1 – الإعلام بين واجب التنوير ومنصات التجهيل 2-بعض
1 – الإعلام بين واجب التنوير
ومنصات التجهيل
2-بعض القنوات والإعلام المأزوم: حين تتحول اللقاءات إلى ترويج للسطحية والطائفية
1-
الإعلام بين واجب التنوير
ومنصات التجهيل
بقلم حازم باجلان
في زمن طغت فيه الفوضى الإعلامية على قواعد المهنة، بات من المؤلم أن نرى كيف تتسابق بعض القنوات إلى استضافة من لا يملكون من أدوات التحليل سوى الشعارات، ومن الثقافة سوى الادعاء، ومن الحياد سوى الادعاء الزائف. ما يجري اليوم في كثير من المنصات الإعلامية هو استبدال الفكر بالعاطفة، والعقل بالدعاية، والتحليل بالتخندق الطائفي والعنصري.
ولأن لكل مرحلة خطابها، فإن بعض القنوات – بدلاً من أن ترتقي بمستوى الطرح – لجأت إلى تبني نوع من “الاستسهال الإعلامي”، فصار حضور المحلل أو الكاتب لا يُقاس بعمق رؤيته أو مصداقية معلوماته، بل بعدد المرات التي يستطيع فيها أن يستفز الرأي العام، أو يطلق الأحكام المعلّبة على خصومه، أو يرفع منسوب الخطاب الطائفي أو الشوفيني، وكأن الإعلام بات ساحة تصفية حسابات بدلاً من أن يكون مساحة للفهم والتقريب.
منابر لمن لا منبر له… ولكن لمن؟
لطالما قيل إن الإعلام يمنح صوتاً لمن لا صوت له. إلا أن الواقع المعكوس اليوم هو أنه يمنح المنبر لمن لا يستحق المنبر. أشخاص لا يُعرفون إلا بتغريداتهم المتطرفة، أو بمنشوراتهم المليئة بالتجييش والانحياز، يتم تقديمهم كمحللين استراتيجيين، أو كتاب رأي مؤثرين، وهم أبعد ما يكونون عن الفكر أو المنهج أو القراءة المتزنة.
بل الأخطر من ذلك، أن بعضهم باتوا “نجوماً إعلاميين”، تتكرر وجوههم في مختلف القنوات دون تمحيص، فقط لأنهم يجيدون اللعب على أوتار الطائفية، أو لأنهم يمثلون “وجهة نظر مطلوبة” ضمن سياسة التحرير التي باتت هي الأخرى أسيرة الانقسام والمواقف المسبقة.
نتائج هذا التدهور الإعلامي
هذه الظاهرة لم تمر مرور الكرام. فقد انعكست آثارها على وعي الجمهور الذي بات متخماً بخطابات الكراهية، ومرتبكاً أمام سيل التحليلات المتناقضة وغير العلمية. ولم يعد غريباً أن يتحول المتلقي إلى متعصب أيديولوجي أو طائفي، لا لأنه نشأ على ذلك، بل لأن من يفترض بهم أن يقدموا له الحقيقة، باتوا يلقنونه أحكاماً جاهزة.
الأكثر فداحة أن هذه “النماذج الإعلامية” باتت تمثل تهديدًا للأمن المعرفي، بل وحتى للوحدة الوطنية. فهي تُقسّم، وتُصنّف، وتُشيطن، وتُبرّئ، لا وفق معايير مهنية، بل بحسب الهويات والانتماءات. وهذا، في ظل واقع عربي مأزوم، لا يترك مجالًا كبيرًا للتصالح أو الحوار.
دعوة للتصحيح
إن الواجب الأخلاقي والوطني يحتم على المؤسسات الإعلامية أن تعيد النظر في أدائها، وأن تراجع سياساتها التحريرية، وألا تسمح بأن تتحول منصاتها إلى أبواق للتضليل أو منصات للتحريض. كما أن على الجمهور – وهو الطرف الأهم – أن يكون أكثر وعيًا، وألا يمنح ثقته إلا لمن يستحقها، وألا يخلط بين من يكتب من أجل الوطن، ومن يكتب باسم الطائفة أو المذهب أو العرق.
التحليل الحقيقي لا يُقاس بعلو الصوت، ولا بعدد مرات الظهور، بل بصدق النية، ونزاهة الموقف، ومتانة الحجة. وكل من تخلى عن هذه القيم لا يستحق لا صفة “محلل”، ولا لقب “كاتب”، بل هو مجرد راكب لموجة، سرعان ما تسقطه الحقيقة حين تحين ساعتها.أما الصوت
الوطني العاقل والمسؤول فله منا كل الأحترام والتقدير
2-
بعض القنوات والإعلام المأزوم: حين تتحول اللقاءات إلى ترويج للسطحية والطائفية
حازم باجلان
في خضمّ الأحداث المتسارعة التي تعصف بالمنطقة، ومع تصاعد الحاجة إلى تحليل موضوعي ومتزن يُعين المتلقي على فهم المشهد السياسي والاجتماعي، تتسابق بعض القنوات الفضائية ومنصات الإعلام إلى استضافة أشخاص يفتقرون إلى الحدّ الأدنى من العمق الفكري والنزاهة المعرفية. والسبب؟ فقط لأنهم “يتحدثون”، لا لأنهم يمتلكون رؤية، أو يقدمون طرحًا ناضجًا.
ما نشهده اليوم هو ترويج متعمد – أو ربما ناتج عن جهل مهني – لما يمكن تسميته بـ”التحليل الرخيص”، ذلك الذي يعتمد على الإثارة لا العمق، وعلى الشعارات لا الوقائع. فتجد بعض الكتّاب والمحللين المعروفين بانحيازاتهم الطائفية والعنصرية يُستضافون باستمرار، لا لتقديم قراءة عقلانية للأحداث، بل لتكرار خطاب مستهلك، مليء بالحقد والتشويه.
اللافت أن القنوات المعنية بذلك لا تتحرج في تكرار الوجوه ذاتها، رغم أن طرحها لا يتغير، وخطابها بعيد كل البعد عن المهنية أو النزاهة. هؤلاء – وما أكثرهم – ينطلقون من خلفيات ضيقة لا تمت بصلة للتحليل العلمي أو الموضوعي، ويكتفون بإطلاق الأحكام العامة، وتوزيع الوطنية والعمالة كما يحلو لهم، مستغلين المنبر الإعلامي كوسيلة لتصفية حسابات أيديولوجية أو شخصية.
والمؤسف أن هذه الممارسات لا تضر فقط بجمهور المتلقين الذي يبحث عن الحقيقة، بل تسيء أيضًا إلى صورة الإعلام العربي ومصداقيته. الإعلام الذي يُفترض به أن يكون رافعة للوعي، صار في كثير من حالاته مجرد مرآة لتفاهات بعض المتسلقين الذين وجدوا في الفوضى منصة للظهور.
إن ما نحتاجه اليوم ليس المزيد من الأصوات، بل المزيد من الأصوات العاقلة. ما نحتاجه ليس تعددية الوجوه على الشاشات، بل تعددية الفكر والتحليل المسؤول. ولعل على القنوات التي تحترم جمهورها أن تراجع معاييرها في اختيار الضيوف والمحللين، وأن تحرص على انتقاء من يحترم عقل المشاهد، لا من يستخفّ به.
فإلى كل من يقدّر دور الإعلام الحقيقي ندعوه إلى التمييز بين من يضيء عقولنا، ومن يحرّض عواطفنا. بين من يشرح الواقع، ومن يزوّره. وبين من ينتمي للإنسانية، ومن يحيا في أقبية الكراهية.
⸻
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.