آراء متنوعة

اسلمة المجتمع

د انوار الخزرجي
كاتبة واكاديمية

مَثْلّ دخول العراق للكويت علامة فارقة في تاريخ البلد من جميع النواحي.
كانت الدولة تحكم رقابتها على استيراد وتوزيع الكتب وخاصة الدينية، في حين تعطي الحكومة الكويتية حيزا من الحريات الفكرية.
في حملة نقل كل ما في الكويت إلى العراق، سواء كان ذلك عن طريق الدولة أو الأفراد، كانت المكتبات بما فيها جزءا من تلك المنقولات، فدخلت إلى القطر كتب الاخوان بتوجهاتهم والسلفية بتوجهاتهم كافة، يضاف إلى ذلك المد الشيعي القادم من إيران مع احداث شعبان ١٩٩١م، ليطبق على الحكومة التوجيهات والأفكار الإسلامية من جميع الاتجاهات والتوجهات، ما دعى الحكومة لاطلاق حملتها الايمانية تزامنا مع ذلك، ليصبح الفكر الديني هو السائد بعد أن كان العراق دولة مدنية.

وفقا لذلك، بدأت تختلف الكثير من العادات، فازدادت نسبة الحجاب بين الفتيات والنساء، وأطلق الشباب اللحى على وجل، إذ كان اطلاقها ممنوعا رسميا، ورويدا رويدا بدأت العادات المجتمعية والاخلاقيات تتأطر وفقا للفكر الديني، فبدأ الفصل بين الذكور والاناث في اعمار مبكرة وشمل ذلك حتى المدارس، التي افتتحت حينها، في حين كانت طفولتنا بريئة، يختلط فيها الأطفال من الحيران أو ذوي القربى مع بعض.

توسعت هذه الظاهرة، حيث عانيت منها كتدريسية، أصبحت بعد الاحتلال أجد قبالتي صفا من الذكور على جهة وصفا من الاناث في جهة أخرى..
بل شمل ذلك التدريسيين، فبعد أن كنا في المؤتمرات نتناول وجبات الطعام سوية، أصبح النساء يعزل لهن مكان خاص وطعام غالبا بسيط لا يرقى لما يقدم على الموائد العامرة التي يحضرها المسؤولين، فكنت شخصيا أرفض الطعام أو اجلس مع المسؤولين احتراما لتقاليد الجامعة. ذلك ما حدا بي يوما أن أقول لأحد المسؤولين بعد أن فصل جلوس الرجال عن النساء في الكلية اننا في جامعة ولسنا في جامع.
لا اعترض هنا على الشريعة ، وإنما على آليات التطبيق المتشددة والتي غزت المجتمع بعد الاحتلال بصورة اكثر وضوحا مع صعود الاحزاب الاسلامية لسدة الحكم.

وعلى العموم، فبعد أن كانت العائلات البغدادية تتزاور كعوائل، أصبح لابد من فصل مكان للنساء عن مكان جلوس الرجال، وبعد أن كانت علاقات الزمالة الجامعية والوظيفية محكومة بالعرف الاجتماعي المدني، تمت أسلمت تلك العادات لتعزل النساء عن الرجال في أغلب الاماكن، حتى اني امتعضت من وضعي وانا تدريسية محاضرة في الجامعة المستنصرية، مع شابات صغيرات محاضرات، لأنها غرفة التدربسيات، مع الإشارة إلى أن رئيس القسم كان مسيحيا .

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!