آراء متنوعة

الولاية الثانية للرئيس

الولاية الثانية للرئيس

الحديث عن الواقع العراقي لا يدعو إلى الغرابة؛ فهو مشهد حي اعتدنا رؤيته منذ أكثر من عشرين عاما، في تكرار لا يحمل أي جديد سوى قضاء وقت مستقطع من أعمار العراقيين.

بيدق في لعبة يلعبها الكبار
يتفهّم العراقيون الطموح السياسي لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بولاية ثانية، فهي “سُنّة” اعتاد عليها الرؤساء في العراق بعد عام 2003، أو “عُرف” تعوّدت عليه المنظومة السياسية الحاكمة في التمسك بالسلطة حتى لو تخلّى أحدهم عن بنيه والقبيلة التي تُؤويه.

سَرديّة السلطة والحلم بالبقاء في الحكم تتكرر منذ حكومة إبراهيم الجعفري أول حكومة انتقالية بعد عام 2005، في استنساخ تجربة من سبقهم من النظام السابق في مفارقة مضحكة تخبرنا بها أدبياتهم التي قامت على أنقاض ذلك النظام، إن الديمقراطية هي أساس الحكم وإن شرعية الحاكم تُكتسب من خلال رضا الشارع وصناديق الانتخابات، لكن الواقع يعكس صورة مشوهة لمنظومة غير مستعدة للتخلي عن أدوات السلطة ومقتنياتها بالرغم من اعتراف الكثير من رموزها بالفشل وضرورة إفساح المجال أمام الآخرين لأخذ أدوارهم في العملية السياسية.

ومع قرب مواسم التحشيد الانتخابي يتداول مقربون من دائرة السلطة سيناريو الولاية الثانية للسوداني والرهان على ورقة قد تكون رابحة في مزاجهم السياسي وهي هوية السوداني الذي يُعتبر أول رئيس وزراء عراقي تسلّم زمام السلطة من الداخل العراقي، حين عاش سنوات الحروب والحصار الاقتصادي الذي فرضته الولايات المتحدة على الشعب العراقي، لكن الرئيس تخدعه وعود وعهود قادة الإطار التنسيقي؛ فهو بالنسبة إليهم مجرد بيدق في لعبة يلعبها اللاعبون في ترشيح أو توريط الآخرين بمسك زمام رئاسة الوزراء والتخلص من عقدة تشكيل الحكومة ومن ضغوط الفاعل الخارجي أو حتى لإرضائه، وما إن تنتهي الصلاحية ومفعولها حتى تبدأ محاولات التخلص من البيدق والبحث عن بديل، لا تستغرب فتلك هي “سُنّة النظام السياسي في العراق” المتوتر الذي لا يستقر.

◄ الواقع يعكس صورة مشوهة لمنظومة غير مستعدة للتخلي عن أدوات السلطة ومقتنياتها بالرغم من اعتراف الكثير من رموزها بالفشل وضرورة إفساح المجال أمام الآخرين لأخذ أدوارهم في العملية السياسية

قالها نوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق لولايتين وصاحب مقولة “ما ننطيها” والساعي لولاية ثالثة وأحد زعامات الإطار التنسيقي، بأنه يتوجب على السوداني تقديم استقالته قبل فترة لا تقل عن ستة أشهر إذا أراد الدخول في السباق الانتخابي.

المالكي لفت إلى أن بناء جسر أو شارع لا يؤهل رئيس الوزراء لولاية ثانية في تلميح للسوداني.

مشروع الانتخابات المبكرة الذي يحاولون لملمة شتاته وإقراره للتنفيذ بداية العام القادم قد يكون إحدى خطوات الرافضين لولاية ثانية للسوداني.

هي دورة الحياة السياسية في العراق، فوظيفة رئيس الوزراء بالمحصلة هي مزاج سياسي تتحكم به خيوط خارجية وداخلية في تقرير مصائر العراقيين لا يُعلم متى تتوقف.

بالمقابل يسعى الراغب في ولاية ثانية إلى تقديم التنازلات وتجاوز الخطوط الحمراء التي كان سلفه يُنتقد بسببها، فلا عجب أن يزور السوداني واشنطن للترويج لولاية ثانية كما فعل السابقون، ولا غرابة في وجود فكرة من حكومة الإطار التنسيقي لإنشاء مجمع للبتروكيماويات والمصافي في العين السّخنة بمصر لتشغيل الشباب المصري العاطل عن العمل فيما تبلغ نسبة البطالة في العراق أكثر من 30 في المئة، وقد يكون الوعد قريبًا في تشغيل أنبوب البصرة – العقبة النفطي الذي كانت حكومة الإطار التنسيقي تعارضه في عهد حكومة مصطفى الكاظمي بل وتتهم المخطط لتنفيذه بالخيانة على اعتبار وصول النفط العراقي إلى مخازن إس*رائي*ل. يحدث ذلك وأكثر من أجل عيون الولاية الثانية.

الإعلان عن تأسيس التيار الوطني الشيعي الذي يقوده مقتدى الصدر له دلالات ومعان تفسرها اللحظة الحاسمة التي بدأت فيها العملية السياسية تحدد مصير المتحكمين بخيوط السلطة، فالوقت أصبح مهمّا لتسجيل أهداف سياسية تستفيد منها الكتل والأحزاب مبكرا ومن أجل سبق انتخابي، والواقع السياسي بدأت تلوح في أفقه أحداث ومتغيرات قد تقلب موازين القوى أو تحدث مفاجآت، فشعار التيار الوطني الشيعي الذي بدأ يتردد صداه في أروقة السياسة وحتى في الشارع للتخندق الانتخابي القادم ضمن محاولات عودة التيار الصدري والمشاركة في الانتخابات القادمة تحت هذا العنوان، ما يعني عودة مبدأ الأغلبية السياسية التي أصرّ عليها مقتدى الصدر ورفضها الإطار التنسيقي، وسالت من أجل ذلك الرفض دماء كثيرة على أرصفة الشوارع، وتحولت المنطقة الخضراء إلى ساحة حرب بين جيش الأغلبية السياسية والتوافقية.

الحديث عن الواقع العراقي لا يدعو إلى الغرابة، فهو مشهد حي اعتدنا رؤيته منذ أكثر من عشرين عاما، في تكرار ممل لا يحمل أي جديد سوى قضاء وقت مستقطع من أعمار العراقيين في الانتظار وحياة بائسة.

سمير داود حنوش
كاتب عراقي

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!