آراء متنوعة

المتقاعد والجيل الجديد

دنيا الحيالي

لكل نهاية بداية جديدة، وما بين شخص يتقاعد وآخر يُقبل على حياة وظيفية وبداية اكتساب خبراتٍ جديدة ينشأ الصراع بين الجيل القديم والجديد بذريعة أن القديم يمتلك خبرات قديمة علمية وحياتية تؤهله لسحب البساط من الجيل الجديد في ميدان العمل في القطاع الخاص، ولعل لاضمحلال وعينا بالمفاهيم الدينية واستغناء الغالبية من الناس عن الإطلاع على الثقافة الدينية التي تعزز الأخلاق ومبادئ العمل في المجتمعات كان أحد أسباب ذلك الصراع، فلماذا لا نطلع أو نقرأ حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حينما حذرنا ونهانا عن المساس بحقوق الغير وتقديم مصلحتنا الشخصية على مصلحة الآخرين بقوله:
“المسلم أخو المسلم, فلا يحل له أن يبتاع على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه” . رواه مسلم.
إن هذا الحديث لا يُفهم منه فقط حرمانية الخطبة أو الزواج من فتاة على ذمة رجل آخر وتحريضها على ترك خطيبها أو زوجها لغرض التقدم إليها، فهذا الأمر محرم وليس من أخلاق الإسلام والمسلمين في شيء ؛ ولكن يُفهم منه أيضاً عدم التقدم إلى صفقة أو بيعة قد تمَّ الاتفاق عليها مسبقاً واخذها مِن يد مَن سعى إليها أولاً وفاز بها، هذا الأمر في غاية الأهمية في مجال اخلاقيات العمل شرعه الإسلام لضمان حقوق الغير، وكذلك يلفت انتباهنا في هذا المجال أيضاً التقدم للعمل في القطاع الخاص/الأهلي حينما يأتي المتقاعد وعلى الرغم من وضعه المادي الجيد وامتلاكه راتباً تقاعدياً إلا أن عينه تطمع بمكانة ذلك المقبل على الحياة الوظيفية الجديدة، ويسحب بساط العمل من تحت قدميه، على الرغم من معرفته مسبقاً بحصول ذلك الشخص على هذه الوظيفة، طيب هل هذا التصرف يقع تحت خانة الشطارة والخبرات؟! إن هذا التصرف غير مقبول شرعاً ومحرم وذلك بنص الحديث الشريف المذكور أعلاه، فمن قلة الذوق وقلة الأدب أن تنافس شخص في بداية حياته على لقمة عيشه- يطلب اللقمة الحلال- وتأخذ مكانه بداعي امتلاكك خبرة مسبقة، أيُّ خبرةٍ هذه التي جعلتْ نفسك تدنو على رزق غيرك، ولم ترفع من مستواك الأخلاقي ؟! عندما تعلم أن هذا المكان جُهِز مسبقاً لغيرك وسيُباشر عمله في تاريخٍ معين، اتركه وابحث عن عملٍ آخر لتحصل على رزق يُرضي الله ورسوله، وأما أن تُخبب صاحب العمل على موظفيه الذين لم يحن وقت مباشرتهم بعد، وتسحب البساط من تحت اقدامهم فهذا الأمر لا يفعله صاحب خبرة حياتية وعلمية بل صاحب خبرة شيطانية عديمة الضمير، ولم يتحلى بأخلاقيات المهنة والخبرة العلمية والمهنية التي يدعيها صاحبها… أين أخلاق الإسلام من هذا كله؟! ، أين الالتزام بالسُنة النبوية الشريفة؟! ما هو موقفك لو فُعل بك ما فعلته أنتَ بأخيك المسلم؟! لماذا لا تضع نفسك مكانه ولو لبرهة من الوقت، لعلك سحبتَ العمل من يد محتاج إليه؟! وأين عقل صاحب العمل من توظيف هكذا شخصيات دنت أنفسهم على مكانة غيرهم، وتركه لمن هم في طليعة حياتهم وقمة نشاطهم العملي، لعلهم يبدعون فيه أكثر من ذاك الذي لم يرغب في التنازل عن رفاهية العيش!. نحن في عصرٍ مع جُل احترامي أصبح فيه الإنسان كلباً للمادة وعبداً لها حتى جردته من أخلاقيات دينه الذي أصبح صفة مكتوبة فقط على الهوية مجردة منها الشخصية…!

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!