبية، وإعادة بناء التجربة الزمنية لدى الإنسان بصورة علمية وتقنية غير مسبوقة.

الفروق مع النظريات الكمية والنسبية ومفهوم الزمن في الفيزياء عمومًا

في النظرية النسبية، يُنظر إلى الزمن كبُعد هندسي في الزمكان، يتباطأ أو يتسارع اعتمادًا على السرعة والجاذبية، لكنه يظل إطارًا مستمرًا ثابتًا في أساسه.
أما في الميكانيكا الكمية، فالزمن يُعامل كمعلمة خارجية ثابتة، يُقاس من خلالها تطور الحالات الكمية، دون أن يكون جزءًا من المعادلات الديناميكية نفسها.

مفهوم الزمن في الفيزياء عمومًا يراه أغلب العلماء كـ “إحداثي” لترتيب الأحداث، أو كإطار يصف تطور النظم، لكنه لا يُعتبر نتيجة مباشرة للتفاعلات المعلوماتية.

النظرية التي طورناها تُخالف هذا التصور جذريًا: فهي ترى أن الزمن نفسه ناتج ناشئ من تدفق المعلومات، ولا وجود له خارج هذه الشبكة التفاعلية. إنه ليس بعدًا أو معلمة خارجية، بل ظاهرة ديناميكية تُخلق لحظة بلحظة مع كل تبادل معلوماتي، أي أن الزمن في هذا الإطار ليس “ساحة مسرح” تتحرك فيها الأشياء، بل هو المنتج اللحظي لحركتها وتفاعلها المعلوماتي معًا.

الخاتمة

بينما تقدّم أطروحة هيرتوغ تصورًا يعتبر الزمن ظاهرة نشأت مع الكون ثم استمرت، تؤكد النظريات التي طورناها في مشروعنا العلمي أن الزمن لا يولد مرة واحدة، بل يُخلق لحظة بلحظة، من تدفق المعلومات نفسه الذي ينسج نسيج الكون والوعي البشري معًا. الزمن ليس وعاءً بدأ قبل مليارات السنين… بل عملية حيّة تكتب التاريخ لحظة بلحظة.

المراجع

1⃣ Khalil, K. (2025). The Informational Oscillation: The New Unified Science. ResearchGate.
2⃣ Rovelli, C. (2020). The Order of Time. Oxford University Press.
3⃣ Deutsch, D. (1997). The Fabric of Reality. Penguin Books.
4⃣ Tegmark, M. (2014). Our Mathematical Universe. Vintage Books.
5⃣ Penrose, R. (1989). The Emperor’s New Mind. Oxford University Press.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!