مقالات سياسية

لغز مقترح «ح*ما*س»

تغير مفاجئ في الخريطة السياسية للمشهد المتأزم في قطاع غ*ز*ة، طرأ خلال الأيام الأخيرة، عندما خرج خليل الحية، القيادي في حركة ح*ما*س، بتصريحات أكد خلالها استعداد الحركة لإلقاء السلاح والاتجاه للعمل السياسي، شريطة أن يتم الإعلان عن قيام دولة فلسطين، ولكن تكمن الأزمة في أن إس*رائي*ل لن تقبل بقيام الدولة ا*لفلس*طينية تحت أى ظرف، باعتبار أن ذلك يضر أمنها القومي، وعلى الجانب الآخر، لن تقبل باقى فصائل المقاومة بإلقاء سلاحها.

وتعكس التصريحات الصادرة عن أحد قادة ح*ما*س، وجود اختلاف داخل الحركة، وأن التصريحات غير متفق عليها لأنه بعد التضحيات التى قدمها ويقدمها الشعب الفلسطيني فى قطاع غ*ز*ة يقتضى الأمر أن يكون هناك إجماع على التصريحات التى تصدر، بالإضافة إلى أن قادة إس*رائي*ل لن يقبلوا بقيام الدولة ا*لفلس*طينية لأن الحقيقة الواضحة والثابتة لكل قادة إس*رائي*ل، وليس نتنياهو فقط، أن قيام دولة فلسطينية غير وارد فى حساباتهم، وهى فكرة مستبعدة لديهم، وهذا الأمر مرتبط برد الفعل الدولي والإقليمي.

وإذا نظرنا إلى التصريحات الصادرة عن ح*ما*س، بإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غ*ز*ة، وعودة الفلسطينيين، هى مطالبات مشروعة، لكن الاستراتيجية الإ*سر*ائي*لية ترفض الأمر بدعوى حماية أمن إس*رائي*ل، فلم تكن تصريحات القيادى الحمساوي بشأن إمكانية إلقاء الحركة سلاحها والتحول إلى العمل السياسي، حال إقامة الدولة ا*لفلس*طينية ليست الأولى بل كانت هناك تصريحات عديدة سابقة في هذا السياق.

ويمكن وصف التصريحات بأنها من باب الدبلوماسية السياسية لحركة ح*ما*س، لأن قناعة المقاومة حتى لو بنيت دولة فلسطينية، فلابد أن يكون لها جيش أو شرطة تحميها، حتى لا تصبح فريسة سهلة لغيرها، بالإضافة إلى أن قيادات المقاومة الآخرى مثل الجهاد الإسلامى وغيرها من الحركات الأخرى، ترفض هذا الطرح وترى أن الدولة ا*لفلس*طينية لابد أن يكون لها سلاح تدافع به عن نفسها، خصوصًا وأن دولة الاحتلال لا تحترم تعهداتها والدليل على ذلك مسلسل العدوان الإ*سر*ائي*لي المستمر، دون احترام أى اتفاقيات أو عهود، وخير مثال اتفاقية أوسلو التى وقعها الرئيس الراحل ياسر عرفات.

والأمر فى مجمله يأتي في إطار خطاب سياسي يمكن البناء عليه فى حالة تنسيق المواقف، وهو خطاب سياسي مرتبط برفح والخط التصعيدي لإس*رائي*ل فى قطاع غ*ز*ة، ويعد مقترح نزع السلاح بمثابة تحول كبير من جانب ح*ما*س، التي أكدت في أكثر من مناسبة أنها تسعى إلى تدمير إس*رائي*ل، لكن إس*رائي*ل التي تعهدت بالقضاء على ح*ما*س في أعقاب هجمات 7 أكتوبر، من غير المرجح أن تفكر في مثل هذا السيناريو.

وتعارض القيادة الإ*سر*ائي*لية الحالية بشدة إنشاء دولة فلسطينية، كما استخدمت الولايات المتحدة حق النقض في مجلس الأمن على مشروع قرار لقيام دولة فلسطينية، رغم دعواتها المستمرة إلى حل الدولتين، ولم تصدر «ح*ما*س» بيانًا رسميًا يحدد التنازلات التي روج لها مسؤولوها، وليس من الواضح ما إذا كانت التصريحات التي أدلى بها مسؤولوها في الخارج تعكس تفكير جناحها العسكري على الأرض. لقد فشلت إس*رائي*ل حتى الآن في تحقيق هدفها المعلن المتمثل في القضاء على ح*ما*س من قطاع غ*ز*ة، مع عدم أسر أو ق*ت*ل أي من كبار قادة الحركة، لكنها قلصت بشكل كبير قدراتها العسكرية وقدرتها على الحكم هناك مع خروج حملة القصف من القطاع.

ومن قراءة المشهد، وما أدلت به ح*ما*س، عبر أحد قيادتها يثير التساؤلات، حول أسباب لجوء ح*ما*س لهجوم 7 أكتوبر، غير المدروس والذي دفع ثمنه الآلاف من الشهداء الجرحى، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية للقطاع بشكل شبه كامل، رغم علم الحركة جيدًا بأن إس*رائي*ل لم تصمت أمام هذا الهجوم، وهو بالفعل ما استغلته دولة الاحتلال، لإغلاق ملف القضية ا*لفلس*طينية، بتدمير قطاع غ*ز*ة بشكل كامل، وتهجير سكان القطاع إلى سيناء، وهو المخطط الذي تصدته له مصر، ورفضته العديد من الدول.

وإذا كانت ح*ما*س تناور بكارت إلقاء السلاح، للحفاظ على حكمها بقطاع غ*ز*ة، فهذا يعني أنها أقحمت أصحاب الأرض في حروب متتالية دون جدوى، وفي الحرب الجارية على القطاع، انفردت ح*ما*س بالقرار الخاص بهذه العملية، وهو ما أربك حسابات الفصائل ا*لفلس*طينية التي لم تتوقع أن تمتد الحرب الإ*سر*ائي*لية لستة أشهر، ولا تزال مستمرة في كافة مناطق القطاع، وهو الأمر الذي وضع قيادة ح*ما*س السياسية في حرج كبير، لعدم قدراتها على اجبار الجانب الإ*سر*ائي*لي بوقف الحرب على غ*ز*ة، رغم امتلاكها أقوى ورقة في المعادلة وهي ورقة «الأسرى الإ*سر*ائي*ليين»، بسبب تمسك حكومة بنيامين نتنياهو باستمرار العمليات العسكرية على عدة جبهات سواء الجنوبية مع غ*ز*ة أو الشمالية مع لبنان، ومحاولة التصدي لهجمات الحوثيين في منطقة البحر الأحمر.

وأحدث تفرد ح*ما*س بقرار التحرك العسكري، بعيدًا عن الفصائل ا*لفلس*طينية الأخرى، وتمسكها بشروطها في العملية التفاوضية، نوعًا من الغضب بين صفوف باقي الفصائل، التي كانت ترى ضرورة أن يكون هذا القرار بالتشاور وليس بشكل فردي من قيادة القسام، وهو ما كان سببًا في التوتر بين فتح وح*ما*س، وكذلك حالة الغضب المكبوت داخل قيادة الجهاد الإسلامي التي استنزفت قدراتها العسكرية بشكل كبير في حرب مايو 2023، وكذلك الحرب الأخيرة المستمرة حتى اللحظة.

وفقدت ح*ما*س السيطرة بشكل كبير على زمام الأمور في قطاع غ*ز*ة وبات ذلك واضحَا في محدودية العمليات التي ينفذها مقاتلي القسام، وكذلك ندرة الصواريخ التي تطلق على المستوطنات الإ*سر*ائي*لية، مع دفع فاتورة باهظة تتمثل في دماء المدنيين حيث استشهد أكثر من 32 ألف شخص وأًصيب 74 ألف آخرين، في واحد من أطول الحروب التي خاضتها إس*رائي*ل خلال العقود الماضية ضد فصائل مسلحة،
وتحاول «ح*ما*س» بشكل جدي التع-اط*ي بإيجابية مع المفاوضات التي تجري في الوقت الحالي، لوقف الحرب الإ*سر*ائي*لية على غ*ز*ة، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في القطاع بعد تدميره بشكل كامل وغموض المستقبل السياسي للحركة، التي ترفض تهميشها في أي عملية سياسية مستقبلية حول القضية ا*لفلس*طينية.

ويواجه قطاع غ*ز*ة المجهول حاليًا، في ظل مخططات غربية تسعى لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، وهو ما ترفضه الدول العربية وفي مقدمتهم مصر، التي حذرت من أي خطوات تستهدف تهجير الفلبسطينيين من غ*ز*ة أو الضفة الغربية، فضلا عن حالة الرفض التام لأي عملية عسكرية إ*سرائ*يل*ية في رفح ا*لفلس*طينية، ويحتاج الجانب الفلسطيني إلى توحيد صفوفه في أقرب وقت ممكن، ووقف الحروب الإعلامية والكلامية والاتفاق على رؤية وطنية فلسطينية مشتركة، للخروج من المأزق الحالي والتصدي لأي محاولات تهدف لتصفية القضية ا*لفلس*طينية، وإجهاض حل الدولتين.

وأساءت «ح*ما*س» التقدير وفشلت في تحقيق أي أهداف، وراهنت الحركة على قضيتين مختلفتين كجزء من إستراتيجيتها عندما توقعت أن تقوم المنظمات الإقليمية الأخرى المدعومة من إيران مثل ح*زب ال*له، بدور أكبر في الحرب مما فعلت، وكذلك الضغوط التي يمارسها المجتمع الدولي، ولم تكن ح*ما*س تتوقع بالضرورة أن تنتصر على الأرض بمفردها بسبب التفاوت الواضح، على الرغم من التحسينات واللوجستيات، بين قدراتها العسكرية وقدرات الجيش الإ*سر*ائي*لي.

مع ذلك، فقد كانت تتوقع أن يجر ح*زب ال*له وإيران إس*رائي*ل إلى حرب شاملة وبالتالي التلاعب بإس*رائي*ل لتقسيم قواتها واهتمامها على 3 جبهات رئيسية، في حين يتم تفجيرها أيضًا من قبل الميليشيات الصغيرة والوكلاء في العراق، وسوريا واليمن. وتكبدت «ح*ما*س» خسائر أكبر بكثير مما توقعت، واستمرت الحرب لصالح إس*رائي*ل عسكريًا دون انحراف كبير عن أي قوى أخرى، وتمكن الإ*سر*ائي*ليون من تعطيل هجمات مماثلة خططت لها خلايا مختلفة في الضفة الغربية.

المقترح الذي قدمه القيادي البارز في ح*ما*س، يكسر روتين المواقف السائدة من جانبها، إذ أن إعلان استعداد الحركة إلقاء السلاح، مقابل إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، يثير تساؤلات عن التغير الذي طرأ، وأبعاده وطبيعة التع-اط*ي الذي ستبديه الأطراف، بينما تستعد إس*رائي*ل لإطلاق عملية عسكرية في مدينة رفح جنوبي قطاع غ*ز*ة، لاستكمال حملتها التي تقول إنها تهدف إلى القضاء على ح*ما*س، ولم يصدر أي تعليق من الجانب الإ*سر*ائي*لي، كما لم تصدر تعليقات من السلطة ا*لفلس*طينية والأطراف التي تنشط على خط الوساطة، من أجل إيقاف الحرب المستمرة في غ*ز*ة منذ أكثر من 200 يوم.

ولم يتضح حتى الآن موقف إيران من المقترح الذي قدمه القيادي الحمساوي، فمن الممكن أن تسعى إيران لإفساد المقترح، لإنهاك القوة العسكرية لإس*رائي*ل، أو استغلاله بخلق بؤرة صراع جديدة في العراق أو اليمن أو سوريا لمواجهة إس*رائي*ل، حال سقوط ح*ما*س في غ*ز*ة.

ما يحدث في غ*ز*ة هو أمر غير مسبوق، ويدفع ثمنه الأبرياء، ويعكس التخبط في قرارات ح*ما*س، التي تغرد بمفردها خارج السرب، في محاولة للانفراد بالسلطة، وهو ما يعكس يعكس حجم الخلافات بين حركات المقاومة ا*لفلس*طينية، وبالتالي ما يحدث الآن هو نتاج لعدم الاتحاد لمواجهة العدو الإ*سر*ائي*لي، الذي استغل الصراع الداخلي للمقاومة، لمحاولة شق الصف، وتفتيت المقاومة حتى لا تمثل قوة تهدد أمن إس*رائي*ل.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!